ومرت نهاية الأسبوع من غير حادث يذكر , كانت سارة تأمل بتسلّم رسالة من والدها يوم الأثنين , ولكن بريد ذلك اليوم كان خاليا ألا من بضعة أسطر بعث بها تيد مع طائرة الصباح العائدة من كامبالا.
وفي تلك الأسطر قال لها تيد أن كل شيء هادىء في المركز بعد أن غادرته , وأن كيكي وميمي كليهما يظهران دلائل الحزن لفراقها , وأن بروس مادن تعافى من مرضه وقبل شاكرا قضاء أسبوع في كامبالا قبل أن يذهب الى مورشيسون فولز لتسلم منصبه الجديد هناك , وتمنى تيد عل سارة أن تخبر ستيف بأن أحد الحراس قبض على زمرة أخرى من اللصوص , وبذلك قوي الأحتمال بأكتشاف منظمي أعمال التسلل والأعتداء..
وتسلّم ستيف الخبر بأهتمام بالغ , وأعرب عن أمله بأن مثل هذه اورسائل المناقضة للقانون سيقضى عليها عاجلا أم آجلا , فلا يعود أحد يعتدي على الأراضي الخاصة بصيد الحيوانات في كامبالا أو سواها , وعجبت سارة وهي تتسمع اليه كيف أن رجلا كهذا غارقالى أذنيه في أعمال دائرة صيد الحيوانات يفكر , ولو للحظة , أن يعيقها ويختار طريقة الحياة التي كان يتبعها دون وديانا ميلسون.......
وأصطحب دون سارة الى نوهة في السيارة ذلك المساء , فأتجها غربا في طريق يقع بين المزارع وبين حقول مقاطعة كيكيو التي كانت تعج بقوافل الرجال والنساء والأطفال والمواشي , وكان ذلك الطريق ذاته يقود الى كامبالا على بعد مئة وتسعين ميلا , وهو الذي سلكته سارة منذ ثلاث سنوات حين رافقت والدها برّا الى المركز هناك , ولعلهما سيعودان من هذا الطريق حين رجوعه من أنكلترا بعد نحو أسبوع , فمن الممتع حقا أن تذكر ما أثارته فيها تلك الأنحاء من مشاعر وهي بعد في السادسة عشرة من عمرها.
وسألت سارة دون :
" لماذا أخترت الزراعة يا دون؟".
فأجابها دون وهما يمرّان بقطيع من الماعز:
" لم أخترها , كان في وصية والدي شرط , وهو أن نتابع العمل في المزرعة , وأن يعيش هناك واحد منا على الأقل مدة لا تقل عن تسعة أشهر في السنة".
" وأذن فلا يتغير شيء إن رحلت ديانا لتسكن في مكان آخر , فيما أذا تزوجت أنت".
" كلا , هل يزعجك أنني تزوجت مرة؟".
" لا , لا , أبدا , ولكنني أتساءل أحيانا أي نوع من النساء هي".
" سمراء , صغيرة وسمراء وشديدة الحيوية , كانت في العشرين , وكنت أنا في الرابعة والعشرين حين ألتقينا , ثم بعد سنة من زواجنا أفترقنا".
" أظن أنها كانت تفضّل الحياة الصاخبة في تلك السن".
" نعم ...... وكانت أيضا محبوبة من الجميع , ولكن المشكلة أنها كانت تغار من ديانا حتى الموت , فلم تكن تطيق أن تراها تحظى بالأهتمام في المجالس , والرجل الذي تركتني لأجله تحسبه ديانا ثريب الشبه بها , وكثيرا ما أتساءل أذا كانت تزوجته لأنها بالفعل تحبّه , أو لأنها أرادت أن تبرهن لنفسها أنها قادرة على أنتزاعه من ديانا".
" وأين هي الآن؟".
" حين تمّ طلاقنا كانت تقيم في كامبالا".
وأسرع دون قليلا في قيادة السيارة عندما خلا الطريق , وتابع كلامه قائلا ببطء:
" ومهما يكن من أمر , فأنا لا أزال أنكر تشجيعي لجيل على الوقوع في غرامي , فهي تشله زوجتي السابقة من بعض النواحي , ولكنني تغلّبت على أعجابي بها منذ أمد طويل.....".
فذكّرته سارة بقوله أنه لن يثق بأمرأة بعد تلك التجربة التي عاناها مع زوجته , فقال:
" نعم , قلت ذلك يوما , ولكنني كدت أقنع نفسي بأنني قد أعود فأثق بالمرأة , الى أن لمحت وجهك حين وقعت على ستيف فجأة بعد عودته ليلة السبت , كنت على خطأ في رأيي بعلاقتكما ...... فأنت مغرمة به يا سارة!".
فأحمرت وجنتاها وصاحت:
" كلا!".
قال لها:
" على الأقل أمتدحيني على أنني صادق في ما أقول وأفعل..... لا تخافي , فأنا لم أغرق في حبك بعد الى حد يجعلني أتألم فوق طاقتي".
فلزمت سارة االصمت طويلا ثم قالت:
" نعم , هذا صحيح , ولم أدرك أنني أحبّه الى أن رأيته ثانية".
فقال لها:
" كنت تدركين ذلك ولكنك كنت تتهربّين , فلو كنا نحصل على ما نريد لكنا جميعا في النعيم ....... وأسمحي لي أن أطمئنك بأن ديانا لن تحصل على ستيف".
فقالت سارة:
" لن تحصل عليه؟".
" نعم وجاء وقت كنت أظن أنها مستعدة لتتحمل أي شيء لتصبح زوجة ستيف يورك , ولكنني بعد أن رأيت ردة فعلها على طريقة حياته صرت أعتقد أنه هو الذي يجب أن يقدم كثيرا من التنازلات ليحصل عليها".
" ولكنه يفكر بشراء المزرعة التي في جواركم , ولا بد ......".
" جيل هي التي تفكر في ذلك , لأنها تريد منه أن يستقر في مكان ما , وأنا شخصيا لا أظن أن هذا المشروع سيخرج الى حيز الوجود , فستيف ليس من النوع الذي يطيق المساومة".
فقالت له سارة:
" أنت رجل قلّ مثيله يا دون , وأنني أتساءل لماذا لا أشعر نحوك الشعور ذاته الذي أشعر به نحو ستيف".
ولاحت أبتسامة خافتة على فم دون وقال:
" أنت تشبهينه في كثير من النواحي... وأذا كان عنده قليل من الفهم , فأنه يرى أنك تكونين له زوجة كاملة الأوصاف, ولكن , مع الأسف , فالأمور لا تسير دائما كما ينبغي".
وكان الوقت متأخرا حين عادا الى البيت , وكان ستيف على الشرفة مع ديانا , فراقب دخولهما , وعندما أقتربا أشار ستيف الى برقية على الطاولة وقال لسارة:
" هذه البرقية وصلت منذ نحو ساعة".
وكان على سارة أن تنحني أمامه لتلتقط البرقية , ففتحتها بسرعة والجميع ينتظرون بفارغ الصبر أن يعلموا محتواها , ولما رفعت رأسها , صارح بها ستيف:
" ماذا هناك؟".
" هذه البرقية من والدي , تزوج هذا الصباح , وهو ينوي البقاء في أنكلترا , ويطلب مني اللحاق به".
وساد الصمت , فيما أخذ وقع المفاجأة يبدو جليا على وجه سارة , وتقدم ستيف وأخذ البرقية من يديها المرتجفتين وقرأها سريعا , ثم نظر اليها قائلا:
" يقول في البرقية أنه أتبعها برسالة مطوية".
" نعم".
تفوهت سارة يهذه الكلمة مستسلمة وجلست في أقرب مقعد , ثم تابعت قائلة:
" هل أخبر رؤساءه بذلك يا ترى؟".