دخل أخيرا في شوارع المدينة وخفّف من سرعة السيارة ثم قال :
" حرب الأنفصال سحرتني ,إنها تحكي مأساة حقيقية ,ومن الخيوط الأولى للقصة أحسست أنها تصلح لحلقات تلفزيونية شيّقة وفنّية في الوقت نفسه".
شيئا فشيئا تجاوبت آنا مع حديث ريان وتناقشا في موضوعات تلك الحرب التي تعرف عنها الكثير من خلال عملها , وتوقف حوارهما الأنفعالي عندما أوقف ريان السيارة في مرآب الفندق ,وفهمت آنا في النهاية ان جيسيكا لم تشاركه الحماس في كتابة السيناريو عن هذا الموضوع ,الذي كان قد اثار فضولها كثيرا.
" وصلنا أخيرا".
قال وهو يوقف محرك السيارة :
" هذه ستكون منطقة التصوير الرئيسية خلال خمسة عشر يوما ".
خرج من السيارة وفتح الصندوق وبدأ ينزل الحقائب.
منتديات ليلاس
حاولت آنا فتح الباب بدون فائدة , إستعملت قوتها وضغطت على كل الأزرار , لكن الباب بقي موصدا , نقرت على الزجاج للفت أنتباه ريان , لكن باب الصندوق منعه من رؤيتها , وضعت كتفها على الباب , وشدّت القبضة بيدها وغذ بها تجد نفسها تندفع بكل قوتها مرتمية على الأرض , نظرت اليه بغضب , فبدون أن تدري ضغطت على احد الأزرار ففتح الباب , تقدم منها ببطء وهو يرسم إبتسامة ساخرة وساعدها لتنهض بعد ان كانت ملابسها ويداها قد اتسخت من ارض المرىب ,صرخت بحنق:
"إذا كانت البويك ىخر تقليعة في عالم السيارات , فأنا افضل السيارات الصغيرة , على الأقل أحس بالأمان داخلها".
" لو إنتبهت قليلا لخرجت بسهولة من هذا المأزق ".
"ألم ترني سجينة و لماذا لم تفتح الباب؟".
" عليك ان تفرحي , لأننا لم نسجن معا بداخلها".
إبتسمت لمزاحه اللطيف وهو يساعدها على مسح يديها وركبتيها ,ثم أخذ الحقائب وإتجه الى داخل الفندق.
بعد ان وضع الحقائب سألته بخجل :
" أرجو ان ترشدني الى الهاتف و سأتصل بخالتي راشيل , اعتقد إنك لن تتحملني لوقت طويل".
" كما تشائين , وسارى إلى متى ستتحملك خالتك راشيل".
مشى خلفها فلم تستطع ان ترى الأنطباع المرتسم على وجهه بعد هذه الجملة الساخرة , يا له من عفريت , إنه يحاول إثارتها بكل الوسائل.
إنتظرت آنا كثيرا على الهاتف ولم تسمع إلا ذلك الرنين الغريب على الطرف الآخر , أعادت السماعة الى مكانها ,وخرجت والقلق يسيطر عليها.
" لا أحد ,لقد خرجوا بدون شك".
" فضّلوا الأستمتاع بحريتهم قبل وصولك".
قالها ريان بدعابة لكنه أخفى إبتسامته بسرعة وإقترب من آنا وقال بحنان:
" يبدو عليك التعب ,هل تفضّلين ان ترتاحي قليلا؟".
" لا........زشكرا".
لقد كذبت عليه , إنها تشعر بضعف ساقيها ولا يزال راسها يحمل طنين الطائرة والسيارة معا ,ولا بد أن وجهها شاحب , إبتسمت إبتسامة خفيفة وقالت بخجل:
" في الحقيقة, ساموت جوعا".
" أعذريني , نسيت ان أفكر في هذا الموضوع و فنحن لم نأكل شيئا منذ نزولنا من االطائرة و أعرف مطعما رائعا , الغرفة ستكون جاهزة الآن , سنضع الحقائب ونأخذ حماما سريعا ثم نذهب للعشاء ,ما رايك؟".
تحرك بإتجاه الحقائب , قالت :
" سانتظرك هنا".
كان إقتراحه رائعا , فهي بحاجة الى حمام لتستطيع تبديل ثيابها المتسخة , ولكنها قررت الا تنزل في هذا الفندق,قال ملاطفا:
" ما زلت تفكرين بزيارة اهلك طبعا ؟".
نظر الى ساعته وأضاف:
" قد يعودون في وقت متأخر من هذا المساء لذلك يمكنك إستعمال حمامي الآن على الأقل".
فكرت بتعبها , وبلقائها مع خالتها وابنائها و الذين بلا شك سيرهقونها بالأسئلة وفضّلت أن تؤجل لقاءهم الى الغد , قالت بعد أن إتخذت قرارها:
" هل استطيع أن أحجز غرفة هنا هذه الليلة؟".
" عظيم , قرار رائع".
نظر الى السماء من نافذة صالة الأستقبال وقال بلهجة ساخرة:
" عظيم أيضا , لان السماء صافية ولا تهدد بأية عاصفة , سنحجز غرفتين منفصلتين بكامل حريتنا".
أحست بلسعة قارصة من كلامه الساخر فقالت بغيظ :
" لن أعتمد عليك هذه المرة".
إبتعد ريان بإتجاه الأستعلامات وقد رسم إبتسامة ماكرة على شفتيه.
وقفت طويلا تحت الماء , ثم لبست فستانا بنفسجيا بدون أكمام , ربطت شعرها الرطب وإلتقت ريان المتأنق حسب الموعد في الصالة , وإتجها الى مطعم النباتات ,حيث الديكورات الغريبة بين الاشجار الضخمة والنباتات الوحشية.
منتديات ليلاس
اكلت طبقها الذي إختارته بشهية , دجاج بالأعشاب والأناناس , ثم اخذت قطعة من الحلوى المصنوعة من الفواكه والأعشاب ايضا , كان طعمها غريبا ,ولكن بعد أن تذوقتها أحست بمذاقها اللذيذ.
عندما وجدت نفسها في غرفتها في الفندق لم تشعر انها كانت بحاجة للنوم ,وحاولت ان تتذكر أحداث يومها , قررت أن تشرب القهوة التي أحضرها لها احد العاملين في الفندق وحملت فنجانها ووقفت تشربه قرب النافذة ,الساعات الخيرة كانت مضطربة في ذاكرتها ,حتى اللحظة التي قال لها فيها ريان : " تصبحين على خير". امام باب غرفتها ,ثم إبتعد عنها وإختفى داخل غرفته و أحست بضربات قلبه القوية , وقرات في عينيه إنفعاله وعاطفته العنيفة....
إرتعشت لهذا الأحساس , فرغم إشمئزازها منه و إلا ان رغبتها قوية في ان تكون معه وحقدت على نفسها , إنها غير قادرة أن تقوم جاذبية هذا الرجل , إنه يحاول أن يجدد ذكرياته في هذه المدينة , التي أمضى فيها مع جيسيكا أوقاتا جميلة وممتعة , فهو يحس بالوحدة بعيدا عن السيناريست ,كيف تبتعد عن عالم ريان دونالسون ؟ غرقت في التفكير به رغما عن إرادتها.
الفجر ما يزال بعيدا , وفيكسبورغ تعوم بالرطوبة الحارة , غدا مع أطلالة خيوط الصباح ستشاهد جمال هذه المدينة , إن فكرة رؤية الميسيسيبي العظيم وحدها تثير في نفسها ردود أفعال غريبة.
شربت آخر نقطة من فنجان القهوة , وفتحت باب الشرفة ,وخرجت بهدوء , كان الهواء ساخنا وهو يمس كتفيها النحيلتين و تقدمت نحو الدرابزين وفجأة لمحت خيال شخص يقف هناك في الظلمة و تأملته بصمت , إنه خيال ريان دونالسون ينتصب على الجانب الآخر من الشرفة و أرادت ان تتراجع لكنها لم تجرؤ أن تقوم بأية حركة خوفا من أن يسمعها.
مرت لحظات طويلة وهي بالكاد تستطيع ان تتنفس , لقد كان مأخوذا بتلك المناظر الخلابة , واشعة القمر الشاحبة تضيء عرض كتفيه وجزء من شعره ووجهه , قدماها الحافيتان فوق بلاط الشرفة جعلتاها ترتعش , رغم الهواء الساخن , وفجأة التفت ريان ببطء وكأن أحدا يناديه , قال:
" آنا؟".
بدا صوته قلقا ومنفعلا بهموم كثيرة.
وبحركة واحدة إستدارت ىنا كراقصات الباليه ,وقفزت داخل غرفتها ,اقفلت الباب بالمفتاح وأسدلت الستائر ,وسقطت على طرف السرير تحاول ان تتوازن,وتسيطر على إرتعاشها وخوفها.