حدّقت به طويلا وأحسّت بأن عينيه تمازحانها , ولكنها شعرت بالتأكيد بأن صوته حمل مغزى أعمق وأكثر جدية , هبّت واقفة وسارت بسرعة نحو المكتب , لحق بها الى الغرفة وجلس بتكاسل على حافة طاولتها , ظهر التوتر الشديد على وجهها , وبدت وكأنها تصرخ به قائلة:
" إياك أن تلمسني أو تضع يدك عليّ !".
أطلق ضحكته المعتادة وراح يتأمل تلك الغرفة بهدوء مثير للأعصاب , بدا قويا جدا وخطرا للغاية , ومع أنه لم يعد شابا في مستهل عمره , إلا أنه بدا وكأنه سيحتفظ بشكله الوسيم الحالي سنوات طويلة , قرأ أفكارها ككتاب مفتوح , أذ قال لها فجأة :
" أجل , أريد أن ألمسك...... وبقوة , لم أفكر بأي شيء آخر تقريبا منذ تلك الليلة في روما".
" أرجوك ! أذهب!".
منتديات ليلاس
قال لها ساخرا:
" لا مبرر لهذا الهلع الذي يبدو واضحا على وجهك وفي عينيك , أنا لم أدخل غرفة نومك , أيتها الحبيبة , يمكنني هنا أن أتظاهر دائما بأنني أعطيك ملاحظاتي حول هذه المذكرا , هل يوجد فيها أي شيء عني؟".
هزّت دونا رأسها نفيا وتمنّت لو كان بأمكانها أن تقف قربه بدون أن تشعر بمثل هذا الأنقباض والأنزعاج بسبب نظراته والأمور التي يتحدث عنها , كان واضحا أن كل كلمة يقولها تحمل معنيين , وكأنه لا يريدها أن تأخذ ما يوحي به أو يشير اليه ...... على محمل الجد.
حوّل نظره عن لوجة زيتية كبيرة الى وجهها المتوتر , وسألها بهدوء مزعج:
" لو كنت تكتبين عني , فأي نوع من الرجال تعتبرينني؟".
لم تفكر دونا إلا للحظة واحدة قبل أن تجيبه بهدوء مماثل:
" من ذلك النوع الذي يمكنه الذهاب الى المقصلة وهو يبتسم أو يشرب فنجانا من القهوة".
" لا يسمحون لي بذلك , لأنهم عادة يربطون يدي الرجل وراء ظهره ويضعون غطاء على رأسه".
أرتجف جسمها بطريقة ملحوظة , فأمسك بسماعة الهاتف وطلب من المشرفين على المطبخ إرسال زجاجة من شراب الورد , أحمرّت وجنتاها وقالت معترضة:
" لا مبرر لذلك".
" ربما لا , ولكنني أردت ذلك , كان بودي أن أشاركك في هذا الشراب المنعش , ولكن سيرافينا تتوقع مني الأنضمام اليها خلال فترة وجيرة".
شعرت بوخز كلماته فأبعدت وجهها عنه بسرعة , يجب أن تتوقع ذلك..... أن تأتي سيرافينا في المقام الأول بالنسبة اليه , من المحتمل جدا أنه يشعر بشيء من السرور والترفيه عن النفس عندما يغازل قليلا السكرتيرة الشابة , ولكنه لا ينوي بالتأكيد التسبب بأزعاج حقيقي لسيدة القصر , وفجأة سألها بلهجة عادية جدا :
" هل يعجبك ساحل القراصنة ؟".
" الى حد كبير , يا سيد".
" أنت تقولين ذلك يا آنسة , ولكنك تشاهدين هذه الغرفة أكثر بكثير من المناظر الطبيعية الخلابة التي تحيط بنا من كل جانب , أعتقد........ أعتقد أنه يتحتم علينا القيام بشيء ما , هل تنامين بعد الغداء؟".
هزّت رأسها نفيا وهي تشعر بأن قلبها قفز من مكانه , فهي تعرف أن سيرافينا تنام ساعتين أو أكثر بعد ظهر كل يوم...... ربما للحمافظة على جمالها ورشاقتها , أو بسبب الأرهاق الشديد الذي تواجهه في معظم لياليها , عاد يسألها بلهجة طبيعية مذهلة:
" كيف تنظرين الى الأجتماعات السرّية؟".
" لا.... لا أعتقد أن عقدها أمر حكيم".
" الحكمة للشيوخ , ونحن لم نصل بعد الى هذه المرحلة..... مع أنني أسبقك بمرحلة كبيرة , هل توافقين على الأشتراك معي في مؤامرة صغيرة؟".
شعرت دونا ببرودة أتجاه سؤاله , ومع أنها أجابته على الفور بكلمة نفي وحيدة , إلا أنها كانت تتحرق للرد عليه إيجابا , قال لها ساخرا:
" لم تفكري طويلا قبل الأجابة".
" يجب على المرء ألا يفكر مرتين بشأن اللعب في النار , يا سيد ".
" صحيح , ولكن هل لديك قلب دجاجة صغيرة.. مع أنك أتيت إلى أيطاليا للعمل بين غرباء؟".
" هذه هي القضية, أنا أنا أنوي أبدا فقدان وظيفتي".
" سوف أتأكد من أن إجتماعاتنا ستكون سرّية للغاية , هل تثقين بي؟".
" تعرّض الفتاة نفسها للضرر والأذى , أذا منحت ثقتها بدون تحفّظ ".
" أذن أصدرت حكمك عليّ؟".
كان ينظر إليها بعينين تضجان رغبة , أرادت التراجع عن كلامها هذا.... إنه ظالم وقاس يثير في نفسها حنينا عنيفا أتجاهه.
" لن ....... لن أتورط معك على هذا النحو , لماذا لا تتركني وشأني ؟ ألم تقل أنت بنفسك أن علينا التصرف كغريبين عن بعضنا".
" أتجاه..... الآخرين فقط".
" أنت شخص متغطرس متعجرف ! كيف تجرؤ على الإفتراض بأنني أريد مقابلتك سرا ! أنت تخص سيرافينا ...... أنت عبدها المخلص! ".
" أنا لست عبدا لأي أمرأة , ولكن هناك أمور في حياتي لا تعرفينها ...... أمور لا أنوي أبدا التحدث عنها , في أي حال , حرية الأختيار لك , بإمكاننا أن نلتقي ولا يؤدي ذلك إلى أي مشاكل على الأطلاق , أما أذا لم تكن لديك الشجاعة الكافية , أو إنك لست أمرأة بما فيه الكفاية , فلن نخسر شيئا أو نكسب آخر".
" لم........ لم أقم في حياتي أبدا علاقة مع أي رجل......".