كاتب الموضوع :
فداني الكون0
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
عزيزتي الآنسة هيوليت:
قرأت باستغراب وبكثير من الاهتمام المقال الذي نشر عنك في جريدة مليدنهد غازيت ليوم الجمعة. المقال مدبج بتعابير منافية للاخلاق المهنية، والجدل المستعمل فيه للدفاع عن وسائل التعليم الحديثة غير مهني. كاتب المقال ميال الى معالجة الموضوعات المثيرة وقد استغل رغبتك في اقتناص اول فرصة سانحة لعرض وجهة نظرك حول موضوع وسائل التعليم الحديثة. المقال برمته سيء بحيث أنه لا يفيد لا الكاتب ولا الشخص الذي عرض وجهة نظره....
بصفتي رجل تربية ذا خبرة في هذا المضمار، ودون تحيز أود ان اقول ان الحماس الذي تنقصه الحقائق الدامغة واندفاع الشباب والتفاؤل، كلها ليست كافية لاثارة موضوع بهذا العمق يسبب ضرراً كبيراً لعدد كبير من المربين ويثير الشك في عقول الآباء، حيث ان تعليم اولادهم هو شاغلهم الآول في تربيتهم التربية الصالحة.
على العموم كان الدافع الأول لوضع المقال اثارة الرأي العام وتحريك عواطفهم، وهذا يساعد في تثبيت مخاوف المجتمع، واخشى ان الكاتب قد انتهج طريقاً خاطئاً في الإعلام.
أنا اصررت ان تفتشي عن دعم خارجي لقضيتك، ولكنني لم أقصد ابداً هذا الدعم بالذات.
انتهجت طرقاً غير عادية للاتصال بك مباشرة، ربما لأنني اعرفك شخصياً، وربما لأنني اريد حمايتك من الدعاية التي لا تسر والأقاويل المغرضة التي ستنتج عن هذه الحادثة المؤسفة لو اتبعت الطرق العادية في الاتصال. أعلمت مديرك المباشر الاستاذ بنستون انني سأتصل بك شخصياً كي يوقف هو أي اجراء كان من الممكن أن يتخذه بالنسبة لهذا الحدث.
انصحك، اخيراً، ان تتصلي بكاتب المقال في أول فرصة وان تطلبي منه بإلحاح وصدق أن يتحقق من الموضوع برمتّه، وان تقنعيه بالتخلي عن كتابة بقية السلسلة التربوية من أجل مستقبلك. انت لست مجبرة على اتباع نصيحتي ولكنني شخصياً لا أرغب في تحمّل اية مسؤولية تنتج بعد ذلك من جراء تصرفاتك، اذا رغبت في اكمال نشر هذه السلسلة.
المخلص
ك. م. أ. يورك.
المفتش في وزارة التربية
حين انتهت لين من قراءة الرسالة وهدأت ثورتها قليلاً، ذهبت الى صديقها ماري ووضعت الخطاب أمامها قائلة:
-اليك هذا الخطاب! اقرأيه للنهاية. ستجدين السم القاتل في نهاينه. بقيت لين واقفة قرب ماري تنتظر حتى تنتهي من قراءة الرسالة وهي تتنفس بصعوبة من شدة حنقها. بقيت ماري هادئة وهي تقرأ الرسالة بكل اهتمام. نظرت اولاً الى التوقيع وهمهمت:
-انها من كريس يورك، ولكن ماذا يعني م. أ. في وسط اسمه؟
وبعد ان انتهت ماري من القراءة نظرت الى لين وقالت بصوت هادئ:
-ما الخطب؟ ان الرسالة معقولة جداً. كريس يكتب اليك في حدود مسؤولياته. انه لم يخذلك في محنتك، بل على العكس يحاول ان لا يزعجك ويدافع عن تصرفاتك الهوجاء. انه لطيف جداً وضمن حدود اللياقة. كنت أتعجب كيف لم ينل منك غضب الادارة يوم الجمعة وقد اتضح لي الآن انه هو الذي حال دون ذلك..... عليك ان تشكريه على عمله في صدّ الهجمات البربرية عليك من قبل المدير.
-انا اشكره؟ سأهييء له جواباً مناسباً لرسالته هذه......
-ولكن يا لين! أرجو ان لا تفقدي توازنك. كوني عاقلة. لقد اعترفت بنفسك ان المقال كان سيئاً. ولماذا تتحيزين الآن؟ فقط لأن كريس كتب لك ينبهك بلطف الى اخطائك، وذلك صمن حدود مهنته ومسؤولياته. كان يستطيع ان يتركك وشأنك وربما كنت غرقت في خضم هذه المشكلة. وبدلاً من ذلك اخذ زمام الامور بيده. عليك أن تشكريه لفعلته. قرر ان يكتب لك بنفسه وبذلك انقذك من مأزق حرج جداً.
كانت لين تعترف في قرارة نفسها بأن ما تقوله ماري هو الحقيقة. وكذلك كانت تعلم انها تتجنى على كريس وتتهمه بالباطل ولكنها كانت تشعر برغبة ملحة في مجابهته والرد عليه. لقد أثر كريس تأثيراً كبيراً في مجرى حياتها منذ أول يوم التقته. كان كالشوكة الحادة قد انغرس في لحمها وعليها ان تقتلعها مهما تألمت.
جلست في المساء وكتبت له الرد. قالت:
-عزيزي الاستاذ يورك:
اشكرك على رسالتك. آسفة لأن المقال الذي نشر عن لساني في جريدة ميلدنهد غازيت لم يعجبك. وانك لا توافق على الاسلوب ولا المضمون.
المقال كتب للوصول الى عقل القارئ العادي وليس لناقد كبير مثلك أو في مستوى ذكائك الخارق. كاتب المقال صحافي خبير وليس عديم الخبرة كما ذكرت. واعتقد ان عمره لا دخل له في المقال. لقد تحقق الصحافي من الموضوع بشكل عام واسلوبه في الكتابة لا ينحصر مطلقاً في التأثير على القارئ. لقد حاول فقط أن يوصل رأيه، وبالتالي رأيي، الى عامة الناس بأبسط الطرق واسهلها ولو عن طريق العاطفة.
أنا لا أخاف الضجة بل كنت انتظر حدوثها يوم الجمعة الفائت بعد نشر المقال لو لم تتدخل أنت. وربما علّي ان اقول لو لم تتوسط أنت.
اما بشأن اقتراحك: الاتصال بالكاتب ومحاولة اقناعه بعدم نشر بقية السلسلة التي خطط لها.... فأذكرك بحرية الرأي وحرية الطباعة والنشر في هذا البلد، ولا يمكن اجبار او اكراه أي كان على تغيير رأيه. ولكن بعد تهديدك المبطن لي في نهاية رسالتك الخاصة، والتي تقول فيها ان ذلك ربما سيؤثر على مهنتي وعملي، وبما أنني أحتاج وظيفتي، فمن الضروري اذن أن أقبل نصيحتك الخالصة شئت ذلك ام أبيت. باستطاعتي اقناع الكاتب المذكور بوقف نشر السلسلة التربوية ولكنني أقول لك صراحة ان ذلك يخالف مبادئي واخلاقي.
المخلصة
ل. ن. هيوليت
وضعت لين الرسالة داخل مظروف. ثم ختمتها ووضعت عليها عنوان مكتب الاستاذ يورك ثم كتبت عليها بعد تفكير كلمة: سري وشخصي..... كما فعل هو. واسرعت الى اقرب مركز للبريد فبعثت الرسالة خوفاً من ان تغير رأيها وتعدل عن ارسالها.
بعد يومين استلمت لين جواب رسالتها على عنوان مسكنها. كان الجواب مقتضاً ومكتوباً باليد.... الرسالة تقول:
-عزيزتي الآنسة هيوليت
استلمت رسالتك. اعتبر الموضوع منتهياً.
ك. م. أ. يورك
شعرت لين بانكماشها وصغرها. وجلست لفترة طويلة تنظر الى رسالته والى خط يده. امتلأت عيناها بالدموع فكانت ترى الأحرف تتراقص أمامها ومن خلال دموعها تخيلت ان محتوياتها كانت تعج بالحنان والرقة. اغمضت جفونها قسراً وتذكرت لقاءاتها معه. كانت تفتش في ذهنها عن أي مخرج يحفظ لها كرامتها وعزتها في علاقتها الشائكة به.
بقي اسبوع واحد على موعد الحفلة الموسيقية التي ستقام في قاعة الريفرسايد. وكانت لين تمضي معظم اوقات فراغها في المدرسة وفي غرفة الموسيقى تدرّب تلاميذها الشباب على تأدية ادوارهم في الحفلة. وبعد ظهر يوم من الايام اكتشفت لين انها نسيت دفتر تسجيل الصف في غرفة الموسيقى وقررت استعادته دون اي إبطاء. كان دفتر تسجيل الصف يعتبر من المقدسات في المدرسة لأنه يحتوي على معلومات اساسية في سير عمل الصف، وفيه يسجل كل شيء هام يتعلق بالتلاميذ.
وقفت لين امام باب غرفة الموسيقى مترددة لأنها لم ترد ان تزعج الشخص الذي كان يعزف بمهارة على البيانو. ربما انتظرت قليلاً حتى ينتهي من عزف هذه المقطوعة. ولكنها لم تدر اذا كانت المقطوعة طويلة تستغرق وقتاً طويلاً. ولم تكن تعرف كم سيطول بها الانتظار. قررت اخيراً ان تدخل وتعتذر للعازف على ازعاجها.
|