هز الحارس رأسه بدون أن تتغير ملامحه أو أن يبتسم , تصورت دونا أنه ربما كان أنسانا طيب القلب , دمث الأخلاق , على الرغم من ذلك المسدس الكبير الذي يتدلى من حزامه , ثم قال لها , مستخدما اللغتين معا:
" هيا , يا آنسة , أتبعيني".
سارت وراءه بأتجاه الباب الخشبي بدون أن تتفوه بكلمة واحدة , شد جرسا معدنيا الى جانب المدخل وأنتظر حتى أنفتحت طاقة صغيرة في الباب , هز الحارس رأسه للشخص الذي يقف في الداخل , ثم حياها بتأدب بالغ وتركها مع حقائبها , ابتسمت دونا للعينين السوداوين التين كانتا تحدقان بها , وقالت:
" أنا الآنسة هدسون , السيدة نيري بأنتظاري".
فتح شاب وسيم الباب العريض محييا بأحترام , ثم حمل حقائبها وسار أمامها عبر القاعة الجميلة المبردة صعودا الى قاعة الجلوس , توقف الشاب لحظة ثم طرق أحد الأبواب المزدوجة وهو يتأمل وجهها وجسمها بشكل مغر , تظاهرت بأنها لا تأبه لنظراته , لأنها كانت تشعر بأن سيرافينا التي تحيط نفسها بالرجال لا بد أنها أمرأة تحب أن تكون وحدها محور أهتمامهم وأعجابهم , ومن المؤكد أن المغازلات أمور غير مستحبة في هذا المنزل , هذا لا يهمها كثيرا , لأنها لم تلتق بعد الرجل الذي يزيد من سرعة خفقان قلبها أو يلهب مشاعرها وأحاسيسها.
" أدخل!".
فتح الشاب بابا يؤدي الى غرفة كبيرة رائعة تجلس فيها سيدة بمفردها.
" الآنسة هدسون".
أعلن الشاب وصولها ثم أنسحب بسرعة تاركا الشابة الجميلة مع ربة عملها , تأملت كل منهما الأخرى بهدوء وروية .... فتاة بريطانية نحيلة الجسم عادية الملامح , وسيدة أيطالية فائقة الجمال ذات شعر أسود لماع وعينين خضراوين جذابتين وجسم يضج فتنة وكمالا , كانت سيرافينا تقف قرب النافذة بأبهة وفخر..... تجسّد أحلام الملايين من الرجال في جميع أنحاء العالم , أنها المرأة التي كان الرجال يشاهدونها بلهفة وسعادة ...... وحرقة , متمنين لأنفسهم لو أن زوجاتهم أو صديقاتهم يشبهنها من حيث الجمال والأغراء , نظرت اليها وقالت بصوت ناعم ودافىء.
" أذن أنت دونا!".
هزت الشابة رأسها فمضت الى القول:
" كان والدك , يا دونا , صديقا عزيزا جدا , ومصورا ناجحا للغاية ..... فنانا الى درجة الأبداع , كان يعرف كيف يصور لي اللقطات القريبة أذ كان يخفف كثيرا من بروز أنفي الأيطالي.. أن كنت تعرفين ما أعنيه!".
ابتسمت دونا وهي تلاحظ فجأة أن هذه السيدة أكثر أنسانية مما بدت عليه في الوهلة الأولى , كانت تبتسم عندما قالت لها دونا:
" كان يتحدث عنك بأستمرار , يا سيدة نيري , أخبرني أكثر من مرة أنه كان يفضل العمل معك أكثر من غيرك , فلك أسلوب مميز وشخصية فذة في التمثيل.
ثم تنهدت وأضافت قائلة بهدوء:
" حزنت كثيرا عندما لقي حتفه في ذلك الحريق البشع الذي ألتهم أستديوهات الشركة في لوس أنجلوس لا شك أنها خسارة فادحة ومؤلمة جدا بالنسبة اليك يا صغيرتي , وخاصة لأنك كنت فقدت أمك أثناء طفولتك , أنه القدر , ولا يمكننا تجنبه أو تفاديه كما لو أنه حلول الظلام أو شروق الشمس , والآن يا عزيزتي , سوف تساعدينني كي أصبح كاتبة , أنه دور جديد جدا بالنسبة الي , وسوف يساعدني على تمضية الوقت , أليس كذلك؟".
أبتسمت دونا وهزت برأسها , مسكينة هذه الأمرأة ! تملك مساحات شاسعة من الأراضي والحقول والبساتين , ولا تعرف كيف تتمتع بها , تلك الزهور الرائعة التي تنبت في كل مكان , تلك العصافير المختلفة التي تغني على رؤوس الأشجار وبين أغصانها ...... تلك الطرقات الصغيرة والممرات الضيقة المتشعبة التي تؤدي الى مناطق جبلية ساحرة تطل على مياه البحر المهدئة للأعصاب!
ولكن سيرافينا زهرة طرية العود وليست أحدى تلك النباتات ا
برية القوية , ومن المؤكد أنه لم يخطر ببالها قط أنه يمكنها أيجاد متعة كافية في الأمور البسيطة , عاشت طويلا في الأضواء , وتريد أن تضع الآن في كتاب واحد ذكرياتها عن تلك الأيام..... والليالي...... الفاتنة والباهرة , تريد أن تذكّر العالم بغرامياتها .... بأنتصاراتها........ وبدموعها.
" هل تعتقدين أن بأمكاننا القيام بعمل جيد معا؟".
وجهت سؤالها وهي تشير بيد جميلة الى مقعد وثير قريب منها, جلست دونا بهدوء وقالت:
" آمل ذلك يا سيدتي , الفيللا جميلة للغاية وأنا لدي شعور بأنني سأتمتع بهذه البلاد الرائعة".
" كل من له قلب حنون ومشاعر حساسة يحب أيطاليا ويتمتع بها , سوف تناديني سيرافينا , كما يفعل المقيمون في الفيللا".
ثم سألتها بلهجة جادة:
" أخبريني , أليس لديك شاب يعترض على أبتعادك عنه؟ سيأخذ أعداد الكتاب فترة طويلة , فلدي معلومات كثيرة أريد أن أضمنه أياها , وأنا لا أسمح لأي غريب بالحضور الى هنا , لزيارة أي من العاملين لدي".
" ليس لدي صديق في الوقت الحاضر .... ليس بشكل دائم وثابت على الأقل , بأمكانك أعتباري موظفة محترفة , وليس فتاة لا يهمها سوى الخروج مع الشبان والسعي للزواج".
" عظيم".