كاتب الموضوع :
تمارااا
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
7- لاضوء آخر النفق
وضعت اينديا علبة الطعام الاخيرة في سلة النزهات واغلقتها،وخطت خطوة الى الوراء،فاطلقت لهاثا عاليا حين جعلتها هذه الحركة التلقائية تصطدم بجسم قوي العضلات.
-حاذري.
تخلل نبرته لون من المرح حين امتدت يدا ايدان لأمساكها كي تستعيد توازنها،لكن وضع رجليها الاثنتين على الارض بثبات لم ينجح في تخيف خفقات قلبها المتسارعة التي اثارها الاحساس بحضوره القوي.
-لقد ارعبتني!تتسلل الي بهذا الشكل!
-هذا واضح.
منتديات ليلاس
ازدادت نبرة المرح عمقا الآن ،وشعرت اينديا بالدم يصبغ وجنتيها في استجابة له.
-انت متوترة كالهرة،لكني لم اتسلل،لابد انك كنت غارقة في التفكير كي لاتسمعيني.
-كنت اركز.
كانت النظرة التي حدجها بها مشككة فعلا،في حين بقيت مسحة من المرح مرتسمة على فمه المثير،لكنه لم يقل سوى:
-هل هذا كل شيء اذن؟
وأومأ برأسه نحو السلة على طاولة المطبخ.
-جاهزة؟
لم تتمكن سوى من اصدار همهمة غير مفهومة ،فالحقيقة ان كلمة جاهزة كانت عكس ماتشعر به.
-حسنا.
كان جليا ان ايدان فسر جوابها بالموافقة واضاف:
-اذن سأضع هذه في السيارة.
انتشل السلة من على الطاولة واتجه بها نحو الباب ،فلم يترك لها خيارا اخر سوى ان تتبعه.
-انت آتيه؟
-هل لدي خيار اخر؟اعتقدت ان من واجبي اطاعة الاوامر بصرامة ،وان علي ان اقفز حين تصفق بأصابعك ,وألا!
استمر ايدان في ملاعبتها بابتسامته الساخرة وقال:
-لقد اقترحت فقط ان علينا القيام بالأشياء معا.
-اقترحت!،اقترحت ليست الكلمة التي قد استعملها.
قلدت اينديا عمدا كلمات ايدان التي قالها حين اعلن عن خطته للخروج من المنزل.
بعد اقتراحه بان يظهر بشكل اكثر اقناعا ،لم يغفل ايدان عن هذه المسألة،فقد ذكرها على العشاء في ذلك المساء،وهو يعرف جيدا ان والدتها ستدعمه في هذه المسألة لأقناعها بما ظنته مصالحة رومانسية،وهذا الصباح لحق بها الى حيث انت تضع الاغطية النظيفة على سرير غاري لكي ينذرها بشكل لم يدع مجالا للنقاش،حاولت الاعتراض رغم علمها بأنها تخوض معركة خاسرة فقالت:
-ليس لدي الوقت للقيام بأي شيء اخر.
وكانت تجهد لأدخال الاغطية في زوايا السرير،واضافت:
-علي التواجد في المستشفى ،اعلم انه لم يعد في غيبوبة عميقة،لكن والدي بحاجة الي.
قاطعها ايدان بفظاظة:"ليس في كل دقيقة من ل يوم هو بحاجة اليك"وأضاف:
-والدتك هناك طيلة الوقت،وغاري ايضا،وفضلا عن ذلك فهو يظل نائما غالبا،كما ان والدتك ترغب في ان تأخذي قسطا من الراحة.
-ربما.
سوت اينديا الوسادات بحدة غير ضرورية.
-وقد تبدأ حتى بالتساؤل عما اذا كان يشوب هذه المصالحة المفترضة خلل ما.
-وانت ستكره ان يخيب املها.
حاولت الا تظهر الارتعاش الذي مر على جلدها حين رات عينيه تعتمان من الغضب من سخريتها الواضحة،وهمس قائلا بحدة قاسية:
-لااظنك تريدين مني ان اثقل كاهلها بالحقيقة الكاملة،ففي النهاية لم يخرج والدك من عالمه الخاص،وان تحسنت حالته بشكل ملحوظ.
لقد حاصرها الآن فعلا ،فلايمكن نكران التحسن في حالة والدها منذ الايام الاولى السوداء.
-اذن ماذا الآن؟
بدا ايادان طبيعيا جدا،فمن يستمع اليه لايصدق انه كان يلمح لها مهددا بتحطيم عالمها كليا.
-اعتقد..
اومأ برأسه ايماءة رضا مثيرة للأشمئزاز،دون ان يعير اهتماما لكونها في الواقع لم توافق،فهو يعرف ان لاخيار لديها.
-مارأيك في مشاهدة احد الافلام،اوتناول وجبة؟.
جهدت اينديا لاخفاء المها عن ملامح وجهها،لقد تناولا في الماضي العديد من الوجبات معا والتفكير في الجلوس على مقربة منه في ظلمة صالات السينما الحميمة لم يكن امرا تستطيع تصوره بأي درجة ممن رباطة الجأش.
-لا؟
قرأ مشاعرها على ملامح وجهها واضاف:
-المسرح اذن؟اوسباق؟مكان تستطيعين فيه ارتداء تلك الاثواب الانيقة التي تحبينها جدا.
-الاثواب النيقة؟لابد انك تمزح،كل ماارتديه هو اما مصنوع باليد اومعاد تفصيله من ثياب والدتي،ان كنت لاتصدقني..
وتابعت بعد ان رات التبدل في ملامحه.
-اذن سأريك بأمكانك تفحص خزانة ملابسي بالمجهر ولن تجد اي ماركة معروفة انا اضمن لك ذلك!
-لاحاجة لذلك.
كانت كلماته متقطعه بشكل مفاجيء:
-الامر فقط...انت بارعة.
-انا استمتع بذلك.
لماذا كان لديها انطباع بانه كان يهم بقول شيء مختلف ،غير انه بدل رأيه في اخر لحظة؟
-طالما اعتقدت اني احب امتهان ذلك..وربما اقوم بالتصميم لكني قررت من الافضل ان اقوم بشيء عملي اكثر ،شيء اتمكن فيه من المساهمة في مدخول العائلة باسرع وقت ممكن بعد تخرجي من المدرسة،وبدت دورة العلوم السكرتارية اكثر عقلانية،وبات تفصيل الملابس مجرد هواية وطريقة عملية لأغناء خزانة ملابس محدودة جدا،حتى اني صنعت...
-حتى انك صنعت...؟
حثها ايدان على الكلام حين جعلتها وخزة من التعاسة تبتلع كلماتها بسرعة،ثم عادت ودمدمت لااراديا:
-ثوب زفافي،ان كان لك ان تعلم.
-لكنه كان رائعا.
-لم اظن انك لاحظت ذلك،فقد كنت متهمكا بالتلهف لقول جملتك العظيمة.
-لم اكن اتلهف لقولها.
تصاعدت من عتمة عينيه شرارات الغضب ،فعلمت انها تخطت الحد بشكل خطير.
-حسنا شكرا لك على المجاملة على اي حال.
افشلت المرارة التي شعرت بها محاولتها للتطاول عليه ،واضافت:
-يسعدني ان جهودي لم تذهب كلها سدى.
-كنت تبدين رائعة ايتها الاميرة لم ارى في حياتي ماهو اجمل مماكنت عليه،وانت تمشين في الممر نحوي،ان اي رجل كان ليفخر بانك عروسه.
-لكن ليس انت!
تفاقم شعورها بالألم الآن،وتابعت قائلة:
-من الواضح انك لست اي رجل فحسب.
ادركت انها قد تنهار ان هو تحدث اكثر عن اليوم الذي كان من المفترض ان يتزوجا فيه،فدمدت شيئا عن ترتيب سرير والدتها،وجزعت حين لحق بها ليعرض عليها المساعدة مرة اخرى،وسوى السرير ببراعة ورشاقة ،كان جليا انه لن يدعها وحدها قبل ان يحصل منها على جواب.
قالت بدهشة
-انت بارع في هذا لابد انك تدربت عليه كثيرا!
-اعتدت على مساعدة والدي حين كان والدي..بعيدا.
-كم كنت تبلغ من العمر حينها؟
-سبعة او ثمانية اعوام.طالما اعتقدت ان الملاءات النظيفة هي احدى الرفاهيات البسيطة في الحياة.
-وانا ايضا.
سمع ايدان تنهيدتها وقال فجأة بعدما اساء تفسير تصرفها:
-انت بحاجة للراحة اينديا فانت تبدين متعبة ومرهقة بسبب الدعم الذي تقدميه لعائلتك منذ مرض والدك ،لقد طبخت ونظفت و...
-على احد ما القيام بذلك!
لم تكن لتعترف بالليالي التي عانت فيها من الارق من ظهوره مجددا في حياتها.
-اخذت انت هذه المهمة على عاتقك لكي تتمكن والدتك من البقاء في المستشفى،لكنك بحاجة لبعض الوقت لك انت،فأنت ايضا تعرضت للضغوط،ان والدك سيون على مايرام اينديا..
كان لطفه غير المتوقع يتعدى مايمكن لاينديا تحمله،وترقرقت دموع دافئة في عينيها،فادارت له ظهرها لأخفاء دموعها.
-اينديا.
سمعته يتحرك بسرعة وشعرت باللحظة التي اقترب منها فيها،لكن مالم تتوقعه،كيف التفت ذراعاه حولها فأحست بالراحة في دفئهما وقوتهما،كان مستحيلا ان تقاوم حاجتها للأتكاء عليه والاحساس بصلابة جسده الذي يدعمها.
فاستراح رأسها على كتفه كما كان يحصل في الماض،والتصقت وجنته بشعرها.
وشعرت بالأمان ،فقالت بصوت متهدج:
-ظننت..انه سيموت،كنت خائفة ان افقده الى الأبد.
-اعرف ذلك.
كان صوت ايدان منخفضا وحادا وأضاف:
-لكنه سيتعافى،يجب ان تصدقي ذلك.
ثم ادارها بذراعيه ببطء،وارتفعت يده لتمسح اثار الدموع عن وجهها بلمسة بلغت من الرقة والنعومة مابدت معه في تناقض مذهل تقريبا مع حجم قامته وقوتها.
-والدك رجل محظوظ جدا،فلديه انتم الثلاثة قلقون بشأنه،تحثونه على التعافي..ولابد انه يعرف هذا.
اومأت برأسها ببطء لكن فكرة جديدة مزعجة مرت في ذهنها..لقد كان في صوته نبرة غريبة.
-ايدان كيف كان شعورك حين...اعني والدك....؟
-حين مات؟
اكمل كلامها بعد ان اختنق في حلقها واجاب:
-لكي اكون صادقا تماما،شعرت بنفسي حرا.
رددت اينديا كلامه في ذعر:"حرا!هذا قول مقيت!لااصدق..
قال بلامبالاة:
-بل صدقي !سألتني عن شعوري..وقد اخبرتك.
واظلمت عيناه بنوع من العدائية وتلاشى كليا مزاجه الذي كان مسيطرا عليه لثوان قليلة،وافلتها بفظاظة ليلتقط الملاءات القديمة ويلفها على ذراعيه متجها نحو الباب.
لم تستطع اينديا تركه يذهب بهذا الشكل،فالثواني القليلة التي امضتها بين ذراعيه تركت اثرا عميقا في نفسها،ولم تكن قد تخلصت بعد من وقعها.
-بالنسبة الى دعوتك للخروج والتي انت مصمم عليها..لااريد من ان تنفق المال علي ،ان كان علينا القيام بأمر ما ،فأنا افضل شيئا بسيطا لايلف فلسا واحدا.
-في هذه الحالة قد نقوم بنزهة ربما.
كانت نبرته المتهكمة تعني بوضوح ان اقتراحه لم يكن سيؤخذ على محمل الجد،لكن اينديا استقبلته شاكرة:
-هذا هو،عظيم!لااستطيع تصور مايعجبني اكثر من ذلك،لم لانقوم بنزهة في الهواء الطلق ونتناول الطعام طيلة يوم كامل؟
وتابعت وهي تلحق به الى السيارة:
-انا دهشة لموافقتك على هذا،اعني ان لم تقم بشيء مماثل قط حين كنا نعرف بعضنا في مامضى.
-ربما عليك ان تسألأي نفسك عن السبب.
-انت لاتحاول الادعاء انني..؟
وتابعت بحدة:
-هل تقول لي اني لو اقترحت ان نقوم بأمور مماثلة حين التقينا للمرة الاولى لوافقت؟.
رد عليها ايدان بقسوة:
-وهل تقولين ان كنت ستختارين القيام بأمور مماثلة بهذه البساطة،وانك تفضلينها على ماقدمته لك؟
واستدار فجأة ،فرأت الشعاع البارد في عينيه يخبرها انه لن يصدق كلمة مما تقول ان هي اجابته،واضاف:
-لاتقولي ان لديك من العمق مالم اره.
-العمق هو مالم تحاول حتى اكتشافه.
اجابها:
-هذا مايعيدنا الى اتهام بعضنا البعض بالأخطاء نفسها على مااعتقد،كنا اغبياء حين ظننا ان بأمكاننا انجاح الزواج ايتها الاميرة،نحن حتى لم نعرف بعضنا اطلاقا.
ردت اينديا بقسوة:
-باستثناء انك لم تخطط حتى لمحاولة انجاحه!
استعانت بالغضب لأخفاء المها واضافت:
-في النهاية،كنت تخدعني في كل شيء منذ البداية.
-ليس في كل شيء حبيبتي.
واذهلها حين تشدق قائلا:
-وبالتأكيد منذ البداية.
تركها الوميض في عينيه الداكنتين في شك مما كان يدور في ذهنه تحديدا.
كانت قد تركت شعرها الاسود ينسدل بحرية وطبيعية ،لكنها رفعته الأن عن رقبتها الى اعلى.
-لكني اعترف اني في الماضي اعطيتك ماكنت ترغبين فيه،ولو كنت تفضلين شيئا مختلفا لما كان عليك الا القول،او انه كان علي ان اسأل؟
جعلها كلامه تحدق فاغرة فمها كسمكة تم اصطيادها،فعادت وغرقت في مزاجها الذي كان مسيطرا عليها في اللحظات السابقة.
-هل تحاولين التراجع عن هذا ايتها الاميرة؟
قالت مؤكدة بسرعة:
-آه..لا في الواقع ،كنت اتطلع الى هذا،بامكاننا النزول الى ضفة النهر ،ان اردت،لقد جلبت بعض الخبز كي تتمكن من اطعام البط و...
ترددت حين رأت تعابير وجهه،كان ينظر اليها ما لو لم يرها قط في حياته من قبل،فانهت كلامها برقة:
-اريد المجيء ايدان.
ورأته يطرف بعينيه نرة واحدة وبصعوبة كأنه في حيرة من امره.
-جيد سننطلق اذن.
استقر في مقعد السائق الى جانبها وهي توثق الحزام خاصتها،كانت منفعلة بشكل مؤلم،ومرهفة الحساسية لكل حركة تصدر عنه .
رفع النسيم الآتي من النافذى المفتوحة شعره الاسود عن وجهه وبعثره في فوضى على جبينه العريض،تاقت للمسه ومد يدها لتمرير اصابعها في شعره الاسود.
-هل النسيم قوي جدا عليك؟
-انا..آه..لا..انا بخير.
-بدت والدتك سعيدة جدا هذا الصباح.وتابع قائلا:
-لقد ابهجتها حقا الأنباء من المستشفى.
-سرها ان يحرز والدي هذا القدر من التحسن.
-هم يتحدثون عن نقله من العناية الفائقة،بالطبع النطق للايزال يطرح مشلة،لكن حين...
-ماذا هنالك؟
تنبه ايدان الى الطريقة التي تنفست بها عبر اسنانها فتكلم عندما لم تتمكن من اجابته:
-كنت تفكرين في والدك،وتتسائلين عما سيحدث له حين تتحسن حاله مايكفي لاخراجه من المستشفى؟
حدقت فيه اينديا بذهول ،كيف عرف بهذه الدقة ماكانت تفكر فيه؟
تابع ايدان قائلا بهدوء:"لاداعي للقلق،من الواضح انه سيعود الى المنزل للنقاهة".
لم يكن ذلك واضحا لاينديا اطلاقا فقالت:
-لايمن ان تعني ذلك،لن ترغب في وجوده هناك.
اجابها بجفاء:
-اوافقك اني لست مستعجلا للأستمتاع برفقته،وانا متأكد انه لن يرغب في رفقتي،لكني قلت لك ايتها الاميرة انا رجل عقلاني،والدك مدين لي بالكثير من المال،لكني حصلت الآن على المنزل مقابل ذلك الدين،وبالمناسبة هذا ماافضله على المال النقدي،اقل مايمكنني فعله هو تأمين سقف يظلله حتى يتحسن بشكل يسمح له بالعثور على سقف لنفسه.
لم تسطع اينديا تصديق ماكانت تسمعه:
-اتفعل ذلك؟
اومأ ايدان برأسه مبقيا انتباهه على الطريق امامه وقال:
-بأمكان اتفاقنا ان يبقى ساريا كما في السابق ،ففي النهاية،سيخشى والدك من عزمي على الاستيلاء على المنزل،الا ان كنا نحاول اصلاح علاقتنا انت وانا،ولا اعتقد ان حالة والدك ستتحسن عند التفكير في الانتقال من المنزل العائلي في المستقبل القريب.
اذن،كان الثمن مرة ثانية موافقتها على لعب دور الخطيبة المتصالحة مع خطيبها؟وعلم انها ستوافق،فلم يكن لديها من بديل اخر،لكنها لاتزال عاجزة عن تصور ماقد يكسبه ايدان من ذلك؟لما لايخرجهم من المنزل وينتهي ذلك؟
مالذي كان يدور في هذا الذهن المخادع القاتم؟.
لقد ظنت انها ستبدأ قريبا برؤية بصيص النور في اخر النفق.لكن ماذا لو انها بعيدة كثيرا من نهاية هذا الكابوس،وانها لاتزال في البداية؟.
|