ذهبت دونا الى غرفة المكتب لتضع أوراقها وقلمها هناك , كانت أشعة الشمس تتدفّق على تلك الغرفة......ولكنها لم تقبل بأن تبقى وحيدة مع ذلك الفارس الأسود الصامت , ذهبت على الفور الى أحدى زوايا الحديقة , أرادت الأنفراد بنفسها والأبتعاد عن الآخرين , ولكن أمنيتها لم تتحقق , كان ريك وأدوني يجلسان الى طاولة حديدية صغيرة , يشربان القهوة ويأكلان الحلوى , لم يكن لديها مجال للتراجع , لأن الرجلين وقفا أحتراما لها وطلبا منها الأنضمام اليهما , أبتسم أدوني وقال لها , فيما كان يساعدها على الجلوس:
" أمر جميل منك أن تأتي فتنضمي الينا".
منتديات ليلاس
أبتسمت له وكأنها مشتاقة فعلا لرؤيته , وقالت:
" لم تتمكن والدتك من التركيز على الفصل الجديد , فطلبت مني أن أذهب لشرب القهوة".
نظرت بسرعة الى ريك , ولكن ملامحه القوية لم تتغير أو تتبدّل , كان يجلس بهيبة وعنفوان , وبدا قويا عندما قال لها:
" يجب أن تشربيها معنا , من المؤكد أن أدوني سيبادر الى أحضار فنجان أضافي , أليس كذلك , أيها الصديق؟".
" فورا , وبكل سرور".
مرّر أدوني أصابعه على ذراعها بحنان وقال لها:
" كنت تبدين قبل لحظات , قرب تلك الشجرة , وكأنك تخرجين من الظلام , ربما كان ذلك بسبب هذا الفستان الباهت اللون , أو بسبب نظرات معينة في عينيك , ستظلّين هنا ولن تهربي من ريك , أليس كذلك؟ أعتقد أنه يخيفك قليلا".
" هراء ! أؤكد لك , يا أدوني , بأن أعصابي قوية وثابتة تماما وبأنني لا أخاف أبدا من السيد لورديتي , إنه رجل كبقية الرجال..... وأنا متأكدة من أن لديه جوانب رقيقة مثل أي شخص آخر , على الرغم مما يقال عن قساوته وشدة بأسه".
ضحك أدوني وقال:
" وأخيرا , هذه فتاة شجاعة ترفض أن تدع أسطورة لورديتي ترعبها أو ترغمها على الركوع أمامه ! سأعود بالفنجان خلال دقائق ".
تعمدت دونا التطلع نحوه الى أن غاب عن نظرها , شهقت بصوت خافت عندما شعرت بأصبع ريك تلمس معصمها وبذلك التيار الكهربائي يصل الى رأسها , سحبت يدها بسرعة ووضعتها مع الثانية على ركبتها , قال لها ريك بهدوء:
" سوف يسيء فهمك فيما لو حاولت مغازلته , يا دونا".
" هل هذا ما حدث معك ؟ هل تتصور نفسك الرجل الوحيد هنا الذي أجده ...... جذّابا ؟ تذكّر أنني شلبة بريطانية , نحن شعب متحرر , نقفز كالنحل والفراشات من زهرة الى أخرى ....... ونزداد خبرة ومهارة مع مرور الزمن".
" توقّفي عن محاولة الظهور بمظهر فتيات المجتمعات المخملية ".
أرتعش جسمها لدى سماعها تلك اللهجة التي لسعتها كالسوط , ونظرت اليه بتحدّ , أحست بأن شيئا منه أمتد اليها ولامسها , مع أنه هذه المرة لم يحرك ساكنا , قالت له , وعيناها تحملان نظرات الأشمئزاز والأعتراض:
" توقف عن أصدار الأوامر , لست لعبة في يديك , يا سيد لورديتي , مع أنك تعتقد ذلك بصورة راسخة.
" أحب أن أعرف السبب الذي يحملك على التحدث كفتاة أكلت ليمونة مرة , ربما لأنك خائفة , تفضلي".
نظرت الى الأزهار التي تحوم حولها فراشات كبيرة بيضاء , وقالت :
" لا , شكرا".
" يجذب ذكر الفراشات أثناء فترة الأخصاب بحمل عطور فواحة على جانحيه ..... بعكس الرجل والمرأة , أليس كذلك؟".
" أوه , أنني لا أعرف , فرائحة التبغ وبعض أنواع الصابون والعطور التي تستخدم بعد الحلاقة قد تفعل الأعاجيب بالنسبة الى كثير من النساء , أتصوّر أن بأمكاننا أن نسترسل في أحاسيسنا ومشاعرنا , ولكننا نقدر أيضا أن نعود الى عقولنا...... كمن يستيقظ من أحد الأحلام المجنونة التي من الأفضل نسيانها".
" وهل ما حدث بيننا حلم مجنون , أيتها الحبيبة ؟ كان بأمكاني أن أقسم آنذاك أننا في حلم مستحيل تمنّينا معا أن يدوم الى الأبد".
أجابته بتوتر ملحوظ , قائلة:
" كلمة مستحيل هي التي تصف الوضع على حقيقته , لا بد أنني فقدت عقلي الصغير عندما ....... عندما سمحت لك بعناقي".
نظر اليها بعينين جمّدتاها في مكانها , فيما كانت أبتسامة خفيفة خطرة تعلو شفتيه وقال لها بهدوء مذهل:
" أتذكّر جيدا , أيتها العزيزة , أن المشاركة كانت متبادلة , ماذا حدث لتبريد ذلك الحنان الدافىء , الذي أذكره بكل وضوح ؟ كنت قصيدة من الشعر العذب الرقيق , وها أنت الآن كخبز علمي جامد, لا شك أن هناك سببا........".
" أوه , نعم , يا ريك , هناك بالتأكيد سبب لذلك , ولكن هل من سبب لقوله ! هل تعلم رفيقتك وسيدتك أنك تقوم بهذه الأعمال خفية عنها؟".
" رفيقتي؟".
رفع حاجبيه بأستغراب بالغ ونظر اليها بقسوة بالغة , شعرت معها وكأنها تريد صفعه بقوة , قالت له ببرودة:
" أنت تعرف تماما من أعني".
" تعنين سيرافينا !".
حرّك الفنجان بأصابعه القوية , فتذكّرت دونا رغما عنها كيف شعرت عندما لامست هذه الأصابع بشرتها الشابة وأذابتها...... أغمضت عينيها لأنها لم تعد قادرة عل النظر اليه , سألها متمتما:
" ألست سعيدة الآن لأننا لم نصعد تلك الدرجات معا".
" الى أبعد حدود السعادة , كان لديك على الأقل ذلك القدر من الضمير الأنساني!".
" نعم يا عزيزتي , لديّ ضمير حي , ولكن يبدو أن بعض الأشخاص , يمكنهم النجاة بأنفسهم حتى بعد أن يصيبهم سهم الجاذبية القاتل".