" أتركيها ياعيزتي . قالت أمها : " سأغسلها أنا بعد ذلك".
لم تجب روزالي وإستمرت في تنظيف المائدة بينما دعا والداها ضيفهما ليتبعهما.
" سنتحدث في غرفة الدراسة , المكان الذي نعمل عادة فيه".
تباطأ الدكتور كرافورد لدقائق حيث قالت روزالي وهي تبتسم اليه بتحد:
" أن الإطراء يجديك نفعا يا طكتور كرافورد وخاصة إذا أنتصف بالزيف".
أجابها بهدوء:
" إذا كان ذلك هو الأسلوب الذي تعاملين به الراغبين أن يكونوا حلفاء لك , فسيكون غريبا وجود أي صديق عندك في هذا العالم ".
" أنني لا أحتاج الى حلفاء , لقد عشت بدون الحاجة اليهم منذ ولادتي حتى الآن , لقد تعلمت أن أمشي لوحدي".
" هل هذا صحيح؟". أصبحت عيناه أكثر صلابة الآن : " في هذه الحالة سأقول لك الحقيقة التي يبدو أنك تريدين معرفتها , أعتقد أن أختيارك للألوان أختيار وحشي".
قال وهو يخرج من الغرفة .
منتديات ليلاس
أمسكت شفتاها بالرد الشرير الذي كانت ستطلقه فتسمرت ! في أي حال إنه ضيف , ملأت أناء الغسيل بالماء الحار وبدأت العمل في تنظيف الصحون والأواني , وبينما كانت في منتصف إكمال عملها , ويداها تغوصان في فقاعات الصابون سمعت صوتا من خلفها , كان أدريان كرافورد يقف على الباب , نظر حول المطبخ وبدون أن ينبس ببنت شفة تناول منشفة وراح يجفف الصحون والأواني المغسولة.
" لا حاجة يا دكتور كرافورد فقد أعتدت أنا على ذلك".
" مثل ما قلت عندما عرضت أن أساعك , أنني لم أساعدك , لذا فلا يمكنك أن ترفضي".
عملا بصمت لفترة من الوقت , ثم بادر بالسؤال:
" لماذا تقومين أنت بكل هذا ؟ لقد سمعت أمك تقول أنها ستعمل ذلك بعدئذ".
" ذلك ما أعتادت أن تقول , أنها لن تعمله".
" ربما لأنك لم تمنحيها الفرصة للقيام به؟".
" أنني لا أعيش في أوهام يا دكتور كرافورد , إذا لم أعمل ذلك الآن فأن الأشياء تبقى هنا على وضعها غير مغسولة حتى صباح اليوم التالي , وإذا لم أحضر وجبة طعام المساء مسبقا , وأثبت الطباخ للتوقيت ذاتيا فلن يكون عندنا طعام عند عودتنا الى البيت".
لكنه إستمر في إستفساراته:
" ألا تظنين أن والدتك ربما أعتقدت أنها أخرجت من مطبخها عنوة؟".
لم يكن مجرى النقاش مسرا لروزالي كما وأن أسئلته لم تدعها تنصرف الى عملها.
" ألا تعتقدين أن جو البيت الحالي يعود اليك وإنك قد عوّدتهما على أستخدامك مدبرة بيت بدون أجر؟".
أجابته بإبتسامة ساخرة:
" أن قولك هذا أشبه بالعبارة الشهيرة , من جاء أولا الكتكوت أم البيضة! مثل هذا السؤال لا أستطيع الأجابة عليه".
" ماذا سيحدث عندما تخرجين أنت في المساء , من سيطعمهما؟".
" أضع وجبة الطعام لهما في الفرن قبل أن أخرج في الصباح فتكون مهيأة للتناول عند عودتهما للبيت".
" ثم يقوما بغسل الصحون؟".
" كلا , أنا أقوم بذلك قبل أن أذهب الى فراشي".
قطب جبينه مرة أخرى.
" لا تصدقني ؟ أؤكد لك أنني أقول الحقيقة , لدي أم في غايى الذكاء , لامعة , فعندما أكتشفت أنني لن أحذو حذوها قررت أن تغسل يديها مني , ومنذ ذلك الحين كانا ينظران الي بأعتباري فاشلة أكاديميا".
" ولكن عندك درجة جامعية أيضا؟".
" نعم في علم الأجتماع , ولكن يجب الهمس بها لأنها كلمة قذرة في العائلة , إنها غير علمية كما ترى وعليه فإنها أقل من التراب".
لم تجرؤ على النظر اليه لأنها تعلم أنه لو رأى عينيها فإنه سيكون قد رأى ما يدور في قلبها , وبعد برهة سألته:
" أين والدي؟".
" أنهما في غرفة الدراسة مستغرقين في المسألة الرياضية , أقترحت عليهما بداية إفتراضية وراحا يتتبعان ذلك , لذا فقد تركتهما , حتى أنني لا أعتقد أنهما لاحظا خروجي".
" كلا , إنني متأكدة أنهما لن يلاحظا , فهما لا يلاحظان خارجهما عندما يكونان مع بعضهما , إنهما يحبان أحدهما الآخر الى درجة أنهما عزلاني عنهما تماما".
توقف عن تجفيف الأناء الذي كان بيديه وراح يتفحص وجهها بتأثر شديد:
" أنت تعلمين أنك تنصبين مكيدة لي!".
" إنه إطراء فارغ , لم أظن إنك حتى لاحظت وجودي".
" إنني ألاحظك جيدا , إن ذلك مثل ما يلاحظ المرء البعوضة الصغيرة , حيث في النهاية تجعلك فاقدة الأعصاب , تودين أن توجهي اليها ضربة ساحقة".
نظرت اليه مضطرة وضحكت , وضحك هو معها , لقد لمع بريق من الدفء العاطفي في علاقتهما الهشة المتأرجحة.
" قل لي يا دكتور كرافورد , لماذا تظن أنني أكيد لك , أن أنوثتي تستصرخ جوابا".
" إذن يمكنك أن تقولي لها أن تصمت ! أن ما أتحدث عنه ليست أنوثتك , أنها لا تعني أي شيء , لا أهمية لها عندي".
أصابها الخجل فعضّت شفتها , لقد صفعها مرة أخرى , لقد أعتادت على ذلك من عائلتها ولكن ما يبدو محيرا لها شدة الأذى عندما أتت الصفعة الصفعة من هذا الرجل , نظرا الى لوح الأواني الفارغ :
" هل هذا كل شيء؟".
" نعم , شكرا لمساعدتك".
علّق المنشفة وأنحنى على باب دولاب الأواني وهو يرقبها تمسح مغسلة الأواني :
" أنك تكيدين لي بشخصيتك ". قال لها : " ذلك بالنسبة لسنك فأن لديك أكبر أستعداد للتحدي وكيف تستغرقين في رثاء الذات , حالة التباكي على النفس هذه التي تغرقين نفسك فيها , لماذا لا تقلعين عن ذلك؟".
تحولت اليه وقد أخذ الغضب يغلي في أعصابها:
" لم يدعك أحد الى هنا لتقوم بدور طبيبي النفساني".
هز كتفيه عن عدم أكتراثه بقولها:
" إذا كان رأيي بك لا يعجبك , هناك شيء وحيد يمكنك القيام به , يمكنك دائما نسفي من الخلف ومشاهدتي وأنا أغرق , أنني سفينة وأنا عابر في الليل , كلماتك هذه , تذكري".
نادت أمها:
" دكتور كرافورد , أين أنت نعتقد أننا حللنا المسألة والفضل لك".
" إنني قادم يا سيدة بارهام إذ أنني في المطبخ أراقب إبنتك وهي تعمل". أخفض صوته وهو يقول : " يبدو أنني لم أقم بأي عمل آخر منذ وصولي الى هنا".
كانت روزالي في غرفة نومها تعمل على تهيئة ملاحظات محاضرتها عندما رن التلفون سمعت أباها وهو يرد , ثم نادى من قرب السلم:
" روزالي , نداء لك , إنه نيكول".
" شكرا بابا ". عندما نزلت لتناول التلفون كانت غرفة الدراسة مفتوحة جزئيا , وسمعت أباها يقول:
" إنه صديق روزالي , مدرس لغات في المدرسة التي تركتها مؤخرا , موضوعه لا يتناول حتى اللغالت الحديثة فهو متخصص في اليونانية القديمة واللاتينية , أنا شخصيا لا أتحمل هذا الشخص".
مرت عبر البهو وأغلقت الباب بقوة ثم رفعت السماعة:
" نيكول ! كم لطيف أن أسمع صوتك , أموري جيدة , شكرا , نعم , إنه تغيير كبير من الجو المزدحم في المدرسة , بالطبع , الطلبة أكبر سنا وهم يستفسرون عن كل شيء , وهذا شيء أفضله هنا , إنهم لا يتهيبون من المناقشة وإبداء الرأي , على عكس طلبة المدرسة".
فتحت باب غرفة الدراسة , ومرت ساعة الى داخل المطبخ .
" أفتقدك ؟ بالطبع , أنني أفتقدك , كلا , ليس لدي صديق آخر , واحد يكفي كما تعلم !".
ضحكت ونظرت من طرف عينيها الى الوراء , فهي تعلم أن صوتها يمكن أن يسمع الى غرفة الدراسة.
" متى يمكنني أن أراك يا عزيزي ؟ أحس بوهن في نفسي في الفترة الأخيرة , أنني أحتاج لمن يستمع اليّ ويقدرني , نعم مساء الغد ؟ نعم أنني متفرغة , شكرا لله , مع السلامة , والى اللقاء....".
تبعت روزالي أمها الى غرفة الدراسة:
" الجميع يتناول القهوة؟".
تحدث أدريان بهدوء حيث ألقى عليها بدوره نظرة متفحصة جعلتها ترتبك قليلا ضد إرادتها .
" نعم يا عزيزتي أربعة أكواب من القهوة ". قالت الأم.
هيأت روزالي القهوة وحملت الصينية الى غرفة الدراسة:
" سأتناول قهوتي في الطابق الأعلى في غرفتي".
قالت وهي تنظر الى رأس أدريان المنحني.
" حسنا يا عزيزتي ". أبتسم اليها والدها بفكر شارد : " ذلك أحسن لأننا نتكلم هنا في عمل لا تفهمين منه كلمة واحدة".
هنا أرتفع نظر أدريان وبلحظة شاردة نظرت عيناه الجادتان نحوها , كأن رسالة قد مرت بينهما لكنها كانت برموز لا تجد مفتاح حلها.