كاتب الموضوع :
فداني الكون0
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
عبس وقال:
-انت لاتعنين ما تقولين يالين. انت بالتأكيد تقولين ذلك فقط لتثيري غضبي.
-بل انا اعني كل كلمة قلتها.
كانت نبرتها حادة وكلها تحد حين اكملت:
-ليست هناك اية فكرة جديدة في الموسيقى الحديثة. لقد قال العباقرة الأقدمون كل شئ عبر الموسيقى الكلاسيكية. قالوها بطريقة اجمل بكثير مما يقال اليوم وبطريقة مثيرة للغاية.
وقف كريس في مواجهتها ونظر اليها مباشرة ثم قال:
-هذه تصريحات جريئة لك. بل هي عنيفة.
ختمت تحديها قائلة:
-الحقيقة انا لااسمع الموسيقى الحديثة ابداً.....اذناي ترفضانها.
-هل خطر ببالك ان ما تقولينه متحيز؟ بل هو كلام دون تفكير وينم عن افق ضيق وعدم نضوج. كيف تقولين ذلك؟ انت التي تحاولين بشق النفس ان تغيري شكوك الآخرين في صحة طرق تعليمك الحديثة التي تعبر عن القرن العشرين واتجاهاته.
-لامجال هنا للمقارنة.
-كيف؟ طبعاً هناك مجال. ولكن من الواضح انك لاتريدين الاعتراف بذلك. اذا كنت متشبثة بآرائك ترفضين الاستماع لشئ لا تفهمينه، كيف تنتظرين من الآخرين الاستماع اليك دون تحيز؟ كيف يفتحون عقولهم ليفهموا اسلوبك الجديد في التعليم وهم في الحقيقة لا يفهمونه؟
بدأت لين تفقد رباطة جأشها. صرخت بصوت جعله يجفل فجأة:
-انت تتهمني بأشياء انت متهم بها اصلاً. انتم المذنبون في حقل التربية. نحن نكرهكم. انك تتهمني بالتحيز وضيق الأفق، وأنت بتفكيرك الرجعي منعتني من استعمال وسائل التعليم الحديثة في عملي. لقد سرك ذلك، والنتيجة كانت انك محوت ثقتي بنفسي وبقدرتي على العمل.
كان صوتها مرتفعاً ينذر بالسوء. لوح بيده جانباً وقال:
-اذا كنت ستعودين من جديد الى ذلك الموضوع اللعين....
وقفت بسرعة في مواجهته وقد فقدت السيطرة على اعصابها تماماً وقاطعته قائلة:
-اذا كنت تريدد ان تقدم ماتسميه (بالهواء النظيف في تعليم اللغة الانكليزية) عن طريق تخريبك لجهودي، اذن علي ان انساه كأي شئ تافه. هل انت محافظ ومتحيز كالآخرين؟ هل انت ايضاً تخاف التحدي؟
بدا اصغر. شحب وجهه وهي تتكلم بعصبية. تقدم قليلاً نحوها ولكنها تراجعت الى الوراء عفوياً. وحاول جاهداً ان يضبط اعصابه قبل ان يعاود النقاش. وحين عاود الكلام بدا صوته طبيعياً وهو يقول:
-انا لا اخاف التحدي مهما كان. ولكن اخبريني شيئاً واحداً ارجوك: ما الرابط بين هذا الانفجار بشأن خيبة املك في عملك، وبين موضوع بحثنا: الموسيقى الحديثة؟ انا واثق ان لا علاقة البتة بينهما. ولكن ما اراه هو ان كل الاتهامات والاهانات التي تقذفين بها في وجهي كانت تتفاعل داخلك منذ فترة طويلة، وبقيت في عقلك الباطني. كان يمكن لأي شئ ان يحركها لتشتعل وتصبح ناراً متأججة حارقة. لقد ابتلعت كل عقلانيتك وتفكيرك السليم وادراكك. في جميع لقاءاتنا كانت كراهيتك لي ظاهرة. كنت في كل مرة احاول جاهداً ان اتقرب منك وان اكسر الحاجز الذي بنيته بيننا، فأجد نفسي اضرب رأسي بالباطون المسلح. كنت اعلم انك تكرهينني ولقد سمعتك تقولين ذلك علانية.
اجفلت لين. وعادت ذكرياتها الأليمة ماثلة امامها.....اكمل كريس قوله:
-حسناً. اتركك وشأنك اذا كان هذا ماترغبين. ولكن قبل ان ارحل اصر ان اشرح لك بعض الحقائق.
جلست لين على الاريكة كأنها تغرق. كانت دموعها تنساب على خديها كالسيل. دموع الضعف والحزن والشقاء. واكمل قوله:
-كل ما فعلته في مكتب المدير كان ان وضعت مرآة امام عينيك المتهورتين. اجبرتك على ان تري الحقيقة. اخيراً اقنعتك بعد ان شرحت كل الملابسات المحيطة بالموضوع. لفت انتباهك الى ان جهودك المنفردة لا تثمر. كنت ولازلت ترفضين هذه الحقيقة. انك تفضلين ان تضعي اللوم علي بدلاً من لوم نفسك. ربما لومك لي يهدئ من تأنيب ضميرك لفشلك، او ربما تجدين في ذلك مجالاً للتنفيس عن مرارتك وكراهيتك للسلطة. هذه هي المرة الأخيرة التي سأسمح لك فيها ان تضربيني بسوطك. في المستقبل عليك ان توجهي حقدك الى من يقع عليهم اللوم حقيقة: الجهل والتحيز. وهنا نعود من جديد الى بداية نقاشنا حول الموسيقى الحديثة.
منتديات ليلاس
انتهى من كلامه. كان غضبه قد اختفى كلياً. بدأ يراقبها ببرودة دون اية شفقة لدموعها وحزنها. ثم اكمل:
-بقي شئ واحد اقوله لك. ان لقاءاتنا تسودها الحرب الكلامية ويعطلها الجدل العقيم. لقد اصبح واضحاً لدي اننا نتناحر دون سبب، ونجرح بعضنا دون ان نقصد. اي اننا لا نتوافق ابداً. اقترح ان لا نلتقي في المستقبل الا بالقدر اليسير ولأقصر مدة. وداعاً يالين. شكراً للقهوة.
نهضت لتودعه ولكنه رفع يده يمنعها وهو يقول:
-لا داع لرؤيتي الى الباب.
كانت لين تتمنى ان تجرحه وها هي قد نجحت الآن. جرحته جرحاً عميقاً. ولكن السلاح استعملته انفجر في وجهها وحطمها. لقد اصابتها تعاسة مريرة وشعرت بألم لا يمكن وصفه.
سمعت وقع اقدامه على السلالم وهو يبتعد. ثم تناهى الى سمعها دوران موتور سيارته وهي تبتعد ايضاً.
انفجرت لين باكية بحرقة. كانت في داخلها عاصفة هائجة لاتعرف كنهها
|