2- رقته تذيبها !
ألتقت دونا ذلك المساء عددا من الأشخاص الآخرين الذين يقيمون في الفيللا , وكان بنهم , كما توقعت , ضيوف كثيرون , لم يعرها أحد أهتماما يذكر عندما دخلت القاعة , لأنهم كانوا غارقين في ثرثرتهم عن أصدقاء أو أعداء مشتركين , ومع أن دونا تعرف الأيطالية الى حد , ألا أنها شعرت بالضياع بينهم.
تقدّم نحوها شاب فعلمت على الفور أنه أبن سيرافينا , عيناه خضراوان جميلتان , ووجهه لاتيني وسيم للغاية وأبتسامته جذابة مغرية , ألا أن نظرة دونا إليه كانت تختلف عن بقية الفتيات , من حيث أنها أكثر أهتماما بتحليل شخصيته , أنه أبن سيرافينا الذي تركته مع زوجها , فيما كانت تسعى الى الشهرة وأثارة دهشة العالم .وعندما أصبحت تتمتّع بشهرة عالمية وبثروة طائلة , أختار أبنها الأنتقال الى قصرها.
لم ترد دونا على أبتسامته الدافئة بالمثل , بل وجّهت اليه نظرة عادية , لا بل باردة , أنه يعرف أنها سكرتيرة أمه , وربما أفترض بأن توددها اليه جزء من مهمتها ووظيفتها , تأملها بتفحص بالغ , مع أنها كانت تمثل البساطة بعينيها فيما لو قيست بالنساء الأخريات , وأبتسم لها بطريقة بأنه لم يلق طوال حياته مقومة كبيرة من أية فتاة , وقال لها:
" يا له من شعر جميل ! ويا لها من بشرة رقيقة وناعمة تشجع على اللمس!ّ".
ردت عليه بسرعة وحزم قائلة:
" ألمسني , يا سيد نيري , وسأصفعك على وجهك , ستتلم أنت وسأخسر أنا على الأرجح وظيفة جيدة جدا".
وضع يده على خده وكأنه يحذّرها من أنه سيداعب وجنتيها يوما ولن تصفعه , وقال:
" أوه! أنك فتاة حادة الطباع وعصبية المزاج على الرغم من برودتك البريطانية ! ماذا تشربين يا آنسة هدسون؟ أتصور أن عليّ التصرف معك بطريقة رسمية الى أن أحصل على موافقتك بأن نصبح صديقين؟".
تذكرت ملاحظات الأيطالي الآخر الذي لم تتمكن بعد من نسيانه , وقالت بحدّة :
" أنتم الرجال الأيطاليين واثقون جدا من أنفسكم , أليس كذلك ؟ أظن أن ذلك يعود الى طريقة تربيتكم منذ الصغر , وألى معاملتكم كأسياد من جانب قريباتكم".
" ألا تعتقدين أنه يجب تدليل الفتيان الصغار؟".
" في بلادي , يا سيد نيري , يعامل الصبي كالبنت تماما , وفي بلادي أيضا , لا يغرس أحد في عقول الفتية الصغار أن الفتيات سيقعن بحبهم من النظرة الأولى وأنهن على أستعداد لأن يصبحن مستعبدات لهم مدى الحياة".
غمر عينيه بريق تحد زاد من جمالهما وقدرتهما على الأغراء , وقال بتعجب بالغ:
" أوه ! ألا تعتقدين بأمكانية الحب من أول نظرة ؟ غريب أمرك يا آنسة ! فالفتاة البريطانية تأتي عادة الى أيطاليا بحثا عن مغامرة عاطفية دافئة لا تجدها في بلادها الصناعية الباردة".
تظاهرت بعدم الأكتراث , وقالت له ببرودة أعصاب مذهلة:
" أنا , يا سيد , أتيت الى أيطاليا لأعمل , وأذا كانت دعوتك لا تزال قائمة , فأنني أفضل عصير البرتقال , أنا مجرد سكرتيرة جيدة تتمتّع بعملها الى درجة كبيرة".
" لست متأكدا من ذلك , فالماء يكون راكدا أحيانا لأنه لا يجد من يعبث به , وقد تجدين قريبا أن الجو في بلادنا سوف يذيب حبيبات الثلج التي تحيط بقلبك , سأحضر لك العصير فلا تذهبي!".
أبتسمت له بطريقة ساخرة وقالت:
" لن تتمكن من حملي على الهرب , يا سيد , فأنت لا تفزعني بما فيه الكفاية".
قطب حاجبيه أستياء ثم رفع رأسه بعنجهية وعنفوان وتوجه الى الجانب الآخر من القاعة , قالت دونا لنفسها أن هذا الشاب الوسيم واثق جدا من قدرته على الفوز بقلوب العشرات من الفتيات , بحيث أنه لن يأبه لرفض سكرتيرة باردة مثلها , أنه جذاب جدا ويعرف ذلك , ولكن دونا لم تكن تنوي أبدا أن تعرّض وظيفتها للخطر بتقّبل مغازلته ومداعباته..... أنها تعلم أن سيرافينا سيدة تحب السيطرة والتملك , ومن المؤكد أنها لن تفرح بأن أبنها يولي أهتماما خاصا لفتاة تعمل في خدمتها.
منتديات ليلاس
تطلّعت دونا حولها وأفترضت أن سيرافينا تنتظر تجمّع ضيوفها قبل أن تدخل بأبهة وعظمة , وهي تبدو أكثر جمالا وجاذبية من أجمل ضيفة لديها , ودخلت ربة القصر في تلك اللحظة بالذات , كانت ترتدي ثوبا فضيا خلابا وتتدلى على صدرها قلادة من الأحجار الكريمة الثمينة التي تشع كالنجوم الساطعة , تنهد الجميع أعجابا ...... ولكن دونا حبست أنفاسها لسبب مختلف تماما.
كان يتبع سيرافينا رجل طويل القامة يرتدي سترة داكنة , عرفته دونا فورا من ملامح وجهه القاسية , وقامته الممشوقة , وهيبته المتغطرسة , عكست عيناها نظرات الدهشة والصدمة ذاتها التي أحست بهما قرب ذلك الملعب الروماني القديم في روما , شعرت برغبة يائسة للهرب قبل أن يراها ذلك الرجل , بدأت في السير نحو غرفتها , ولكن شخصا وضع كوب باردا في يدها وهو يقول متمتما:
منتديات ليلاس
" أحبس أنفاسي دائما عندما أتأمل جمالها..... وأنا أبنها , عندما أنظر اليها أجد من الصعوبة بمكان أن أتخيلها قادرة على الحب كأي أنسان آخر على وجه الأرض , ومع ذلك فأنا برهان ثابت على أنها فعلا أحبت في وقت ما , هل يعجبك العصير؟".