4- عيناه نجمتان.......
كانت دونا تجد دائما تسجيلات مطوّلة بصوت سيرافينا , لتسمعها وتنقلها منقّحة الى الورق , وكان واضحا أنها أمرأة لا تنام كثيرا أثناء الليل , ولكن قدرتها الفريدة على تذكّر التفاصيل الدقيقة وسردها بأسلوب قصصي شيّق , ساعدت دونا الى درجة كبيرة في تنفيذ مهمتها من غير صعوبة تذكر.
لاحظت وهي تستمع بأنتباه الى التسجيلات الصوتية المتواصلة كيف يمكن لهذه السيدة أن تسلب عقل الرجل وأرادته , فلديها صوت حنون دافىء يداعب الأحاسيس والمشاعر , وحسبما ورد في أحد فصول الكتاب , فأن بعض الرجال المشهورين حاولوا كسب ودها..... ولم يكونوا جميعا من عالم السينما , كان بينهم أصحاب شركات للنقل البحري , وسياسيون نافذون , ومصرفيون أثرياء .
منتديات ليلاس
تحدثت سيرافينا عن المجوهرات التي أغرقوها بها , وعن معاطف الفرو التي رفضتها لأنها تمقت فكرة قتل تلك الحيوانات الجميلة لأستخدام فروها بهدف تجاري , قالت أن عددا قليلا من النساء ينافس الفهد في عظمته , والنمر في جماله , والطفل في سحره وبراءته , وأضافت أن بعض الرجال يشبهون الى حد ما , الفهود من حيث القوة القاسية , ولكنها لم تلتق هؤلاء في هوليوود ولكن في بلادها أيطاليا , وذكرت سيرافينا أن الرجال في وطنها الأم , يتمتعون بسحر وقدرة على المجاملة وأثارة أحاسيس النساء , أكثر بكثير من معظم أبطال الشاشة , وتحدثت بأعتزاز عن فالنتينو الذي سحر نساء العالم سنوات عديدة.
أبتسمت دونا ثم بدت الجدية على وجهها , كانت سيرافينا صريحة للغاية في آرائها , ولكن هناك فراغا يثير الدهشة والأستغراب في الفصول الأول للكتاب ...... لم تذكر شيئا عن طفولتها وسنوات المراهقة التي أمضتها في صقلية , لم تشر من قريب أو بعيد الى ريك لورديتي , وأحست دونا بأنها تعرف السبب , عندما سينتهي الكتاب , سيقرأ أدوني مذكرات أمه....... وهي مصممة على أخفاء الحقيقة المتعلقة بولادته , لا يعرف أحد هذا السر سوى ريك ... ودونا , التي توصلت اليه أفتراضا نتيجة التشابه بين ملامح ريك....... ودونا , التي توصلت اليه أفتراضا نتيجة التشابه بين ملامح ريك وأدوني , أنه سر خطير , ستجد الثرثرة موضوعا دسما الى أبعد الحدود فيما لو كشف هذا السر ........ سيرافينا تقيم علاقات غرامية مع حارسها االشخصي ومرفقها الخاص.
توقفت دونا عن الطباعة وتخيّلت نفسها بين ذراعي لورديتي يرقصان على أنغام المقطوعة الموسيقية الحالمة...... ( عشيق الأحلام) , تذكرت صوته القوي فيما كانا يسيران على الشرفة , لعب معها لعبة خطيرة جدا...... جعلها تشعر بأنهما شخصان ألتقيا صدفة وأعجبا ببعضهما كثيرا , ولكنهما لم يتمكنا من اللقاء ثانية , ضغطت بقوة على حافة الطاولة وأرادت أن تغضب منه , لأنه قام معها بذلك الدور العاطفي , وهو يعلم طوال الوقت هويتها الحقيقية وأنها في طريقها للعمل لدى ..... رفيقته.
أقتحم في تلك الليلة دفاعاتها القوية وحذرها الشديد , التي تواجه بها عادة كافة الغرباء الذين يحاولون ملاطفتها والتودد اليها , سحرها بطريقة لم تعرفها من قبل , وها هي الآن تجد صعوبة كبيرة في إيجاد أعذار مناسبة لتصرفه معها.
وشعرت فجأة بأنها لم تعد قادرة على سماع صوت سيرافينا , أوقفت آلة التسجيل وسارت بعصبية نحو الباب الزجاجي الكبير , ومته الى ذلك الجانب من الحديقة حيث يوجد الفارس الأسود , أحسّت بوجود شخص يسند نفسه الى جذع شجرة كبيرة , فتعثّرت خطاها , ولكنها كانت قريبة جدا منه , بحيث أنها لم تعد قادرة على التراجع بشكل عادي وطبيعي , قاومت مشاعر القلق والفوضى التي أستبدت بها , وتابعت سيرها بهدوء مصطنع نحو المقعد الحديدي قرب التمثال.
" أفتقدتك أمس أثناء العشاء".
نطلّعت نحو ريك وقالت له:
" كنت أعمل , يا سيد , وتناولت طعامي في المكتب , واجهنا بعض المشاكل في الفصل الخامس للكتاب وأضطررنا لأعادة طباعته".
" آمل ألا تكوني مرهقة في العمل ! السيدة قادرة على نسيان مشاعر الآخرين , في كثير من الأحيان".
" لا يهمني ذلك كثيرا , أننا نعمل على إعداد هذا الكتاب بجد ونشاط , وكل شيء يسير على ما يرام".
" أراك شاحبة اللون".
ألتفتت نحوه للمرة الأولى منذ جلوسها على ذلك المقعد الحديدي , فشاهدت الخاتم الذهبي يلمع تحت شعره الأسود, سمّرتها نظراته في مكانها , فظلّت صامتة لحظات طويلة سادها التوتر والعصبية , أرادت أن تصرخ بوجهه متوسلة له بأن يدعها وشأنها , ما دام لا يمكن لهما أن يكونا صديقين بصورة علنية.
" ما تحتاجين اليه الآن هو زجاجة كاملة من شراب الورد , نحن نقول في هذه المنطقة من العالم , أن شراب الورد ينعش قلب التمثال , أخبريني , هل يثير أهتمامك هذا الفارس الحجري؟ هل يذكّرك مثلا بقصة تمثال المرمر لذي دبّت فيه الحياة في ضوءالقمر وسار نحو كوخ صغير تجلس قرب نافذته شابة جميلة؟".
تذكّرت دونا أنها قرأت تلك القصة الخيالية المرعبة وقالت:
" ألم يترك وراءه أصبعه المرمرية القاسية؟".
" هناك تأثير كبير لهذه القصص الرومنطيقية على خيال الأنسان , أليس كذلك؟".
" يجب أن تقتصر جميع القصص الرومنطيقية على الخيال فقط".
" عندئذ يمكن للصبية الشابة أن تحيك قصصا خيالية حول فارس حجري وهي غير آبهة بأخطائه أو مطالبه , ماذا يحدث لو أن الحياة دبّت في هذا الفارس الأسود وتسلّق الجدار الى شرفتك ؟ هل ستصرخين وتوقظين بقية المقيمين في هذه الفيللا؟".