وكانت يده حارة على كتفيها وهو ينحني ليلامس شعرها , فقال:
" هو في الزواج بك يا سارة, ولكن ليس الآن , فأنا غير متأكد أنني صرت قادرا على الوثوق بأمرأة مرة ثانية , ولذلك فخير لنا أن نترك الأمور كما هي عليه الآن , حتى أشعار آخر , ألا توافقين؟".
فأجابت سارة:
" نعم , وأشكرك على صدقك , وفي ظني أن التأجيل في صالحنا معا".
" أذن , أتفقنا".
قالت سارة :
" والدي سيعود من أنكلترا بعد نحو أسبوع , وعلي أن أعود معه الى كامبالا".
فأجابها دون:
" سنتحدث عن ذلك في حينه , فكثير من الأمور تحدث في أسبوع , لا تنسي , أنك تغلبت على عاطفتك نحو ستيف في أقل من هذه المدة".
صمتت قليلا ثم أضافت:
" نعم , ولكن أريد أن تعرف أنه لم يكن بيني وبين ستيف أي حب ...... ألا من جهته هو ".
" ألم يغازلك مرة؟".
" نعم , ولكن.........".
" أذن لم يكن الأمر من جهته هو وحده ....... لا ألومه , فأنا لم أستطع أن أقاوم مغازلتك ".
وطوّقها دون بذراعه وقال:
" أنت ترتجفين من البرد , فهيا بنا الآن الى الداخل".
ودخلا الغرفة فأذا بهما وجها لوجه أمام رجل مديد القامة يرتدي سترة بيضاء , وعلى وجهه أمارات القساوة , وشعرت بدون الى جانبها يتصلب ثم يتراخى , وسمعت صوته يقول:
" يا لها من مفاجأة يا ستيف , لم نكن نتوقع مجيئك ألا بعد أسبوع ".
فقال ستيف بلهجة جافة:
" بروس مادن قرّر أعفائي من العمل , فهو يظن أن الطقس هناك يفيد صحته بعد الحادث الذي تعرض له".
" ومتى جئت؟".
فأجابت عنه ديانا قائلة:
" منذ نحو ساعة ...... ثم عزمنا أن نحضر السهرة هنا , فهذه أول فرصة تتاح لستيف ليرى شيئا من حياة المدينة بعد أسابيع من الأنقطاع.......".
فقال لها دون:
" كنت تعتبرين هذا المكان باردا كالقبر, فماذا غيّر رأيك بهذه السرعة؟".
أجابته قائلة:
" الناس هم الذين يصنعون المكان يا عزيزي".
ومالت نحو ستيف وتابعت قائلة:
" كنا نتساءل أين ذهبت أنت وسارة!".
فقالت سارة:
" خرجنا الى الشرفة للترويح عن النفس قليلا .....".
قال لها ستيف:
" بدون شملة على كتفيك المكشوفتين؟".
وألتفت الى دون قائلا:
" كان عليك أن تنبهها يا دون!".
فأجابه دون:
" الحق معك.... لم أفطن الى ذلك ألا منذ حين".
ونظر الى سارة وقال لها:
" ما رأيك بفنجان من الشاي الساخن يا عزيزتي؟".
فأجابته قائلة:
" فكرة جيدة , هيا نحتفي كلنا بمجيء ستيف الى العالم المتمدن!".
وأزدحموا هم الستة حول مائدة واحدة وأخذوا يتحدثون , وكان ستيف ينظر الى سارة نظرات لا تخلو من المعاني , فتضايقت من ذلك , وحين أقترح على الجميع النزول الى حلبة الرقص , رحبت بالفكرة وهي تعلم ما كان ينتظرها حين ينفرد بها وحده.
وقال لها ستيف وهو يراقصها:
" يا لك من فتاة عجيبة! أتتحولين من فرخ بطة الى أوزّة في أسبوع......؟".
فتمتمت سارة قائلة:
" هي عشرة أيام بالضبط".
وشعرت بأصابعه تغرز في ظهرها.
وقال لها ستيف:
" لا تبالغي في أستفزازي ...... وما أشعر به الآن يدفعني الى القيام نحوك بعمل عنيف!".
فأبتسمت ببراءة وقالت:
" وهل يروق لي ذلك؟".
وأدرك ستيف أنها تتحداه فقال غاضبا:
" كفى..... ربما تعلمت الكثير في أثناء أقامتك مع آل ميلسون , لكن هذا الثوب الذي ترتدينه لا يجعلك بمأمن من التأديب !".
فواصلت تحديها له غير مبالية بشيء قالت:
" لعل تأديبك لي الآن يكون مشهدا أستعراضيا رائعا في حلبة الرقص هذه........".
وتوقفت الموسيقى , فأمسكها ستيف من كتفيها بشدة ودفعها أمامه وسط بقية الراقصين بأتجاه البهو , ومن هناك الى الباب الذي دخلت منه مع دون منذ حين, وكانت الشرفة خالية , فأغلق ستيف الباب وراءه ونظر الى سارة وقال:
" الآن في وسعك أن تمزحي!".
وفكرت سارة , وهي تتذكر آخر مرة عاملها هكذا , أنها لم تكن يوما أقل ميلا الى المزاح منها اليوم...... لم تكن خائفة منه , ولكنها لم تستطع أن تحدد نوع الشعور الذي كان يختلج في صدرها تلك اللحظة , كا ما كانت تعرفه هو أن لا شيء تبدّل منذ رأته لآخر مرة , وأنه لا يزال ينظر اليها نظرته الى فتاة مراهقة يستطيع أن يستبد بها ساعة يحلو له.
وقالت له ببرودة:
" أنا لا أزال بغير شملة على كتفي!".
فنزع سترته وألقاها على كتفيها , ثم أجبرها على النظر اليه وقال:
" أخبريني .... ماذا بينك وبين دون؟".
" لماذا لا توجه اليه هذا السؤال؟".
" أريد أن أوجهه اليك أنت!".
" هل تصدقني أذا قلت لك أن لا شيء بيننا على الأطلاق؟".
" كيف لي ذلك؟".
" أذن لن أقول لك شيئا .... ولكن مهما يكن هذا الذي بيني وبين دون , فهو من شأننا نحن الأثنين.....".
" ليس عندما يكون للأمر صلة بجيل . هل يسرّك أن تريها كيف تنتزعين دون بسهولة منها؟".
" كلا , لا يسرني ذلك على الأطلاق... ولكن ماذا أقدر أن أفعل أذا كان دون يفضلني على أختك؟".
" تقدرين أن تفعلي شيئا مهما , وهو أن لا تشجعيه على التعلّق بك!".
" يمكنك أن تحكم على الظاهر , ولكنك بعيد كل البعد عن معرفة الحقيقة الخفية... فهل يخطر ببالك للحظة أنني ربما أكون مغرمة بدون!".
وساد الصمت طويلا قبل أن يجيب ستيف على كلامها هذا , وحين أجابها كان في صوته نبرة غير أعتيادية , قال:
" كلا , لا يمكن أن يخطر ذلك ببالي , وكذلك لا يخطر ببالي أنك أصبحت تعرفين ما هو الحب , أنت في الواقع تمرين مع دون بالتجربة ذاتها التي مررت بها معي !".
فحدقت اليه وصاحت:
" معك أنت؟".
فأبتسم أبتسامة جافة وأجاب:
" نعم , معي , فأنا أول رجل , عدا مستخدمي المركز , ألتقيته منذ مايزيد عن سنة , وقبل ذلك كنت بدأت تشعرين بالحاجة الى أكثر مما يمكن للمركز أن يوفّره لك .. وكم راقك أن تشاكسيني يا سارة , بل كم كان يروق لك أن تخسري الى حد ما في مشاكستك لي , وما ذلك ألا لأنني أمثّل لك الشيء الوحيد الذي تفتقرين اليه في علاقتك بوالدك وتيد , وهو الأثارة الحسية..... ولا غرابة في ذلك ولا عار , وأنما يجب أن لا تعتبري الأثارة والحب شيئا واحدا!".
منتديات ليلاس
وأدركت سارة أنها تقاوم الآن لأنقاذ كبريائها أو ما تبقى منها , فقالت:
" أنا لا أعتبرها كذلك ....... أنت تقول أنني مغرمة بدون لا لشيء ألا لأنه أمتداد لما أجده فيك... قد يكون هذا صحيحا , ألا أنني تغيّرت كثيرا في شعوري نحوك منذ ذلك الحين , فلدوم فضيلة ليست من فضائلك , وهي النزاهة , فهو لم يغازلني مرة رغم أرادتي!".
فبدرها ستيف الى القول حانقا:
" ولا أنا فعلت ذلك رغم أرادتك... بل أنت التي دفعتني اليه بتصرفاتك".
وأمسك ستيف يدها التي رفعتها دون عمد , وضمّها بين يديه وقال:
" هذا شيء بسيط لا يستحق كل هذا الأهتمام , كل ما أردته هو أن أجعلك تدركين أن مبادئي اللقية خاصة بي , سواء أعجبك ذلك أم لا".
وأفلتت منه وهي ترتجف , ثم قالت:
" شيء واحد أدركته تماما , وهو أنك أكثر تكبرا وعجرفة من أي أنسان عرفته في حياتي".
وصاحت في وجهه قائلة:
" دون يساوي ثلاثة رجال من أمثالك!".
فأنتفض غاضبا وقال:
" هل هو هكذا حقا؟ أذن , لا شيء لي أخسره!".
وأمسكها بيدين قاسيتين وضمّها الى صدره طوي , وحين أفلتها بادرته بالقول:
" أنني أكرهك!".
وصمت ستيف قبل أن يجيب قائلا:
" يوما من الأيام ستجبرينني على جرح شعورك كثيرا يا سارة , وعندئذ ستكون الخسارة عليك وعليّ معا... تحملت منك فوق طاقتي , وأذا كان دون هو الذي تريدينه , فبارك الله لك فيه".
وألتقط سترته التي كانت وقعت على الأرض وقال لها:
" لندخل!".
وكان الآخرون لا يزالون في صالون النادي , فرمقتهما ديانا بنظرة أستياء فيما لم يظهر من سواها أية بادرة.
وتمكنت سارة من قضاء السهرة بسلام , فرقصت مرة مع دون , ومرة أخرى مع باري , وتجنبت حتى تبادل النظرات مع ستيف , وكان ستيف أكتفى بتسجيل موقفه منها , وهذا كل ما كان يبالي به في ذلك الحين , وبذلت سارة هي الأخرى جهدا للتظاهر بأن الأمر لم يعد يعنيها , فكانت تمرح وتقهقه كأن لا شيء يقلقها على الأطلاق , على أنها حين آوت الى فراشها وأخذت تفكر في نفسها أقرت بأن ستيف كان على حق في شيء واحد , وهو أنا لم تكن تعرف ما هو الحب , وهي الآن بدأت تتعلمه بألم ما بعده ألم.....