لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > روايات عبير > روايات عبير المكتوبة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات عبير المكتوبة روايات عبير المكتوبة


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19-08-11, 04:36 PM   المشاركة رقم: 46
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Aug 2011
العضوية: 227789
المشاركات: 51
الجنس أنثى
معدل التقييم: HATONE عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 14

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
HATONE غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : HATONE المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 


كالعادة ، هجم الرجال والنسوة والأطفال لملاقاة رادولف مرحبين به بلغتهم الغجرية. تكلم رادولف فنظر الجميع باعجاب إلى لين وهم يطلقون عبارات الدهشة والفرح. ففهمت المراة أنه شرح لهم أنها زوجته. بعد ذلك توجه وإياها إلى إحدى العربات الخالية وكأنهم كانو ينتظرون رادولف وأعدت العدة لإستقباله.

بعد أن أصبحا في الداخل طرحت لين السؤال الذي يقلقها:

_ إلى متى سنبقى هنا؟ أحش وكأني سلعة يتفرج عليها الجميع في معرض!

_ سيعتادون عليكِ ويعتبرون وجودك طبيعياً مع الوقت.

_ ألم يفاجئه أمر زواجك؟

ابتسم رادولف مجيباً:

_ لم يفاجئهم بل أدهشهم.

_ أيدهشهم ذلك لأنك كنت معروفاً باصرارك على عدم الزواج؟

_ تماماً.

_ من المؤسف أنك رجعت عن مبادئك وتخليت عن اصرارك!

امتلأت نفس لين بالحزن والخيبة من جديد. فاليوم الممتع الوحيد الذي مر أصبح جزءاً من الماضي والذكريات ، وهاهي الآن تعود إلى أحاسيس الوحدة والضجر من جديد. أعادت إليها العربة الجديدة دور السجينة مرة أخرى عندما اختطفها رادولف وأجبرها على أن تصبح زوجته. لكن ما يخفف من وطأة المرارة هو كون العربة الجديدة في حالة أفضل بكثير من العربة السابقة ، فالجديدة أحدث وأنظف.

لا حظ رادولف حزنها فسألها:

_ ما بك الآن؟ أنا لم ار في حياتي انساناً متقلب المزاج مثلك!

_ ماذا عن مزاجك؟ أليس حاداً وقاسياً كمزاج وحش مفترس؟

_ لم أقل أن طباعك حادة بل متقلبة فحسب ، أحياناً أراكِ فرحة واحياناً أخرى حزينة!

أجال طرفه في العربة وأضاف:

_ انظري من حولك ، ألا تجدين أن العربة نظيفة ومريحة؟ سأجلب حقيبتك من السيارة لتضعي ثيابكِ في الدولاب.

أحضر رادولف حقيبتي زوجته وحقيبة ثالثة وضع فيها ثيابه. جلست لين تراقب بدهشة يخرج ثياباً أنيقة من حقيبته لا يملكها إلا الأثرياء وأصحاب الذوق الرفيع.

أدرك الغجري أن زوجته فوجئت بما يملك فقال:

_ تركتك نائمة البارحة وسرقت كل هذه...

قاطعته لين بحدة غير آبه بالنتائج:

_ لا تحاول تفسير أي شيء فأنا لست مهتمة أبداً بمصدر هذه الملابس!

ابتعدت عنه وأخذت تحدق في قمم الجبال المتخبئة وراء حمرة الشفق. تمنت لو تكون هذه اللحظة جالسة هناك حيث الهدوء والبعد عن الضجيج وكذب حضارة العالم. تجمعت دموع الغضب في عينيها.

غضب آثاره فشلها وخيبتها المرة.

_ أنصكِ يا لين بأن لا تثيري أعصابي ، فأنت تعرفين النتائج.

استدارت المرأة حانقة ويداها على خصرها قائلة:

_ أتهددني كل لحظة بالضرب؟ هيا افعل ما فعلته بالأمس! فهذا أفضل ما يتوقع من... من متشرد حقير!

توقف رادولف عن توضيب ثيابه ونظر إليها والشرر يتطاير من عينيه.

_ ألن تكفي عن التحقير بي؟ أتحاولين ارغامي على استعمال العنف معكِ؟

تقدم منها وأمسك بكتفيها وقال:

_ سأقطع لسانكِ الطويل فأنا لست مستعداً لتحمل الإهانة تلو الإهانة!

هزها بعنف ولكنه لم يتماد كما فعل في الليلة الماضية بل ضبط أعصابه وسرعان ما تركها. تحسست لين آثار يديه القويتين على كتفيها وتساءلت كم من الآلام ستتحمل قبل أن تفلت من قبضته.

_ من الأفضل أن تضعي ملابسك في الدولاب لأننا قد نبقى هنا بضعة أيام.

_ إلى أين نذهب بعد ذلك؟

تنهد رادولف وأجاب:

_ لا أعلم.

يا له من تغيير كبير من غجري عنيف إلى رجل يائس مثبط العزيمة. انتقت لين كلماتها بدقة عندما تكلمت:

_ أتبحث عن شخص معين؟

لم يكن رادولف على علم أنها سمعت كلام العجوز وسمعت قبل ذلك كلام أولاف. فرمقها بنظرة متسائلة:

_ مالذي يجعلك تجنين ذلك؟

_ انه التفسير الوحبد الذي يفسر سبب هذا التجوال المستمر.

_ فهمت.. سأخرج بعد حوالي الساعة وأطمئنك أن العربة محروسة جيداً فلا تحاولي الهرب.

قال رادولف ذلك بلهجة عادية كان الموضوع ليس ذا أهمية مما آثار لين فصرخت:

_ وكم ستغيب؟ لا أستطيع تحمل الوحدة! سأفتح النافذة وأملأ الدنيا صراخاً! لن أستطيع الصمود..

_ لا تكوني عصبية بهذا الشكل المسرحي فلن أغيب عنكِ طويلاً.

زادت ثورة المرأة وهددت:

_ سأحطم النوافذ ، سأحطم كل شيء!

أطلق الغجري زفرة عميقة فأدركت لين أن عنده ما يشغله كفاية ويجعله يغنى عن مشكلة جديدة تسببها له امرأة ، فاستنتجت أنها إذا زادت الأمر صعوبة وتعقييداً تخلى عنها وأطلق سراحها لينصرف إلى حل مشكلته الأساسية.

_ لقد قلت لك أني لن أتأخر

وجد رادولف صعوبة في الكلام بسبب الإرهاق الشديد ، الذي لم تسببه ساعات القيادة الطويلة لأن بنيانه القوي جعله بمأمن من الإرهاق الجسمي ، بل مشكلته المستعصية التي تشغل روحه وعقله.

وجهت لين إليه سؤلاً ليس في محله بل يهدف إلى تأخير خروجه فقط.

_ ألن تتناول طعاماً على الأقل؟

_ ليس قبل أن أعود.

لم تكن المرأة جائعة بل حاولت بسؤالها أن تعيق ذهابه ، لكنها أذعنت للأمر وجلست على كنبة تنتظر خروجه.

بدا رادولف متردداً في الذهاب. هل هو قلق عليها؟ فشعوره بالقلق واضح على وجهه. عندما فتح الباب ليخرج ألقى عليها نصيحة أخيرة:

_ لا تحاولي التصرف بسخافة يا لين لأنكِ لن تنجحي في الفرار.

_ سأنجح يوماً.

لما نظر إليها بعينيه الماكرتين علمت لين انه يخطط لما سيفعله بها عند عودته وتأكدت من نياته عندما سالها بخبث:

_ أواثقة أنتِ من النجاح؟ سأريكِ مدى تحملك عندما اعود!

_ نعم. سأخرج من سجنك وأحمل معي أبشع الذكريات!

أدركت لين أن لعبتها ناجحة عندما رأت زوجها يعض على شفته السفلى ويده تشد على مقبض الباب. ستواصل حملتها على أعصابه في الغد لتصل إلى غايتها.

عاد رادولف إلى العربة في العاشرة فوجد لين نائمة على كنبه عريضة. استسلمت المراة بسرعة إلى النوم بعد أن وزعت ملابسها في الخزانة وألفت نظرة فاحصة على العربة الواسعة والمرتبة. دخلت إلى المطبخ المرتب وحضرت بعض الشاي ثم جلست تحتسي فنجاناً في غرفة الجلوس قبل أن تدخل إلى غرفة النوم بعد أن تأكدت من وجود الحراس اليقظين في الخارج يرصدون تحركاتها. لابد أنهم يتلقون المال من زوجها مقابل خدماتهم ، مال وفير لا تعرف مصدره...

وقف رادولف يتأمل شعرها المتدلي كوشاح حريري على الكتف الغض وأحس بالألم يعصر قلبه ، ثم تمتم في نفسه:

_ غجري متشرد ، حثالة المجتمع...

توجه الرجل إلى المرآة ينظر إلى بشرته الداكنة وشعره الأسود القاتم الأشعث كنسيمات الجبال الصباحية. استدار لما سمع زوجته تتحرك في كنبتها وتفتح عينيها لتشاهده أمامها.

عرف من إغلاقها عينيها ومن الدموع المنحبسة وراء الجفنين أنها شاهدت الرجل المتوحش ، البدائي.

اقترب الغجري منها وسألها بلهجة هادئة:

_ أتفضلين وجودي على البقاء وحيدة؟

كذبت لين كي تجرحه امعاناً في ممارسة لعبة حرق الأعصاب.

_ طبعاً لا ، وجد شخص غير مرغوب فيه لا يشتهيه أحد!

أمسك بيديها وأجبرها على الوقوف ثم ضغط عليها بقوة.

_ أنتِ تفقدينني أعصابي!

قاومته لين بعنف وهي ما تزال شبه نائمة ، وفجأة تراجعت عندما لامست يدها الجرح في خذه.

_ أتخافين من جرح بسيط كهذا؟

تناول يدها ومررها على جرحه وأضاف:

_ ستنالين قريباً من الجرح نفسه لأني أحب معاملة الناس بالمثل.

أتستمر لين في توتير أعصابه؟ لا، لن يجدي ذلك نفعاً معه. عليها الرضوخ لإرادته والإذعان لأوامره لتخفف من وطأة نار الجحيم.

عندما رفع راسها إلى عينيه رأت من جديد الحنان يملأ نظراته ، رأت رادولف الخير يطغي على رادولف الشر ويتغلب عليه مؤقتاً في الصراع الشرس الدائر في نفسه. واحست أن من واجبها مساعدة هذا الرجل كي يصل إلى الأمان وتستقر شخصيته ، ولكن مالسبيل غلى مساعدته؟ لربما كان تجاوبها معه كان كفيلاً بحل المشكلة وجعله يشعر بأنه موضع اهتمام.

وأخيراً جاءت اللحظة الحاسمة فقد جذبها رادولف إليه بقسوة أتقدم على خطوة التقارب أم تحجم عنها؟

غلبها الإستسلام قبلما تبتعد عن زوجها الذي لم يرضى بالهزيمة.

جعلها تسدد الفاتورة بطريقة فظة.

بعد أن انقشعت غيوم المهانة والذل تمتمت لين:

_ أكرهك وسأجعلك تدفع ثمن كل شيء غالياً في يوم من الأيام.

لم تؤثر كلماتها في رادولف بشيء لأنها كانت موجهة إلى الجانب السيء الذي تتحدث عنه.

 
 

 

عرض البوم صور HATONE   رد مع اقتباس
قديم 19-08-11, 04:39 PM   المشاركة رقم: 47
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Aug 2011
العضوية: 227789
المشاركات: 51
الجنس أنثى
معدل التقييم: HATONE عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 14

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
HATONE غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : HATONE المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

7

_ بيت على الشاطىء

دام تنقل رادولف ولين من خيم إلى مخيم آخر مدة أسبوعين جابا خلالهما أنحاء واسعة من أيرلندا. قطعا الجبال والسهول ، والبحيرات والأنهار ، والوديان والمراعي.. ولم يكن هاجس الفرار ماثلاً في ذهنها لاعتبرت لين نفسها سعيدة إلى درجة لا توصف.

لم يقترب رادولف منها منذ أن صفعها المرة الأخيرة ، حتى أنه كان ينام على كنبة ويترك لها السرير لتنام وحدها. صار يعاملها بكل لطف وعناية وإن لم يخل الأمر أحياناً من كلمات جارحة تأتي رداً على زلات لسان تبدو من لين. لكن القضية لم تتعد الكلام المؤلم الفظ.

حاول الغجري أن يظهر الجانب الحسن وباتالي سحق شخصيته الشريرة المرعبة. وقد نجح لا في إزلة خوف لين فحسب ، بل بإنشاء علاقة ودية بين الإثنين. فأضحت قوته خالية من البطش وسطوته بعيدة عن الظلم. كما غاب عن لين الشعور بالأسى والمرارة اللذين رافقاها كظلها في أيام إختطافها الأولى. ولكنها لم تكف مع ذلك عن الحديث عن الهرب في أول فرصة تلوح لها.
منتديات ليلاس
وفي الحقيقة صارت لين مقتنعة تقريباً بحياتها كزوجة لغجري متجول ، لاسيما وأن رادولف لا يترك مناسبة بأن مكان المرأة هو ان تكون دائماً بجانب زوجها. لكن ذلك لايعني شعوراً بالإستقرار بل كانت المرأة الشابة في حالة إنتظار وتوقع دائمين متوقعة أن عثور زوجها على من سيبحث عنه سيغير مسار حياتها.

سألت لين زوجها يوماً وهما في طريق العودة إلى كيلاني:

_ إلى متى سنظل ننتقل هكذا؟

_ أعتقد أننا سنكون في بيتنا بعد حوالي الأسبوعين.

أوقف رادولف السيارة إلى جانب الطريق وأخرج زجاجة عصير البرتقال ليتناولا كوبين منعشين ، في حين كان تفكير لين يعمل جاهداَ لإستيعاب كلمة "بيتنا". عن أي بيت يتكلم زوجها؟

_ أتعني أننا سنستقر في مخيم محدد؟

قالت لين ذلك وهي تهز رأسها وتفكر بوجودها في مخيم للغجر وبالحياة المتعبة التي تنتظرها. وبرغم ذلك فهي تقرأ أنها لاتتصور نفسها تعيش بدون رادولف من دون أن تعلم السبب. عادت صورة توماس إلى ذهنها في الأيام الماضية لكن رادولف كان مصيباً عندما قال أنه لايناسبها ، فهو رجل طيب لكنه ليس خلاقاً مما يساهم في زيادة الرتابة في حياتها التي علمت من خلاللا تجربتها الجديدة مدى سخافتها ، وإنسيابها الجرد من أي طعم ومعنى.

قطع رادولف حبل أفكارها بقوله:

_ لابد أن ننتهي من رحلة التنقل هذه ونستقر.

اعترضت لين بلهجة ناعمة قريبة إلى التوسل:

_ لا أستسيغ فكرة العيش في مخيم ، ألا نستأجر منزلاً؟

رمقها بنظرة ملؤها الحيرة والتردد كأنه يخاف من البوح لها باشياء يكتمها في نفسه على مضض. لذلك إختار كلماته بدقة وقال بتمهل:

_ أفهم من هذا أنكِ أصبحتِ مقتنعة بالعيش معي؟

هربت لين من نظراته وأخذت تفكر لماذا لم تعترض على ذلك بشدة كما كانت فعل في السابق. وبعد أن وزنت الأمور في رأسها وتراءت لها حياتها المقبلة وما يمكن أن تعانيه في المجتمع الغجري من عبودية تدمر المرأة وتذلها ، صاحت بأعلى صوتها:

_ لا! لم أقتنع بذلك! سانتهز أية فرصة وسأنجح في ذلك! أنت لا تستطيع مراقبتي إلى الأبد ، لا تستطيع أن تراقب تحركاتي لسنوات وسنوات حتى. نصبح عجوزين هرمين!

ارتفعت حدة نبرة لين حتى جفل رادولف منها وازدادت:

_ أرجوك دعني أمضي في سبيلي ، أرجوك دعني أعود إلى بيتي!

بكت المرأة بمرارة وغشى كيانها واضطراب كبير فأخذت ترتعش حتى أوقعت كوب العصير على ثوبها.

تناول الغجري الكوب من حتى استكانت ، وبالفعل عادت لين إلى هدوئها السابق وتكلمت بكل واقعية:

_ لنعقد اتفاق بيننا. تعطيني حريتي مقابل سكوتي عن حادثة الإختطاف وتعهدي بأن لا أطلع أحداً على ما جرى.

بلعت لين ريقها لتزيل الثقل القابع في صدرها وأعصابها الثائرة تجعل منطقاً مغلوطاً ، وفكرها شارداص ومشوشاً. لم يعد شيئاً في ذهنها واضحاً. و أحست برغبة في الصراخ عندما رأت أمامها الصور متدافعة ن صور الحرية والعودة إلى الوطن ، صور رادولف وسطوته القاسية تطردها صور طيبته ولطفه الا متناهي. ودار في أعماقها صراع قاس بين الحياة مع رادولف والحياة بدونه ، فالأولى رحلة لا تنتهي بين المخيمات حيث شظف العيش ، والثانية حلقة مفرغة تبحث فيها عن سعادة تائهة.

برزت الحقائق من بين غيوم عقلها المنهك. وعجزت لين عن الإختيار فلم تجد إلا صرخة صادقة تطلقها من أعماقها:

_ ساعدني يا الله!

_ لين مابكِ يا عزيزتي؟ بالله عليكِ لاتفعلي هكذا بنفسك!

لم تنبس المرأة ببنت شفه بل نظرت إلى الغجري لا تصدق أن ما يختلج في قلبها حقيقة. همست في نفسها:

لا ، هذا ليس صحيحاً ، لا يمكن أن يكون صحيحاً..


تكلم رادولف ثانية لكنها لم تسمع شيئاً لإنشغالها بالحقائق الجديدة. سرت في جسمها رعشة قوية ثم سقت بين يدي زوجها.

_ لين ، مابك؟ هل أنتِ مريضة؟

كان صوته ناعماً ينم عن قلق عميق. رفعت رأسها وكأنها تخرج من الغيبوبة ، ثم حدقت في الرجل وتساءلت عما يمكن أن يكون تصرفه لو أطلعته على ما اكتشفت لتوها. أيستقبل الخبر بفرح أم يقول متشفياً: لقد وقعتِ في غرام غجري متشرد إذن! وهكذا لن تتركيني بعد ذلك يا امرأة لي يجعلكِ أماً خاضعة!

لن تخبره بذلك أبداً! ولن يغير الوضع الجديد من قتل رغبتها في الهرب لأنها لا تنوي قضاء حياتها معه برغم حبها القاتل له. لن تستطيع رؤية أطفالها يترعرعون في مخيم وسط القذارة وبعيداً عن المدرسة والبيئة المتحضرة. ستجعل العقل يسيطر على العاطفة وتحكم المنطق ليسحق الحب.
منتديات ليلاس
لما عادت إلى التفكير برادولف من جديد عاد التشوش والبلبلة إلى ذهنها. لقد استنتجت في السابق أنه يملك شخصية مزدوجة وقالت أنها لو استطاعت ابقاء الجانب السيء بعيداً لاستطاعت تمضية أيام حلوة معه. وفي الحقيقة أنه كان انساناً رائعاً خلال الأسبوعين الفائتين فهو عاملها بكل رقة ولطف ، حتى أنه لم يحاول تقبيلها مرة...

لقد كبح جماع غضبه لإسعادها وقدم مصلحتها على مصلحته دون أي أنانية أو حب للذات.

أي نوع من الرجال هو؟ لا تستطيع لين التحمل العيش مع رجل غامض إلى هذا الحد. وأن تكن تصرفاته الأخرى مقبولة ولائقة.

نفذ صبر رادولف من خلال أفكارها كالنور يتسلل بخجل من بين طيات الضباب:

_ سألتك هل أنتِ مريضة.

_ أنا بخير الآن.

قالت لين الحقيقة لأنها بدأت تشعر بالتحسن مع أن أفكارها ماتزال مبلبلة. إلى وجهه فكادت تقسم أنه ليس غجرياً ، لا يمكن أن تكون هذه الوسامة الرقية في غجري...

غيرت لين الموضوع فجأة وسألته عن هوية الشخص الذي يبحث عنه. جفل رادولف لسؤالها وقال:

_ ألم تقولي من قبل أني أبحث عن شخص وبررت استتاجك هذا؟

_ قلت أن هذا هو التفسير الوحيد لتنقلك الدائم.

أطرقت لين قليلاً وزادت:

_ سأكون صريحة معك هذه المر’.

_ تفضلي.

_ سمعت الرجل العجوز يتحدث إليك عن رجل لم يأت إلى المخيم وينصحك بألا تكمل البحث عنه.

_ لم تخبريني بذلك المرة السابقة.

_ تعني عندما قلت لك أنك تبحث عن أحد ما؟ لا فقد خفت أن تتضايق لو عرفت بأني كنت أسترق السمع.

_ أطلعتني الآن على شيء يضايقني. ألم تخافي من إثارة غضبي؟

_ لم أعد أخاف منك.

_ قولي بصراحة يا لين ، ÷ل أنتِ أسعد مما كنتِ عليه...

توقفت فجأة محاولة إيجاد الكلمات المناسبة لإنهاء السؤال ، لكن دفعة من الشجاعة أتت لين فأكملت عنه:

_ مما كنت عليه عندما كنت ترغمني على....؟

فوجىء الغجري لصراحة زوجته ولكنه كتم شعوره بذكاء.

_ أحسنتِ فهذا ماكنت سأقوله.

_ لست سعيدة بل راضية.

إن ترددها وعدم ثقتها يضرب بهما المثل. فلماذا تنكر أنه كلما نظرت إلى يديه القويتين وتذكرت مدى لمساتهما الحنونة وتمنت لو يعيد الكرة؟ أهي قانعة به؟ ولم لا فهي تحبه. الحب... احتقرت نفسها لأنها وقعت في حبه لمجرد أنه كان ودوداً معها في الأيام الماضية ، كرهت ضعفها وسرعة دوبانها في بحر العاطفة.

_ هل ترضيكِ حياتنا هنا بهذه الطريقة حتى نصبح عجوزين هرمين؟

_ سؤالك غير مجد فأنا لا أنوي قضاء حياتي معك.

سمعت لين زوجها يتنهد بدل أن يغضب كالعادة وتساءلت إذا كان سلم بالأمر الواقع واقتنع بأن المشاركة في الحياة الزوجية تأتي نتيجة الرضى المتبادل لا القهر والإذلال والإكراه.

انطلق رادولف بالسيارة صامتاً وملامحه قاسية كالحجر ، ينظر أمامه كأن عينيه متجمدتان لا حياة فيهما. وغرقت لين بدورها في التفكير مشاكلها وبالحل الأنسب الذي يخرجها من هذا المأزق.

توقف الغجري في أحد المخيمات لكنه لم يلبث هناك سوى بضع دقائق. وأبلغ زوجته في صوت هادىء أنهما سيمضيان الليل في منزل يملكه صديق له يقع على شاطىء البحر.

_ اهناك أحد في المنزل؟

_ المنزل خال فهو مخصص لقضاء العطلة الصيفية. أنا واثق أنه سيعجبكِ كثيراً فهو مجهز بكل شيء برغم بعده عن العمران.

_ أتعني أن المنزل منعزل؟

_ يبدو أنكِ فكرتي بالهرب يا حلوتي! لم أكن لأصتحبكِ هناك لو لم يكن المنزل منعزلاً تمام الإنعزال عن بقية العالم.

_ أيستعمل المنزل لأاغراض سياحية؟ فالبعض يحب تمضية وقت فراغه بعيداً عن الناس.

ضحك رادولف وعلق:

_ استعملت بداية بارعة لإخفاء خيبتك.

_ ماذا تعني؟

_ لا تدعي الغباء يا لين. اعتقدت أن وجدك في منزل على شاطىء البحر سيسهل الفرار. ففي المخيمات هناك من يراقبك ليلاً نهاراً.

_ الفرار من مخيم للغجر مستحيل ، أما بالنسبة لإستنتاجاتك الأخرى فأنت مخطىء لأني صرت أعرفك وأدرك أنم متيقظ تماماً لإحباط أي محاولة أقوم بها للإفلات. لكنني فقط أستغرب وجود منزل مخصص للعطل في مكان منعزل كما فهمت من كلامك.

_ لقد بنى صديقي هذا المنزل منذ أربعة سنوات حتى يهرب من همومه ويرتحا هناك من عناء أعماله المتراكمة.

عجبت لين لكلام زوجها. فكيف يتوصل غجري متشرد إلى مصادقة شخص ثري يبني منزلاً لمجرد حبه الإختلاء بنفسه!

_ لا بد أن صديقك ثري جداً! أنا... لم أعد أفهم شيئاً. آه لو تخبرني المزيد عن نفسك فلربما اختلفت الأمور بيننا.

1ضغط رادولف على فرامل السيارة حتى كاد رأس لين يرتطم بالزجاج الأمامي. نظر إليها بدهشة وسألها:

_ ماذا تعنين بمختلفة؟

هزت المرأة رأسها عاجزة:

_ لا أستطيع التفسير.

وبالفعل لم تستطيع التوضيح لأنها هي نفسها لا تعلم ماذا تقصد تماماً من كلامها.
منتديات ليلاس
انطلق الغجري بالسيارة ، وقاد لساعات في طرق منعزلة تتعرج بين الهضاب الخضراء حتى انعطف أخيراً في ممر ضيق لا يعرفه أحد وليس موجوداً على الخريطة كما أبلغ زوجته.

استمر سيرهما في هذا المكان النائي حتى وصلا إلى طريق صخري فأخذت السيارة تقفز على الحجارة وراكباها يعانيان صعوبة بالغة حتى بلغا أخيراً بوابة عتيقة منحوتة في الحجر تدل على أن المنزل بني على أنقاض بناء قديم. وخلف البوابة والسور المحيط بالأرض نمت أشجار خضراء من مختلف الأنواع ، وتوزعت أزهارها وورود زاهية هنا وهناك تضفي على الجو رونقاً وضياء.

كانت أشعة الشمس ما تزال ساطعة ترسل ألوانها على المنزل الأبيض المحاط ببساط من العشب الأخضر وسجادة من الأزهار.

انعقد لسان لين من الدهشة وصعقت لجمال هذه البقعة الطاهرة التي لم تدنس عذريتها مكائد الإنسان.

_ آه ما أروع هذا المكان!

أجالت طرفها بين الجبال الشاهقة والبحر المترامي الأطراف في زرقة يخالطها بياض الزبد. عجيبة هي طبيعة أيرلندا في جمعها بين ارتفاع الجبال ووداعة البحر في لوحة واحدة.

_ كيف وصل صديقك إلى مكان كهذا؟

مرت لحظات تردد قبل أن يجيب زوجها:

_ إن عائلته تملك هذه الأرض منذ عدة أجيال وقد اقامت فيها مزرعة كبيرة.

أشار بيده إلى بقايا البناء المتهدم وقال:

 
 

 

عرض البوم صور HATONE   رد مع اقتباس
قديم 19-08-11, 04:41 PM   المشاركة رقم: 48
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Aug 2011
العضوية: 227789
المشاركات: 51
الجنس أنثى
معدل التقييم: HATONE عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 14

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
HATONE غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : HATONE المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 


_ كان هذا بيتاً لعمال المزرعة. وجد صديقي المكان المناسباً لبناء منزل يستريح فيه عندما يحتاج إلى الإبتعاد عن عالم الأعمال والضجيج.

_ وماذا يعمل صديقك؟

_ إنه ثري لديه أملاك كثيرة.

دخل الزوجان إلى المنزل الفخم حيث الأثاث الوثير والسجاد العجمي والستائر الحريرية الفاخرة. وأعجبت لين بالثريات والكريستال والآنية الفضية وتماثسل العاج والبرونز.

كما لفت نظرها الديكور الذواق الذي نظمت على أساسه حجرة الصالون ، ثم هزت رأسها مدركة أن هذا المكان ليس لغجري ، وظنت أن رادولف ليس صديقاً لمالكه كما ادعى ، بل هو يدخل إليه خلسة عندما يعلم أن أصحابه غائبون. ولكن من أين أتى بالمفتاح؟ الجواب على ذلك ليس مستعصياً لأن رادولف لص محترف.

أعادها صوت رادولف إلى الواقع عندما بادرها بالسؤال:

_ بماذا تفكرين؟

_ كنت أفكر بكل هذا المال المهدور على بيت شبه مهجور.

لم يقنع جواب لين زوجها الماكر فصحح قولها:

_ لا يا عزيزتي ، كنتِ تقولين في نفسك كيف يمكن لغجري حقير أن يتعرف إلى أصدقاء أثرياء كصاحب هذا المنزل؟

مرة أخرى عادت مسحة المرارة إلى صوت رادولف. ولكن لين لم تشعر بالشماتة. لذلك بل انزعجت وحاولت تغيير اتجاه الحديث.

بعد ذلك أراها غرف النوم المرتبة والنظيفة كما دخلا إلى المطبخ الواسع والمجهز بأحدث الوسائل المعيشية وأثمنها.

_ لا بد أن أحداً يأتي إلى هنا باستمرار حتى يبقى المنزل نظيفاً.

هز رادولف برأسه وهو يشير إلى بقعة خضراء لا تبعد كثيراً عن البيت.

_ هناك مزرعة صغيرة خلف تلك الأشجار تملكها أرملة في الخمسين كلفها صديقي المجيء يومياً للإهتمام بالمنزل.

_ يومياً؟

_ ستأتي في الصباح الباكر وهكذا ستتأكدين من أني لست متسللاً إلى هذا البيت.

احمر وجه لين لملاحظته الجارحة والصائبة لكنها رأت في مجيء هذه المرأة عملاً يحتمل أن يساعدها على الهرب.

_ لا تبني آمالاً كاذبة فالسيدة وايت تحبني كثيراً وتنفذ أوامري.

_ يبدو أن لديك الكثير من المحبين.

تجاهل الغجري ملاحظة زوجته وقال:

_ المياه ساخنة الآن إذا كنتِ ترغبين في أخذ حمام. لقد أخبرت السيدة وايت بمجيئنا وأمرتها بتسخين الماء.

حدقت لين فيه بذهول مطبق.

_ أخبرت السيدة؟.. ولكن متى وكيف فعلت ذلك؟

ضحك رادولف وأجاب:

_ طلبت إلى أحدهم في آخر المخيم توقفنا فيه أن يتصل بها ويخبرها.

أمضت لين وقتاً طويلاً في غمرة المياه الساخنة. ولما عادت إلى غرفة النوم كانت هادئة ومرتاحة الأعصاب.

جلس رادولف يتأمل جمال زوجته ونظر إلى ساعة كبيرة معلقة على الحائط وقال:

_ يبدو أنكِ تمتعتي كثيراً بالماء لأنكِ أمضيتِ ما يقارب نصف الساعة في الحمام.

_ آسفة لتأخري.

_ لا عليكِ يا طفلتي لإانا كنت مشغولاً باجراء بعض المكالمات الهاتفية.

مخابرات هاتفية...هذا يعني أن ثمة هاتفاً في المنزل. حاولت المرأة أن تكتم بلهجة عادية حتى لا ينتبه زوجها لحيلتها.

_ ألا يضايق صديقك استعمالك لهاتفه؟

_ لا أبداً.

دخل رادولف بدوره إلى الحمام تحت أنظار زوجته المتسائلة عن نوعية مكالماته التي ليس بالطبع موجهة إلى مخيمات الغجر ، لأن هذه الأمكنة لا تعرف الهاتف.

انتظرت بضع دقائق حت سمعت صوت المياه ، ثم خرجت من الغرفة على رؤوس أصابعها وشرعت تبحث عن مكان الهاتف دون جدوى. أخاف رادولف الداهية لإدراكه أن زوجته لن تكون غبية وتدع فرصة استعمالها الهاتف تفلت من يدها وتضيع هباء.

تخلت لين عن البحث وجلست تفكر في طريقة حديث زوجها عن الهاتف ، وكأنه يتعمد خلق مواقف تجعلها تطرح على نفسها المزيد من الأسءلة حول حقيقته. تمنت لو تجد سبيلاً كي تقتعه بالإجابة على التساءلات الدائرة في ذهنها والتي تسبب لها حيرة وانفعالاً عظيمين.

بماذا تشك المرأة؟ ما هو التفسير الشافي لكل الغموض الذي يحيط بزوجها؟ من المسلم به أن رادولف غجري ومع ذلك لا يمكنها إنكار بعض الصفات التي تجعل منه شبيهاً بأي رجل مثقف لابل ارستقراطي نبيل ، سواء في حديثه أم في تصرفاته. ففي الفترة الأخيرة عندما جالا في البلاد ، انتفت عنه كل علامة تشير إلى أنه غجري. حتى ملامحه تغيرت وارتدى ثياباً عادجية تختلف عن الزي شبه "الفولكلوري" الذي كان غالباً من هندامه السابق.

لكن ، لما هذا التبد ولماذا عمد رادولف في بداية تعارفهما إلى كسب عدائها؟ لماذا!.... لماذا! أسئلة لا تنتهي! يضاف إليها هذا المنزل الفخم قطعة جديدة في الأحجية. مادام من غي المعقول أن يكون لغجري صديق حميم بهذا الثراء يعهد إليه بمفاتيح بيته ويعطيه حرية التصرف المطلقة ولاسيما ولا سيما وأن رادولف بدا معتاداً على المجيء إلى المكان من خلال معرفته كل التفاصيل المتعلقة بالأثاث وبتاريخ المنزل وظروف تشييده... يضاف إلى ذلك السلطة التي بستطيع بموجبها أن يأمر الم{اة بتحضير البيت وتنظيفه استعداداً لحضوره.

في هذه اللحظة دخل رادولف الغرفة مرتدياً لباس نوم أنيق يتناقض مع لون شعره غير الممشط ويعطيه شكلاً فريداً يجمع بين الأأناقة والطبيعة البدائية... لا يقال عن رادولف إلا أنه طائر يغرد خارج سربه!

عرف الغجري ماآثاره مظهره في نفس زوجته فقال معتذراً:

_ آسف لمظهري ، لكني سأتحسن مع الوقت إذا اهتممتِ أكثر بالتفاصيل.

_ لا ضرورة للسخرية. أعتقد بأنني أشعر بالبرد ، فالجو ليس دافئاً كفاية هنا؟

سارع إلى تشغيل جهاز التكييف. وعلى الفور غمر المكان دفء عارم. بعد ذلك عاد رادولف إلى غرفة النوم وفتح دولاب الثياب.

_ ستجدين ثيابك وحقيبتك هنا.

_ أظن أني رأيت بين ملابس فستاناً طويلاً.

_ ماذا عن الفستان؟

_ أريدك أن ترتديه الليلة.

مرر نظراته الشغوفة على وجهها وأكمل:

_ سنأكل العشاء بكامل أناقتنا كأناس متمدنين.

عدلت المرأة عن الإعتراض لأن فكرة إرتداء ثوب أنيق والجلوس إلى طاولة لتناول الطعام محبذة بعد كل هذه الفترة البوهيمية ، حيث تخلت مرغمة عن مبادئها المتعلقة بالنظافة والتشكليات.

منحها رادولف إحدى بسماته قبل أن يقول:

_ أرى أن اقتراحي أعجبك، أخرجي الفستان إياه لأراه.

فعلت لين كما أمرها وأخذت تتمشى أمامه في الثوب الأصفر الطويل. بل على العكس قالت بعد أن أحضرت فستاناً آخر ذا لون أرجواني:

_ ما رايك بهذا؟

اقترب الغجري من زوجته فأحست بالرعشة تعتريها وكأن الرجل قوة مغناطيسية كبيرة غريبة يزيد منها طبعه المتكبر. احمرت وجنتا المرأة وثقل تنفسها وفي ذهنها فكرة واحدة حبها لرادولف. مع اقتراب رادولف منها ازدت دقات قلبها أكثر فأكثر. وعلمت أنه لو أراد ضمه إلى صدره لما أحجمت بل لرحبت بذلك بكل جوارحها. لكن زوجها خيب أملها واكتفى بطبع قبلة حنونة صادقة على جبينها.

 
 

 

عرض البوم صور HATONE   رد مع اقتباس
قديم 19-08-11, 04:43 PM   المشاركة رقم: 49
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Aug 2011
العضوية: 227789
المشاركات: 51
الجنس أنثى
معدل التقييم: HATONE عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 14

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
HATONE غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : HATONE المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 

8- مشاعر متوقدة

جلس رادولف ولين متقابلين إلى مائدة مضاءة بالشموع في شمعدان فضي ، ومزينة بمزهرية مليئة بورود حمراء. وعلى طرف المائدة وضع إناء مليء بمختلف أنواع الفاكهة. أما المفرش فأبيض كالثلج تضيئه السكاكين والشوك الفضية.

جلست لين في فستانها الأصفر سعيدة كما لم تكن يوماً منذ أن التقت رادولف ، وهي تعلم أن هذه السعادة لت تعمر طويلاً.

فالأمسية ليست إلا واحة وارفة في صحراء حياتها مع زوجها ، والتي تنوي الخروج منها برغم كل الإعتبارات الأخرى وأهمها... حبها للغجري.

تمكن رادولف بطريقة ما من الدخول إلى هذا المنزل الذي يحوي في ما يحويه ، حوضاً للسباحة في قاعة مقفلة مكيفة ، وملعبا لكرة المضرب في القاعة نفسها ، كما أقيمت في الجهة الخلفية بحيرة اصطناعية صغيرة لإكمال اللوحة الفنية خاصة وأنها تطل على الهضاب الخضراء الحالمة.
منتديات ليلاس
قررت المرأة الشابة نسيان شكوكها لتمضي وقتاً ممتعاً في هذاالمكان الذي إعتبرته أكثر شاعرية من كل ما أبصرت عيناها. فلم تيتغل الفرصة وتتذوق حلاة كل دقيقة تمر بدلاً من أن تشغل فكرها في ما لن تستطيع توضيحه؟

من جهته ارتدى رادولف بزة رسمية سوداء وتحتها قميص أبيض يزيده إشراقاً لون بشرته السمراء ، لكنه لم يبدو منزعجاً من لباسه هذا أو غير معتاد عليه.

تدخل صوته معلقاً بكل عذوبة:

_ أنتِ هادئة كثسراً يا عزيزتي.

_ إني أتمتع بهذه الأمسية اللطيفة.

_ وتردين بالطبع أن تطرحي الكثسر من الأسئلة. أنتِ أكبر امرأة عاقلة رأيتها في حياتي.

_ وهل تريد أن أضع كل ثقتي بك؟ ماذا تفعل لو كنت مكاني؟

تجاهل رادولف كلامها واهتم بصب الكافيار الفاخر الذي وجده في خزانة مليئة بالمعلبات على إختلافها. وبعد أن انتهى قال:

_ لماذا لا تطرحين علي بعضاً من تلك الأسئلة المقلقة؟

_ ومن قال أنها أسئلة مقلقة؟

_ ذلك يقرأ على وجهك يا عزيزتي. فلنقل أنكِ في حيرة ، وسبب الحيرة أشياء كثيرة حدثت في الفترة الأخيرة

_ أشياء لا تحصى ولا تعد؟

توقفت لين لتتذوق بعض الكافيار ثم أضافت:

_ أتعني انك مستعد للإجابة على الأسئلة ، فأنت لم تخرج عن تكتمك حتى الآن؟

_ ليس في الأمر تكتم بل عدم ضرورة للبوح بكل الأسرار.

كان يحدق فيها ووهج نار الشموع من سحر وجهها وجماله. أعادت إليها نظراته ذكرى لقائهما الثاني في الغابة عندما جاء على حصانه وبدا مسحوراً بجمالها. كان في الحقيقة مختلفاً وقتها عما رأته فيه في اللقاء الأول.

_ وهذه الضرورة أصبحت متوافرة الآن!

وجف قلبها إذ أدركت بحدس ما إنها على وشك اكتشاف أمر خطير كفيل بجلب السعادة الدائمة. اختلج في نفسها شعور غريب تلاعب بانفعالاتها وجعلها في الوقت نفسه تقتنع بأنها لو عرفت كيف تعالج الوضع الجديد الذي سيخلفه رادولف لما عاد زواجها منه تلك المأساة التي بدأت عند اختطافها وإرغامها على عقد زواج غجري لا تؤمن كثيراً بصحته أو شرعيته

أجاب على سؤالها وكادت تتولى المهمة عن عيناه الحزينتان:

_ من المفيد لنا نحن الإثنين أن أوضح لكِ بعض الأمور التي أوقعتكِ في مغالطات جمة.

لاحظت المرأة الحزن في عيني زوجها وتمنت لو تستطيع فعل أي شيء لتمحو هذه المسحة الأليمة من نفس من تحب. إزاء سكونها أكمل الغجري:

_ بالرغم من ذلك أفضل يا عزيزتي ألا تطرحي اسئلتك الآن بل لندع الأمور تلقائياً ، وذلك بات قريباً.

هز رادولف رأسه وتجهم وجهه وبدت عليه علامات القلق والتردد عندما قال بصوت خافت:

_ نما في داخلي إحساس بأن نظرتك إلي يا لين ، ولكني لست أكيداً... لا ، لا أجرء...

اقتحمت كلماته كالسهام أعماق لين واختلطت عليها الأمور إذ لم تفهم ماقاله زوجها. ليس أكيداً... وبالتالي لا يجرؤ على مصارحتها بما يريدها أن تعلم عنه. أحست ليس بأن العثور على السعادة باتت وهماً وبأنها لم تخلق لتعيش مع هذا الرجل تحت سقف واحد. ولكن هل هي واثقة تماماً من رغبتها في العيش معه؟ مرة جديدة ترأت مستقبلها قاتماً و فارغاً إذا تخلت عن رادولف. ومن جهة أخرى هي لا تستوعب فكرة الحياة غير المستقرة التي يعيشها هؤلاء الغجر. نظرت إلى زوجها متوسلة وتمتمت:

_ أرجوك يا رادولف ، أطلعني على الخبايا ، أنا زوجتك ويحق لي أن أعرف شيئاً عنك.

هز الغجري برأسه موافقاً بدون أن يبدر منه ما يرضي فضول زوجته بل قال:

_ لنركز اهتمانا الآن على وجبة العشاء لا سيما وأنها الأولى لنا في مثل هذا المكان الرائع.

لم تجد إبتسامة رادولف في إزالة خيبة زوجته لأنه تهرب من الموضوع. والألم الآن أشد وقعاً منه في الماضي كونها صارت أسيرة حب هذا الرجل ، وأضحت متشوقة لكشف حقيقته.

بعد الكافيار جاء دور شرائح اللحم المشوي التي حضرها الزوجان في المطبخ الكبير بعد أن جلبها من الثلاجة الكبيرة المحتوية على الكثير من اللحوم وأنواع الطيور الشهية. وقد برر راولف وجود هذه الأطعمة بوجود السيدة وايت الأرملة الطيبة التي تهتم بشؤون المنزل.

_ أنت تعب السيدة وايت بطلباتك المتعددة يا رادجولف.

_ السيدة وايت راضية فهي تجد في الأمر تسلية تنسيها وحدتها. كما أننا بحاجة لهذا الترف بعد طول التنقل من خيم لآخر.

_ ولكنك تعشق حياة الغجر ، أليس كذلك؟

_ العادة تسهل كل شيء وتجعله معقولاً. ولا أخفي عنكِ سراً إذا قلت أني أحب التمتع بالحرية التي توفرها حياتنا الغجرية.

_ ولكن حياتك خاوية إذ لا عمل فيها ولا نشاط.

_ ليس كل الغجر بالضرورة عاطلين عن العمل. فهم يصنعون بعض أدوات المطبخ ويتعاطون التنجيم وما إلى ذلك.

انتهى الزوجان من تناول الطعام فسأل الغجري:

_ هل أعجبكِ الطعام؟

_ كان رائعاً ، رائعاً جداً.

طغى على الجو مسحة من السحر والود. ولم تفكر لين بالمشاكل التي تفسد عليها روعة الساعة بل تركتها جانباً لتنعم فهنيهات فرح نادرة.

تناولا القهوة ثم اقترح رادولف أن يخرجا لتنشق الهواء المنعش. وافقت لين على الفكرة وان اعتراها على الأثر بعض الخجل.
منتديات ليلاس
سحرت لين بجمال الطبيعة وبإبتسامة رادولف السخية. الآن أدركت مدى وسامته وأنها صارت تنظر إليه كرجل مهذب متحضر لا كغجري متشرد في هذه الليلة رأت لين مملكة رسمتها في خيالها ، مملكة تعيش فيها مع فارس أحلامها وفي مكان لا تحققه إلا الأحلام... ولكن حلول الغد سينهي هذا الحلم...

تجولا في الحديقة والمراعي التي تحيط بالمنزل ، يداعبهما نسيم منعش يحمل معه رائحة البحر الممتزجة بعطر الأزهار.

تنشق لين الهواء بنهم وأفكارها محاطة بالضباب بفعل الجو الغامض وهي فرحة بذلك لأنه يحملها بعيداً عن همومها في سمفونية عذبة الالحان.

سألها رادولف كي تخرج عن صمتها:

_ هل أنتِ هادئة المزاج الآن؟

_ نعم.

_ البحر هادىء الليلة ويشجع على السباحة.

_ أنت تسبح إذن.

أجاب رادولف متعجباً لسؤالها:

_ بالطبع.

لم تسأله لين هذه المرة كيف يجيد السباحة من أن الغجر لا يجيدونها عادة. ، بل تجاوزت فضولها كي لا تفسد النزهة الليلة.

_ ما رأيكِ يا عزيزتي بتسلق التلال؟

_ أتعرف الطريق جيداً ؟

_ لا تقلقي فأن أعرف المنطقة وأستطيع السير في مسالكها مغمض العينين.

أتبدأ لين بطرح الأسئلة حول سبب معرفته التامة بالمكان؟ لا ، فلا حاجة لإفساد السهرة الرائعة حتى وإن كان انسجامها مصطنعاً بعض الشيء إذ يتغاضى كلاهما عن الحقيقة.

اتجها نحو التلال في طريق مغطى بالعشب الكثيف. والقمر بدأ يختبىء خلف بعض الغيوم فصار الضوء مصحوباً بظلال رقراقة تتراقص على البساط الأخضر الفسيح.

وضع رادولف يده في يد زوجته فغمر الدفء جسمها واصبح كل شيء جميلاً جمال هذا العالم المجنون. حبذا لو ينقلب الحلم حقيقة ويصحب هذه اللحظات سعادة دائمة.

تفرقت الغيوم فعاد القمر إلى وجد عطائه يرمي أنواره على قمم التلال وسفوحها فتنعكس على حبيبات الندى التي تكلل رؤوس الأشجار وتخالط وريقات العشب. والنسيم المليء بالشذى يشترك مع الطيور الليلية في اداء أبدع الألحان وأروعها.

في الطريق إلى البيت تساءلت لين عما إذا كانت الحاجة التي تدعوها إلى البقاء هي وليدة اللحظة وستزول متى انفصلت.

والأكيد الآن أنها ترغب في الإرتماء بين ذراعيه تدفىء قلبها بحرارة اللهفة والهوى.
منتديات ليلاس
وصلا إلى المنزل ورنين الهاتف يملأ أرجاءه. فهرع رادولف ليجيب. بقت لين في الخارج تتأمل الهضاب الواسعة والبحر الرحب تتكسر أمواجه على الشاطىء وتتطاير حبات الماء لآلىء تستحم بنور القمر. وفجأة أدركت أن في وسعها الهرب والعثور على أكثر من مخبأ في هذه المنطقة الشاسعة بحيث يستحيل على الغجري أن يجدها في الظلام. معطفها معها وكذلك الماء ، فما عليها إلا أن تركض وتنال حريتها... الحرية أصبحت على قاب قوسين أو أدنى منها ، فلماذا لا تفعل؟

ما زال رادولف يتكلم على الهاتف ويبدو أنه لن ينتهي من المكالمة بسرعة. من على الطرف الآخر من الخط؟

لو كانت المكالمة موجهة لصاحب المنزل لانتهت بسرعة. المكالمة لرادولف إذن.

أصغت المرأة بانتباه ولكنها لم تتمكن من الفهم لأن زوجها كان يتحدث بصوت منخفض. كيف ارتكب رادولف مثل هذه الغلطة وتركها حرة بدون حراسة ، وقدم لها بذلك فرصة الفرار على طبق من فضة!

وقفت لين كالبلهاء مشدوهة لا تدري ماذا تفعل. الهرب متاح أمامها على مصراعيه فلماذا لا تستغل الفرصة؟ لماذا التردد؟

 
 

 

عرض البوم صور HATONE   رد مع اقتباس
قديم 19-08-11, 04:45 PM   المشاركة رقم: 50
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Aug 2011
العضوية: 227789
المشاركات: 51
الجنس أنثى
معدل التقييم: HATONE عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 14

االدولة
البلدPalestine
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
HATONE غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : HATONE المنتدى : روايات عبير المكتوبة
افتراضي

 


أخيراً ابمتسمت والتمعت عيناها وعلمت أن هذه الليلة الشاعرية يجب ان تستمر حتى آخر فصولها. ألقت نظرة على العالم في الخارج ثم دخلت وأقفلت الباب بهدوء.

استدارت لين لتجد زوجها واقفاً يحدق فيها وتملأ وجهه علامات الإستغراب والدهشة. وقفت المرأة جامدة لا تقوى على الحراك غذ علمت نوايا زوجها. ولكنها لا تأبه لأنها مصممة على خوض غمار ما تقدمه هذه الليلة"الإستثنائية". وقفا ينظران إلى بعضهما حيث عجز الكلام عن التعبير عما يختلج في النفس ويفيض في القلب.

أخيراً استطاع الرجل أن يطق:

_ يا حلوتي...

مد يده إلى زوجته وإمارات الفرح تفز من عينيه وتهذب من قساوة ملامحه البدائية ذات الجمال الوحشي النقي.

تجاوبت لين لدعوته بابتسامة رقيقة كفيلة بإذابة الصخر وأكثر القلوب تحجراً. ومدت يدها بخجل إلى يد زوجها.

_ كان بوسعك الهرب بسهولة... ولو فعلت لما تمكنت من العثور عليك أبداً.

قال رادولف ذلك وهو يكاد لا يصدق أن لين أضاعت هذه الفرصة السانحة وفضلت البقاء معه على استعادة الحرية.

تحولت عبارات الدهشة في عينيه إلى حنان فائض وملأ قلبها شعور واحد: الحب. حب حملها بعيداً عن الهموم الحياتية ، وأحاسيس رفعتها من مستوى إلى مستوى الشعور.

_ لين... ما سبب الذي يجري بيننا الآن؟

وأضاف متراجعاً:

_ لا أهمية لذلك فيكفينا أن مايجري رائع...

قاطعه رنين الهاتف فوقف متردداً ، أيجيب أم يستجيب لرغبته بالبقاء قرب زوجته؟ كرهت لين صوت الهاتف وتمنت لو يخرس حتى لا يسلبها رادولف. وكم كان سرورها عظيماً عندما قرر الغجري يرن والبقاء معها.

_ فليذهب الهاتف إلى الجحيم لأني لست مستعداً لتركك الآن. تنفست المرأة الصعداء وزادها قراره ثقة بنفسها وبمكانتها عنده. هل فهم رادولف أنها غارقة في حبه حتى أذنيها؟ هل أدرك أن سلطته عليها لم يعد سببها السطوة بقدر ما صار الحب؟

_ رادولف... اسمك غريب و لكنه يعجبني.

_ اسمي أيرلندي قديم جداً.

_ أليس اسماً غجري؟

_ لا.

تررد رادولف قليلاً قبل أن يكمل:

_ في الحقيقة هو إسم يطلقه نبلاء أيرلندا على أولادهم.

_ وكيف اتفق أن غجرياً حصل على اسم نبيل أيرلندي.

_ لا أعتقد أن في ذلك جريمة.

دفعها الفضول إلى مزيد من الأسئلة.

_ وهل هناك الكثير من رجال الغجر يحملون نفس الإسم؟

_ أظن أني الوحيد الذي يحمله.

_ لم تذكر لي شيئاً عن والديك يا رادولف.

قال وقد ملأ صوته حزن عميق:

_ كلاهما ميتان.

غرقت لين في ذرعيه أكثر.

_ أخبرني عن أمك.

شعرت وكأنه ارتجف فجأة:

_ ماتت أمي وهي تضعني.

_ آه! ان هذا مأسف حقاً.

لم ينجح رادولف عندما علق على كلامها في إخفاء الأسى من نبرته

_ إن موتها المبكر لم يشعرني بفراغ لفقدانها ، فلو ماتت وأنا فتى يافع مثلاً لكنت أصبت بحزن أكبر.

_ أنت وحيد في هذه الدنيا إذن.

_ وكيف تخيلت أني وحيد في هذه الدنيا؟

_ ألديك اخوة أو أخوات؟

لم يجب الغجري على سؤالها مباشرة بل اكتفى بالقول:

_ كنت أعتبر نفسي وحيداً حتى تزوجت منكِ.

_ أنت لم تجب على سؤالي.

_ حسناً يا عزيزتي ، لي أخ واحد.

_ اني أحسدك على ذلك. أين يعيش اخوك؟

_ في أحد مخيمات الغجر.

_ ألا تراه أبداً؟

أجاب رادولف بحدو وكأن الموضوع بات مزعجاً:

_ لم أره مدة طويلة. كفانا كلاماً الآن ولنخلد إلى النوم.

_ لست بحاجة للنوم الآن.

قالت ذلك وأكملت بسرعة حتى تمنعه من التعليق:

_ للأسماء القديمة معان فما معنى رادولف؟

_ أخشى ألا يعجبك معناه ، فكلمت رادولف تعني الذئب السريع.

لقد كان الغجري بالفعل ذئباً سريعاً عندما لحقها على حصانه واختطفها. نظرن لين إلى الجرح فرأت أثره واضحاً على خده فخشيت الا يزول أبداً.

_ أعتقد أن اسمك مخيف قليلاً.

_ لا أنوي اخافتك الآن لأني أريد أن أنام.

طبع قبلة ناعمة على جبينها وأطفأ النور ضاماً إياها بين ذراعيه. وماكادت تمر دقيقة حتى خطا في سبات هانىء وعميق.


أفاق الزوجان باكراً وجلسا على الشرفة الواسعة يتناولان طعام الفطور. وبعد قليل رن جرس الهاتف. هب رادولف من كرسيه معلقاً:

_ لا شك أنها المكالمة التي كان يجب أن اجيب عليها بالأمس. أكملي فطورك يا عزيزتي فلن أغيب كثيراً.

عاد رادولف بعد قليل متجهم الوجه كأن حادثاً كبيراً قد وقع فسألته زوجته قلقة:

_ ما الأمر؟ هل هناك ما يقلق؟

_ لا ، شيء يا لين.

_ ولكن كيف تتلقى مكالمات ولا أحد يعلم بوجودنا هنا؟

_ أنتِ مخطئة في تكهناتك بدليل أنني تلقيت مخابرة بالأمس.

_ مخابرة من الأشباح على ما أظن! لماذا تحيط نفسك بهذه الهالة من الغموض وبهذا الحجاب من الأسرار؟ أشعر بنفسي إزاء ذلك إنسانة غريبة لا زوجة!

لم تلحظ المرأة أن عيني زوجها الغضبتين تدلان على عدم رغبته في الكلام وعلى مزاجه المعكر ، بل دفعها قلقها عليه إلى المزيد من الإلحاح فقال الغجري بحدة:

_ ألن تكفي عن طرح الأسئلة السخيفة؟

بدأت الأفكار السوداء تلعب في رأسها من جديد. أيكون سبب تكتمه الشديد حيال اتصالاته نشاطات غير مشروعة يقوم بها؟ وقد تكون هذه النشاطات مصدر المال الوفير الذي يملكه والذي يخوله القيام برحلات طويلة والإنفاق على ثيابه الغالية. كما هناك الحصان الأصيل الذي امتطاه في الغابة ، ووجوده في هذه الدار الفخمة... أمن المعقول أن يكون المنزل ملكاً له وهو مجرد غجري! أسئلة لا تعرف لها جواباً واحداً...

كانت غارقة في أفكارها فانتشلها صوت زوجها:

_ أنا مضطر للخروج يا لين. أتعدينني بأن لا ترحلي؟

ضربت لين الأرض بقدمها وقالت بإصرار:

_ سأرافقك!

رأت الرفض القاطع في عينيه. ثم هدأت بعد أن خطرت لها من جديد فكرة الفرار. وبرغم بزوغ فجر الحب في قلبها ، فهي امرأة تنتمي غلى محيط إجتماعي مختلف تماماً عن هذه البيئة الغجرية. ويجعلها تندمج في حياتها رادولف وقومه ، وجذوته لا بد ستخبو مع الوقت ومع اصطدامها بمرارة الواقع الذي تعيشه.

احتاجت لين إلى شجاعة فائقة لحبس دموعها. ولكن شجاعتها انهارت فجأة عندما أعاد عليها زوجها السؤال نفسه.

_ اتعدينني بأنكِ لن ترحلي؟

أمام ترددها لم يجد الغجري حلاً سوى حبسها في غرفة النوم. وفي الوقت الذي سمعت فيه لين صوت المفتاح يدور في القفل نظرت صوب النافذة. غلطة جديدة ارتكبها رادولف بسبب انشغاله وقلقه الشديدين. ما عليها الآن سوى انتظار رحيله لتخرج بكل سهولة من النافذة ، فالبيت من طابق واحد لا خطر من التسلل عبرها. لكن لين لم تترو وتنتظر ذهاب زوجها فسرعان ما ارتدت معطفها ارتدت معطفها وأخذت حقيبة يدها ثم فتحت النافذة وأصبحت في الخارج.

كانت أشعة الشمس ساطعة والبحر ساكناً والطبيعة هادئة. ولم تستطيع لين محو ذكر التفاصيل الحلوة التي تسربت في الليل الفائت لتضيء ظلام حياتها. عاد كل شيء الآن إلى سابق عهده. وهاهي الآن تنفذ عملية الفرار التي غابت عن فكرها في ساعات السعادة الماضية.

آه لو كان رادولف رجلاً عادياً كغيره من الرجال! رجل يشغل وظيفة محترمة ويهتم بتأمين الرعاية والحنان لزوجته وأولاده...

انهارت الدموع من عينيها وكادت انفعالاتها تقودها إلى العدول عن الهرب والمغامرة في البقاء زوجة لهذا الغجري الذي أحبته. لكن الغلبة كانت في النهاية للعقل والمنطق. فتابعت المرأة طريقها بين شجيرات الحديقة لتجد منفذاً يقودها إلى الطريق العام. وبينما هي تختبىْ بين الشجيرات سمعت رنين الهاتف في المنزل ووقع قدمي رادولف يهرع للإجابة. عندها دفعها حدسها في العودة إلى المنزل فجلست القرفصاء تحت نافذة غرفة الجلوس منصته إلى الحديث.

_ ...أحسنت يا أولاف أقلت أنه آت إلى هنا؟ أخيراً سأتمكن من...

لم تستطع لين فهم بقيت الجملة بل سمعت:

_ كنت يائساً يا صديقي ومتأكداً من أن الأمر سينتهي به في السجن. لو أستطيع التحدث واقناعه...

وضاعت الكلمات من جديد فجنت لين من الغضب. كادت تتوصل إلى معرفة الحقيقة لولا حظها السيء. وفجأة سمعت صوت زوجها يقول لأولاف:

_ إذن لاحجة إلى تحركي الآن. لقد اتصل بي راوول منذ بضع دقائق وأبلغني أن بوريل كان في مخيم روجنتري في السهل المجاور. فقررت الذهاب لملاقاته هناك. أما الآن وقد أكدت لي أنه آت إلى هنا سأنتظره وأفاجئه.

توقف رادولف مفسحاً المجال لصديقه بالكلام. وتمنت لين لو تسمع ما يقله الغجري الكهل لزوجها الذي عاد إلى الكلام بصوت منخفض فلم تتمكن المرأة إلا سماع بعض الجمل غير المترابطة.

_ أرجوك ألا يعلم بوجودي هنا... جاء مرة مع فتاته... صحيح وإلا لما عرفت... لا أعرف كيف أرد لك الجميل يا أولاف.

تساءلت لين عن معنى هذا الكلام وهي تنتظر زوجها ليعاود الحديث. لكنها تأكدت من أمر واحد وهوأنها ستبقى حتى يأتي الدعو بوريل علها تشبع فضولها ويصدق الحدث الذي أنبأها بأن مصيرها ومستقبلها يتعلق بقدوم هذا الرجا.

_ ...كان علي الأخذ بنصائحك يا أولاف والكف عن مطاردته ، خصوصاً بعد أن أصبحت مثقلاً بالمسؤوليات.

خفق قلب لين بشدة إذ فهمت أنه يعنيها بالكلام على" المسؤوليات"

_ ولكنك تعلم يا أولاف أني لا أقبل بالهزيمة. وأنا متفائل بأني إذا تمكنت من لقاء بوريل والتحدث إليه فسأسوي كل هذه الأمور معه.

أقفل الغجري الخط بعد قليل فقررت لين العودة إلى غرفتها قبل أن يكتشف زوجها غيابها. ولكن الحظ أبى إلا أن يوقعها في مشكلة جديدة. فما كادت تخطو حتى تعثرت بغصن شجيرة وهوت بقوة فارتطم رأسها بالأرض وصاحت من الألم. لم تمر ثاني من سقوطها حتى

 
 

 

عرض البوم صور HATONE   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
anne hampson, آن هامبسون, اريد سجنك, دار الكتاب العربي, روايات, روايات مترجمة, روايات مكتوبة, روايات رومانسية, روايات عبير, روايات عبير المكتوبة, روايات عبير القديمة, سجينة الغجر, pagan lover, عبير
facebook




جديد مواضيع قسم روايات عبير المكتوبة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 02:01 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية