كاتب الموضوع :
فداني الكون0
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
-هل تتفضلين بزيارتي ياآنسة هيوليت؟ الشقة غير مرتبة وسأفهم بالطبع اذا فضلت ان لاتقبلي دعوتي.
كانت لين على وشك الاعتذار ولكن جملته الاخيرة وضعتها في مأزق حرج. لأنها اذا اعتذرت فسيكون بسبب عدم ترتيب الشقة.
-شكراً جزيلاً. سأدخل لدقائق قليلة.
ركبا المصعد الى الطابق الأول. فتح الباب وقال:
-سأصنع بعض القهوة. هل تشاركينني في شربها؟
-نعم. شكراً.......
الشقة فخمة الأثاث والديكور ومزينة بذوق رفيع دون فوضى. نوافذها العريضة تمتد من الأرض الى السقف وستائر السلك الرفيعة لا تحجب الرؤية، وفوقها من القماش الجيد الزاهي الألوان. تساءلت في نفسها: من انتقى الأثاث؟ زوجته؟
ناداها الاستاذ يورك من المطبخ قائلاً:
-ارجوك. اجلسي.
ولكنها فضلت ان تتفرج على الشقة. نظرت الى مجموعة كتبه فوق الرفوف المبنية قرب المدفأة من جهة، بينما الجهة الاخرى طاولة صغيرة عليها زجاجات من المشروبات المختلفة. لفتت نظرها صورة فتاة شابة جميلة فوق احد الرفوف قرب المدفأة. عيناها واسعتان ساحرتان وابتسامتها لاتقاوم. وقرأت في اسفل الصورة العبارة التالية: الى حبيبي كريس من انجيل.
بلعت لين ريقها وتساءلت في نفسها: هل هي زوجته؟ هو ليس وحيداً كما اعتقدت. لديه ارتباطات عائلية مما يجعله بشراً وانساناً. دخل كريس حاملاً القهوة والكعك الى غرفة الجلوس. وابتسمت له لين ابتسامة رقيقة من القلب، لم تبتسم له مثلها من قبل. تأثير ابتسامتها عليه كان مذهلاً. كاد يقزف من مكانه. وامسكت لين صينية القهوة من يديه قبلان تسقط على الارض. انسكبت القهوة في الصينية وملأت الصحاف.
-متأسف. هذا اهمال مني. ارجوك ان تضعيها فوق الطاولة الصغيرة.
جلست لين في كرسي مريح جداً وهي تحاول جاهدة ان تجعل زيارتها له لطيفة ومريحة. قالت تحاول مجاملته:
-لقد تكلمت عن الفوضى وعدم الترتيب في المنزل ولكنني لا اراهما.
ناولها كريس فنجان القهوة وبعض الكعك ثم انحنى يخاطبها بهدوء:
-هنا لابأس. ولكن المطبخ ملئ بالصحون الوسخة التي تحتاج للغسيل. ثم غرفة نومي.
تكلم بصوت خفيص:
-لاتخبري احداً بأن سريري غير مرتب.
ضحكت كثيراً وقالت:
-لاتهتم لهذا الامر. سوف لاانظر الى غرفة النوم.
تحادثا سوياً. اخبرها انه انتقل مؤخراً الى هذه المنطقة بسبب عمله. وتكلم عن بيته وقريته واهله في شمال انكلترا. بيت اهله حديث وواسع وتحيط به حديقة غناء. قام وفتش داخل خزانة صغيرة وقال:
-في مكان ما وسط هذه المجلات يوجد كتاب من الصور الفوتوغرافبة الملونة لمدينة يوركشاير وضواحيها. ها هو.
ناولها كتاب الصور وعاد يجلس قبالتها. بدأت لين تقلب صفحات الصور وتبدي اعجابها لرؤية المناظر الخلابة. وتراجع هو في مقعده الى الوراء وشرع يراقبها بعينيه المتصفحتين. لو تلاحظ تحديقه فيها الا حين رفعت نظرها عن الصور لتسأله سؤالاً. فأحمرت وجنتاها خجلاً ولم تسأله. نظرت الى صفحة جديدة وقالت:
-ما اجمل هذه الفتاة!
كانت صورة الفتاة نفسها الموجودة فوق احد الرفوف. ولكنها هنا ترتدي لباس البحر وتتمشى على الشاطئ ويدها بيد كريس.
اقترب كريس منها وجلس على ذراع كرسيها واجاب:
-هذه الصورة؟ لم اكن اعلم انها لا تزال هنا ضمن المجموعة. انها صورة قديمة. اخذت منذ ست عشر سنة. كنت لاازال في العشرين من عمري في ريعان الشباب. يمكنك مقارنتها بي بعد ان نالني الكبر.
نظرت لين اليه لتقارنه بالصورة. التقت نظراتهما وارتعشت قليلاً وهي تجيبه:
-انا لااعرف..... لا تبدو كبيراً.
واحمرت وجنتاها من جديد.
-حقاً! انك تجاملينني!
ضحك قائلاً.
-اليست هذه الفتاة نفسها التي في الصورة فوق الرف؟
-صورة انجل. نعم هي نفسها.
-هل هي زوجتك؟
-لا.... انا لازلت عازباً للأسف. هي صديقة قديمة لي عرفتها من سنين عديدة. اسمها انجل كاستل واسمها الفني انجيلا كاستللا. هي مضيفة. تقدم برامج غنائية في قاعة الاحتفالات بلندن وفي قاعات كبيرة اخرى داخل البلاد وخارجها. لها صوت بديع وتعيش قرب منزل والدي في الشمال.
ترك كريس مجلسه وعاد الى كرسيه قبالتها. شعرت لين انه لايريد ان يتكلم اكثر عنها مع انها كانت ترغب في معرفة حقيقة علاقته بها. وصلت لين الى نهاية كتاب الصور الفوتوغرافية واغلقته وهي تتنهد.
-اين تعيشين ياآنسة هيوليت؟
-في وسط كنت وفي ضاحية متمدنة. لايوجد حولنا ريف جميل وهضاب غناء مثل يوركشاير. منزل والي بسيط وقديم. بني في الثلاثينيات وهو مكون من قسمين. والدي يكره التغيير ويرفض ان ننتقل منه.
ضحك كريس كثيراً وقال:
-من الواضح انك لست مثله! ووالدتك؟
-انا اشبهها. وهي تؤمن ان التغيير هو عصب الحياة. واعني بذلك تغيير الافكار.
صمت كريس قليلاً ثم تنحنح وقال:
-هل تمارسين لعبة المضرب دائماً؟
-اغلب الأحيان العب مع كين. انه متحمس جداً للفوز بالبطولة في دورة منتصف الفصل.
-انك تجيدين اللعب. راقبتك ذات مساء منذ عدة اسابيع.
-حقاً؟ تساءلت كاذبة ثم اكملت: ان ذلك بفضل مساعدة كين وتدريبه. هو يريد التمريت مع لاعبة جيدة لذلك احسن تدريبي.
صمت كريس قليلاً ثم قال:
-اعتقد انكما ستتزوجان قريباً!
-اوه. انا لااعرف بعد. لقد تباحثنا سوياً بأمر الزواج حتماً، ولكننا مشغولان حالياً ولم نقرر اي شئ بهذا الشأن بعد.
-سمعت انكما مخطوبان.
-نعم. خطوبة غير رسمية.
-انه شاب لطيف.
-نعم.
ران صمت عجيب. كان كريس يراقبها وبدأت ترتعش بعصبية وشعرت اها غير مرتاحة. هناك امر يقلقها وتريد ان تتباحث معه بشأنه. هذا الأمر عسير وربما يقلب جو الالفة الذي ربطهما منذ نصف ساعة. تشجعت اخيراً وقالت:
-استاذ يورك؟
-نعم ياآنسة هيوليت؟
جلس على طرف كرسيه ولف رجليه فوق بعضهما وعقد يديه فوق صدره وانتظر منها ان تتكلم.
-هل تذكر حديثنا في مكتب مدير المدرسة؟
-نعم.
تجمد في مكانه.
-هل تتكلمين معي بصفتي مفتشاً بوزارة التربية ام بصفتي صديقاً؟ اتمنى ان اكون الصديق لأنني لا احب ان اجمع بين العمل والمرح.
ارتبكت قليلاً واجابت:
-لااعرف، ربما بصفتك مفتشاً.
-ياللأسف. على كل حال تكلمي.
وقف ووضع يديه في جيوبه (من الواضح انه يرتاح لهذه الوقفة) ونظر اليها من عل.
-اريد ان اطلعك انني عملت بنصيحتك.
منتديات ليلاس
كانت تتكلم بتكلف ظاهر بينما كان ينصت اليها بكل انتباه.
-غيرت اسلوب تعليمي واتبعت الطرق التقليدية. بالرم من عدم اقتناعي بها وكرهي لها فانا انفذها في صفوفي.
مشى كريس ببطء نحو النافذة المشرفة على الحديقة الغناء المحيطة بالبناية. وبعد صمت طال دقيقة او دقيقتين اجابها باقتضاب:
-حسناً.
-واريد ان اعلمك ايضاً بانني سأقدم طلباُ لوظيفة رئيس الدائرة الانكليزية، مكان الاستاذ بلاكهام في حال استقالته كما تتردد الشائعات. التفتت كريس نحوها بسرعة وتكلم بلهجة آمرة:
-تكونين مخطئة وتضيعين وقتك سدى.
اصب مفتشاً خالصاً لايشوبه شئ من الشعور بالصداقة.
-اريد ان اشير بأنني اقوم حالياً بأعباء الوظيفة ومهماتها منذ اسابيع، ولم يتذمر احد.
وبقيت في مجلسها.
كان صوته بارداً:
-هذا لايؤثر!
بالعكس. هذا يبرهن انني استطيع القيام بهذا العمل. كل الاعمال العائدة للدائرة تسير حسب الاصول فترة غياب الرئيس، ولم يحصل اي تأخير او اشكال.
-لا تخدعي نفسك. انت آخر من يستطيع ان يقبل بهذه الوظيفة.
بان الغضب على وجهها جلياً. واحست بكراهيتها له تزداد. نسيت انها ضيفة في بيته وقالت بسخط:
-لا. انني واثقة بأنك ستحاربني!
-انا؟ ومادخلي في هذا الشأن؟
-انت ادرى فأنت الذي تسببت لي في كل هذه المشاكل!
-وكيف تسببت لك بها ياآنسة هيوليت؟ ليس بامكاني تقديم اية مساعدة لك. هناك الكثيرون ممن سيرفضونك ويحاولون ابعادك عن الوصول الى هذه الوظيفة. والأهل، ايضاً، يتذمرون وبعض زملائك المدرسين لديهم اصدقاء بين المستشارين. سيحاربونك وسيستعملون نفوذهم لابعادك عن مبتغاك متى تقدمت لهذه الوظيفة. طبعاً بطرق غير رسمية ودون اللجوء الى مجلس الأمناء. المستشارون هم الذين يديرون المدرسة وهم وحدهم النعنيون بهذا الشأن.
كانت لين تعرف حق المعرفة انه يتكلم الحقيقة. ولكنها تحاول ان تعمي نفسها عن رؤيتها وترفض رأيه بتحيز. لقد كان صريحاً كل الصراحة معها، موضحاً لها الأمر دون اشكال. احست برغبة في البكاء وشعرت بالدموع تملأ مآقيها، وخافت ان تنهمر دون ارادتها. وقفت بسرعة وقالت:
-انا آسفة. شكراً عل القهوة يا استاذ يورك.
هذا كل ما استطاعت ان تتفوه به وهي تمشي مسرعة نحو باب الخروج. هز الاستاذ يورك رأسه آسفاً واوصلها الى الباب وودعها بكل ادب.
-وداعاً ياآنسة هيوليت. شكراً لايصالك لي بسيارتك.
ركبت سيارتها على عجل وخرجت من الموقف وهي آسفة لما حصل......
هذه هي نهاية علاقة طيبة من الصداقة بينهما دامت حوالي الساعة تقريباً. ولايمكنها الا ان تلوم نفسها على ما حصل.
|