المعلومات |
الكاتب: |
|
اللقب: |
فريق تصميم الروايات فريق كتابة الروايات الرومانسية |
|
مدونتي |
|
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
كاتب الموضوع :
جمره لم تحترق
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
6- تلسـع كــالنحلة
- بالتأكيد لم تعد بحاجة إلى من ينظف ويطهو الآن وأنا هنا .
لكزها بخفة في ذقنها :
- أنا لم أتزوج لأحصل على طباخة .
ثم خرج من الباب الخلفي .
جعلها النهار الطويل الفارغ ممتنة للمجموعة الواسعة من الكتب التي
يمتلكها ريكس .. ولم تستطع كاندرة أن تتصور متى يجد ريكس الوقت
ليقرأهـــا .
عاد ريكس إلى المنزل مبكراً .. وكانت منغمسة في قراءة كتاب فلم
تسمع وصوله وأجفلت للمسته الخفيفة على رأسها .
- مرحباً .. ما رأيك بالقيام بجولة لرؤية المناظر في البلدة ؟
مددت ساقيها من الوضعية المكورة التي اعتادت القراءة فيها , ثم تمطت
بكســــل :
- سأحب هذا .. دعني فقط أصلح زينتي .
رمى حقيبة أوراقه على الطاولة , وانتزع نظارته الشمسية .
- لا تخفي كل النمش !
وأخذ يبحث في بريده .
نظرت كاندرة إلى وجهها المنمش في المرآة , وكأنما تستطيع إخفاءه كله !
يا لقوله الغريب .. وكانت لا تزال محتارة لقوله حين عادت لتنضم إليه في
سيارته الصغيرة السوداء الرياضية .. كان الوقت منتصف بعد الظهر
والجوار هادئاً وكأنما الحرارة المرتفعة أبعدت كل الأطفال إلى داخل
بيوتهم .. كانت المروج خضراء زمردية , بعضها تحده مساكب زهور مبهجة
الألوان, وأخرى تزينها الصخور والغابات . المنزل نفسه المكسو بالصنوبر
مزيج من الطراز الحديث والطراز الفيكتوري في الهندسة .
حين أخبرته كاندرة عن تعجبها للهدوء المخيم في الجوار , قال لها وفمه
ملوي بجفاء ساخر :
- أنهم يحترمون شهر عسلنا الآن .
- هذا لطف منهم .
استدار بسيارته إلى شارع عريض , وراحت كاندرة تتطلع حولها
باهتمام , بينما كان ريكس يشير إلى أهم المعالم المحلية .
استدار إلى منطقة ضخمة المباني وأشار إلى أحدها قائلاً :
- هذه جامعة كولورادو .. ربما ستحب كاتيا أن تدرس هنا .
- أظنها مصممة على الالتحاق بجامعة أريزونا .. سيذهب معظم
أصدقائها إلى هناك .
- أنها مجد فكـــــرة .
نظرت كاندرة بأسف إلى التلامذة وهم يعبرون الجسر .. وأحست أنها
أكبر بمئة سنة من الشبان الضاحكين بخفة تخلو من الهموم كالماء الجاري
تحت الجسر . تمتعوا بأنفسكم الآن , قبل أن تكتشفوا قساوة وقائع الحياة !
بعد دقائق أوقف ريكس السيارة بهدوء .
- ها قد وصلنا .
منتديات ليلاس
نظرت حولها بذهول .. كانا جوار بيوت ضخمة قديمة وشارع
عريض مقسوم في الوسط تحف به أشجار صنوبر ضخمة .. إلى جانبهما
مباشرة منزل أبيض كبير متسع , مثلث السقف من الطراز الفيكتوري تمتد
أمامه شرفات مسقوفة بيضاء , ويحيط سياج من الحديد المشغول المزخرف
بمرجة مزركشة تنتشر فيها مساكب زهور ملونة حول المبنى ذي الطابقين .
وقالت :
- المنزل جميل .
- بناه جدي الأكبر عام 1892 , أنا وجدي , وأبي , ربينا هنا .. وأخشى
أن نضطر إلى تأخير جولة استكشافية فيه إلى حين عودة شقيقتي .
- لا أكاد أستطيع الانتظار .. يبدو لي جميلاً . هل أنت آسف لحصولها
على منزل العائلة ؟ لا بد أن لديك الكثير من الذكريات هنا .
- سأحتفظ دائماً بالذكريات , حتى ولو لم يكن المنزل لي .
نظرت كاندرة إلى المنزل بأسف :
- لا بد أن من الرائع أن يكون للمرء جذور مثلك .. فمنذ نزلت أسرة
فولكنر فوق الأرض الأميركية وهي تنتقل من مكان إلى آخر . كانت جدتي
تقول إن أسرة ماكروغر , عائلتها , كانت سيئة مثل عائلتنا .. لقد عشنا في
كانساس , أو كلاهوما , نيو مكسيكو قبل أن نستقر في توسكون , وكنت
يومها في العاشرة من عمري .. ولم أشعر يوماً أنني أنتمي إلى أي مكان.. أما
الأقارب فأعتقد أنهم منتشرون في كل مكان لكنني لا أعرف أحداً منهم .
نظرت إلى ريكس المنشغل بالنظر إلى المنزل .
- أعتقد أن هذا سبب ترددي في أن أترك أدجر و كاتيا وحدهما .
أدار السيارة قائلاً :
- بإمكانك الآن البدء في إنشاء عائلتك الخاصة .
نظرت كاندرة إليه .. إنهما لم يبحثا من قبل مسألة إنجاب الأطفال ..
فجأة أخذت تتصور صورة مصغرة له بشعره الأسود , لكن بمزاياها هي ,
تصميمه هو وطبعها الحار هي . طفل يتحدى صبر أمه .. طفل يسرق قلب أمه .
وقاطع ريكس أفكارها :
- سآخذك إلى المكتبة العامة حين يكون لدينا متسع من الوقت .
- سيعجبني هذا .
- وسنؤخر زيارة السوق (( مال كراول )) إلى يوم آخر .
أشار إلى شارع معبد بالآجر مقفل بوجه السيارات على جانبهمـا .
- هذا مركز التسوق الرئيسي لشارع (( بيرل )) في منتصفه إلى اليمين
محلات واردن . أما متجرنا الكبير الجديد فهو في (( كروسرودمال )) لكننا
استقبلنا المتجر القديم المبني عام 1889 وجعلنا المكتب الرئيسي فوقه ..
الطابقين السفليين هما من متاجر واردن المصغرة ولا زلنا نحاول أن نقرر ماذا
ستفعل بهما .
كانت كاندرة بعيدة النظر بحيث فهمت أن تولي إدارة أعمال العائلة
ليس أمراً سهلاً كما يتصور الناظر إليه من بعيد .. وهي تعرف تماماً أن
ريكس عمل بمشقة لهذا ويستحق كل مكافأة حصل عليها .
في طريقهما إلى المنزل , اقترح ريكس أن يتوقفا ليشتريا شيئاً للعشاء .
لكن (( البانيه )) المرتفع الثمن , واللحم البارد , والخبر والجبن التي ملأ بها
السيارة , جعلها تضحك .. قالت وهما يتوقفان أمام المنزل.
- أرى أنك لا تعرف معنى الاقتصاد .. أما أنا فكنت سأختار القليل
منها مع خبز مقطع .
- إذن من الجيد أنني كنت معك لتتعلمـي كيف تعيشين قليلاً .
نظرت كاندرة غير مصدقة إلى اللفافات التي أفرغها ريكس على الطاولة
والتي بدت وكأنها تضاعفت.
- لو أنني أكلت كل هذا فلن أعيش قليلاً فقط بل سأكبر كثيراً .
كانا لا زالا يضحكان ويتبادلان المزاح خلال تناول الطعام , حين رن
جرس الهاتف. وقبل أن يرد ريكس, عرفت كاندرة بقلب غائص من
المتكلم , وأعطاها السماعة ونظرة تساؤل على وجهه .. أرادت أن تصيح به :
لا تنظر إلي هكذا .. إنني مسؤولة عنها . لن أستطيع التظاهر بأنها لم تعد
شقيقتي لأنني متزوجة الآن .
قالت كاتيا بعجلة :
- صدقاً كاندرة هذه مسألة طارئة ولن تأخذ أكثر من دقيقة .. لقد
التقيت اليوم أروع رجل في مكان عملي , وتحدثنا ثم دعوته إلى العشاء مع
أدجر مساء الغد .. و لا أستـطيع أن أجد كتاب الطهو الذي كان لجدتنا ..
أتعرفين أين هو ؟
اضطرت كاندرة أن تضحك .. ثم حلت الأمر الطارئ, وأقفلت
السماعة ثم التفتت لتواجه ريكس . لكنه كان قد اختفى .. إنما الصحون
الوسخة لم تختفِ .
أنهت تنظيف المطبخ ودخلت إلى المكتبة لتجد ريكس مشغولاً بأوراقه ,
فأخذت كتاباً وصعدت إلى غرفة النوم حيث ارتدت قميص النوم المحتشم
الخوخي واستقرت في السرير لتقرأ . مرت ساعات قبل أن تسمع وقع أقدام
ريكس على الدرج فادعت الاهتمام بالكتاب .
سألها بدهشة :
- ألا زلت صاحية ؟
آلمها تلميحه إلى أنه كان يأمل أن تكون نائمة , وقالت تتثاءب : تقريباً .
إذا كان يريد عذراً كي يتجنبها الليلة فستعطيه العذر .. رمت الكتاب
إلى الأرض وألقت رأسها على الوسادة مغمضة عينيها . وما إن دخل ريكس
إلى غرفة الملابس حتى فتحتهما وبدا لها الجدار والرقعة المختلفة اللون فيه ..
حين عاد ريكس ليقف قرب السرير سألت :
- ماذا كان معلقاً هناك .
رد مجفلاً : أين ؟
أشارت بيدها إلى الرقعة فوق السرير :
- يمكنك أن ترى بنفسك أن لها لوناً مختلفاً عن بقية الجدار .
- أنت دقيقة الملاحظــة .
واندس في السرير مطفئاً النور ليترك الغرفة في الظلام .
تابعت التساؤل : حسناً ؟
- صورة .
- صورة ماذا ؟
- أنت حـشرية .. ألست كذلك ؟
فجأة تذكرت الصورة التي تزين غرفة نوم أدجر وضحكت .
- كانت صورة امرأة عارية .. أليس كذلك ؟
قال بمرح :
- يا لتفكيرك القذر سيدة واردن .
استدار ليدفن وجهه في شعرها :
- فلنرى إذا كان بالإمكان استخدام مخيلتك في أمور أفضل من التفكير
بصورة على الجدار .
تتابعت الأيام على شاكلة متشابهة . كانا يتناولان الفطور معاً , أفكار
ريكس دائماً مشغولة باليوم الذي ينتظره .. حين كان يستطيع كان يعود إلى
المنزل باكراً ويعرف كاندرة على المزيد من معالم المدينة وأخذها إلى الفرع
الرئيسي للمكتبة العامة .
وكما وعدها , سارا في (( بولدر مول )) في إحدى الأمسيات وتفرجت على
واجهات محلات واردن .. ولم ينس كذلك المناظر الجيولوجية للمنطقة ..
ظاهرياً , كانت حياتهما تسير بهدوء مميز, وأخذت صورة ريكس
الغاضب في مكتب توسكون تتلاشى ليحل مكانها الرجل الذي أنقذها في
الجبال. وأقنعت كاندرة نفسها أن لديها الزواج المثالي والزوج الساحر الذي
يتكبد المشقة دائماً لتسليتها .. ومنزل حديث ضخم كبير , نفذ ديكوره
خبير, وينظفه لها الآخرون . لم تعد بحاجة إلى التفكير كيف ستدفع
الفواتير , ولا مزيد من المخاوف . إنها في الواقع حياة مثالية .. لكن لماذا
تحس بعدم الرضى ؟ لديها كل شيء .. مع ذلك فهي تشعر أحياناً أن هناك ما
ينقص في حياتها .. ويجب أن تتجاهل هذا الإحساس .
لكن ما هو أصعب من أن تتجاهله , كان الاكتشاف الذي وجدته في
خزانة ريكس وأدراجه . بعد ظهر يوم , قابلت ماورين على الدرج وأخذت
منها كومة غسيل نظيف كانت ستوصلها إلى غرفة نومهما .. وبعد ترتيبها
لملابسها أدارت اهتمامها إلى ملابس ريكس .. لم تكن قد تطلعت إلى خزانته
وأدراجه من قبل , وأحست بارتياح وهي ترتب جواربه وتملس قمصانه .
وجاءتها الصدمة حين كانت تبحث عن المكان الذي يضع فيه مناديله .. في
أحد الأدراج, ثوب نوم ناعم من الباتيستا القطنية مطوي بترتيب وروب
فضفاض مماثل .. الطقم مطرز بزهور زهرية وزرقاء .. إنه مصمم لشقراء
جميلة .. مثل كاتيا ..الأسوأ أكثر , ما كان تحته .. ثوب حريري فضفاض
مذهب مطبع بألوان مختلفة , قسمة العلوي شفاف بينما تنورته تكاد تصل إلى
الخصر .. أقفلت كاندرة الدرج بقوة .. واضح أن هذه تذكارات من ماضيه
ولا يجب أن تفكر بها أبداً .
|