كاتب الموضوع :
جمره لم تحترق
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
8- .. وكانحل تعطي العسل ( النهاية )
حين سمعت إيزابيلا أن كاتيا تقيم معهما دعتها إلى الحفلة .. ولم تعد
كاتيا تتكلم عن شيء سوى الحفلة .
قالت وقت الفطور صبيحة الحفلة :
- ليس لدي ما أرتديه .
نظرت كاندرة إليها متسلية :
- وكل تلك الثياب الجديدة ؟
منتديات ليلاس
- إنها للجامعة . وبما أن ريكس لن يكون هنا إلا قبل موعد الحفلة
بقليل , فلماذا لا نذهب لنتسوق ونشتري شيئاً جديداً ؟
منذ سافر ريكس في رحلة تستغرق يومين , كادت كاتيا تجر كاندرة إلى
الجنون بتنهيدات سأم طويلة , وهي تنتقل من نافذة إلى أخرى .. وأدركت
كاندرة أنها تفتقد لنشاطاتها الاجتماعية في توكسون , لذا قالت :
- فكرة جيدة .
قادت كاتيا سيارتها رأساً إلى متجر في (( كروسرود مول )) قائلة :
- لهذا المتجر فرع ملابس أفضل .
وسارت مع كاندرة إلى قسم المراهقات . قالت كاندرة بينما كانت كاتيا
تقيس أحد الفساتين :
- تبدين جميلة جداً .
لكن لم يكن هناك أمل في أن يكون لرأيها وزن , فهي تكرر الجملة منذ
ساعتين وقالت كاتيا :
- يجب أن يكون الفستان ملائماً تماماً .. فالليلة هي ظهوري الأول في
المجتمع .. ماذا سترتدين أنت ؟
- لم أفكر بهذا بعد .
صاحت كاتيا :
- كاندرة ؟ كل هؤلاء الناس يموتون شوقاً للقاء السيدة واردن .. ولا
يمكنك أن ترتدي شيئاً قديماً .
نظرت كاندرة إلى كاتيا برعب .. إنها على حق .. ويجب أن تشتري
لنفسها فستاناً جديداً .
لكن انتهاء كاتيا من انتقاء ملابسها بدا حلماً مستحيلاً .. ثم جاءت
البائعة بفستان وصل إلى المحل لتوه .. فستان زهري مطبع بالورود , وبدا
الفستان نضراً وجميلاً جداً على كاتيا .
- ما رأيك ؟ سآخذه .. فقد أحببته .
تنهدت كاندرة ارتياحاً .
لكن البائعة عادت بعد قليل تعتذر :
- أنا آسفة جداً إذ يبدو أن الآنسة فولكنر تجاوزت حدود حسابها .. ولن
نستطيع قبول حساب جديد .
شحب وجه كاندرة حرجاً , لكن كاتيا قالت :
- طلب مني ريكس أن أضيف هذه الفاتورة على الحساب .. ولا أدري
كيف صرفت كل هذا المبلغ ..
نظرت إلى الفستان بشوق والتفتت إلى أختها :
- سأجد شيئاً أرتديه في خزانتي .. هيا نجد لك فستاناً كاندرة .
فابتلعت كاندرة ريقها وقالت :
- خذي الفستان كاتيا .. سأدفع لك ثمنه . لا أريد الاستعجال في انتقاء
الفستان .. و براوني بحاجة إلى الرياضة اليوم , فعودي إلى المنزل وسيقلني
جونو حين أنتهي .
بعد ساعات , وهي تتفحص نفسها في المرآة كانت لا تزال تنكر أمام
نفسها أنها اشترته كي تنافس به شباب كاتيا في نظر ريكس. لقد اشترته
لسبب واحد .. لتقنع ريكس أن زوجته ليست مملة متزمتة كما يظنها , وأن
كاندرة المتزمتة , أمينة المكتبة الكفوءة قد ولت وحل مكانها امرأة بشعر أحمر
يصل إلى تحت الكتفين , مقصوص ومسرح على يد أفضل مزين تقدمه محلات
واردن .. لقد استغلت اسمها بكل ما في الكلمة من معنى في المحل ,
وستحس بالإحراج فيما بعد .. أما الآن فكل ما يهمها هو ردة فعل ريكس .
لسوء الحظ ستكون هذه ردة فعل متأخرة .. وجدت ملاحظة على طاولة
زينتها من كاتيا تقول إن ريكس سيتأخر وإن عليهما الذهاب إلى الحفلة من
دونه . وتحرقت شوقاً إلى أن ترى تعابير وجهه حين تقع عيناه على فستانها ,
ولم تستطع سوى العودة إلى خيالاتها وهي في الكوخ معه , وضحكت .. إنها
اليوم فعلاً الجاسوسة الروسية .
كانت ردة فعل كاتيا كل ما يتمناه المرء , فقد شهقت :
- أوه كاندرة .. لم أعرفك بهذا الجمال .
ليت ردة فعل ريكس تكون مرضية هكذا !
لم تشاهده يصل إلى الحفلة , لكنها فجأة أحست بقشعريرة على ظهرها
أنبأتها أنه هناك .. يراقبها .. كانت تسمع بين الحديث الجذل والتـحيات
المرحبة نبرة صوته المنخفضة , وكبتت الاندفاع الذي كان يحثها على الذهاب
إليه .. أخيراً , أصبحت الحاجة لرؤيته أكبر من مقاومتها , واستدارت .
كان منشغلاً في حديث عميق مع ذات شعر بني رشيقة وظهره لـ كاندرة ,
وانتفض قلبها .. فهو لم يكن ينظر إليها , بل إنه ربما لم يرها .. ولم يبحث
عنها بالتأكيد .. ابتسمت المرأة له .. ابتسامة مثقلة بدعوة مثيرة , حتى إن
كاندرة تاقت لأن تخدش لها وجهها .. لكنها لم تجرؤ على الانضمــام إليهما .
الحفلة التي بدأت مبهجة مرحة انقلبت إلى مزعجة صاخبة . كان
الدخان المتصاعد من السجائر يتجمع حول رأسها ويكاد يخنقها .. حين
تجرأت أن تنظر مرة أخرى لم ترَ ريكس في المكان . وكانت بنية الشعر توزع
ابتسامات على شخص آخر .
كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل حين صعدت كاندرة الدرج
على رؤوس أصابعها خلف كاتيا .. كان ريكس قد غادر الحفلة تاركاً مذكرة
لها مع إيزابيلا تقول إنه متعب ولن يبقى .. منعتها كرامتها من الإسراع في
العودة إلى المنزل .. فلو أرادها ريكس أن تغادر معه لكان طلب منها هذا ..
دخلت إلى غرفة النوم وبهدوء حاملة حذاءها بيدها لئلا توقظه .
- هل أمضيت وقتاً طيباً ؟
جاءت اللهجة الباردة كصدمة لها , وبينما وقف ريكس على
مقعده , رمت كاندرة حذاءها على الأرض بصوت مرتفع :
- ريكس ! لقد أجفلتني .. لم أكن أتوقع ..
قاطعها .
- أعرف هذا .. غاب القط فالعب يا فأر . أليس كذلك ؟
- أنا .. لا أعرف .. ما .. ماذا تعني .
- لا تتلاعبي معي.. لقد رأيتك في الحفلة نصف عارية ترمين بجسدك
على كل رجل في المكـــــــان .
اقترب منها يمرر إصبعه على فتحة فستانها المثلثة , وقال بصوت ملؤه
الشـــــر :
- هل هذا فستان آخر لجدتك ؟
صاحـــــــت :
- ريكس ! ما بالك ؟
- كنت تمثلين دوراً جيداً حمراء .. حتى كدت أنسى المال الذي سرقته
مني في الكوخ .. لكن هذه هي كاندرة فولكنر الحقيقية .. أليس كذلك ؟
كيف لي أن أتجاهل الطريقة التي عرفت فيها فجأة الكثير عن الحياة الزوجية
بعد الـــزواج ؟
- لقد شرحت لك ..
- وصدقتك .. لأننــــــي أبله .. حتى أنني ظننت نفســــــي مسؤولاً عن
تصرفك الراغب في الفراش .. هذه نكتة .. أليس كذلك ؟ أنت تشتعلين
أمام كل رجل يلمسك .. هناك كلمة تصف امرأة مثلك .
ارتد الاتهام الرهيب البشع يهاجم كاندرة تكراراً وهي تقف مسمرة
رعباً , غير قادرة على تصديق ما تسمعه , لا بد أن ريكس تعرض لحادثة ..
ضرب رأسه بـشيء .. أو أنه يهلوس .
همست مرتجفة :
- هل أنت بخير ؟ هل حصلت لك حادثة ؟
- حادثة .. ! هذا كثير حمراء .. هذا كثير !
أمسك ذراعها يلويه خلف ظهرها وأجبرها على الوقوف ملتصقة به :
- الحادثة الوحيدة التي حصلت لي في حياتي كانت أنني التقيتك .. كان
يجب أن أتركك في الثلج حيث وجدتك .
هزت رأسها بجنون وكأنها تنفض كابوساً عنها .
- أنت لا تعني هذا ..
أمسكت أصابع فولاذية برأسها وقال بصوت ملــيء بالقسوة والشر :
- كم أرغب في أن أقتلع هذا الشعر الأحمر من الجذور ..
وتغير صوته ليصبح بارداً :
- لماذا قصصته ؟
نظرت إليه , وحملت يده التي تشد شعرها الدموع إلى عينيها :
- ظننت أنك ستعجب بزوجــة أكثر أناقة .
- كاذبة .. تعرفين أنني أحبه طويلاً , وأحب أن أتلاعب به .
دفعها عنه بعيداً فوقعت بشدة فوق السرير . ثم أدار ظهره إليها وقال
بصوت بارد دون أحاسيس وكأنه صوت رجل غريب .
- كنت أجلس هنا أفكر ماذا سأفعل .
كبحت دموعها وردت بصوت ضعيف :
- سوف أرحــــــــل .
ضحك ببشاعة :
- لا .. لن ترحلي حمراء .. أتذكرين أدجر , أخاك اللص , أنا
أملكك .. ألا تذكرين ؟ وستفعلين ما أريده .
ارتجفت لصوته الأجش .. إنها لا تعرف هذا الغريب : وماذا تريد ؟
فجأة تلاشى الغضب عن وجهه , وقال بصوت خافت :
- اذهبي إلى النوم .. سنتحدث في الصباح .
سار خارجاً من الغرفة وكتفاه منحنيان .
- ريكس .. أرجوك ..
أقفل الباب خلفه بقوة , يقطع لها رجاءها . لا بد أن شيئاً حدث
وجرحه ليهاجمها بمثل هذا الألم والبؤس . لو أنها فقط تعرف السبب .. لو
أنها فقط تجرؤ على الذهاب إليه لتأخذه بين ذراعيها .. تخفف العبوس من بين
عينيه .. لو أنها فقط تجرؤ على أن تقول إنها تحــبه ..
تحبـــــه !
|