" وأنت يا أخي الحبيب , ماذا حدث لك ؟ ومن سيعوّض عليك خسارتك الفادحة ؟ كنت أنانية للغاية , أعتقدت أنه إذا كان بأمكاني أن أعيش دون حب , فبأمكانك أنت أيضا أن تعيش كناسك متعبّد , أعرف أنه مرّت في حياتك لحظات عابرة , ولكنك هذه المرة....... وجدت ضالتك المنشودة في هذه الشابة الشقراء!".
" تفهم دونا الوضع على ......".
" هل تفهمه حقا ؟ لاحظت منذ بعض الوقت أن جاذبية تجمع بينكما , ولكنني تصوّرت أنها ستخف تدريجيا وتزول , ولكنني شاهدتكما بين أذرع بعضكما , كطفلين ضائعين في غابة , تبيّن لي فورا أن الموضوع جدّي جدا هذه المرة.. كنت تطوّق هذه الفتاة الصغيرة وكأنها أغلى شيء في حياتك".
سمعت سيرافينا صوت بكاء تحاول دونا السيطرة عليه , فداعبت وجه شقيقها وقالت:
" لقد نلت جائزتك , يا فارسي العظيم , كنت معي أفضل الأشقاء وأحسنهم , وأخذت من حياتك سنوات طويلة عندما جعلتك حارسا ضد الليل والذكريات , يجب أن تتزوج دونا وأن ترزقا أطفالا , قلة من الناس تعرف مدى الرقة والنعومة اللتين تستعلان في داخلك , ولكن يجب عليك ألا تخفيهما بعد الآن , وإلا بردتا وأنطفأت منهما الشعلة الجميلة".
أستدارت نحو دونا وطلبت منها الأقتراب , ثم أخذت يدها ووضعتها في يد ريك قائلة:
" أنني أسلّمك شقيقي يا دونا هدسون , أحبيه , أحبيه بقلبك وجسمك وروحك ..... لأنه أحد أعظم رجال صقلية".
ضغط ريك على يد دونا بسعادة بالغة , ولكن عينيه كانتا تتأملان وجه سيرافينا وملامحها , تذكّر أنه طالبها مرة بحريته , فحاولت أخته قتل نفسها , سألها بهدوء:
" هل تقولين لي أن بأمكاني الزواج من د=ونا ؟ ولكن ماذا ستفعلين أنت , يا سيرا؟".
إبتسمت فجأة ثم أخرجت ورقة من جيبها وقالت:
" أنا ذاهبة الى روما , أيها الحبيب , معي هنا برقية عاجلة من أيليورينالدو الذي أخرج قبل عام تقريبا الفيلم المشهور ( العلاقة الحميمة ) , أنا أعرف بماذا تفكر الآن يا ريك , ولكنني أم منذ أكثر من ربع قرن.... وسأصبح جدّة عما قريب , بأذن الله , سيتزوج أدوني تلك الفتاة , حتى ولو كان ذلك رغما عنه !".
تألمت دونا كثيرا لأن ريك كان يضغط بعنف على يدها , ولكنها تحمّلت الألم بسهولة فائقة , لأنها كانت في قمة سعادتها وذروة سرورها , وسمعته يقول لأخته , بعد أن أكّدت له مرارا بأنها ستعود الى السينما :
" أنني أريد الزواج من دونا أكثر من أي شيء آخر في حياتي , أحببتها منذ اللحظة الأولى التي رأيتها فيها , وسوف تشرّفني كثيرا فيما لو بادلتني الحب ".
" تشرفك يا ريك ؟ أخي العزيز , أنا متأكدة من أن دونا تعرف أنها هي التي تحظى بشرف حبك لها , سأذهب الآن للأتصال برينالدو ...... لا تتأخر كثيرا في غرفة دونا , وإلا فإن الخدام سيثرثرون".
غادرت الغرفة وكأنها تمثل الدور النهائي في مسرحية عاطفية قديمة , تنهد ريك وقال لحبيبته الشابة:
" لا يمكن أن يكون ذلك صحيحا , ستغيّر رأيها وستبكي , وأنا لم أتمكن أبدا من مقاومة دموعها, أنني أريدك يا دونا , أريدك من صميم قلبي ! هل تصدقين ذلك؟".
" بكل جوارحي".
" أريد أن أتأكد من أن سيرافينا لم تمثل أمامنا قبل قليل أي دور مسرحي , لن أغفر لنفسي أبدا أن أحقق سعادتي على حساب تعاستها وأحزانها..... حاولت قبل الآن أن تنتحر".
" أعرف يا ريك , شاهدت آثار الجروح في معصميها".
" إنك فتاة طيبة وحكيمة , ولا تتقدمين بأي مطالب , مع أن لك كل الحق في ذلك , تعرفين أنني أحبك , وإلى درجة اليأس , بأمكانك أن تطالبي بأن أضعك في المرتبة الأولى قبل أختي , ولكنك لا تفعلين ذلك ".
ردّت عليه بهدوء وبراءة:
" لم يتعرض جسمي للتمزيق والأعتداء , وأحلامي للعذاب والأنهيار , مثلما تعرضت سيرافينا , مجرد معرفتي بك أمر رائع ...... وفكرة وجودي بين ذراعيك تطيّر قلبي فرحا وسرورا , ولكن إذا لم يكن بالأمكان....".
" أريد أن أعرف بالتأكيد".
قفز نحوها ثم رفعها عن السرير وطوّقها بين ذراعيه وعانقها طويلا , ثم قال:
" يجب أن أتحدث مع سيرا على أنفراد , ستكونين بخير , أليس كذلك يا حياتي؟".
" طبعا".
أبتسمت له ولكن قلبها كان خائفا , لا يمكن لسيرافينا أن تفتح لهما باب السعادة ثم تغلقه في وجهيهما ...... لا يمكنها أن تكون قاسية الى هذه الدرجة , تركها وأغلق الباب وراءه بقوة , رمت بنفسها على السرير وتمدّدت على الجزء الذي أستخدمه ريك طوال الليل , هل يعقل أن تطلعها سيرافينا على مثل هذه الأسرار الرهيبة , لو لم تكن مصممة على تحرير ريك من قيوده ؟ حنى أدوني نفسه لم يكن يعرف العلاقة الحقيقية بين ريك وأمه.
قرّرت فجأة الذهاب الى الأسطبل للأطمئنان على كونتيسا ومهرها الجميل , وما أن بدأت بتدليل دومينو الصغير , حتى سمعت صوتا يناديها , ألتفتت الى الوراء , فشاهدت ريك واقفا بقامته الطويلة الممشوقة وتعلو وجهه أجمل أبتسامة شاهدتها في حياتها , ركضت نحوه ورمت بنفسها بين ذراعيه , اللتين ضمتاها بقوة وحنان ورفعتاها عن الأرض.
" نجمع سيرافينا الآن أغراضها وتوضب حاجياتها , إنها ذاهبة الى روما , ويبدو أنها متلهفة للغاية ".
" ولكن......... ألن تكون متوترة الأعصاب , يا ريك ؟ أعتمدت عليك كثيرا طوال السنوات الماضية و...... ولديها ذلك الخوف الشديد من أمكانية .... مهاجمتها والأعتداء عليها".
" وعدها رينالدو بأرسال طائرة مروحية خاصة بالشركة , ويبدو أنهم يستخدمون محترفين حقيقيين لحماية نجومهم , أعتقد أنها , بمشاهدتها لنا معا , شعرت بأنها قادرة على التصرف بمفردها , أنها تعرف أنني أحبك كثيرا , وأنني سأضعك في المقام الأول.. نعم , يا حياتي , في المقام الأول وقبل أي شخص آخر على الأطلاق , سيرا هي أختي التي أحبها كثيرا , ولكنك أنت حياتي وروحي ومستقبلي ".
" أوه , ريك , ريك...........".
منتديات ليلاس
لم تتمكن من إيجاد كلمات تعبّر فيها عن حقيقة مشاعرها , فراحت تعانقه بفرح مجنون .
" سأعد الترتيبات اللازمة لنعقد قراننا بسرعة وهدوء , وسنحضر عرس أسونتا كرجل وزوجته".
" هل تحبين ذلك؟".
" من كل قلبي , يا ريك ........ يا حبيبي".
" أحمد الخالق عزّ وجل , يا فتاتي الطيبة , على أننا لم نضطر هذه المرة للأفتراق عن بعضنا".
" سنظل معا الى الأبد ".
إبتسمت دونا وتذكرت تلك الليلة التاريخية في روما حيث ألتقت وأحبت فارس أحلامها الأسمر ..... الذي يضع خاتم الثأر والأنتقام في أذنه , لمست الخاتم بأصبعها , وهي تعلم أن ريك لن يتمكن أبدا من طرد الذكريات الأليمة والرهيبة من رأسه وقلبه بصورة تامة , ولكنها تعهّدت له بصمت بأنها ستملأ حاضره ومستقبله حبا..... وسعادة .... وعاطفة.
تمت