كاتب الموضوع :
جمره لم تحترق
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
3 – أخطر من العاصفة
جمد ريكس وهو يقف قرب الطباخ قبل أن يرد بهـدوء :
- لا يمكن أن أفكر بالسخرية منك.. تشرفني ثقتك بي لقول الحقيقة .
ناولها قصعة مليئة بالحساء الساخن, و أضــاف متجهماً :
- لقد استمتعت بعناقك كذلك ...
قاطعته بسرعة :
- دعك من هذا. الآن وقد توقف الثلج, فهل تساعدني على إيجاد
سيارتي ؟
- لا داعي للعجلة .. لن تذهبي إلى أي مكان قبل أن تنظف الجرافات
الطريق حتى الحاجز .. في الصباح سننطلق باكراً لنجدها .
نظرت إليه بإحباط :
- في الصباح ؟ ولمَ ليس الليلة ؟ أتظن أن تعبيري عن إعجابي بعناقك هو
بمثابة دعوة مفتوحة لك .
- إننا عالقان معاً منذ أربع وعشرين ساعة تقريباً , وأنت تحت رحمتـي
تماماً ولم أحـاول الاعتداء عليك .. فما الذي يجعلك تظنين أن غياب الشمس
سيجعلني أفعـل ؟
ابتسمت معتذرة :
- أعتقد أن لأمينات المكتبات مخيلة واسعة لأننا نقرأ كثــيراً .
- إذا كان هذا اعتذاراً , فقد قبلته .. سأتطوع بالنوم على الأريــكة
الليلة .
العشــاء الذي حضره ريكــس من طعام معلب ومن الثلاجة الصغيرة قد
لا يكون من أفخم الطعام , إنما طعمه لذيذ جداً.. تشاركا عملية تنظيف
المائدة وأعطيا براوني بقايا الطعام الذي اختاراه له ثم جلساً معاً أمام نار
هادرة ليلعبا الورق.. كان ريكس شخصاً مثقفاً ويعرف الكــثير من المواضيع
المختلفة, وسرت كاندرة لاكتشافها أنهما يتشاركان في قراءة العديد من
الكتب للمؤلفين أنفسهم .. صحيح أنهما لا يتفقان على الرأي ذاته, إلا أن
جدالهما كان سلساً .
قال ريكس :
- لقد تحملت عبئـاً كبيراً ..
تغاضت عن تعليقه :
- على المرء أن يفعل ما يتوجب عليه. على أي حال لقد كبر الولدان الآن
ولسوف يكون لدي وقت فراغ كبير.. ولن أعرف ماذا أفعل به .
- يمكنك أن تتزوجـي .
- يوه.. ! وأبدل مركز عمل بآخر ؟ لا.. أنا أتطلع إلى حرية رائعــة ..
استمتاع طويل بماء مغطس معطر, السفر, بل الكــثير من السفر ! قد أجد
الوقت لأكسب ثروة لنفســي .
- يمكنك أن تتزوجـي ثروة. أوليست هذه هـي الطريقة القديمة قدم
الزمـــان ؟
- قول سهل.. لكنني لا أتواجد في الأماكن التي يرتادها أصحاب المال
الكــثير .
- الأثرياء يقرأون .. كذلك .
- لا أستطيع أن أطلب منهم بطاقات مصارفهم إضافة إلى بطاقة
الاشتراك في المكتبــة .. أيمكن ؟
هزت كتفيها :
- أضف إلى هذا أن الجميع يعرف أن الأثرياء لا يتزوجون سوى الثريات
أو على الأقل الجميلات. أنت تعرف نوع النساء اللواتـي أعنيهن .. شعر
أسود مجعــد , أو أشقــر بلون البلاتيــن, وجوه نموذجيــة, كتفان رائعتان ,
وخــاصة أعناق مثل عنق الإوزة ..
ورفعت رأسها عالياً :
- .. أترى .. عنقي ليس كعنق الإوزة .. ولا تنسى شعري الأحمـر .
- ليس من المحتمل أن أنساه .. لكنني لا أرى أهمية لعنق الإوزة .
- لعرض المجوهرات والألماس طبعاً.. ستة إنشات من طوق الماسي
كطوق الكلاب حول العنق وياردان من ذات النوع تتدلى من الأذنين .
- يبدو لي هذا زينة رخيصة .. أهذا ما تحبين ؟ ياردان من الألماس ؟
قالت بقرف :
- لا تكن سخيفاً ! أنا حمراء شعر .. أحلم بالياقوت الأحمـر ليتناسب
مع شعري أو الفيروز الأخضر ليناسب لون عيني .
- إنهما تركوازيتان أكثـر منهما خضراوان .
- يا لك من مفسد للأحلام .. لو تمكنت من الإدعاء أنني ثرية ,
فسأتمكن من الإدعاء بأن لي عينين خضراوان .. ألا يمكن هذا ؟ إنه خيالي
أنــا .
- إذا كنت تدعين , فلِمَ لا تدعين أنك شقراء بما أنك تظنين أن اللون
الأشقــر جميل ؟
- أتعني مثل كاتي .. لها أجمل شعر أشقر كشعــر أمي .
اخذ براوني يئن مطالباً بالخروج فوقف ريكس استجابة له وهو يسأل
بدهــشة :
- أختك شقراء ؟ لسبب ما كنت أعتقدها عكس ذلك .
تنهدت :
- لا أحد يبدو كاللعبة مثل كـاتيا .. صدقني إنها تنوي بالفعل أن تتزوج
شاباً ثــرياً وربما ستنجــح .
- أفهم من هذا أن لها عنق الإوزة المطلوب .
عاد ليُدخل براوني ويجففه , فوقفت قــائــلـة :
- أيمكن أن أساعد في تحضير الصوفا لك ؟
رمى لها أغطية من الخزانة , وانفتحت الصوفا بسهولة لتصبح فراشاً ..
اختفى قليلاً في غرفة النوم وعاد وهو يحمل ثياباً .
- أتريدين البيجاما أم قميص النوم ؟
- أي منهما لا تُريده أنت .
أعطاها القميـص .
- نامي جديداً .
ليتها تستطيع النوم ! ما كان يجب أن تغفو بعد الظهر فلولا ذلك لكانت
الآن متعبة بدل الاستلقاء في الفراش مستيقظة, تعي كل حركة يقوم بها
ريكس وهو يتجول في غرفة الجلوس .. سمعته يكلم براوني بهدوء , ثم
سمعت طقطقة الرفاصات وهو يستقر على الصوفا .
استدارت إلى جانبها وراحت تسوى الوسادة بيدها , لكن النوم استمر
في مجافاتها .. وعادت أفكارها إلى طعم عناقه .. لقد اختبرت اليوم الكثير
من الأحاسيس الجديدة التي لم تستطع تحديد البعض منها .
تقلبت كاندرة وتلوت بقلق... ليتها فقط ليست كاندرة فولكنر المتعقلة
الحذرة التي لم تتصرف يوماً بشكل خــاطئ ..
- كاندرة هل أنت نائمة ؟
كان يقف بعتمة الباب طيف ضخم .
دفعت بالبطانية إلى تحت ذقنها: لا .
- أظن أن لدينا زائراً ليلياً .. تعالي إلى الخارج إن كنت مهتمة .
لفت البطانية حولها لرد صقيع الليل وسارت نحو غرفة الجلوس ثم
وقفت مسمرة عند بابها , كان ريكس يرتدي بنطلون البيجاما وقميصاً قطنياً
فقط .. أشار إليها بنفاذ صبر أن تتقدم , وتحركت إلى الداخل وهو يطفئ
النور , ثم قادها إلى النافذة وأزاح الستارة بهدوء .
كان في الخارج قمر يغمر الأرض المكسوة بالثلج بنوره اللطيف
الخفيف .. بينما يداعب هواء لطيف أشجار الصنوبر, ليخلق لها ظلالاً
متراقصـة فوق البساط الأبيض .
قالت بصوت منخفض:
- لا أرى شيئــاً .
- انتظري قليلاً. كانت هنا منذ دقيقة. لقد سمعتها ستعود .
وقفت كاندرة قرب النافذة وأحست بالصقيع يتسلل عبر الزجاج
الواسع, وفكرت بـ ريكس وبقربه منها.. فقالت متلعثمة :
- أتحب أن تشاركني البطانية ؟
رد مداعباً وهو يأخذ الطرف ويلفه حوله :
- ظننتك لن تسألني أبداً .
أحست بقلبه يخفق على ظهرها. أراح ذقنه على رأسها , فراحت أنفاسه
تحرك شعرها.. و هي مضمومة إليه , سمحت لنفسها بأن تتخيل أنهما أكثر
من اثنين يلتقيان صدفة, وأنهما في عالم رائع, لن تضطر فيه إلى قيادة سيارتها
في الصباح أو عدم رؤيته مجدداً .
|