إختنقت الكلمات في صدرها وأحسّت بألم حاد في أحشائها , سمعته يقول:
" أعرف ذلك جيدا ! هل تعتقدين أنني , كرجل من صقلية , يمكنني أن أتصورك فتاة تمنح نفسها بسهولة ليتمتع بها الرجل.... كقطعة من الليمون في يوم حار ؟ رباه ! هل هذا هو إنطباعك عني ".
تحوّل وجهه إلى قطعة من الصخر الجامد ..... ولكنها لا تريده حجرا جامدا باردا , تريد أن تسرق بضع ساعات معه... تراه يبتسم ..... وتسمعه يتحدث...... وتتظاهر لنفسها مؤقتا بأنه لها وليس لسيرافينا , شعرت بأنه إنسان وحيد , على الرغم من علاقته مع السيدة المثيرة...... السيدة التي تسيطر تماما على الرجال الذين تملكهم وتطالبهم بحبهم وأهتمامهم , ومع ذلك فإنها تحرمهم من المشاعر القلبية الحنونة والدافئة.
منتديات ليلاس
" ألا تطالبني , يا ريك , بإقامة علاقة معك؟".
" لا , لا ! اللعنة ! هل تذكرين تلك الليلة في روما ؟ هذا كل شيء أريده منك , أنني أقسم على ذلك !".
" أوه , ريك ....".
كان شعورها نحوه كموجة عاتية عصفت بقلبها وأحاسيسها , أرادت أن تغرق نفسها في رقته وحنانه , لا تزال الشعلة التي أضاءها في تلك الليلة المذهلة تشتعل في داخلها , ولكنها ستتحول الى نار حارقة إذا ألتقته على إنفراد , سيكون المنزر رهيبا ومفزعا , إذا ضبطتهما سيرافينا معا , إنه لها , ولن تسمح لأحد أو لشيء في الدنيا بأن يغير ذلك الواقع.
" لا تنظري إليّ هكذا !".
طوّق خصرها بذراعيه القويتين وضمّها بعنف إليه حتى كاد أن يحطم ضلوعها , شعرت بأنه أذابها بين يديه...... وبأن جسمها أصبح بدون عظام , لم تشعر بمثل هذا الخوف في حياتها , كما أنها لم تشعر بمثل هذه الأحاسيس الجامحة.
" ريك..... أرجوك !".
" إصمتي !".
أمسكها بشعرها وجذبها إليه ثانية , ولكنها أبعدت وجهها عنه قائلة:
" إنك ظالم وغير منصف.......".
" بحق السماء , هل يجب عليّ إخراسك مرة أخرى؟".
حاولت مقاومته قليلا ثم أستسلمت لعناقه , إنه ريك ..... الذي تريده منذ فترة طويلة ! وغرقا في بحر من الحنان , إلى أن سمعته يهمس في أذنها:
" كنا نعرف أن هذا الأمر سيحدث عاجلا أم آجلا , كنت أسخر منك ومن نفسي عندما تصورت للحظة واحدة أنه كان بإمكاننا أن نلتقي على إنفراد بدون أن يحدث بيننا أي شيء كالآن , أنك طيبة جدا , ولكنني لست قادرا على التصرف بنبل وشهامة عندما يتعلق الأمر بك , أعذريني , يا دونا".
لم تحاول منعه أو صدّه عندما داعب شعرها وقبّل أطرافه.. ثم قال لها بصوت هامس حنون :
" أنت لست مجرد جسم بالنسبة إليّ يا دونا , هل تصدقين ذلك ؟ يجب أن تصدقي ذلك يا حبيبتي".
" نعم أصدقك , يا ريك"
تنهد بأرتياح ظاهر وطلب منها أن تغفر له تصرفاته , أجابته بهدوء:
" لم يكن هناك شيء يتطلب المغفرة , أنا...... أنا عانقتك أيضا , أليس كذلك؟".
أبتسم وقال لها , فيما كان يتأملها بعناية فائقة:
" لا يمكن لفتاة مثلك أن تواجه شخصا بقوتي وبحجمي , ولكنني سعيد جدا لأنك لم تقاومينني تماما... ولأنني لم أكن ذلك القاسي والمتوحش".
" آه , ريك , لا تستخدم مثل هذه الكلمات الرهيبة !".
" أنها مخيفة , أليس كذلك؟".
تأملها مجددا ثم أزاح شعرها الناعم عن عينيها قائلا:
" الأفضل أن تسرّحي شعرك ثانية , أيتها الحبيبة ".
أحمرّت وجنتاها خجلا وحياء وسارعت الى تنفيذ أقتراحه بدون إبطاء , سمعته يضحك بطريقته المعهودة ويقول لها:
" لا أريد التسبب في أي مشاكل لك , أيتها الحبيبة".
شعرا معا بالذنب لأنه ليس حرا.... وما أن أنتهت دونا من تسريح شعرها , حتى فتح الباب وظهرت المرأة التي تبدو سيطرتها على ريك كسلاسل لا يمكن قطعها , كانت ترتدي عباءة خضراء مخملية ويتدلى شعرها بغنج ودلال على كتفيها.
عندما تحولت عيناها الخضراوان الى ريك , وجدته جالسا قرب الطاولة يتفحّص بعض الأوراق المطبوعة , نظرت اليه بحدة وقالت:
" وجدتك أخيرا ! كنت أنتظرك منذ أكثر من عشر دقائق , ماذا تفعل هنا؟".
" حب الأستطلاع , هل تتصورين أنك ستكتبين مذكراتك ولا تثيرين فيّ حب الأستطلاع؟".
" بشأن ماذا؟".
" أمور عديدة".
هزت كتفيها ثم نظرت الى دونا بعينين قاسيتين , بدت الفتاة هادئة وغير قلقة , مع أن قلبها كان يخفق بعنف لا يصدّق , توترت أعصاب دونا كثيرا عندما تخيّلت كيف سيكون الوضع الآن لو أن سيرافينا شاهدت ريك يعانقها.
" كنت أتصور أنك تستخدمين نظارتيك أثناء العمل , هل تخلّيت عنهما الآن لتظهري جذابة أمام السيد لورديتي؟".
" لا , طبعا لا".
" لا تكوني قاسية مع الآنسة هدسون لأنني سمحت لنفسي بقراءة بعض مذكراتك".
لاحظت دونا نظرة حادة في عينيه توحي بأنه الآمر الناهي , وليس العاشق المطيع أو الحارس االذي يتناول أجرا , بدا للحظة كأنه سيد سيرافينا وليس شخصا يعمل في خدمتها وتحت أمرتها وسيطرتها , لا شك في أنه السيد المطاع في هذا اقصر , مع أنه يحاول أظهار العكس , وسمعته دونا يقول لسيرافينا:
" سيحظى كتابك , أيتها العزيزة , بنجاح باهر".
" هل تعتقد حقا أنه سيحقق مثل هذا النجاح ؟ أنني مهتمة فقط بأعلام الناس عن حياتي العملية يا ريك , هذه هي الطريقة الفضلى , أليس كذلك ؟ الأضواء فقط , وليس الظلال ...... تماما كما في الأفلام".
" أنه فعلا الأسلوب الأفضل , ستكون مذكراتك , أيتها الحبيبة , رائعة مثلك".
" أيها الحبيب , إنك تجعلني أشعر دائما بأنني جميلة وجذابة كما كنت في السابق , آه من تلك الأيام التي تملأ قلبي بالعواطف والأحاسيس !".
طوّقت كتفيه بذراعيها وضمته الى صدرها..... وكأنها تقول لدونا أنه لها وحدها , ظلا واقفين على هذا النحو الى أن سمعا طرقة خفيفة على الباب , دخل أنريكو ومعه زجاجة الشراب عوضا عن أبريق القهوة , سألته سيرافينا بأستغراب:
" ما هذه ؟ ومن طلب شراب الورد في هذا الوقت المبكر؟".
" أنا طلبتها للآنسة هدسون , كانت تبدو شاحبة اللون وتصورت أن الشراب البارد ينعشها , أنها تعمل بصورة شبه متواصلة لأنهاء كتابك , أيتها العزيزة".
نظرت سيرافينا بعصبية بالغة الى دونا وقالت لها:
" هل كنت تتذمرين للسيد لورديتي بأنني أرهقك في العمل؟".
" طبعا لا ! أنا لم أطلب الشراب ! أؤكد لك أنني أبدو شاحبة بسبب عدم تعرّضي للشمس , وليس لكثرة العمل".
" هل تحاولين الأيحاء الآن بأنني أبقيك هنا لفترات طويلة , وأحرمك بالتالي من عرض جسمك البريطاني النحيل ضمن قطعتين أمام الرجال في هذه الفيللا؟".
" أنا لا أستخدم أبدا اقطعتين.......".
" أوه ! هل هذا يعني عدم وجودهما على الأطلاق ؟".
" أبدا , أبدا ! أنني أعتبر ثياب البحر المؤلفة من قطعتين زيا بشعا , كما أنني لست بالتأكيد من اللواتي يعرضن أجسامهن العارية أمام أحد ! جئت الى هنا لأعمل , ولم يخطر ببالي أبدا أن أتصرف كضيفة , أنني أتمتع بعملي يا سيدة نيري,وأؤكد لك أنني لا أتذمر من أي شيء حولي".
" أنني ممتنة لسماع هذه الكلمات , لأنني أنوي أرهاقك بالعمل بقدر ما يحلو لي ذلك , فأنا أدفع لك أجرا باهظا , وأتوقع منك نتائج جيدة".
أمسك ريك بذراع سيرافينا وجذبها نحو الباب قائلا لها بلهجة تجمع بين الحدة والمرح:
" لماذا هذه الضجة الكبيرة حول موضوع تافه كهذا ؟ لديك مستودع ضخم من هذا النوع بالذات يكفي لأرواء عطش جيش بكامله , وتغضبين لأن زجاجة واحدة أرسلت الى فتاة تعمل لديك بكل جد وأخلاص ! لم أعرفك بخيلة الى هذه الدرجة !".
أبتسمت له وتمتمت بكلمات لم تفهم دونا شيئا منها ......... مع أنها تصورت أن سيرافينا أكدت له أن الغيرة وليس البخل هي السبب الأساسي لغضبها وتوترها , ومنذ تلك اللحظة , قررت دونا أن تظل بعيدة عن ريك ..... وألا تسمح له بعناقها مرة أخرى ما دامت تعمل في هذا القصر.