شعرت بألم حاد في قلبها ومسحت الدموع من عينيها وهي تقول:
( توقف عن ملاحقتي كالكابوس!".
وجدت نفسها فجأة في الحديقة وهي واقفة أمام الفارس الأسود , رأسه كان منحنيا بخوذته الحديدية الثقيلة , ويداه الممسكتان بالسيف جامدتين لا تتحركان , كانت العصافير وحدها تزقزق وتتحرك.... أما الفارس فقد ظل محتفظا بصمته وجموده , وتأهبه.
أعدت نفسها للسهرة المرتقبة وهي تشعر بتوتر خفيف , ربما كان عليها أن تكون أكثر حزما مع أدوني , وأن تجازف بحضور أمه فجأة ومشاهدتهما مها على أنفراد , ألا أن التبرج والتزين لتناول العشاء خارجا لم يكونا أمرا مزعجا حقا , وسرّها أن ترتدي ذلك الثوب الجميل لأول مرة منذ أبتياعه في باريس , وضحكت عندما تصورت نفسها فتاة بسيطة جاهلة تسمح لهؤلاء الأيطاليين الوسيمين بأخراجها عن برودتها الهادئة التي تفخر بها كثيرا , ما من أحد يمكنه القول أنها لا تبدو هادئة من حيث الشكل الخارجي , على الرغم من أن قلبها لم يعد متأكدا من نفسه وذاته.
أرتبكت عندما شاهدت أدوني ينتظرها أمام قاعة الجلوس ويبدو جذابا للغاية في سترته البيضاء الرسمية وسرواله الأسود الضيق , أقترب منها بسرعة وشدّ على يدها بقوة قائلا:
" كم أنت جميلة! أنت جذابة ورائعة , أيتها الحبيبة!".
" وأنت أيضا يا أدوني , تبدو جذابا ولا بأس بك على الأطلاق ! ".
أبتسمت عيناه قبل شفتيه وقال:
" شكرا , هكذا يجب أن يكون الوضع دائما ...... أن يكون الشخصان مناسبين لبعضهما , تصوري كم سيكون جميلا ورائعا أبننا , أيتها العزيزة".
" أسمع ! لا أريدك أن تبدأ ذلك ثانية !".
رفض أحتجاجها ضاحكا , ثم فتح باب القاعة وقال للشخصين الموجودين هناك:
" أننا ذاهبان".
كانت سيرافينا متمددة على كنبة وريك واقفا قرب النافذة , نظر اليها بعينين فاحصتين ثم وجّه نظرة سريعة الى أدوني , الذب قالت له أمه:
" لا تقد سيارتك وكأنك تشارك في السباق المقبل تعجبني دونا كثيرا كسكرتيرة ولا أنوي أبدا أن أفقدها , أنني أتساءل في الحقيقة عما أذا كان من الحكمة السماح لك بدعوتها هذه الليلة , أنها مخلوقة طيبة جدا لم تفسدها شرور الحياة , وكنت أعرف والدها وأعجب به , ولا أظن أنه كان سيوافق عليك , أيها الحبيب".
" سأحافظ على هذه الفتاة , يا سيرافينا , كما يحافظ ريك عليك! من المؤكد أنني لن أجد مثلا أعلى , أفضل من حارس أمي وفارسها!".
رفع ريك حاجبه الأسود ونفخ الدخان بقوة م أنفع الغاضب , ولكن سيرافينا نظرت اليه وسألته بغنج ودلال :
" هل أنت حقا هكذا , يا ريك؟".
حوّل نظره اليها , فضحكت بأغراء وكأن هناك نكتة لا يعرفها سواهما , ثم عادت لتقول لأبنها:
" لا يوجد مثل ريك سوى عدد قليل من الرجال , أيها الحبيب , ولكن لديك أنت طبيعة دافئة ومتلهفة , ويسرّني جدا أن أدلّلك وأغدق عليك المال بدون حساب , لأنني ذقت طعم الفقر والحرمان فترة طويلة في بداية عمري , كنت أتحرّق في صباي كي أحصل على جزء يسير مما هو متاح لك اليوم , أذهب , يا أدوني , وتمتّع بسهرتك , ولكن حاول أن تتصرف بلياقة وتهذيب مع هذه الفتاة الطيبة".
" طبعا , يا أمي".
أقترب منها وقبّلها على جبينها, وسمعت دونا الممثلة القديرة وهي تضحك بنعومة عندما كانت تداعب وجهه الذي يحمل شبها كبيرا لوجهها , وفجأة جذبتها العينان الحادتان بقوة , فلم تتمكن من مقاومتهما , نظرت دونا الى ذلك الرجل , الذي يبدو أن سيرافينا تقيّد جسمه وروحه بسلاسل من الحديد , وتساءلت عن سبب عدم زواجهما , هجرت سيرافينا زوجها منذ زمن طويل , ولكن الطلاق لم يعد مستحيلا في أيطاليا , فلماذا لا تطلّق زوجها وتتزوج ريك ؟ أنه بالتأكيد رفيقها ..... وهل يمكن لأي رجل يمضي هذا الوقت الطويل مع أمرأة جذابة ومثيرة مثلها بدون أي علاقة؟
كانت عيناه جامدتين وقاسيتين عندما ألتقت نظراتهما , ولكنه أخذ ينظر الى جسمها النحيل وكأنه يداعبها , فنظرت اليه بغضب ورجاء وكأنها تقول :
( أياك ! لا أريد أن أعرف ماذا تشعر سيرافينا عندما تضمها بين ذراعيك !).
شهقت عندما أمسك أدوني بذراعها وقال لها:
" تعالي , حان الوقت لذهابنا".
كان يداعب وجنتيها بنظرات الوله والهيام , ولكنها لم تشعر بشيء , خرجت معه من تلك الغرفة الكبيرة , ولكنها أحست بأنها تركت وراءها جزءا حيويا بالغ الأهمية من شخصيتها وذاتها , أنه جنون يثير الشفقة أن تتعلق برجل يخص أمرأة أخرى...... أمرأة متسلطة حادة الطباع ستغرز أظافرها في وجه الفتاة الغريبة , وتمزقه أربا أذا ضبطت ريك وهو يلمسها فعلا.
ولكن دونا كانت متأكدة من أنه أراد أن يلمسها بيديه وليس بنظراته فقط , لاحظت شحوبا في وجهه وعينيه عندما شاهد أدوني يمسك بذراعها , لا بد أن جسمها أرتعش قليلا وهي تفكر بذلك الرجل , لأن أدوني قال لها بأهتمام حقيقي قرب سيارته السريعة :
" لا تخافي من لورديتي ... أنا أعرف أنك خائفة منه يا دونا , لاحظتك كيف تنظرين اليه , لأنك ربما تشعرين بغرابة توعية هذا الرجل , أذا كنت تريدين الحقيقة بصراحة , فلا بد لي من القول أنه ثتل شخصا في حياته".
" أوه , لا !".