كانا يجلسان امام النار , وغطاء مطرز بالنجوم فوقهما , وصوت المحيط حولهما , فى عرض البحر انوار متلالئة ضغيرة تتارجح مع التقاء اسطولين ضغيرين من قوارب الصيد على الطرف الاخر من فم النهر
كانت كولين قد وضعت سترة كبيرة فوق ثوب السباحة ... شعرها مشعث كما لو انه لم يسرحه المشط منذ زمن فقد سبحت مرتين , وريح البحر قد تلاعبت به ... لكن وجهها كان يتوهج فى اشعة النار وكأن اليوم الذى مر بها شئ ثمين جدا .
وهكذا كان بالفعل .... فقد سبحا معا وتحدثا عن كل شئ تحت الشمس الا عن نفسيهما , ثم علمها مبادئ الغطس تحت الماء , وأفتتنت بما تعلمت حتى انها أهتمت كثيرا بعملية طهو ثلاثة سراطين منكودة الحظ التقطاها.
منتديات ليلاس
كان العشاء وجبة لذيذة , سرطان , بعض الهليون المعلب , سلطة بطاطا معلبة كذلك لكن مع خس طازج وطماطم من البراد الضغير النقال , بعض الجبن والبسكويت كنهاية للعشاء , ثم جمعا معا الحطب لنار المخيم وفرش ناش بساطا حيث جلسا يستمعان الى موسيقى موزارت عبر مسجلة تعمل بالبطاريات .
نظرت اليه وهو متمدد يستند الى مرفقه يحتسى القهوة , كانت قد عرفت فى النهار انه دائما يتاخر فى الرد , أصبحت تعرف اشياء لاباس بها عنه , وأهمها انه يحيط نفسه بهالة من التحفظ , تبقى مسافة بينه وبين الاخرين , ثم هناك دائما وميض تسلية فى عينيه اللوزيتين وكان يمكن لهذا ان يثير اعصابها , لكن لم يحصل هذا ابد , اما ماتبقى فقد عرفت من حديثه وطريقة كلامه انه مثقف جيدا , وقد اخبرها انه فى السابعة والثلاثين ردا على سؤالها , ثم قدر عمرها فاصاب , وقال لها انه سافر الى اماكن بعيدة , وانه نشأة فى فيكتوريا
قالت له :
- اخبرنى عن كل الاماكن التى زرتها
- اماكن كهذه ... ام مدن ؟
- مثل هذه ........ فانا لا اتصورك تستمتع بالمدن
نظر اليها :
- سرعان ما تضجرين من البرية كولين
تنهدت تحرك القهوة فى كوبها :
- اعتقد هذا........ انها مسالة استغناء عن الناس اليس كذلك ؟ كيف تتمكن من هذا ؟ أكان الدرب قاسيا طويلا قبل .......ان يحدث هذا ؟
- ولماذا تفترضين اننى اود الاستغناء عن الناس ؟
- لست ادرى ...... شئ فى حياتك ...... وانت قلت لى انك جوال , وهذا يعنى شخصا لايحتاج كثيرا للناس من حوله
صمت يحدق الى النار ... ثم قال :
- لست محقة كليا فانا احتاج ...... الناس
- اتعنى النساء ؟
ارتفعت عيناه اللوزتيان اليها :
- من وقت لاخر؟
قالت بجفاء :
- ولكنها حاجة جسدية .... اليس كذلك ؟ لا حاجة روحية
قال :
- هذه مسالة تتوقف على اشياء كثيرة ... فاذا كانت الامرين معا , فهى بكل تاكيد اكثر من حاجة جسدية , الم يحدث معك مثل هذا من قبل ؟
- الامر .....
وصمتت تعض شفتها , ثم رفعت كتفها فى أشارة قلق غريبة , ثم ابتسمت لتضيف :
- انا مشغولة الافكار قليلا فى هذا الموضوع
- لكن ........ لست عديمة الخبرة ابدا
اشاحت وجهها عنه ثم اعادت النظر اليه
- لا
حدق الى عينيها بشدة , حتى اخفضت رموشها على عينيها الزرقاوين المخضرتين ثم قال اخيرا :
- اترغبين فى المزيد من القهوة ؟
منتديات ليلاس
علقت تنهيدة ارتياح فى حلقها , وهزت راسها بصمت , اعطته الكوب لكنها لم تستطع منع نفسها من النظر اليه وهو ينحنى فوق النار ليجلب ابريق القهوة , كان هو كذلك يرتدى سترة بحار قديمة فوق سرواله القصير , شعره الاشقر الكثيف مشعث وقد علق به الملح , وادركت فى لمحة احساس مفاجئ خطفت انفاسها , انها تحس بوجود هذا الرجل كما لم تشعر قط والواقع ان هذا الاحساس كان ينمو طوال النهار وكأنه شوق سرى ولكنه شوق بلا تفسير وهو الى ذلك محرج بشكل لايصدق .
ثم احست به يقف امامها , يقدم لها كوب القهوة فاخذته منه بيدين مرتجفتين فجاة ووضعته على الارض , انما ليس قبل ان تسكب القليل منه وتحرق اصابعها .
قالت بطريقة مفككة , مسرعة :
- انا ....... انا ...... بعد هذا ........ يجب ان اذهب ...... حقا لاشك ان الوقت متاخر جدا
لم تجرؤ على رفع بصرها اليه , واحست بخفقان بائس فى قلبها . لكن صوته كان هادئا رزينا حين قال :
- لماذا لاتبقين هنا كولين ؟
أجفلتها الصدمة لحظات , ثم قالت عن غير تفكير:
- ماذا ...... لماذا ؟
- ظننتك تعرفين .... ظننت نفسى اؤثر فيك كما تؤثرين فى ؟
رفعت نظراتها اليه :
- وهل هذا صحيح ؟ لم اكن اعرف ........
صمت تعلق سفتيها فاجاب بسرعة :
- أجل ...... انت تؤثرين فى
ومد يده
أمسكتها ببطء وتركته يوقفها على قدميها , ثم همست وقد توردت وجنتاها :
- كيف عرفت ؟ انا لم ...... وهل انا شفافة لهذه الدرجة ؟
لف اصابعه حول معصمها :
- وهل الامر مهم ؟
وضع يده الاخرى تحت ذقنها وأدار وجهها اليه :
- أيجب ان تخفى هذا ؟
تمتمت :
- لكنك تمكنت من اخفاءه
- هذا لاننى لم ارغب فى اخافتك ...... ولو كنت تذكرين تساءلت كثيرا عنى
- اعرف .....
- والان ؟
رفرفت جفنيها بحيرة :
- الان ؟ أيمكن لهذا ان يحدث هكذا ؟ أحس اننى احلم
رفعت اصابعه ذقنها
- يمكن ان يحدث كما ترغبين كولين
حبست انفاسها :
- ماذا ....... تعنى ؟ انا لا ....... انا لاافهم ؟
- اعنى ........ ان بمقدورك ان تقول لى ماذا تريدين وسافعل او بامكانك .... بامكاننا التحدث ......او ...... يمكن ان نستغنى عن الكلمات ....... الامر عائد اليك
انزل يده عن ذقنها ووقف ينظر اليها , ارتجفت كولين من راسها حتى اخمص قدميها , وارتفعت يداها من غير وعى منها وعقدتهما لتبد بقول شئ , لكنها امتنعت بارادتها الكاملة , وهذا ماستذكره الى الابد . تحركت الى مابين ذراعيه .
كان عناقا طويلا بطيئا لايشبه شيئا عرفته من قبل , تعانقا وذابا معا , كانت نبضاتها تخفق بنغم رتيب مهتاج , ثم عادا الى العناق بجوع غريب .
امسك بيديها خلف عنقه ونظر الى عينيها بارتباك , بحركة غير واعية آرخت تشابك اصابعها لتتمكن من الغبث بالخاتم الذى كان عادة فى اصبعها اليمنى .
كان هذا كاطلاق النار .... انزلت ذراعيها من عنقه وهمست بصوت مدمر وقد امتقع وجهها :
- ماذا افعل ؟ لابد اننى جننت .....آه ........ ارجوك دعنى اذهب
نظر اليها بثبات فترة بدت عمرا ........ وضاقت عيناه بسخرية
فتمتمت :
- انت لاتف.......تفهم .... انا نخطوبة ........ وكل ترتيبات الزواج تامة
اجفلتها ابتسامته وقالت :
- لا ادرى ماذا تظن بى
تركها وارتد الى الوراء , قال ببرود :
- كان علينا ان نتحدث اولا لكن مازلا بامكاننا ان نتكلم لو أحببت
وضعت يدها على فمها واكتشفت ان الدموع على خديها ..... فظاعة ماكادت تقدم عليه مع فظاعة محاولة ان تشرح غمرتها بموجة سوداء من اليأس فارتدت على عقبيها لتبدا الركض , لم تكن متاكدة انه يلحق بها وبعد ان خفت الظلمة امامها ارتدت لتعرف السبب فاذا بها ترى نور مصباح يدوى يتحرك خلفها , وأدركت انها فقدت كل احساس بالاتجاه , ولاتعرف الى اين تذهب , فابتلعت ريقها وتنفست بعمق .
لقد تاخر الوقت , سمعته يناديها وقد تلاعب نور المصباح عليها , وقفت مسمرة وكأنها التمثال عندما دنا منها تساءلت بخوف عما ينوى ان يغعل , لاشك انه غاضب .
حين توقف أمامها , كان الذى راته يعتم عينيه هو الغضب , قال ببرود :
- انت مجنونة