"يسرني جدا أنك لم تصنفني معهن , أرجو ألا توجّه اليّ عناية أكثر من المتعارف عليه , وإلا تسببت في أفقادي وظيفة أحبها , وأسعى الى الأحتفاظ بها حتى النهاية , لم أعمل في أيطاليا أبدا من قبل , وخاصة مع شخص مثل والدتك , أنا أعرف أنها حادة المزاج وأنها بدأت تتساءل عما أذا كنت أغازلك أم لا , يا سيد نيري".
" ألا تغازلينني الآن , يا آنسة ؟ كنت آمل ذلك , أوه , كيف يتحوّل بريق العينين فجأة الى نظرات جافة وقاسية ! يا لنعومة بشرتك ورقتها ! أنها تشبه تلك القشدة التي أكلناها قبل قليل".
منتديات ليلاس
أقترب منها وكأنه يحاول لمس بشرتها , فتراجعت بسرعة عنه وهي تهز رأسها أنزعاجا وتأنيبا , وتطلّعت فجأة نحو الرجل الأسمر , فأحمرت وجنتاها , كان يتأملها بتمعن وروية... أذن ما زال يتذكرها , حسبت أنفاسها ضيقا وأنقباضا , ماذا يريد منها هذا الرجل ؟ صداقة سرية مع السكرتيرة الجديدة التي يرفض التصريح علنا أمام سيدته بأنه يعرفها؟ شعرت بأن كرامتها طعنت في الصميم وبأنها كانت غارقة في الأوهام والأحلام , وجهت اليه نظرة تأنيب قاسية , ولكنه إبتسم بخفة وكأنه لا يبالي بأنزعاجها , وعندما تحوّلت سيرافينا عن جارها الآخر اليه مجددا , عاد يكرّس كل أهتمامه وأنتباهه اليها ...... وحدها.
ثارت حفيظتها مرة أخرى , وقالت لنفسها ........ ليذهب الى الجحيم , كيف يجرؤ على الأفتراض بأنه قادر على أذابتها بمجرد أن يغمزها قليلا...... ومن وراء ظهر سيرافينا ؟ تجاسرت دونا وتحوّلت الى أدوني حيث أمضت وأياه بقية السهرة يتسامران ويتحدثان بمرح واضح ...... وهي غير مبالية بأنزعاج سيرافينا من ذلك.
أزيلت السجادات عن الأرضية الخشبية للقاعة الكبرى , وعزفت المقطوعات الموسيقية الحالمة التي كانت ناجحة أثناء تربع سيرافينا على عرش هوليوود , رقض الضيوف الى ما بعد منتصف الليل , لم تتراجع دونا عن جسارتها وتهورها , فتمتعت بوقتها حتى النهاية , لم ترقص فقط مع أدوني , ولكنها قبلت أيضا دعوات من رجال آخرين , ظلت على تلك الحال الى أن حاول أحد الرجال التمادي معها , داست بقوة على رجله لتضع حدا نهائيا لتصرفه الأرعن , فتركها شاتما وركضت بسرعة الى الشرفة.
شعرت دونا بأنها متعبة ومرهقة بسبب الرقص ومحاولاتها الجاهدة للتحدث مع مع أولئك الرجال الذين لا يعرفون إلا الأيطالية , وفرحت لوجودها وحدها , فأغمضت عينيها وتنفست بقوة مرات عديدة لتملأ رئتيها بالنسيم المنعش وبرائحة الزهور الغنية العطرة , مرت بضع دقائق قبل أن تلاحظ أن رائحة مزعجة أختلطت بعطر الزهور, رائحة تبغ محترق.....
نظرت الى الوراء فرأت رجلا طويل القامة , تسارعت دقات قلبها بعصبية لأنها عرفت على الفور أنه ريك لورديتي , سيطن أنها تبعه, مع أنها كنت تريد دائما الأبتعاد عنه وتجنبه!
" لا تذهبي , إبقي حيث أنت لأخبرك بأننا نكون حكيمين أذا تظاهرنا بأننا لم نلتق من قبل , أنت بحاجة لوظيفة جيدة هنا على سواحل صقلية , وهي لك ولكن من الأفضل لنا أن نظل غريبين أمام سيرافينا".
سألته ببرودة أعصاب قاسية ومذهلة:
" لماذا؟ ألن توافق صديقتك على ذلك؟ ألا تعلم سيرافينا أنك تحاول أصطياد الفتيات الغريبات عندما تكون في روما ومتأثرا بأجواء المغامرات العاطفية؟".
" كما قلت لك آنذاك , يا عزيزتي دونا , نحن لسنا غريبين عن بعضنا , أنت شعرت بتلك التفاعلات الكيمائية ذاتها التي شعرت أنا بها , لم ألحقك من الفندق , ذهبت الى ذلك الملعب بدون أن أعرف أنك كنت هناك , ولكنك كنت هناك... كان لا بد من ذلك كي نلتقي ثانية".
نظرت اليه بعصبية وقالت:
" أوه , توقف عن مثل هذه الأحاديث! أنك تفزعني , أنا أعرف أنك تحمل مسدسا , وأعرف كم تأخذ أجرا لأستخدامه , فلا تقل لي أنني ألتقيت أحدا مثلك من قبل , أنت لست من النوع الذي..... الذي أريد مصادقته!".
" كرري هذا الكلام كثيرا لنفسك يا حبيبتي , فقد تصلين الى مرحلة تصديق نفسك , يظن الناس عادة أن بأمكانهم طرح مشاعرهم وأحاسيسهم جانبا كتفاحة أو عنقود عنب أصيبا بالأهتراء , ولكن المشاعر جزء من الأنسان , ستشعرين أنك تمزقين قطعة من جسمك عندما تحاولين عدم الأهتمام بشخص ما".
" الأهتمام؟ هل لديك الشجاعة الكافية لتقول أنني ...... أنني أهتم بك ؟ أنت آخر رجل على وجه الأرض أفكر بالأهتمام به! أنت قاتل محترف!".
" أنا أنسان مثل الآخرين , تمر عليّ ليال كثيرة لا أفضل خلالها أي شيء آخر في الدنيا سوى وضع رأسي على كتف حنون دافىء".
" ومسدسك تحت الوسادة؟".
" كانوا يستخدمون السيوف في الأيام الماضية".
" هل تتصور نفسك هكذا..... الفارس الأسود الذي يحمي سيرافينا نيري؟".
" أنه وصف رومنطيقي أليس كذلك؟".
" أنه أفضل من أن أصفك بالشقي أو المجرم! هل كنت في شيكاغة من قبل , يا سيد ؟ توجد لكنة في لهجتك توحي بذلك".
" يا للنساء , ويا للحشرية! نعم , ألتقيت سيرافينا في الولايات المتحدة , ولكن في نيفادا.... في أحد النوادي الليلية".
" هل كنت الرجل القوي في النادي الذي يطرد المشاغبين والمشاكسين ؟".
" أنت......... شيطانة صغيرة!".