ثم صبّ القهوة مرة ثانية , وأضاف قائلا:
" لا تخافي , يا دونا , فهم لن يقتحموا هذا المكان برشاشاتهم وبنادقهم , أنهم يكرهونني ولكنهم يحترمونني في الوقت ذاته , كذلك فأن هذه الأيام لم تعد كالسابق , عندما كانوا يقتلون الناس دونما أي خوف أو وجل من سيف العدالة , إلا أن صقلية نفسها لا تزال متمردة وغير مدجّنة بعض الشيء , وهذا هو أحد أسباب تعلقي بها , كنت أنوي أكثر من مرة المجازفة برؤية موطني وبيتي مرة أخرى ولكن ..... لدي مسؤوليات ".
أنه يعني سيرافينا , فهي لن تدعه يذهب الى صقلية حيث ينتظره الموت في وضح النهار أو ظلمة الليل , أنه الصخرة التي بنت عليها سيرافينا حياتها...... وهو كل شيء بالنسبة اليها , أرادت دونا أن تفكر بمواضيع أخرى , فهبّت واقفة وقالت:
" سأغسل الصحون والفناجين , تمتع بقليل من التبغ المحترق ........ أعرف أنك تتحرق للتدخين".
منتديات ليلاس
" وماذا , لو قلت لك , يا دونا , أنني أتحرق للحصول عليك؟".
خيّم الصمت بضع لحظات لم تجرؤ خلالها على النظر اليه , أرغمت نفسها على التحدث بهدوء , مع أن قلبها كان بعيدا كل البعد عن الهدوء والسكينة , سألته:
" هل أستخدم الصابون العادي أم هناك سائل معين تفضّله؟".
" بأمكان الصحون أن تنتظر".
سمعت تحرك كرسيه فأستدارت بسرعة لمواجهته , لأنها خافت من أن يقدم على شيء بصورة مفاجئة , أقترب منها وهو يمشي بخيلاء كالنمر القوي وينظر اليها بعينين فولاذيتين , قال لها بصوت حزين تقريبا , تحوّل تدريجيا الى صوت جاف وجش:
" أعرف ..... أعرف أنني وعدتك بعدم لمسك , ولكنني مضطر لذلك الآن , سوف أتظاهر , ولو لهذه المرة فقط , بأنك لي , أريدك قريبة مني ! أريد ما لا يمكنني الحصول عليه بعد هذه اللحظة بالذات !".
شاهدت تلك الشعلة العجيبة في عينيه , وذراعاه تمتدان لتطويقها وضمّها اليه , ثم وضع يده حول عنقها , وكأنه غصن شجرة يريد أقتلاعه من مكانه ....فيما لو حاولت تحدي رغباته وأرادته , لم تفكر أطلاقا , لأن قلبها كاد يطير فرحا كعصفور أزرق , أمسكت برأسه وجذبته نحوها برقة وتمهل.
أحست من طريقة عناقه لها أنها ليست مداعبات رجل يتمتع بوقته لفترة قصيرة فقط , شعرت بأنه يحبها ويريدها , فأزداد قربها منه بشكل لم تعرفه أبدا في حياتها , كان يضمها اليه بقوة وكأنه يريد جعلها جزء لا يتجزأ من نفسه , داعب شعرها وشد بيديه القويتين على كتفيها حتى شعرت بأنها تحلق على غيمة ناعمة وردية اللون ........ بعيدة عن الأرض بعدها عن السماء , قال لها بصوت خافت:
" هكذا يجب أن يشعر المرأة أتجاه بعضهما , وكأنهما ليسا بحاجة الى أي شيء إلا لمكان يكونان فيه وحيدين لا يزعجهما أحد , أريد أن أعرف الآن , هل عانقت في حياتك أحدا آخر بهذا الشكل".
هزت رأسها نفيا وهي تشعر أنها في قمة سعادتها , داعب شعرها الناعم قائلا:
" لن أغيّر شعرة واحدة في رأسك , لن أغيّرك أنت بأي طريقة أو بأخرى , أتمنى أن تبقي دائما هكذا , يا فتاتي البريطانية الجميلة ........شابة , طاهرة , عاطفية , أتصور أنني أريد أن أضعك في برج عاجي بعيد عن جميع رجال الدنيا ..... لأنني لن أتمكن من الحصول عليك ".
أمسك وجهها بين يديه برفق ومحبة , وأضاف قائلا:
" لكل منا أحلامه , لكن أحلامي مقيّدة لا يمكنها أن تتحرر بسهولة , أنت تفهمين ما أعنيه , أليس كذلك ؟ أنت فتاة إما أن يأخذها الرجل طوال حياته , أو لا يأخذها على الأطلاق".
أبتسم قليلا ثم عانقها بسرعة وقال :
" نعم , ستكونين كريمة معي لأجل ذلك الصبي الصغير الذي تى الى بيته مرة في صقلية ليجده عابقا برائحة الموت والألم ".
" أوه . ريك !".
تحرك فمها ثانية فعاد يضمّها بحنان حفاظا على شرفها وطهارتها , وهي ذائبة بين ذراعيه , لم يكن هناك غد , ولا أمرأة تدعى سيرافينا لتمد يديها الأنيقتين اللتين تسيطران على ريك بشكل لا تأمل معه أية أمرأة أخرى في الوصول اليه , وفجأة ..... أبعدها ريك عنه ثم توجه فورا الى أحدى النوافذ , وبعد لحظات صمت طويلة , قال لها بدون أن ينظر اليها :
" يلتقي أحيانا أشخاص يناسبون بعضهم , ولكن في وقت غير مناسب , عندما ألتقينا تلك الليلة في روما , كنا غريبين عن بعضنا , ولكننا شعرنا بأن كلا منا يعرف الآخر , وأعتقد أنني لو أقترحت عليك أثناء ساعات الرقص الطويلة التي تلت ذلك اللقاء بأن نفر معا , لكنت وافقت على ذلك من دون توجيه سؤال واحد , صحيح ؟".
ظهرت أبتسامة جميلة على شفتيها المرتعشتين , وقالت له:
" ربما كنت سألتك عما أذا كان بأمكاني أحضار حقيبتي من الفندق ".