كاتب الموضوع :
HATONE
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
6- معانة غجري
أخذت لين تتساءل عما إذا كان رادولف قد سرق كل هذه الاغراض ، فمن أين إذن أتى بالاطباق والسكاكين والملاعق خاصة وأنها من الصنف الغالي؟ لا بد أنه يسرق مثل هذه الأشياء لإعادة بيعها إلى تاجر شريك بأسعار زهيدة.
سألته فيما هو مشغول بتحضير الموقد:
_ بماذا يمكنني مساعدتك؟
_ هلا أحضرت الأطباق ووضعتها على المفرش؟
_ حسناً
تابعت لين وهي ترى الأطعمة المختلفة في السلة:
_ من أين جئت بكل هذا؟
جاء جواباً ساخراً كما توقعت:
_ السرقة وسيلتي المفضلة ، لا بل الوحيدة!
تنهدت المرأة وأقرت بأن استمرارها في طرح هذه الأسئلة يعني استمرار تلقيها مثل هذه الأجوبة الساخرة. لكنها لم تترك كلماته تمر دون تعليق فقالت:
_ توقعت أن تكون فعلت ذلك ولكن من أين سرقت هذه الأغراض؟
عندما ضحك الغجري وبانت أسنانه الناصعة ، شعرت لين بقلبها يخفق بقوة. وحاولت أن تكتم شعورها المتزايد بزوجها الوسيم.
_ أغرت في الليل على مطعم قريب من المخيم ، لقد كانت مهمة غاية في السهولة!
_ أنتِ مخطئة يا عزيزتي لأنك لا تعرفين المنطقة كما أعرفها.
برغم دقة الموضوع ساد الحوار جو لطيف. وحرصت لين جاهدة على عدم إثارة رادلف لئلا يعود إلى مزاجه الشرس.
_ أما زلتِ مصممة على الفرار؟
أجابت المرأة بكل عزم:
_ بالطبع ، وماذا تتوقع مني غير ذلك؟
أشاح رادولف بوجهه كي لا تظهر انفعالاته وصرح بصوت مرتجف بعض الشيء:
_ برغم البداية السيئة يمكننا أن نعيش معاً حياة رائعة.
توقف ليستجمع أفكاره ثم أضاف:
_ اليوم مثلاً سار كل شيء على ما يرام.
_ لا أعتقد أن يوماً من التفاهم يبني حياة مشتركة.
_ كل طريق يبدأ بخطوة. فلنعتبر اليوم خطوة أولا ومثالاً نحتديه في تصرفاتنا.
لم تصدق لين أن هذا الرجل الذي يتكلم أمامها هو رادولف. أين التعالي والغطرسة في صوته؟ أين نظراته الساخرة ونبرته المتهكمة؟
من عادة رادولف إعطاء الأوامر والتلذذ بتنفيذها ، لكنه الآن يطلب من زوجته العيش معه لابل هو يتوسل إليها!
_ اسمع يا رادولف ، أنا لا أنوي قضاء حياتي متنقلة من مكان إلى آخر لأني أحب الإستقرار. أضف إلى ذلك أني لا أحبك ولن يحدث. وتبعاً لذلك يبدو طلبك غير قابل للإستجابة.
التفت رادولف إليها فوجدت صعوبة في إزاحة نظراتها المتأثرة ببريق عينيه السوداوين.
_ متى سنصل مقصدنا؟
_ لا زالت أمامنا الكثير من الأميال لم نقطعها بعد.
لم تقتنع لين بهذا الكلام فقالت:
_ هذا ليس بجواب ، ألا تستطيع أن تكون أكثر وضوحاً؟
_ أعتقد أن علينا أن اجتياز حوالي الخمسين ميلاً.
تنهدت المرأة وتمتمت شاكية:
_ أود لو أعرف سبب رحلتنا هذه.
_ كوني على ثقة أن بأن السبب وجيه جداً.
في السيارة شاركها رادولف تساؤلها عندما قال:
_ أرى أنكِ اليوم لم تحاولي الهرب!
_ لم أجد فائدة في ذلك لأنك بدون شك أسرع مني في العدو ، فلو حاولت ذلك لأمسكتني بسهولة.
_ هذا صحيح ولكن مع ذلك أتيحت لكِ عدة فرص للإفلات خصوصاً عندما كنت أحضر الطعام من السيارة.
_ لقد فكرت في جميع هذه الفرص ووجدتها خاسرة لأنني كنت سألقى عقاباً شديداً على فعلتي!
لاحظت لين انفعاله وإن لم يعلق على الموضوع بشيء. ظل صامتاً حتى وصلا أخيراً إلى طريق ضيق يقع في نهايته مخيم للغجر.
_ سنتوقف هنا يا حلوتي.
_ أهذا هو المكان الذي نقصد؟
_ كلا ، هذه مجرد محطة قصيرة في رحلتنا.
أوقف السيارة قرب إحدى العربات وأضاف:
_ ابقي هنا فلن أغيب أكثر من بضع دقائق.
وأخيراً وجدت لين فرصة ذهبية لتفلت من قبضة خاطفها فهزت برأسها موافقة وغرقت في مقعدها تنتظر ابتعاد زوجها عن السيارة.
منتديات ليلاس
تقدم منه بعض الرجال السمر و غرق الجميع في أحاديث هامةلم تسمع منها لين شيئاً ثم تحسست مقبض باب السيارة وأدارته على مهل ، ونظرت إلى زوجها الذي أدار نظره لها. بعد ذلك لمحت الرجال يرمونها ، بين لحظة وأخرى ، بنظرات فضولية فتوترت أعصابها وصارت خائفة من الإقدام على خطوة الفرار. شيئاً فشيئاً فترت همتها ورأت أن لا فائدة من المحاولة لأن الجميع في المخيم سيكونون في أعقابها ويعيدونها سجينة. لذلك أعادت اغلاق الباب كما فتحته بهدوء وفتحت زجاج النافذة لتسترق السمع. فأصيبت بالخيبة لأن الحديث كان باللغة الغجرية. لا بد أن لما يدور بين هؤلاء الرجل أهمية قصوى بالنسبة لزوجها وبالنسبة لها. عندها أطل رجل عجوز انضم إلى الرجال وتحدث بالانجليزية فتمكنت من سماع ما قال:
_ إنه لم يأتي يارادولف. اهدأ ودعه وشأنه لأنك تعذب نفسك بدون جدوى. لقد نصحتك مرات عديدة...
قاطعه رادولف فنظر العجوز إلى السيارة واكمل كلامه بلغة اهل قومه حتى لا تفهم لين شيئاً.
بعد قليل عاد رادولف إلى السيارة غاضباً لفشله في الوصول إلى هدفه السري.
انطلق بالسيارة دون أن يكلف نفسه مشقت الالتفات إلى زوجته ولم يحرك ساكناً إلا عندما انتبه أن السيارة تحتاج إلى الوقود. فقد استنفذت الرحلة محتويات الخزان الذي ملأه رادولف في الليلة الماضية. عاد الغجري أدراجه إلى المخيم وأشار إلى احدى الرجال كي يأخذ السيارة ويملأ خزانها بالوقود.
ترجلت لين وهي تتحسر على فرصة أخرى ضائعة للإفلات. إذ أنها خططت للإنطلاق بالسيارة فيما رادولف منشغل في المحطة بتعبئة الوقود ودفع المال. أما الآن فها هي معه في المخيم ويدها حبيسة يده على سبيل الاحتراز ومنعاً لأي محاولة فاشلة تبدر منها.
عندما أخرج رادولف المحفظة من جيبه ليعطي المال للغجري لاحظت لين أن فيها مبلغاً كبيراً ، فقالت:
_ يبدو أن لديك الكثير من المال...
غابت رنة الماح من صوت رادولف هذه المرة عندما أكمل:
_ ... المسروق.
كان بلا شك منشغل الفكر بما أخبره هؤلاء الرجال فلم ينصرف إلى المزاح والمرح كعادته. من الواضح أنه ينتقل من مكان إلى آخر بحثاً عن شخص ما فهذا ما استنتجته لين بسهولة من كلام أولاف وكلام الرجل العجوز.
ولكن هذا لايفسر اللغز كاملاً بل يطرح سؤالاً جديداً: من هو الشخص الذي يبحث عنه رادولف؟ وهذا السؤال يستتبع أسئلة كثيرة منها: لماذا يبحث زوجها عنه وماذا سيفعل عندما يجده... ومن الواضح أنه ليس من السهل العثور على هذا الشخص كما أنه ليس من السهل أن يهدأ رادولف ويكف عن البحث عنه. فهو مستعد لأن يجوب أيرلندا عرضاً وطولاً ليصل إلى ضالته المنشودة. وما زاد الأمر غرابة كون رادولف يملك المال الكافي ليغطي نفقات رحلاته المكلفة... ولكن ما يبعث الأمل في نفس لين هو أن الفرصة المؤاتية للفرار لابد آتية في إحدى هذه الرحلات. لأن حرص زوجها مهما كان دقيقاً لن يثنيها من الهرب.
كانت الشمس قد بدات بالأفول عندما وصل الزوجان إلى المخيم المقصود ، وبريق النجوم بدأ ينفذ من بين أغصان الأشجار الكثيفة. أقيم المخيم في إطار طبيعي خلاب في حضن سهل فسيح محاط بجبال عالية ومروى بحيرات متناثرة هنا وهناك تتجمع فيها مياه الشتاء المتدحرجة من القمم الشاهقة.
|