جلست سيرافينا بأناقتها المعهودة على كنبة مغطاة بجلد الحمار الوحشي , لا يمكن تقدير عمرها بأكثر من ثلاثين , ولكن دونا تعرف من وادها أن الممثلة الشهيرة تجاوزت الحادية والأربعين , بشرتها ناعمة جدا , وعيناها لا أثر للتعب فيهما , وشفتاها تضجان حياة وأغراء ودعوة , أبتسمت سيرافينا وقالت لها:
" أنك تحدقين بي , هل ستتعجبين كثيرا عندما أقول لك أن لدي أبنا في الخامسة والعشرين من عمره؟".
منتديات ليلاس
ردت دونا بأبتسامة خجولة , قائلة:
" أخبرني أبي أنك سيدة جمبلة جدا , الجمال الحقيقي لا يذبل , بل يزداد روعة وبهاء.
ضحكت سيرافينا وقالت:
" كجوهرة نادرة أو لوحة لأحد الفنانين المشهورين ؟ أذا ولدت المرأة جميلة , فأنها تعتني بجمالها تماما كما تعتني بجوهرة ثمينة , أنا لا أخرج كثيرا الى الشمس , وقد تجد فتاة بمثل حيويتك ونشاطك , أن ذلك خطأ فادح وجسيم , كما أنني لا آكل طعاما يضر بصحبتي أو يزيد من وزني , أنا أمرأة دقيقة جدا يا دونا , كذلك يمكنني أن أكون مزعجة جدا وقاسية الى أبعد درجة , عندما يكون مزاجي سيئا , هل تعتقدين أن أعصابك ستتحملني؟".
" أنا لست زهرة ضعيفة , يا..... سيرافينا".
أنه أسم جميل , ولكن دونا شعرت بشيء من الخجل لمناداة ربة عملها بأسمها الأول..... وخاصة عندما تذكرت الشهرة المذهلة التي حققتها هذه الأمرأة المثيرة , وتذكرت دونا أيضا أن سيرافينا أنطلقت من أزقة صيقلية لتصبح نجمة عالمية يسعى الى الفوز بقلبها وبحبها بعض أشهر العازبين في العالم , ولكن سيرافينا تزوجت في الثامنة عشرة رجلا يكبرها بسنوات عديدة , لم تعش معه سوى فترة قصيرة , أنجبت خلالها صبيا تولى الوالد تربيته عندما ذهبت هي في سبيلها سعيا وراء الشهرة والثروة , لم تعد الى زوجها بعد ذلك الحين , ولأسباب غريبة وخاصة بها , وجدت من المناسب أن تظل متزوجة منه......
وكأنها تفضل أن يحبها الرجال عن بعد.
" لا يا عزيزتي , فأنت شابة تملك ملامح قوية تعجبني الى حد كبير , كما أنك لست من نوعية الأشخاص الذين يتصرفون بخنوع , أنا أكره وأحتقر الأشخاص الذين يلاطفونني كذبا وبهتانا , أوه , نعم ...... أحب الناس الذين يعاملونني بأخلاص حقيقي , لدي حراس عديدون في هذا المكان , رأيت بعضهم وأنت في طريقك الى هذه القاعة , أنت تعرفين يا دونا أنني أمرأة ثرية , ثمة رجال عصابات في هذه المرتفعات يتمنون أختطافي للحصول على فدية دسمة , حاولوا ذلك مرة! كنت متوجهة بالسيارة الى نابولي لزيارة شقيقتي , فأحاطوا بالسيارة وهم يركبون دراجات نارية سريعة , ولكن لحسن الحظ, كان مرافقي الخاص معي فأنقذني من أولئك المجرمين القذرين الذين لا يعملون لكسب عيشهم بل ينقضون كالعقبان الجائعة على الذين عملوا جاهدين لتحقيق ما توصلوا اليه بنجاح وغنى.
أسندت سيرافينا رأسها الى وسادة ناعمة , وأغمضت عينيها ثم مضت الى القول:
" نعم , عملت في شبابي كالكلاب وسوف أذكر ذلك كله في مذكراتي , ستكون مذكرات مثيرة للبعض ومقززة للبعض الآخر , لأنها ستكشف نفسيات الأشخاص الذين عرفتهم على حقيقتها , لن تصابي بالملل يا مساعدتي البريطانية الشابة , ستجدين أمورا كثيرة تسليك وتثير دهشتك , وربما ستحسدينني على ما مررت به عندما كنت مثلك في العشرينات من عمري , أخبريني , ألم تجدي بعد لنفسك حبيبا؟".
فاجأتها صراحة السؤال , فأحمرت وجنتاها عندما أجابت بتلعثم:
" كنت أعتقد أن جميع الفتيات البريطانيات متحررات الى درجة بالغة , لماذا تختلفين عن غيرك , يا دونا؟ ألم تلتقي رجلا يثيرك الى درجة التهور ؟ هل من المعقول أنك لا تزالين تحتفظين بتلك المثل العليا والتقاليد المتزمتة التي تجاوزها الزمن , كأن تريدين صيانة نفسك حتى ليلة العرس؟".
لم يعجب دونا ذلك النوع من التدخل الساخر والقاسي في حياتها الخاصة, ولكنها شعرت بأن سيرافينا أمرأة تعيش في وحدة قاتلة على الرغم من ثروتها الطائلة وحماية حراسها , ومن الواضح أنها بمجرد وجودها مع أنثى أخرى , شعرت برغبة قوية للثرثرة ..... كثيرا ما تؤدي ثرثرة النساء الى مواضيع تتعلق بغرف النوم , أجابتها دونا بلهجة هادئة:
" لم ألتق بعد رجلا أحسست بمثل هذه الرغبة نحوه , بالأضافة الى أنني كنت غارقة في العمل منذ تخرجي من كلية أدارة الأعمال ".
" لديك ملامح غير عادية , مع أنه لا يمكن وصفك فعلا بأنك جميلة , هذا اللون الذهبي في شعرك طبيعي , أليس كذلك؟ أنني أسألك لأن جفنيك سوداوان".
" هذا هو شكلي الطبيعي ولا أغيرة لأي سبب من الأسباب".
" وهذا يثبت أنك أنينة صادقة ومخلصة , وأن لديك عقلا راجحا ومنطقيا , أعتقد أن الأمور بيننا ستجري على ما يرام , على الأقل في معظم الأحيان , هكذا كانت الأمور مع والدك , من المؤكد يا صغيرتي أنك تفتقدين كثيرا ذلك الرجل العظيم!".
هزت دونا رأسها وقالت:
" كان أبي رجلا متشددا لا يعرف المراوغة أو التراجع عن الآراء والمواقف , ووما لا شك فيه أنني أبحث عن صفاته وخصائصه هذه ... في الرجال الآخرين".
" هذا واقع لا بد من حصوله , أنا أحببت أبي كثيرا وسأذكر ذلك في كتابي , توفي وأنا صغيرة السن , وتولت أمي مهام تربيتي ورعايتي , براعم صقلية تتفتح بسرعة , وبعض الفتيات يتزوجن في سن مبكرة جدا..... كما فعلت أنا, كان زوجي , رجلا طيبا جدا , ولكن الحياة معه كانت مملة , عندما سنحت لي فرصة الأشتراك في مسابقة لأختيار أجمل فتاة , أغتنمتها........".