" يا لأنسانيتك , أيتها الحبيبة ! أنك تهتمين بمشاعر الناس الآخرين , مع أن هناك عددا مذهلا من النساء اللواتي لا يهمهن سوى أنفسهن , ينصب أهتمامهن كله على أشكالهن , وعلى ما يقوله الناس عنهن , تمضي مثل هذه النساء أعمارهن وهن يعتقدن بأنّهن وحدهن محور أهتمام الرجال ومحط أنظارهم , حتى أمي.....".
توقف عن أكمال جملته وهز كتفيه ثم رفع فنجان القهوة الى شفتيه وقال لها بعد لحظات:
" سيرافينا هي أمرأة يجب أن تدلّل دائما ..... وأن تحصل دائما على ما يسعدها ويرضيها , بما في ذلك مسألة زواجي , أخبريني , هل لاحظت آثار جروح في معصميها؟".
منتديات ليلاس
هزت دونا برأسها أيجابا , كانت الجروح كخطوط رفيعة جدا ..... ولكنها لم تكن حديثة على الأطلاق , وتصوّرت أكثر من مرة أن سيرافينا ربما حاولت الأنتحار في إحدى فترات حياتها.
" حدث ذلك قبل ثماني ستوات , وأعتقد أن لريك علاقة بالأمر , أنهما يحيطان خلافاتهما بسرية تامة , ولكنني أتصور أنه أراد المزيد من الحرية , لديه ناد في روما يديره له شخصآخر , وأظن أنه أراد القيام بدور أكبر في ناديه.... ولكن أمي تحتاجه بأستمرار ولا تعرف كيف تعيش بعيدة عنه".
تنهّد أدوني وصمت برهة ثم عاد الى متابعة حديثه قائلا:
" لا أعرف تماما مدى حبه لها , ولكنني كما قلت سابقا , إنها تحتاج اليه بشكل يائس لا يصدّق , وكي تعاقبه حتى عل التفكير بالأبتعاد عنها قليلا , أخذت شفرة حادة وقطعت معصميها بها , شيء مقزز , أليس كذلك؟ ولكن بعض النساء يذهبن الى مثل هذه الأبعاد لتحقيق أهدافهن ومآربهن".
تأمل دونا طويلا وكانت أصابعه تنقر بعصبية بالغة على الطاولة ثم قال :
" أتصور أنك مستعدة للعيش فيجحيم لا يطاق , قبل أن تفعلي شيئا مماثلا لرجلك ,.
أشعر بالتأكيد أنك أنسانة تحبالعطاء الجميل والأعمال الخيّرة , أنت فيخارجك كما في داخلك , ولا تعرفين أن من النادر وجود فتيات مثلك في هذا العصر بالذات , تعجبني صفاتك هذه الى درجة كبيرة , وهذا ما أريده فيزوجة المستقبل , أريدك أنت يا دونا , أريدك أنت !".
أمسك بيديها وجذبها نحوه قائلا:
" أريدك أن تكوني لي....... أن تكوني ضلوعي, جذوري, أمرأتي.....".
" لا !".
أفلتت منه وهبّت واقفة ثم قالت له بحدة:
" لا يمكنك أن تفسخ خطوبتك هكذا , وتحطم بالتالي آمال الفتاة وأحلامها, في بلادي لم يعد هذا الأمر يهم كثيرا , لأن عددا كبيرا من الناس لا ينظرون الى مواضيع الزواج بجدية تامة ,أما هنا في أيطاليا , فالمحافظة على كلمة الشرف لا تزال أمرا هاما للغاية ..... وأنت تعرف ذلك جيدا يا أدوني !".
" يمكننا أن نهرب معا الى مكان بعيد و......".
شعرت دونا بأن عليها أن تقول شيئا يضع حدا نهائيا لهذا الحديث الرومنطيقي الفارغ السخيف , قاطعته قائلة:
" وماذا تفعل للحصول على المال ؟ يشتغل الناس عادة في العالم الحقيقي , يا أدوني , أنهم لا يعيشون برفاهية وترف دونما أي جهد أو عمل ....كما تفعل أنت حاليا في عالم أمك الخيالي".
حدّق بها طويلا ثم أشتعلت عيناه وكأن عود ثقاب مشتعلا ألقي على كمية من الأوراق فهبت النار فيها , شاهدت في عينيه شيئا مرعبا ومذهلا لا يشبه نظرات ريك أطلاقا , أطاعت حاستها السادسة وولت هاربة نحو المكتب, ولكن أدوني لحق بها قبل أن تتمكن من أقفال الباب وأمسك بكتفيها , أدارها نحوه بعنف بالغ وكان الشرر يتطاير من عينيه كقط بري متوحش ينقض على فريسته , حاولت التملص منه وهي تصرخ :
" أتركني! أتركني !".
غرز أصابعه فيجسمها حتى بلغت عظامها , وصرخ بها بوحشية :
" سوف أعلمك درسا قاسيا , أيتها السليطة اللسان !".
رفعها بقوة بين يديه ثم رماها بوحشية على الأرض وأنقض عليها , أمسك شعرها بيد ومزق ثيابها باليد الأخرى , ضربته بعصبية ورفسته بغضب , ولكنه بدا قويا جدا وغير آبه بما تفعله , وتذكرت برعب ما قرأته مرة ........ من أن الرجل الذي يصمم على أمر كهذا قد يقتل المرأة في ذروة غضبه من دون أن يعرف أنه يفعل ذلك.
"أذن فأنت لا تريدين الزواج مني ؟ سوف تطالبينني بذلك وتتوسلين إليّ ألا أتردد أبدا بمجرد أن أنتهي منك الآن ,أيتها القطة المدللة !".
كان كابوسا مزعجا .... وكانت كلّما أزدادت محاولاتها للتخلّص منه , أزدادت قوته ووحشيته.
" أرجوك , يا أدوني ! أتوسل اليك !".
" توسلي, توسلي أيتها الفاجرة ذات البشرة ....... الجميلة ! توسلك أجمل موسيقى أسمعها ".
ثم لكمها بقوة على فمها , مما أدى الى جرح شفتها , وصرخ بها :
" توقفي عن المقاومة , ما لم تكوني راغبة في التعرض لأذى أفدح مما هو ضروري".
" أدوني , أنك تتصرف كأنسان مجنون ..... أوه , رباه , توقف عن ذلك !".
" نعم , أنا مجنون بك , ولكنك تحبين أن يبقى الرجل على مسافة معينة منك وألا يأخذ حريته معك .... ما رأيك بهذه الحريات الصغيرة الآن؟".
تألمت , فزعت , شعرت بأشمئزاز لا يمكن تخيّله , حتى وجهه بدا متغيرا الى درجة مذهلة , وشعرت بده تتسلل الى خصرها ! أدوني ! أهذا هو أدوني , الشاب الوسيم الذي شعرت نحوه ببعض العطف والمحبة لأنه جزء من ريك ! غرزت أصابعها في السجادة السميكة وأستعدت للحظة المناسبة التي ستقدم فيها على محاولاتها الأخيرة لأبعاده عنها , وما أن تحرك قليلا , حتى جذبت رجلها ووجهت اليه بركبتها ضربة قوية مؤلمة دونما أي أهتمام أو وخز فيا الضمير , كان صراخه كوحش جريح موسيقى جميلة لأذنيها المعذبتين , تراخت قبضته قليلا , فتحررت منه بسرعة البرق وهبت واقفة ثم ركضت بأقصى سرعتها , يدفعها الى ذلك خوف وهلع لم تعرف لهما مثيلا في حياتها.
لم تنتبه الى أن ثيابها وجسمها ترتجف كورقة في مهب الريح , كانت شفتها الدامية تؤلمها كثيرا , وذلك رجلها وظهرها , ماذا حدث لأدوني ؟ كيف يتصرف على ذلك النحو المجنون ؟ وبدا وكأن الشيطان دخله وجعله شخصين مختلفين , لم تكن تتخيّل أو تحلم بأن هذا الشاب اللطيف الساحر يمكن أن يتحول فجأة الى شخص شرير فاسق ....... الى حيوان مفترس.
ضمت قطع الثياب الممزقة الى صدرها وأستدارت لتذهب الى شقتها الصغيرة .... ولكنها توقفت فجأة , كان ريك يقف أمامها بقامته الطويلة القوية ينظر اليها بعينين فولاذيتين غاضبتين , تضايقت كثيرا لأن نظراته كانت مركزة على نصفها الأعلى شبه العاري , وتطالبها بأطلاعه على التفاصيل.........