نهضت آنا وأمامها هدفان واضحان , الأول ترتيب البيت الذي تعمه الفوضى بعد رحيل جيسيكا , والثاني الأتصال بالمخرج لتخبره بما حدث , وقد تقبلت هذه المهمة كجزء من عملها , ثم لعنت الساعة التي وافقت بها على هذه المهمة , وأتخذت قرارها بأن لا ترمي نفسها في مغامرة مماثلة بعد الآن , وتساءلت هل كانت على صواب حين تركت وظيفتها السابقة في دار النشر الهادئة لكي تلتحق بهذا العمل لدى جيسيكا ؟ هذا التردد لم يدم طويلا , كان عليها أن تطلب سيارة أجرة لتذهب الى أستديو بياومان , حيث يتم التصوير , بعد أن رفض ريان دونالسون الأستماع اليها , شعرت آنا بالضيق وهي تنتظر على باب الأستديو الرئيسي , حيث يقف المسؤول ليمنع دخول الفضوليين , وعندما أخبرته أنها تحمل رسالة من جيسيكا فرانكلين الى يان دونالسون سمح لها بالدخول وهو يشير الى مكتب السكرتيريا الذي يوصلها الى المخرج , تسلحت آنا بالشجاعة وهي تنتظر جواب الفتاة الشقراء التي خرجت من باب البلاتوه مندفعة.
" لا يمكن هذا اليوم".
أخبرت الزائرة وهي تجلس خلف مكتبها , وتابعت:
" أن وقته مليء , والتصوير في مرحلاه الدقيقة الآن , وأعتقد أن عليك أن تأتي في وقت آخر".
قطبت آنا حاجبيها وزفرت بغضب.
" يجب أن أكلمه , هذا ضروري , أذا ما رفض أستقبالي , فأنا مضطرة للمحاولة ثانية..........".
" لماذا لا تنتظرين اللحظة المناسبة التي يكون فيها أكثر هدوءا؟ لن يحسن أستقبالك الآن".
" لست طالبة عمل , أنني هنا في موضوع يخصه , ويجب أن يعرف ما حدث".
تنهدت آنا بضيق وهي تلح على الموظفة التي هدّأتها قائلة:
" يبدو أن هناك أمرا مهما , إذن من الأحسن أن تخبريه به بأقصى سرعة , أدخلي الى البلاتوه , وأختاري بنفسك لحظة الحديث معه , أتمنى لك التوفيق".
تنفست آنا بعمق وهي تخطو مضطربة الى داخل البلاتوه , حيث يقام ديكور ضخم , وسط تلك الصالة الكبيرة , مضاء بكمية عجيبة من المصابيح المختلفة الألوان معلقة بسقف متحرك.
كان عليها أن تواجه غضب دونالسون السريع , وأن تنقل له الخبر بقدر ما يترك لها مجالا للحديث , دون أن تكرر ما حصل على الهاتف.
كان يتحدث بصوت عال وهو يوجهالمجموعة الفنية التي تعمل معه في هذا المشهد , أنه أحد مشاهد الحلقة الخامسة من مسلسل ( الحرب الأهلية ) الذي ساهمت مع جيسيكا في كتابته , وتحملت جزءا كبيرا من تحضير المادة التاريخية والوثائقية ليتناسب تحويلها الى سيناريو سيتم نقله الى الشاشة التلفزيونية.
" ليندا , بحق السماء , عودي الآن الى مكانك , سنعيد تصوير المشهد , إنفعالك لا يكفي...... جاهزون.....".
رفع يده , وكل أنظار العاملين متجهة اليه , وعندما لمح آنا فجأة , صرخ:
" من سمح لك بالدخول , قلت لا أريد هنا من ليس له علاقة بالعمل , أبتعدي عن محور الكاميرا ..... أرجوك".
تراجعت آنا مذعورة , وأختفت خلف أحد الجدران الخشبية الخاصة بالديكور , بينما أستمر ريان يحرك ممثليه وبعد أنتهاء تصوير المشهد , أقتربت آنا بشجاعة وقالت:
" أذا كنت تشير الى تطفلي , فأنا لست كذلك , يا سيد دونالسون ".
قالتها بهدوء وهو ينظر اليها بدهشة.
" قد يكون أختياري للوقت سيئا , ولكنه يناسبني , أريد أنأن أكلمك , وأرجو أن تسمح لي بذلك".
شكت آنا لثوان بأنه سيطردها , فقد بدا لها بمزاج عدواني , ولكنه ألتفت الى عناصره وقال بصوت مسموع:
" سنعودج للعمل بعد الغداء, نصف ساعة فقط , ليندا , أحفظي دورك جيدا".
نظر اليها وهو يخرج من البلاتوه , تبعته بحذر , دخل غرفته وهو يتحدث بعصبية مع أحد المساعدين , ويشرح له بعض التعديلات التي يطلبها , غسل وجهه وهو لا يزال يعطي بعض الأرشادات والتوجيهات الى مساعديه , الذين ما لبثوا أن تواروا تاركين آنا وحيدة أمام هذا الرجل الكريه , طويل جدا , ويلبس قميصا أبيض يتناسب مع لون بشرته البرونزية , التي تظهر من خلال فتحة القميص.
أحست آنا أنها متجمدة للغاية ومبللة في الوقت نفسه , لكنها أندهشت عندما سمعته يقول:
" أعذريني , كنت فظا بعض الشيء , وهذا بسبب ظروف العمل , إشرحي الآن ما الذي يمنع جيسيكا من السفر معنا الى أميركا؟".
تعجبت آنا كيف عرف ريان الموضوع , وقالت بأضطراب:
" زواجها , لقد تزوجت هذا الصباح , وفي هذه الساعة , الطائرة متجهة الى روما تحملها مع زوجها".
قطب دونالسون حاجبيه , ولبس سترته بعصبية.
" عندما ألتقينا مساء الخميس الفائت لم تشر الى هذا الموضوع".
" لم تكن تعرف بعد , لقد تقابلا يوم الجمعة مساء".
نظر اليها محدّثها والشرر يتطاير من عينيه ثم قال بصوت حاد:
" أنك تمزحين, على ما أعتقد.....".
" أقسم أنها الحقيقة , لقد تزوجت أليستير كيربي.......".
" الصحفي".