" كنت رائعة جدا في ذلك عندما أقترحتها عليك , قلت بنفسك أننا سنمضي وقتا ممتعا للغاية في الرقص على متن يخت جميل , ما هي المشكلة يا دونا ؟ هل سمعتبعض المجادلة مع ريك , وتخافين من أنني أفسدك ؟ يا للأفكار المسلية والمضحة ! هو الذي يمكنه القيام بذلك ! هو الذي يعرف أكثر مني بكثير عن عصابات المقامرين , والأشرار الذين يجوبون في الأزقة المقفرة والمظلمة , أنه شخص من صقلية أقسم على الأنتقام , وأمضى سنوات طويلة يبحث عن الرجل والقتلة وأصبح مقامرا من الدرجة الأولى , أنني أحسده على الطريقة التي يوزع فيها الورق , أنهم يذكرون أسمه همسا في مقاهي الأرصفة والموانىء .... الرجل ذو الخاتم الذهبي".
" لمن كان هذا الخاتم؟ أنه خاتم زواج , أليس كذلك؟".
" نعم , أخذه من أصبع أمه قبل أن يوارى جثمانها الثرى , طلب من سيدة عجوز في قريته أن تثقب أذنه , كما تفعل مع الفتيات وتضع فيها حلقة صغيرة يتدلى منها الخاتم , أنه الأنتقام...... والعنف , وهذا هو سبب أعجاب سيرافينا به , لعبت أدوارا كثيرة مماثلة في حياتها السينمائية , مما جعلها تنظر الى ريك على أنه بطلها الأسمر الكبير , هذا يناسبه كثيرا لأنها لا تزال أمرأة رائعة الجمال .... وثرية الى درجة كبيرة".
لم تتمكن دونا إلا أن تحتج بالقول:
" أعتقد أن أمورا أهم من ذلك بكثير تربط بينهما".
" ماذا , على سبيل المثال؟".
" ما من شخص يراهما معا , إلا ويشعر بالأخلاص المتبادل وبتكريس حياة كل منهما للآخر".
" هل يعني ذلك كعاشقين ؟ هذا هو الأمر الذي بم أتمكن أبدا من تحمله , حاولت المرة تلو الأخرى أن أدخل عليهما فجأة , آملا في أن أراها بين ذراعيه , كي أهدم البيت على رأسيهما , ولكنه ثعلب خبيث , ولديه على ما يبدو حاسة سادسة تساعده دائما على النجاة من الخطر , أنه كالنمر اللعين , يظل متأهبا دائما وأبدا... يشم رائحة الخطر وينجو بجلده قبل وصول الصيادين !".
حاول أيقاف سيارته بعنف على رصيف الميناء , فأرتطم رأسه بمقودها , لم تتعرض دونا لحادث مماثل لأنها كانت ربطت نفسها بحزام الأمان , سمعت أنيه الخافت وشاهدت في اللحظة التالية الدماء تسيل من فمه , فكت حزامها بسرعة وأسندت رأسه على المقعد لتعرف ماذا حدث , تمتم بأنه متألم جدا , ثم أخرج منديله بصعوبة من جيبه ووضعه على فمه , لاحظت دونا الجرح الهميق في شفته السفلى , وأحست بأن بعض أسنانه تهتز وكأنها على وشك الوقوع من مكانها.
" يجب أن آخذك حالا الى المستشفى !".
رد عليها عبر المنديل المصبوغ بالدم الأحمر , قائلا:
" لا بل الى طبيب أسنان , لا أريد أن أخسر أيا من أسناني.... سوف أموت لو حدث لي ذلك ! أنت ستقودين السيارة , وسأرشدك أنا الى بيته".
شعرت دونا , وهما في طريقهما الى طبيب الأسنان , بأقتناع ثابت بأن أدوني هو حقا أبن ريك ويشبهه في أمور عدة , لم يتذمر أو تصدر عنه أي أصوات تكشف عن آلامه الحادة , بل ظل محتفظا بسيطرته وبقدرته على أرشادها الى منزل الطبيب بدون تردد أو أرتباك , تنهدت بأرتياح عندما أوقفت السيارة أمام المنزل , وتمنت أن يتمكن الطبيب من أنقاذ أسنان أدوني الجميلة.
أمضت الساعتين التاليتين تشرب القهوة مع زوجة الطبيب , وتنتظر بلهفة دخول أدوني الى غرفة العيادة , صحيح أنه تعرض لهذا الحادث نتيجة تصرفه الأرعن وقيادته المتهورة , ولكنها حزنت لحاله.... وأعجبت بشجاعته , ظل جالسا بهدوء مذهل بأنتظار دوره , مع أنه متألم الى درجة كبيرة , لم يطلب منها شيئا سوى عدم الأتصال بأمه لأنها ستقلق عليه.
خفّت حدة توترها كثيرا عندما خرج الطبيب وأبلغها بأن المصاب مرتاح لبضع دقائق , وأنها ستتمكن من مشاهدته بعد قليل , وأضاف الطبيب مؤكدا:
" سوف يتعافى السيد نيري قريبا , لديه أسنان ممتازة , وكان مستعدا لتحمل أي ألم للمحافظة عليها , ربما سيظل أثر الجرح ظاهرا في شفتيه , ولكن بشكل طفيف جدا , أنه شاب وسيم للغاية , ولكنه أعطى الأولوية القصوى لأسنانه الجميلة".
" هل يمكنني أعادته الى البيت؟".
" سأقترح عليه البقاء هنا هذه الليلة , لأنه ليس مرتاحا كثيرا وقد فقد كمية كبيرة من الدم , صورت فكه بالأشعة , ومع أنه يبدو سليما , إلا أنني أفضل أبقاءه هنا بقية الليل تحت رعايتي وعنايتي , لدينا هنا غرفة أضافية يمكنك أستخدامها".
لما لا ! هزت رأسها علامة الموافقة , فطلب الطبيب من زوجته أن تعد الغرفة والسري , ثم ألتفت الى دونا وقال لها:
" والآن يمكنك زيارة المريض".
أوصلها الطبيب الى القاعة الصغيرة التي كان أدوني مستلقيا فيها , ثم تركهما وحدهما , مد يده اليها وشكرها بعينيه , أمسكت يده وقالت له أنها ستختار الكلمات بعناية عندما ستخبر والدته عن الحادث , ثم أضافت بهدوء ونعومة:
" ربما عليك من الآن فصاعدا أن تأخذ بنصيحتها وألا تقود سيارتك بسرعة فائقة".
شدّ على أصابعها وجذب يدها باسما الى خده , علمت أنه يتوسل بعض العطف , مع أنه عرّض حياتهما معا للخطر , وسألته عما أذا كان لا يزال متألما , أم أنه يشعر ببعض التحسن , هز رأسه مؤكدا ذلك , فقالت له:
" يجب أن تنام قليلا الآن , أتوقع أن تحضر أمك في الصباح لأعادتك الى البيت , أعلم أنك تفضل حضوري , ولكنها والدتك ولها الأولوية في ذلك".
أمسك يدها بقوة وكأنه يريد الأحتفاظ بها في تلك الغرفة , ولكنها سحبت يدها وقالت له:
" يجب أن أذهب , سأراك غدا أن شاء الله , الى اللقاء".
أرادت أن تتصل بالفيللا , بأمكانها أن تتحدث مع ريك وتطلب منه أن يشرح لسيرافينا ما حدث مع أدوني ... ولكن لا ..... فمجرد ذكر كلمة حادث عبر الهاتف سيثير هلعا في قلب سيرافينا , ويجعلها تصر على الحضور فورا , أدوني بحاجة ماسة لراحة تامة بدون أزعاج من أحد , وسيشعر بتحسن كبير في الصباح ... وبقدرة أكبر على مواجهة تأنيب والدته وقلقها , قررت الذهاب بنفسها , مع أن قلبها كان يرتجف نتيجة خوفها من تلك الطرقات الجبلية المعرجة , شكرت الطبيب وزوجته على كل ما قاما به أتجاههما , ثم قادت السيارة الرائعة الى الفيللا وهي تركز كل أهتمامها على الطريق.
ما أن قطعت نصف المسافة , حتى توقفت السيارة بعد أن توقف محركها , حاولت جاهدة أن تدير المحرك , ولكن جميع محاولاتها باءت بالفشل , اللعنة ! ماذا ستفعل ؟ لا تريد قطع بقية المسافة سيرا على الأقدام , لا تقدر على ذلك , لأنها لا تعرف الطريق ولأن الظلام حالك وشامل , أوصدت البابين من الداخل ورفعت النافذيتين , وقررت البقاء في السيارة.
أسندت رأسها الى الوراء وتمنت مرة أخرى لو أنها أخذت بنصيحة ريك , كانت الأمسية بكاملها كارثة كبيرة , عوضا عن أن تكون آمنة في غرفة نومها المريحة والجميلة , تجد نفسها في هذا الوضع الحرج الذي لا يحسدها عليه أحد , وتمنت فجأة لو أن ريك موجود معها ليجعل ليلتها أكثر بهجة وأقل توترا...... ريك الذي تحداها بأسلوب لم يسبق له مثيل , والذي أغاظها أحيانا وكأنها فتاة صغيرة ثم عاملها كأمرأة ناضجة يريدها ....... الى حد كبير , تذكرت كلامه عن النجوم التي قد تصل اليها الفتاة على جناحين صغيرين براقين , كان يعني الفتاة العاشقة....... الفتاة التي لا تمنح حبها بسهولة , والتي تحتفظ بقلبها وجسمها للرجل الوحيد في حياتها.
ولكن...... لا يمكن أن يكون ذلك الرجل ريك لورديتي , لا بد لها أن تصدق كلام أدوني عنه ....... من أنه أمضى سنوات طويلة في حياته يعيش في الجانب المظلم للشوارع والأزقة , ربط الرجل حياته ومصيره , بأمرأة تشبهه الى درجة كبيرة وتفهمه بصورة مماثلة , وعندما ينتهي عملها في الفيللا , سيقولان لها معا كلمة الوداع ويقفلان الباب وراءها.
ريك ...... أوه , ريك.......
تنهدت , وغرقت في نوم عميق......