7- قولي أنك لي
ظنت سوزان أنها لن تستطيع تناول العشاء , إلا أنها حين رأت الطعام موضوعا على المائدة : فطائر محشوة باللحم المفروم والبيض , بدأت بألتهامه بسرعة .
حتى وصول ميندوزا , بعد دقائق , جذابا أكثر من أي وقت مضى مرتديا بنطالا أسود ضيقا وقميصا أبيض أظهر لون بشرته البرونزي , لم يستطع أفساد شهيتها , ومنذ لحظة قدومه أحست بالأضطراب يعاودها وجلس الى جانبها قريبا جدا , لم يكن هناك شيء يشغلها أثناء تناولها الطعام غير التفكير به وأبعدها حاجزللغة عن متابعة حديثهم , بقيت ضحية أفكاره الخاصة , رغم أن ميندوزا حاول جهده ترجمة بعض ما قيل لها.
" لحسن الحظ أنك لا تفهمين ما يقال".
خاطبها مناولا أياها صحنا مملوءا بالذرة الساخنة , ثم أضاف:
" أن ماريا مصرة على القول بأنني كنت طفلا هادئا كالملاك , أنا متأكد بأنك لا توافقينها الرأي".
إبتسمت سوزان أبتسامة صغيرة , مدركة أن ماريا تراقبهما بحنان أمومي.
تساءلت عن عمر ماريا , لا بد أنها في الأربعينات من عمرها وأطفالها ما زالوا صغارا , فلا بد أنها كانت صبية حين عملت كمربية للسنيور فاتاس دي ميندوزا .
قال ميندوزا مجيبا:
" كانت في سنها الخامس عشر حين أستخدمتها أمي , كانت أكبر أخواتها التسعة , لهذا كانت تعرف كيف تهتم بالأطفال , وتحبهم أيضا , أخبرتني منذ قليا أن أمنيتها في الحياة هي أن يكبر أطفالها لتأتي بعد ذلك لرعاية أطفالي".
وضعت سوزان شوكتها جانبا وتخيّلت ميندوزا كأب تلين ملامحه القاسية حين ينظر الى الطفل الملفوف بغطاء أبيض بين يديه , وتذكرت كيف ركض أبن ماريا بأتجاهه وكيف تلقّاه ميندوزا بين ذراعيه بلا تردد , حتى تلك اللحظة لم يخطر ببالها أن تتصوره رجلا يحب الأطفال أو رجلا عاديا يطمح بالأستقرار لتكوين أسرة يهتم بها , وتذكرت ما أخبرها عن لينوس وكيف أنه قد يجد مستقبله هناك , تساءلت عما سيكون بيته ومستقره في لينوس.
منتديات ليلاس
سوزان ما تزال لا تعرف الكثير عن ظروف ميندوزا العائلية , إلا أن بعض ما ذكره لها أكد خطأ أنطباعها الأول عنه , لم يكن بالتأكيد مجرد راعي بقر في السابق , إضافة الى ذلك كانت ماريا مربية له , هذا يعني أن عائلته ثرية وذات نفوذ , ولكن مجرد عدم محاولته أخبرها عن الموضوع عنى أنه لم يهتم بتعريفها بوضعه , ثم فكرت أن لا فائدة من الفكير بتلك الطريقة خاصة وأنها لن تبقى فترة طويلة لتأسف على ذلك .
حين أنتهت وجبة الطعام , نهضت سوزان حين لاحظت قيام ماريا لتساعدها في أخلاء الطاولة , إلا أن ماريا أومأت طالبة منها العوةدة الى كرسيها , قدّم اليها شراب منعش وبدأت تشرب ببطء.
أخلت ماريا الطاولة وتركت الغرفة مع الأطفال , ربما لتضعهم في الفراش وغابت فترة طويلة لتعود بعدها طالبة من سوزان الذهاب معها , أكتشفت سوزان سرية الطلب , أذ أعدّت لها ماريا الحمام ثم طلبت منها خلع ملابسها كل ذلك تم بالأيماءات وحركات اليد , ترددت سوزان ولكن لم يكن أمامها غير الرضوخ لطلب ماريا لأنها لم تستطع أفهامها أنها ترغب بالتحمم لوحدها , ثم أن أستدعاء ميندوزا للترجمة كان آخر أحتمال تفكر فيه.
نظرت الى الماء حيث طفت عدة أوراق خضراء تبعث رائحة ذكية , نظرت الى ماريا فرأتها واقفة الى جوار أحد الأسرة حاملة بيدها كيس متاعها وباليد الأخرى قميصها الممزق , بدت على وجهها الحيرة , ثم نظرت متساءله بكلمة واحدة : ( سنيور؟).
صفا وجهها حين نفت سوزان التهمة , وبدأت خلع ملابسها , شعرت براحة كبيرة وهي تغطس في الماء نافضة عن نفسها متاعب اليوم وأوساخه , إبتسمت ماريا بعد أن جمعت ملابسها , ثم أشارت بيديها عارضة على سوزان أن تغسل شعرها , فإبتسمت موافقة.
فكت سوزان عقدة شعرها ثم فركت رأسها بالصابون والماء , تراءى لها مجموعة من الأطفال , عيونهم سود ويقفون في صف واحد خارج الحمام في أنتظار أن تغسل لهم ماريا شعورهم , ثم أدركت والألم يعتصر قلبها , أنها تعرف أولئك الأطفال , ستكون زوجة أيضا , ولكن م ضواحي بوغوتا الثرية , واحدة مثل أيزابيل أرفاليز لم تعمل ولم تكن في حاجة للعمل في حياتها كلها , مستعدة لقضاء اليوم بكامله محافظة على جمالها من أجل زوجها.
منتديات ليلاس
حين أنهت حمامها , ساعدتها ماريا على الخروج من الحوض , ولفت حولها منشفة كبيرة , ثم أنحنت سوزان فجففت ماريا شعرها بطريقة ساعدتها على التخلص من قلقها وأوهامها , وتركتها طفلة خالية من الهموم وتمنت لو أستطاعت البقاء الى الأبد ورأسها في حضن ماريا ألا أن ماريا دفعتها للنهوض , فقامت وتوجهت حيث تركت أشياءها قرب السرير , مدت يدها لتلتقط قميص نومها فلم تجده , فوقفت واجمة للحظات وهي تحاول أن تتذكر أنها نست جلب قميص النوم , وقلبت ملابسها عسى أن تجد قميص النوم المختفي , فلم تجده , أقتربت ماريا من سوزان مطالبة إياها أن توضح ما تريد , فنجحت سوزان في الأخير في تذكر ما يطلق على قميص النوم بالأسبانية , ألتفتت ماريا الى بقية الملابس المتناثرة وألقت نظرة سريعة عليها ثم ربتت على كتف سوزان قبل أن تختفي من الغرفة بسرعة.