كاتب الموضوع :
HATONE
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
_ أنسيت عندما حاول الغجري الحقير...
لم يدعها رادولف تكمل إذ قلب المائدة وهب من كرسيه يعميه الغضب.
فتراجعت لين خائفة حتى التصقت بحائط العربة وهي تلوم لسانها الطويل الذي أثار أعصابه.
تقدم منها الرجل مزمجراً:
_ ستعتذرين على هذه الاهانة! وستعتذرين بكل تذلل وضعة.
حدقت لين مشدوهة في هذا الوجه الشرير وهي لاتكاد تصدق أن كل هذا الحقد يمكن أن يتجمع في إنسان واحد. لما وجدها ساكنة جذبها الغجري إليه وأخذ يهزها بقوة كدمية صغيرة حتى كادت تصاب بالاغماء. أخيراً ، قال وهو يعض على أسنانه:
_ أنا أنتظر الاعتذار!
_ لم تدع لين الفرصة تفلت من يدها فقالت في هلع وذل:
_ أعتذر على مافعلته...
توقف فجأة تخنك صوتها الدموع المنهمرة من عينيها بغزارة. الرجل كان يستحق الضرب وإلا لما فعلت لين ذلك ، وعلى الرغم من صواب موقفها فقد أجبرها على الاعتذار صاغرة على أشياء قالتها عن إقتناع تام.
رفعت عينيها إلى وجهه القاتم ، إلى الملامح المتفاعلة التي تكسبه تفوقاً ومهابة. من يراه يظنه أحد النبلاء ولايمكن أن يشك أنه غجري شرير. غجري يبدو ارستقراطي متعجرف... أمر محير فعلاً.
_ أظهرت تعقلاً في الاعتذار يا حلوتي ، لأن أي كلمة مهينة كانت ستكلفكِ شهر نقاهة!
حرر كتفيها ونظر إلى الطاولة المقلوبة وإلى الاطعمة والصحون المتناثرة على الارض. اقشعر بدن لين من القذارة الطاغية على هذه العربة. أمرها رادولف بالتقاط كل ما تناثر على الارض فلم تجد بداً من الاذعان له فيما هو جالس على الاريكة يراقب ماتفعل.
بعد قليل أبلغها رادولف أنه سيغيب طوال النهار.
_ إلى أين ستذهب؟
_ هذا ليس من شأنك. كما أحب أن أذكرك بأن لاتحاولي الفرار لأن العربة ستكون مراقبة من جميع الجهات.
وناظراً حوله:
_ أريد أن أجد كل شيء مرتباً ونظيفاً عندما أعود. إلا إذا أحببتِ أن أذيقك طعم العنف!
كانت لين تعلم أنه لايمزح وأنه على استعداد لضربها فلم تجب على تهديداته.
لم يكن عملها بسيطاً البتة فالعربة قذرة فعلاً وتحتاج إلى أيام لتصبح نظيفة. بدأت أولاً بتنظيف الاثاث بقطعة قماش وجدتها في الدولاب القذر. المرحلة الثانية كانت تنظيف أرض العربة والاوساخ المتجمعة ، منذ سنوات على مايبدو ، شكلت في بعض المواقع تلالاً صغيرة اضطربت لين لاستعمالها السكين لنزعها.
ألا يكفيها أن تعيش مع زوج وضيع ليزيد الطين بلة وجودها في هذا المكان القذر؟ حتى رادولف أظهر بعض القرف من القذارة وكأنه ليس معتاداً على هذه المشاهد!
جلست لين على الاريكة تستريح وتفكر. فزوجها بدا غريباً في بعض أقواله وتصرفاته. قبل كل شيء في صوته نبرة رقيقة لايملكها إلا دمثو الاخلاق والمهذبون. لايصبح قاسياً إلا في ساعات الغضب و"الغجرية"... وحاولت ولم تستطع تذكر نبرته في لقائهما الاول. فهو لم يسألها إلا عن السيارة وبعد ذلك إنصرف إلى الحركة لا إلى الكلام... ثم هناك الحصان الاصيل الذي يمتطيه عند لقائهما الثاني. من أين يمكن لغجري فقير الحصول على مثل هذا الحصان الرائع ؟ والاكثر غرابة تمكنه من الوصول إلى هذه المنطقة بسرعة بينما أمضت لين ساعات لبلوغها بالسيارة! هذا يعني أنه إستعمل وسيلة أسرع من الحصان بكثير.
أطلقت زفرة الفشل وقررت أخيراً فتح النافذة. وما إن فعلت حتى ظهر أمامها"حارس" شاب لايتجاوز العشرين من عمره.
قالت له على أمل أن يكون يفهم الانجليزية:
_ أريد نفض هذه السجادات.
_ سأفعل ذلك بنفسي.
ابتسم الشاب بأدب وهو يتناول منها السجادات فظهرت أسنان لم ترا أنصع بياضاً منها من قبل.
_ شكراً لك.
لم تنتبه المرأة الشابة لنظرات الغجري الهائمة بوجهها الجميل. ولم يخطر لها بالطبع أنه لم يكف عن التفكير بها منذ أن أحضرها رادولف إلى المخيم.
سألته عندما أعاد السجادة الاولى:
_ هل كلفك رادولف بمراقبة العربة خلال غيابه؟
أومأ بالايجاب. ثم تمتم بصوت هادىء لطيف:
_ آسف لقيامي بهذه المهمة.
_ وجدت لين في موقفه فرصة ذهبية ، فاختارت كلماتها بدقة:
_ لا عليك فأنت مضطر لاطاعة أوامره ، أليس كذلك؟
_ الجميع يطيعون أوامر رادولف.
_ هل هو ملك الغجر؟
_ لا تطرحي أسئلة لايمكنني الاجابة عليها ياسيدتي.
فيما كان الشاب ينهي نفض السجادتين الباقيتين ، رأت لين عينين تراقبان المشهد من عربة أخرى ، حارس آخر. ناولها الشاب السجادتين وقال:
_ علي الذهاب الآن ، أرجوكِ أغلقي النافذة
_ لا تذهب قبل أن أعرف إسمك على الاقل.
_ نظر الشاب حوله وتكلم بسرعة:
_ ادعى كونيل. علي الذهاب الآن ، وإلا عرف رادولف بأني تحدثت إليكِ.
وجدت لين في هذا الشاب نقطة ضعف إذا عرفت إستغلالها قد تساعدها على الهرب.
بعد قليل اقتربت من النافذة لترى إذا كان أحد يراقبها.
وعندما لم تجد أحداً فتحتها بهدوء فأطل كونيل.
_ هلا أحضرت لي بعض الماء ياكونيل؟
وضعت المرأة في صوتها كل مالديها من رقة ونعومة عرفت مفعولهما عندما أعاد الشاب الدلو مليئاً بالماء. وناوله إياها بيدين مرتعشتين.
_ شكراً جزيلاً.
وأضافت بعد أن تأكدت من عدم وجود متطفلين:
_ ماذا يحل بك إذا تمكنت من الفرار؟
|