كاتب الموضوع :
جمره لم تحترق
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
6- تلسـع كــالنحلة
قول سهل .. نظرت كاندرة إلى ريكس تتأملـه من تحت رموشها .. مجرد
منظرة يقف هناك بمريلة فوق ثياب رياضية أعطاها شعوراً عميقاً شديد
التوق .. هل هكذا كانت تحس المرأة التي كانت ترتدي الثوب الذهبي ؟ متألقة ,
مثيرة, مرغوبة ؟ ألا يزال يفكر بها ؟ الأسوأ من هذا كله , هل يفكر بتلك
المرأة وهو معها ؟ كانت الفكرة مؤلمة إلى حدود اليأس .
قال ريكس يقاطع أفكارها :
- آسف لاضطراري إلى إلغاء خططنا لبعد ظهر اليوم فقد وصل زبوننا
القادم من الشرق باكراً . ماذا فعلت اليوم ؟
- قرأت , قطفت بضع زهور .. تمشيت خلف المنزل .. راقبت
الطيور .. ولعبت الورق .
وأملت ألا يكون لاحظ نبرة عدم الرضى في صوتها .. لكنه سأل :
ضجرت ؟
- تعتقد ماورين أنني أضعف من أن أساعدها في المنزل .. تقول :
(( اذهبي واقطفي بعض الزهور)) هذا المنزل سرعان ما سيبدو مليئاً بالزهور ,
وبينما يسمح لي جونو بقطفها فهو يحرم علي التقاط العشب الضار .. قد
تظن أنها مساكب زهوره الخاصة .
ضحك ريكس وهو ينقل اللحم إلى طبقها :
- يجب أن تواجهي الواقع .. إنها له .. حين انتقلت إلى هنا اقترحت
زرع بعض النباتات .. وأصغى إلي جونو بكل احترام ثم ذهب ليزرع ما كان
ينوي زرعه .
- و ماذا قلت له ؟
- لا شيء .. كنت قد اكتشفت أن ما أردت زرعه لا ينمو إلا في مناخ
نصف استوائي .
ابتسمت :
- كان يجب أن يقول ذلك .
- جونو لا يعتقد أن من واجباته الجدال معي .. ولقد تعلمت درسي.
يعرف عمله وأنا أتركه وشأنه ليفعل ما يريد .. والنتيجة أن لدي أجمل
مساكب زهور في البلدة .
نظر إلى شوكتها المتوقفة في لهواء :
- إذا كنت حقاً تهتمين بالحدائق فسأكلم جونو .
ردت بسرعة :
- لا .. المسألة مجرد شيء أفعله .
- ظننتك ترغبين في الهروب من العالم .. لا موسيقى صاخبة , لا
تلفزيون , لا مسؤوليات .
- أعتقد أنني لم أفكر بمدى فراغ مثل هذه الحياة .
- لماذا لا تخرجين وحدك للتفرج على المناظر ؟ أنت لا تكادين تخرجين من
المنزل ماعدا معي. اذهبي إلى المركز الوطني للأبحاث الجوية , الكومبيوتر
هناك مذهــل ..
- وما هي الأبحاث الجوية ؟
- أترين ذلك المبنى الزهري فوق تلك التلة ؟ إنهم يدرسون فيه كل
الأشياء التي لها علاقة بالجو .. وهم يقومون برحلات استكشاف في مناطق
وعرة كذلك .
- تبدو لي الطريق وعرة , ولا زلت غير متأقلمة مع المرتفعات .
- دعي جونو يوصلك بالسيارة .
- أوه . بالتأكيد .. ألا تتصورني أنزل من السيارة أمام المختبر , أجرجر
معطف الفرو ورائي وأنا أدخل المبنى ؟
ضحك :
- الطقس لا زال دافئاً لمعطف الفرو .. ثم بإمكانك قيادة سيارتي .
- بالتأكيد تمزح ؟ سيارتك الرياضية قوية جداً بحيث أخاف أن أرجعها
إلى الخلف من الكاراج , خشية أن تقود نفسها من دوني .
قبل أن يرد على هذا , رن جرس الباب الأمامي فوقف ليفتحه وتبعته
كاندرة .. كانت الدقائق القليلة التي تلت مشوشة تماماً بعد أن دخلت امرأة
رائعة الجمال إلى الردهة تعانق ريكس وتقبله بحماس مستسلم .. تبع
وصولها العاصف رجل مهذب أنيق صافح ريكس وانحنى أدباً أمام كاندرة
الواقفة عند باب غرفة الجلوس . ابتسم الرجلان تسامحاً للمرأة وهي تهذر
طويلاً وتضغط على ذراع ريكس باستمرار وكأنما لتوصل إليه كلامها ,
أحست كاندرة أن قلبها قد تهشم لرؤيتها اللمعان الدافئ المحب في عيني
ريكس والوله المخلص في وجهه .. هل هذه هي المرأة ذات الرداء الذهبي ؟
علقت أنفاسها في حلقها وهي ترى نظرة الحب على وجه الرجل الآخر .. لا
عجب أن يتخلى ريكس عن المرأة لهذا الرجل, ما هو إحساس أن تتلقى المرأة
مثل هذا الحب دون تحفظ ؟
- وهكذا قلت لدايف لحظة حطت بنا الطائرة إننا يجب أن نأتي رأساً إلى
هنا .. ولم أتصل لأنني لم أرغب في أن تتخلص منا .. أكاد أموت فضولاً ..
أين هي ؟
هز ريكس رأسه ضاحكاً :
- كونها امرأة متعقلة , فعلى الأرجح قد تكون هربت لتختبئ لحظة
وصلتما لتوفر على نفسها الاستماع إلى كل هذا الهراء .
وهبط قلب كاندرة .. كاندرة المتعقلة .
قالت المرأة ساخطة :
- ريكسي ! لا تبدأ بانتقادي !
شهقت بطريقة درامية :
- لقد أسرعت بدايف إلى هنا ولم نتناول العشاء بعد .. كانت رحلة
الطائرة رهيبة , والآن لا تريد مني أن أرى عروسك .
مسحت دمعة خيالية بإيماءة مسرحية. قال الرجل باستياء :منتديات ليلاس
- لقد فعلت هذا مجدداً .. ستقضي الآن الليل وهي تخبرني كيف كنت
تشد جدائلها وتضع الثعابين في فراشها .
اعترض ريكس وهو ينظر إلى المرأة مؤنباً :
- أنه ثعبان واحد .. هل عدت للمبالغة إيزي ؟
- أبالغ لو قلت إنك كنت أكبر متوحش .. ولا شك أن زوجتك
تركتك الآن .. ولن ألومها أبداً .
نظر دايف من فوق رأس المرأة إلى كاندرة , وقال :
- آمل أن تكوني على معرفة بما أقدمت عليه حين تزوجت فرداً من هذه
العائلة .
استدار الجمال الأسود الشعر لينظر إلى كاندرة في غرفة الجلوس .
فسارعت إليها ثم توقفت فجأة :
- حمراء شعر ! لم تقل لي إن لها شعراً احمراً ! هذا يشبه تماماً ..
مهما كانت ستقول لم تسمعه كاندرة , فقد لف ريكس ذراعه حول
خصر المرأة يضغط عليه محذراً .. فتوقفت عن الكلام في منتصف الجملة .
- كاندرة .. في حال لم تخمني بعد .. يخجلني جداً أن أقول لك إن هذه
المهذارة الوقحة هي شقيقتي إيزابيلا .. وهذا زوجها دايفد توين .. إيزي ,
دايف , أود أن أقدم لكما زوجتي كاندرة .
مدت إيزابيلا لسانها لأخيها , قبل أن تلتفت إلى كاندرة وتبتسم لها
بفتنة :
- أنا سعيدة جدً بلقائك .. ويحزنني جداً اضطراري إلى عدم حضور
عرسك ..
التفتت إلى ريكس :
-لا زلت لا أفهم لماذا لم تنتظر ريثما نعود من أوروبا ؟
- هيا الآن إيزي .. لم يمض عليك وقت طويل وأنت متزوجة, ولا
يمكن أن تكوني نسيت كم كنت متلهفة للزواج من دايف ؟
- هذا أمر مختلف .. فأنا لم أدع دايف يلمسني قبل ليلة الزفاف .
أحست كاندرة باللون الدافئ يتصاعد ليلطخ خديها, بينما تصلب
ريكس لكلام أخته الخالي من أي لباقة .. وأخذت إيزابيلا تنقل نظرها من
واحد إلى الآخر .. ثم أمسكت يد كاندرة :
- أوه .. عزيزتي .. من المؤكد أن ريكس قال لك إن أسوأ عاداتي أن
فمي يبدأ بالتحرك قبل دماغي . وأنا سعيدة جداً للقائك كاندرة . وأتمنى أن
نتمكن من أن نكون صديقتين .. أرجو أن تغفري لي ملاحظتي الحمقاء .
مكث الضيفان عدة ساعات وتناولا العشاء مما كان متوفراً في البراد ..
وأثناء ذلك , لم تكن كاندرة قد سامحت إيزي فقط بل أقرت بأن شقيقة
ريكس هي أكثر النساء وداً وفتنةً .. وقالت هذا لـ ريكس وهي تنظف
المطبخ .. فأجاب :
- كنت أعرف أنك ستعجبين بها . تذكرني كثيراً بـ كاتيا .
قالت ببطء :
- أتعني أنها فراشة أخرى ؟
- هذا إضافة إلى كونها فارغة الرأس .. وفي حال كنت تتساءلين عن
ملاحظتها السيئة هذا المساء فأنا لم أناقش معها أبداً كيف التقينا أو ما
حصل في الكوخ .. أما لماذا قالت ما قالته فلا أدري , ومن الطريقة التي
تثرثر بها أحياناً أكاد أكون مقتنعاً أن رأسها لا يملأه سوى الصخور .
- ولكنها لطيفة جداً .
- لها قلب من ذهب .. يمكن أن تعطيك القميص الذي ترتديه ..
خاصة إذا لم يكن يعجبها .
- ريكس! كيف تقول هذا عن أختك ؟
- كونها أختي لا يجعلني أعمى عن مساوئها .
- إذا كنت تلمح بهذا إلى أدجر . فأنا أعرف أن ما فعله خطأ رهيب ..
فهل تريدني أن أقصيه عن حياتي بسبب هذا ؟
- أنت ستسامحينه حتى ولو سرق المتجر كله .
- هذا غير صحيح .. لقد غضبت منه , ويعرف هذا .
قال ساخراً :
- طبعاً .. غضبت منه إلى درجة أن تركت له سيارتك .
- وماذا أفعل بها ؟ أنت من أصريت على السفر في الطائرة .
- كان يمكن أن تبيعيها أو تشحنيها إلى هنا .
- لم تكن تستحق البيع أو الشحن .. ثم إن لديك سيارتين .
- وما من واحدة منها تريدين قيادتها .. وماذا عن مكالمات كاتيا ؟ إنها
فتاة كبيرة .. وينبغي أن تتدبر حل مشاكلها لوحدها .
- أعرف أن من الصعب عليك أن تفهم .. لكنهما اعتمدا علي
طويلاً ..
قاطعها : وطويلاً جداً .
- لماذا أنت قاس عليهما ؟
- لماذا أنت لينة معهما ؟ أنت تعرفين كما أعرف أنا أنهما ضعيفان وغير
ناضجين .
- من السهل عليك إيجاد المساوئ .. فقد رباك والداك مع الكثير من
المال ولا يزالان حيين , ولا يمكنك أن تفهم ما كانت عليه حياتنا .
- حياتهما أم حياتك ؟ إنهما مدللان , غير مسؤولين ..
- لا .. ليسا هكذا .. لطالما عملا , كان لديهما وظيفة دائماً .
- وماذا فعلا بالمال الذي اكتسباه ؟
- كان لديهما مصاريف .. ثياب .
صاح ريكس :
- ثياب ؟ لقد شاهدت ما كان معلقاً في خزانتك .. كاتيا لديها أربعة
أضعاف ما عندك على الأرجح .
- أنا لم أكن أهتم بالثياب كثيراً .
- لا .. فكل ما كنت مهتمة به هو التأكد من ألا يقلق هذان الجاحدان .
هل قلت لهما يوماً إن المال قليل معكم ؟ هل فعلت ؟
- بالطبع .
تذكرت كيف كانت دائماً تخفي الأسوأ عنهما . لقد ذكرتها جدتها في
العديد من المرات بأنها هي رأس البيت والمسؤولة عن الولدين .. فهل
أخذت كاندرة نصح العجوز بجدية زائدة ؟ مرت أوقات كانت فيها على
وشك أن تكشف عن المخاوف التي كانت تتآكلها , لكن معرفتها أن الولدين
لا يستطيعان فعل شيء لدفع الفواتير الطبية أبقتها دائماً صامتة . حتى بعد أن
أنهى أدجر ثانويته , لم تجرؤ أن تطلعه على مقدار دينهم خشية أن يتخلى عن
التعليم الجامعي , ولم تكشف لهما يوماً أنهم يقتربون من حدود الكارثة ..
فهل ريكس على حق ؟ هل كان هذا مضراً لهما ؟
ســـألها :
- هل ساعداك يوماً في أعمال المنزل ؟ أنا الرجل الذي تزوجته ..
ورأيتك كيف كنت تسيرين في الكنيسة .
صــــاحت :
- هذا بسبب ليالٍ لم أنمها . وهل كنت تظن أنني كنت أحلم أحلاماً
سعيدة عن زواجي المترقب ؟
رد بحدة :
- أنت تغيرين الموضوع .
- ربما لأنني تعبت منه .
- لا شك .. فأنا محلك لن أرغب في الكلام عن أخ وأخت مثل أخويك
معرضين للانهيار من دون وجودك . إنهما يعتمدان عليك كالطفيليات دون
أن يهتما بك أبداً , ما عدا ما يمكن أن تفعليه لهما .. لقد تركك أخوك
تتلقين العقاب عنه , وتجاهلت أختك تعاستك بسبب عرسك لمجرد أنها تريد
ارتداء ثوب زهري كبير وقبعة تناسبه .
هزت رأسها مصدومة بلذاعة اتهامه . لكنها لم تكن قادرة على دحضه
دون أن تعترف بأن ريكس كان يريد يومها رؤية كاتيا في مكتبه .. ورفض
أدجر الاختباء وراءها .. وكان سيرفض تضحية كاندرة أيضاً لو عرف
بها .. قالت :
- لم يكونا يعرفان ..
- افتحي عينيك حمراء .. ليس في جسد كاتيا عظمة واحدة ليست
أنانية , وإلا لما بقيت تزعجك خلال شهر عسلك .. أما أدجر فهو العكس
تماماً, إنه على الأرجح لم يفكر بك منذ رحلت . أنت لست أكثر من عاملة
كادحة في البيت بالنسبة لهما .
قال متصلبة :
- أنت لا تعرف عما تتحدث .
- أعرف تماماً أنك أرسلت لهما مالاً .
ردت بسرعة :
- إنه مالي .. ولدي مرتب واحد آخر قادم , أنا لم أستخدم مالك .
- هذه ليست المسألة .
صاحــــــت :
- أعرف ما هي المسألة .. أنت تحاول القول لي إنني أفشلتهما وجعلتهما
ضعيفين: أنت تقول إن أخي وأختي لا يحبانني .. هل خطر ببالك أن أدجر
محرج جداً من الاتصال بي ؟ و أن كاتيا تتصل لأنها تفتقدني ؟
- لا .
- أفضل الموت على أن أكون قاسية مثلك .. لا عجب أنك لا تريد
زوجة تحبك فأنت لا تعرف حتى مبادئ الحب .
- وأنت .. تعرفينها ؟
وخرج من المطبخ .
****
(( نهاية الفصل السادس )) ..
|