كاتب الموضوع :
HATONE
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
تجمد الدم في عروقها لما رأت الغجري أمامها...كيف إستطاع الوصول إلى هنا من مخيمه البعيد بهذه السرعة؟ لايعقل أن يكون جاء على حصانه لأن المسافة بعيدة إلى حد يجعل ذلك مستحيلاً لابد أنه استعمل وسيلة أخرى. ثم , من أين أتى بهذا الحصان الأصيل الذي لا يمكن أن يملكه غجري فقير؟
منتديات ليلاس
رفعت عينيها إلى وجهه , لاحظت أشياء لم تلحظها فيه عندما حاول الاعتداء عليها بعد تعطل سيارتها قرب المخيم. رأت إلى جانب وسامته مسحة أرستقراطية نبيلة وشيئاً من اللباقة والاستعلاء. يده الممسكة باللجام بدت أنعم ,تدل على أنه لم يقم بعمل يدوي في حياته.حتى ثيابه تبدلت , لم يتخل عن قميصه الاسود لكن الشال الأحمر الوسخ إختفى ليحل محله شال آخر نظيف. السروال الممزق تغير ليصبح سروالاً أنيقاً... لاشك أنه سرق الحصان والثياب , ولكن كيف تبدت يداه من يدي متشرد إلى يدي أرستقراطي نبيل؟ وقف الغجري يحدق فيها باستغراب وكأنه فوجىء بوجودها.
حطم جدار الصمت أخيراً بقوله:
_صباح الخير.
أخذت لين تحسب فرص الهرب وجسمها الرقيق يرتعش خوفاً وغضباً نظرت صوب الممر القريب الذي يوصلها إلى مدرسة الفروسية وبخفة لم تعهدها في نفسها من قبل قفزت إلى الحصان والسوط في يدها. انطلقت بسرعة وكي تعاقب الغجري على فعلته وتؤخره عن اللحاق بها ضربته بالسوط على وجهه. وضع الرجل يده على خده الدامي وقد ارتسم على وجهه ذهول كبير.
_تستحق أكثر من ذلك أيها الغجري المتشرد! كيف تجرؤ على التحدث إلي؟ عد إلى قومك ولاتتحرش بالناس المتمدنين!
قالت لين كلماتها هذه وهي منطلقة على حصانها تحثه بضربات خفيفة من قدميها على الاسراع في العدو.أخذت تخترق الغابة بسرعة عمياء وخوفها يتعاظم مع اقتراب صوت حوافر جواده منها. إذا تمكن من اللحاق بها سيقتلها ويرميها في الغابة! إزداد هلعها لهذه الفكرة ولم تعد تدري ما تفعل لتخرج من الورطة المميته. أخذ الحصان يقترب منها أكثر فأكثر وصاح فيها الرجل
_توقفي!
استمرت لين في العدو بأسرع ما يمكنها.لكنها ضلت الطريق بسبب ذعرها الشديد ولم تجد ممر الخروج من الغابة. فصارت تصرخ بأعلى صوتها:
_النجدة! النجدة!
دب التعب في حصانها فخفت سرعته في حين أن حصان الغجري الجبار ما أنفك يدنو منها.
_توقفي وإلا أوقعتك عن الفرس!
تجاهلت الفتاة أوامره باحثة دون جدوى عن وسيلة للإفلات.
_دعني وشأني! أرحل عني. سأبلغ رجال الشرطة...
توسلات وتهديدات لن تجدي نفعاً مع هذا الرجل الشرير.أخيراً صار الغجري بمحاذاتها فبذلت المستحيل للصمود فوق حصانها المرهق.مال الرجل وخطف من يدها اللجام أجبر الفرس على التوقف. ثم نزل عن حصانه وأنزل لين عن حصانها.شعرت الفتاة أنها سجينة نظراته الغاضبة ووقفت عاجزة عن الحراك.
رفع الغجري يده إلى خده الدامي يتحسس الجرح العميق الذي سببته ضربة السوط.
_هل هو حصانك؟
_لا , إستأجرته من مدرسة الفروسية.
هز الرجل رأسه وكأنه يعرف المدرسة. ثم أخذ يحدق في الفتاة لثوان مرت ثقيلة كأنها الدهر قبل أن يقول:
_لا خوف على الحصان. إنه يعرف طريق العودة إلى الاسطبل.
وضرب فونيلا ضربتين خفيفتين فبدأ بالعدو حتى إختفى عن نظر لين بعد قليل.
_من أين أنت؟
أنا إنجليزية وجئت إلى أيرلندا لأمضي إجازتي السنوية... أنزل في مزرعة قريبة من هنا.
هز الرجل رأسه كأنه يعرف المزرعة كذلك.
_تماماً , أنا أجوب البلاد بسيارتي التي تركتها في موقف قريب من الاسطبل
واصل طرح الأسئلة , وواصلت لين الاجابة دون أن تدري مدى الخطأ في إعطائه معلومات يجب أن لاتطلعه عليها. ولم تع ذلك إلا عندما سمعته يقول:
_أنتً وحدكِ هنا...
وعندما سألها لماذا ضربته بالسوط أجابت لين وفي صوتها نبرة الازدراء:
_لأنك وجنسك حثالة المجتمع ورعاع القوم!
سرعان ماندمت لتهورها وطيشها إذ رأت في عيني الرجل عاصفة من الغضب ونية على ارتكاب عمل شرير. اقترب منها وزمجر:
_حثالة المجتمع ورعاع القوم؟ ستدفعين ثمن كلماتك غالياً.
وبسرعة حملها في قوة ورمى بها على ظهر الحصان , ثم قفز خلفها وانطلق مسرعاً نحو عمق الغابة.
تساءلت لين عما ينوي الغجري فعله بها لاكنها لم تفلح في تصوير مصيرها يعزز ذلك غضب أقرب إلى الجنون سيسيطر على خاطفها.
منتديات ليلاس
إزداد الحصان توغلاً في الغابة ولين تكاد تصاب الاغماء , والرجل ملتصق بها تحس بنفسه يلفح عنقها وهو يقود الحصان بسرعة كبيرة. أخذت ترتعد كورقة خريفية وهي تسأل نفسها عما فعلته لتستحق هذه النهاية السوداء. أخيراً قرر الرجل التنازل عن صمته فأعلن:
_نحن ذاهبان إلى المخيم.
_المخيم.. أي مخيم هذا؟
قهقه الغجري عالياً يتلذذ بخوفها وأجاب:
_ألا تعلمين أن الغجر يعيشون في مخيمات؟
_ستندم أيها الحقير على عملك لأن رجال الشرطة سوف يرمون بك في السجن!
كانت تعلم في قرارة نفسها أن كلامها لا يرهب الرجل , فالغجر"محترفون" في الخروج عن القانون. ولايهابون السلطة. القانون الوحيد الذي يحترمونه هو أن الغاية تبرر الوسيلة.وأن مصلحة القبيلة يجب أن تكون الأهم بغض النظر عن أي إعتبار.واصلت لين بالرغم من ذلك تهديدها لعلها تنجح في العثور على نقطة ضعف في الغجري:
_تكون أحمق إذا اعتقدت أن بامكانك الافلات من قبضة العدالة.
الاختطاف جرينة يعاقب عليها القانون بشدة!
لم يعلق الرجل بشيء وظلا صامتين حتى وصلا إلى المخيم حيث انتشرت عربات كثيرة.نظرت لين إلى الوجوه التي تنظر إليها فلم تتعرف أحد من الذين رأتهم عندما تعطلت سيارتها. كما لم تجد تلك الفتاة التي أنقظتها يومها من الغجري لعلها تعيد الكرة الآن.
تعالت صيحات الترحيب بالغجري:
_أهلاً بك يا رادولف!
_ماهذه الغيبة الطويلة؟
_أخيراً عدت إلينا
نشأ لدى لين انطباع بأن الغجري لاينتمي إلى مخيم معين. وتأكدت من أن هذا المكان ليس المكان نفسه الذي شاهدته.
تقدم من الغجري رجل كهل وقال:
_رادولف , ليس من عادتك...
اسكته باشارة من يده, ولكن الكهل تابع:
_ماذا حدث لوجهك؟الدماء تسيل منه بغزارة!
عندما رأت لين الجميع يلتفون حول رادولف وعلامات التعجب بادية على وجوههم. سمعت بعض الكلمات الانجليزية لكن معظم الكلام كان باللغة الغجرية التي تجهلها. أوضح رادولف الامر لقومه بلغتهم ونظراته المليئة بالحقد تصب نارها على الفتاة المصابة بذهول مطبق.أمسك بخصرها وأنزلها عن الحصان فتعالت ضحكات من حولها, وكأن القوم يستعدون لمرح ولإثارة توفرها لهم ضحية جديدة يتسلون بها...
زادت الدماء المتجمدة على وجه رادولف من رهبة شكله, وجعلته يبدو مجرماً أكثر وأكثر. أيمكن أن تتوقع رحمة من إنسان كهذا لايهتم إلا بإرضاء غرائزه, لايعرف المثل والمبادىء التي تؤمن بها المجتمعات المتحضرة؟ حاولت الفتاة ألا تفكر بما ينتظرها, لكن الرؤى السوداء كانت تغلف ذهنها كغمامة داكنة. تمنت لو أنها تموت! فالموت أرحم من العذاب القابع وراء الساعات المقبلة... تمنت لو أن يدي رادولف الجبارتين تلتفان حول عنقها الغض وتعصران منه آخر قطرة حياة...
انصرف رادولف إلى حديث طويل مع الرجل الكهل. سمعتهما لين يتلفظان ببعض الاسماء:أولاف,بوريل وغيرهما. ولكنها لاتعلم ما إذا كانبوريل اسماً لأمرأة أور لرجل. حدقت الفتاة في وجه رادولف لتجد الاضطراب والقلق الشديدين بادين عليه. في حين كان أولاف يتنهد من وقت إلى آخر ويزم شفتيه بامتعاض. ماهو الحديث المهم الدائر بين الرجلين؟سؤال لا يمكنها أن تجيب عليه عليه قبل أن تفهم هؤلاء القوم.
بعد ذلك بدأ القوم يوجهون الاسئلة إلى رادولف فيجيب عليها باقتضاب, والأولاد الحفاة ذوي الثياب البالية يحملقون في ثيابه النظيفة والأنيقة بانبهار.
نظر رادولف إلى لين فعاد إلى عينيه لمعان الشر. وبلمح البصر حملها بين يديه وسط ضحكات الجميع إلى عربة أرشده أولاف. صاحت لين في الغجر:
_هذا الرجل خطفني! ستحاكمون جميعكم إن لم تساعدوني!
نظرت حولها تبحث عن أحدهم يتعاطف معها فلم تقع إلا على وجوه ضاحكة ونظرات ساخرة. لا أمل إذن بأن يساعدها أحدهم فالجميع وحدة متماسكة ولافراد يتعاونون حتى على أعمال الشر.
ادخلها رادولف إلى العربة ثم خرج بسرعة بعد أن أغلق الباب بعنف.في هذه العربة, لن يتدخل أحد لانقاذها. عليها أن تواجهه وحدها الرجل الذي يبدو زعيماً أو ملكاً على قومه يذعنون لمشيئته بدون نقاش. اغرورقت عيناها بالدموع فساعة العقاب حلت. شرعت تبحث في العربة عن وسيلة للخروج من سجنها الصغير.مكان قذر فيه أريكة وطاولة مستديرة مع بعض الكراسي العتيقة. في الطرف الآخر سرير ضيق, وعلى الخزانة كتب قديمة ووضع مصباح زيتي يغطيه غبار سميك. كأن أحداً لم يشغل هذه العربة منذ وقت طويل فالقذارة المنتشرة في أرضها وعلى محتوياتها لاتوصف.
في خلدها تدور أسئلة كثيرة. من هو رادولف بالحقيقة؟ من هو بوريل الذي تحدث رادولف وأولاف عنه بكثير من الجدية؟ لكن الؤال الاكثر أهمية والحاحاً يبقة: ماذا سيكون مصيرها؟
|