كاتب الموضوع :
جمره لم تحترق
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
5- الحـب سـلـعة
كان الطقس في يوم عرس كاندرة حاراً وجافاً. وكانت شمس تموز
المشرقة تغمر الكنيسة في الجوار حيث ستبادل حرية أدجر بحريتها. كان
ريكس قد أصر على أن يتم الزواج في أسرع وقت ممكن, لكنه في النهاية وافق
على طلب كاندرة للانتظار ريثما تنهي أعمالها في المدرسة .. مع ذلك لم يمر
شهر حتى أوضح ريكس لها ما يخبئه لها المستقبل .
في البداية أراد أدجر أن يناقش معها أسباب زواجها المفاجئ , لكن
كاندرة التي لم تكن يوماً بارعة في الكذب راوغته, إلى أن بدأ أدجر يتجنبها
واضعاً اللوم في مزاجها السيء على قلق ما قبل الزواج .. حزنت كاندرة
لاتساع الهوة بينها وبين شقيقها , وكادت أن تصل إلى كرهه لوضعه إياها في
مثل هذا الموقف الكريه .. ولكنها في الوقت ذاته كانت تؤكد لنفسها تكراراً
أنه لو عرف تضحيتها من أجله فلن يسمح بها, مع أن في أعماقها تخوفاً من
أن يكون ضعيف الإرادة .
لامت كاندرة نفسها لعدم تنمية شجاعة أدجر .. لقد شب دون أب
يرشده وتحت توجيه حازم من أخت كبرى لكل تصرفاته الأمر الذي لم يتح له
الفرصة أبداً لأن يتعلم كيف يتخذ القرارات . كان يجب أن تسمح له بحرية
أكثر وهو فتى , بحيث أنه حين يقرر شيئاً خاطئاً ويفشل يتعلم من
أخطائه.. فهل من عجب أنه اتبع الطريق الأقل صعوبة ؟ لقد أجبرته على
الاعتماد عليها كثيراً دون تشجيعه على أن يكون رجل العائلة, وسيكون
التخلي عنه الآن ظلماً فادحاً له نظراً للعواقب الوخيمة التي تنتظره .
كان صوت موسيقى (( الأرغن )) يملأ الكنسية الصغيرة, ووقفت كاتيا
أمام كاندرة ترتجف ترقباً .. مع أن العروس كان ينقصها إشراقة السعادة,
فالإشبينة كانت مفرطة الاهتياج ومبتهجة جداً بالفستان الزهري الجميل
والقبعة المماثلة التي وصلت إليها في علبة فاخرة من محلات (( واردن )) .
منتديات ليلاس
ورأت كاندرة ريكس يقف في آخر الكنسية , و كاتيا تبتسم له بمحبة ودفء.
مع بدء تحرك كاتيا في الممر بين المقاعد , انعكست صورة كاندرة إليها
عبر باب زجاجي في ردهة الكنيسة .. كانت عروساً رائعة في ثوب حُفظ بكل
الحب والتقدير ليمر من جيل إلى آخر .. ونظراً للظروف التي تتزوج فيها ,
كانت تنوي أن تصنع لنفسها ثوب عرس عصري.. لكن الجاذب الحنون
للثوب الموروث أثبت قوته. ولا مجال للإنكار بأنه يناسبها تماماً , فقد تحول
لونه الأبيض الناصع مع مرور السنوات إلى لون عاجي تناسب بشكل رائع
مع بشرتها الشاحبة العاجية .. ولم يكن للفستان طرحة مماثلة , لكنها وجدت
قماش دانتيل مخرم قديم كان لأمها فثبتته فوق شعرها المربوط بانفلات فوق
رأسهـــا .
فكرت كاندرة بالفستان الأبيض الذي أرسله ريكس لها.. كان لونه
أبيض كالثلج مع ياردات وياردات من الكشاكش .. ربما هو مصمم لـ كاتيا
وليس لـ كاندرة التي بدت شاحبة جداً إزاء بياضه الناصع , بينما
الكشاكش لم تناسب شخصيتها يوماً .. وهكذا أعادته إلى المتجر مع رسالة
رفض قاطعة .
تغيرت الموسيقى (( الأرغن )) دلالة على بدء دور كاندرة , فدست يدها في
ذراع أدجر وبدأت تسير في الرواق نحو المذبح .. لم يكن لديها في السنوات
الفائتة وقت يكفي لتحلم بأنها ستتزوج .. بل كانت تتوقع أن يكون لها
زواج كزواج والديها .. وكان العريس مجرد صورة ضبابية لم تفكر بها
كثيراً .. بدت لها المسيرة إلى المذبح وكأنها لن تنتهي .. وخاطرت بنظرة
مختلسة إلى ريكس فابتسم لها ابتسامة ساحرة , لكنها لاحظت أن عينيه
تحملان غضباً بـــارداً .
مرت بقية اليوم ببطء على كاندرة , واضطرت إلى تحمل التقليد
السخيف في إقامة حفل استقبال بمناسبة الزفاف مع الأصدقاء والجيران
الذين كانوا يضجون فرحاً وراحت تفتح أكداس من العلب البيضاء الملفوفة
وتصيح لرؤية ما فيها بدهشة لم تكن تشعر بها. وثمة ضيوف انبهروا بالجو
الرومانسي الزائف, فلم يوفروا أي تقليد عرائسي.. قطع قالب الحلوى ,
رمي باقة الزهر ورذاذ الأرز .. خلال كل هذا, كانت كاندرة مجبرة على
الابتسام والضحك, والادعاء أنها غارقة في حب عميق وسعادة لا توصف
بينما هي في الحقيقة تشعر بقلق متصلب بارد. وأرادت أن تصيح: ما بالكم
جميعاً ألا ترون أنني بائسة ؟ هل كلكم عميان ؟
أحست بارتياح كبير حين وجدت نفسها أخيراً وحدها مع ريكس ..
كان وداع كاتيا و أدجر صعباً لا يطاق .. وابتسمت كاتيا بشجاعة من خلال
دموعها ,لكن عناقها كان باكياً متشنجاً وكانت مشاكسة في إعطائها الأوامر
لـ ريكس بأن يعتني بـ كاندرة . ووعد أدجر أن يعتني بـ كاتيا , قبل أن يعانق
كاندرة بدوره , ثم مد يده إلى ريكس الذي صافحه بعد تردد قصير ..
و حاولت كاندرة ابتلاع الغصة التي وقفت في حلقها عندما بدأت الطائرة
الصغيرة تتحرك لتنقلها إلى كولورادو .
قال لها : اربطي حزام مقعدك .
أطاعته وبدأت تشد الحزام حولها :
- أنا آسفة لأن أحداً من أهلك لم يستطع المجيء لحضور زفافك . لقد
اتصلت أمك لتعتذر قائلة إن صحة والدك لا تسمح بالسفر من
كاليفورنيا في مثل هذا الوقت من السنة , كما شرحت أمر سفر أختك إلى
أوروبا . كانت لطيفة معي , وأحسست أنني مخادعة . أعتقد أنك لم تقل لها
الحقيقة حول زواجنــا .
- أنت دقيقة الملاحظــة .
- لماذا .. لم تقل لهــا ؟
- أنت أيضاً لم تقولي الحقيقة لأخويك , أليس كذلك ؟
- لا .
أدارت وجهها لتنظر إلى الخــارج .
- هذا ما ظننته . كاتيا شفافة جداً وكانت مسرورة بشكل واضح . أما
أخوك فكان يجب أن يظهر بعض الندم لو عرف .. لكن ما لاحظته فيه كان
الارتيــاح .. لماذا لم تخبريهما ؟
- لم أجد سبباً لهذا .
- لا سبب ؟ تذهبين إلى حد المخاطر لأجل أخيك ولا تهتمين بأن تخبريه
بتضحيتـــك ؟
صــــاحت :
- لا تعرف شيئاً عن هذا .. أدجر ما كان سيسمح للزواج بأن يتم لو
عرف الحقيقة .
- وهل أنت واثقة من هذا ؟
ردت متحدية لتطمس شكوكها وشكوكه : أجل .
- أوه .. ربما كنت خائفة من امتحان مدى إخلاصه الأخوي لك ؟
نظرت كاندرة من النافذة دون أن ترى شيئاً .
- هذا .. قول كريه بشع مؤلم .
قـال بقـــسوة :
- تؤلم الحقيقة دائماً .. أنت لم تنقذي أخاك من أي شيء بزواجك
مني .. سيعود إلى ارتكاب الفعل ذاته مرة أخرى .. فكيف ستنقدينه
ساعتها ؟ كان يجب أن تتركيه يواجه العواقـب .
هزت رأســـها :
- أنت مخطئ .. يعرف أدجر أن ما فعله خطأ .. حتى ولو أنني كنت
مقصــرة في إعطائه الإرشاد الأخلاقي المناسب , ربما حين كانت جدتي
مريضــة .. أو ربما أنني أعطيت كاتيا كثيراً من وقتــي .
تنهدت بقلق .. ثم أكملت :
- مهما كان السبب .. لم يكن باستطاعتي التخلي عنه حين احتاجني .
لقد اعتمد علي .. ثم , لولاي أنا ..
قاطعهـــــا :
- لا يمكنك لوم نفسك .
- بلى .. يمكنني .. ما كان ليحدث أي شيء من هذا لولا أنني تهورت
في السفر إلى آسبن , وما كنت الآن .. متزوجة .. منك .
- أستغرب أمر تلك الرحلة, فهي تبدو لي مخالفة لشخصيتك.. كاتيا ,
الجيران والجميع عرفوك كامرأة عاملة دون وقت للعبث ودون قرارات
متهـــورة .
|