كاتب الموضوع :
فداني الكون0
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
اغلقت عينيها يائسة وأسرعت الى غرفة صفها وهي تقول:
- لايزالون واقفين.
كان ضجيج تلاميذها مسموعا خارج الغرفة، وهم صبيان بين الرابعة عشرة والخامسة عشرة من العمر.
-بحق السماء واجلسوا وأهدأوا من فضلكم.
اختفت لين في الغرفة المجاورة التي تستعملها كمستودع صغير تخزن فيها ما يلزمها. جلبت طبشورا وعادت.
-عليكم ان تحسنوا التصرف اليوم والا سيكون وضعي سيئاً. يوجد معنا مفتشون يطوقون المدرسة خلسة. أحدهم سيحضر صفي ليتجسس على عملي. سأخبركم ذات يوم كم أكره هيئة التفتيش وعملها.
صمت الجميع. كانت ردة فعلهم غير منتظرة. وساورها بعض الشك ولكنها عادت من جديد الى غرفة المخزن المجاورة وجلبت المزيد من الطبشور.
وجدت أمامها الرجل الذي لم تكن تتوقعه، الرجل الطويل المتعجرف. كان ينظر اليها بعينيه الرماديتين نظرة غاضبة، يتفحصها من قمة رأسها حتى أخمص قدميها. كان هو بعينه الشخص الذي كادت توقعه صباحاً، حين اصطدمت به فوق السلالم. ارتبكت واحمرت وجنتاها وهي تعتقد انه ربما يكون سمع كل ما قالته لتلاميذها منذ برهة وجيزة. سألته بصوت مرتجف:
-نعم؟ هل استطيع مساعدتك؟
فردد اسمها متسائلاً:
-الآنسة هيوليت؟ اسمي يورك. انا مفتش اللغة الانكليزية. أرغب في حضور صفك. هل لديك مانع في أن اجلس في مؤخرة الغرفة؟
وهل يمكنها أن ترفض؟ ثم أكمل حديثه:
-لا تهتمي لوجودي......تظاهري بأنني غير موجود.
وكيف يمكنها أن تتجاهل وجود رجل مفترس كالنمرمعها في الغرفة!
جلس الاستاذ يورك بصعوبة في مقعد في زاوية الغرفة البعيدة. رتب أوراقه وأقلامه بطريقة منظمة ثم وضع يديه في
جيوبه، ومال يستند الى الحائط خلفه وقد كست وجهه تعابير غاضبة وعابسة بانتظار أن تبدأ الدرس.
أخذت لين نفساً عميقاً وقالت بصوت واضح مسموع:
-هيا يا أولاد. كل منكم الى فرقته. رتبوا أولاً المقاعد كالمعتاد.
رتب التلاميذ المقاعد بشكل جديد بسرعة وضجيج مقبول وفوضى محتملة. كان المفتش ينظر الى أوراقه ويتسلى بالرسم عليها كما اتفق.
-كل منكم يعرف موضوعه. فرقة ألف تعمل في التقرير. فرقة باء مع المسجلة لقراءة الشعر مع الموسيقى. عليكم استعمال الغرفة المجاورة كي لا نزعج بقية الفرق. فرقة جيم في معالجة قراءة هذه الكتب وفرقة دال في الكتابة الحرة والإنشاء.
با المفتش ممتنّبهاً متعجباً وهو يرى كل فرقة تنخرط لفورها في العمل، بينما تمرّ لين بينهم تستمع إليهم تساعدهم وتعطيهم النصائح والارشاد عندما تجد ضرورة لذلك. كانت تجلس فترة مع فرقة تناقش أعضاءها في مواضيع مختلفة وتبدي رأيها المخالف لرأيهم، وتساعدهم في تكوين آرائهم الخاصة. وإذا اختلفوا فيما بينهم، طلبت منهم ان يكملوا المناقشة بهدوء ليتوصلوا الى اتخاذ القرار المناسب.
كانت لين تشعر بمراقبة المفتش الدائمة لها وهي تقوم بعملها. لقد أزعجتها مراقبته لكل حركة من حركاتها. لابد أنه يسجل كل شئ في محاولة لتقييم عملها. إنه يستمع لكل جملة تقولها. لن تسمح له ان يربكها أو أن يجعل توازنها يختلّ. ستعطي أفضل ما عندها ولن تترك له أي مجال لانتقادها.....
بدأ فريق التسجيل في الضحك والتهليل في الغرفة المجاورة. وأسرعت لين لتحاول تهدئة الوضع. وبقيت معهم فترة تستمع لتسجيلاتهم وأشعارهم. وحين عادت ادراجها إلى غرفة الصف وجدت المفتش واقفا يتكلم مع فريق القراءة. كان يسألهم اسئلة ويتصفح الكتب التي بين أيديهم ويراقب دفاترهم وملاظاتهم. تمنت لين ان يتركها وشأنها ويخرج ولكنه بقي حتى نهاية الحصة. شعرت أنها أطول ساعة في حياتها.
قالت اخيراً بصوت مرتفع:
-انتهينا. اعيدوا المقاعد الى أماكنها واحزموا كتبكم وارحلوا.
وقفت لين قرب مكتبها بعد ان خرج آخر تلميذ من الغرفة وقد بدا عليها الارهاق وتوتر الاعصاب. لماذا لم يذهب هو أيضاً؟
تقدم الاستاذ يورك ببطء الى الامام وتوقف قرب مكتبها كأنه يريد ان يتكلم ولكنه غير رأيه وشكرها وخرج.
تراخت جالسة على كرسيها من التعب. كان خوفها من رأيه بها وبتعليمها يشلّ تفكيرها وحركتها. اخيراً انتهت الحصة وخرج فلا موجب للعصبية. ثم ان التلاميذ تصرفوا بطريقة احسن مما انتظرت منهم. لم يخذلوها.... انتهى الكابوس وانتهت حصة التفتيش.... لن يحضر مرة ثانية بعد.
انتهت ساعات التدريس الصباحية وأقفلت لين غرفة صفها. ثم مرت بطريقها على صديقتها ماري وصديقها كين لتذهب بصحبتهما الى غرفة الطعام المخصصة للاساتذة ليتناولوا غدائهم. سألهم كين وهما ينزلان السلالم:
-كيف سارت الأمور؟
أجابت لين:
-أفضل بكثير مما توقعت. لقد تصرف التلاميذ احسن تصرّف.
قاطعها كين مختصراً:
-لأنهم يحبونك....
-.....ولكن المفتش لم يبد أية ملاحظة.
سألتها ماري متعجبة:
-ألم يتكلم معك بعد الدرس؟
-لا. وهل كان عليه ان يفعل؟
أجابتها ماري:
-هذا ما يحصل عادة. يسأل عن المنهاج المقرر لهذه السنة...... لا تهتمي. ربما يكون قد حصل على كل المعلومات التي يريدها من قبل.
هزت لين كتفها كأنها تقول ان رأيه في اسلوب تعليمهاوطريقتها في التدريس لا يهمها. حملت صينية طعامها وجلست قرب ماري وكين
|