عادت دموع دونا الى عينيها.... ستحتفظ ذاكرتها بأحداث هذه الليلة الى الأبد , لأنها لا يمكن أن تحب ريك أكثر مما تحبه الآن , ألتفتت اليه وقالت له بصوت غلب عليه التأثر.
" يجب أن نعالج هذا الجرح على الفور , أنه ينزف بقوّة".
هز رأسه وقال بضع كلمات لتشيكو ثم توجها معا الى البيت , كان هواء الليل منعشا , والنجوم صافية ومنيرة , والسكون يعمّ المنطقة , ولما دخلا القاعة , خلع سترته وقال لها :
" هيا , أذهبي بسرعة الى فراشك , أنت متعبة وعيناك شبه مغمضتين , وأنا قادر تماما على لف قطعة قماش حول ذراعي".
" هل تعتقد فعلا أنني سأسمح لك بذلك , دون أن أعتني بالجرح بطريقة مناسبة ؟ أنك تستحق أكثر من مجرد قطعة قماش , بعد العمل الرائع الذي قمت به الليلة".
" أنها ليست المرة الأولى التي أساعد فيها حيوانا صغيرا على المجيءالى هذا العالم , ولم تكون الأخيرة , دومينو , أيه ! أنني مسرور جدا لأختيارك هذا الأسم , لأنني عندما سأنظر اليه بعد أن يصبح حصانا قويا رائعا سوف أتذكر شابة أعطت لحياتي قيمة خاصة ولو لفترة وجيزة من الزمن".
" كانت هذه الليلة ذات أهمية بالغة في حياتي يا ريك , لن أنساها أبدا , وأشكرك كثيرا لسماحك لي بمشاهدة أطلالة دومينو على هذا العالم".
" الحياة , الولادة , الأمومة ..... كلّها أمور تحمل في معانيها جمالا لا يضاهى وأهمية لا تقارن , كنت عظيمة مع كونتيسا , هادئة ورقيقة , الحيوانات مخلوقات تحب العطف والحنان , وليس جميع الناس أذكياء أو حكماء بما فيه الكفاية لمعرفة ذلك".
شاهدت الشعلة الصغيرة في عينيه , فمارست أقصى درجات ضبط النفس كيلا تقترب منه وترتمي بين ذراعيه , أحست بأنه يريدها بقدر ما تريده , لم تحلم أبدا في حياتها بمثل هذا الشعور الفيّاض.
" أعرف يا حبيبتي , أعرف ماذا يجري بيننا , وأعرف أيضا أنّ النتيجة الطبيعية لذلك هي أن أحملك بين ذراعي وأطير بك الى عالمي".
تنهّد بقوّة وكأن خفقان قلبه المتوتر يمنعه من التنفس بسهولة , مدّ ذراعه نحوها فأنتبهت مرة أخرى الى الدم وقالت بلهفة:
" دعني أهتم بذراعك.... دعني أفعل ذلك على الأقل !".
" حسنا , أوه , من كان يظن أن مثل هذه الكمية الكبيرة من الدم تجري في عروق رجل طاعن في السن مثلي؟".
" أنك لست طاعنا في السن , يا ريك".
" أنني أكبرك بسنوات عديدة , أيتها الحبيبة ".
صعدا الدرج جنبا الى جنب , وعندما وصلا الى الممر أستدارت دونا نحو شقتها وهي تقول:
" يوجد في غرفتي حوض لغسل الوجه واليدين , بالأضافة الى مطهر يمنع حدوث الألتهاب".
" غرفتك؟ لست عجوزا الى هذه الدرجة , يا حبيبتي".
فتحت دونا باب غرفتها وهي تتظاهر بأن الأمر طببعي للغاية , إلا أنها لم تجرؤ على النظر الى عينيه , أشعلت المصابيح الصغيرة..........وخفق قلبها بعنف عندما خل ريك وأغلق الباب وراءه أنهما الآن معا , وعلى أنفراد تام , في غرفة نومها , سار بهدوء نحو المقعد الجلدي قرب سريرها وجلس عليه , لم يقل شيئا وهي تبلل قطعة قماش نظيفة وتحضر ما يلزم لتضميد الجرح , قالت له بصوت حاولت جاهدة أن يظهر وكأنه طبيعي وعادي جدا :
" الأفضل أن تخلع قميصك , يا ريك , سوف أغسلها لك".
" كما تقولين , أيتها الممرضة".
سمعته يضحك بهدوء .......وعندما أستدارت نحوه , كان يخلع قميصه ويكشف صدره القري وكتفيه العريضتين , خف النزف من جرحه العميق , ألا أن منظره كان مفزعا , بدأت تضمّد الجرح بعناية بالغة , ولكنها كانت تشعر طوال الوقت بأنه ينظر الى شعرها ووجهها , ثم سمعته يقول :
" كان من الأصح أن تكوني ممرضة , لمستك قوية وحازمة ولكنها أيضا رقيقة وناعمة".
" الجرح عميق جدا , يا ريك ,وآمل في ألا تتعرض للألتهاب و.........".
" لا تخافي , فجسمي صلب كالصخر , أنني أشكر الظروف لأن حافر كونتيسا لم يضرب جسمك الرقيق الناعم".
لم تتمكن دونا من أخفاء ذلك الأرتعاش الخفيف الذي حلّ بجسمها , عندما سمعته يقول تلك الكلمات وشعرت كأنه يداعبها بيديه.
ألتقت العيون فجأة وأشتعلت الشرارة كالنار في الهشيم.
" رباه , كم أتألم ! أني أريدك , يا دونا ! رباه , كم أريدك !".
سيطرت على أعصابها بصعوبة بالغة , وقالت له بتلعثم واضح :
" يمكنني ...... أن ...... أعد أبريقا من القهوة , أنني ....... أنني أشعر بعطش شديد , هل... تريد فنجانا من القهوة يا ريك؟".
هزّ رأسه موافقا , فيما كانت تنهي تضميد جرحه وتضيف قائلة:
" ها قد أنتهينا, كيف تشعر الآن ؟".
تأملته في وضعه الحالي , فشعرت بأنها ستنهار أمامه , كان عاري الصدر , وذا شعر أسود كثيف ,ويحمل في أذنه ذلك الخاتم الصغير الذي كان يلمع تحت ضوء المصابيخ , وتعلو وجهه الوسيم القاسي نظرات تحبها وتخاف منها .