1-المرأة الجليدية
كان الوقت شتاء , وحين دفعت سوزان كريشتون أجرة التاكسي , كانت ندف الثلج تتساقط بكثافة , أسرعت , بعد ذلك , لتقرع جرس البيت في ألحاح , فتحت الباب أمرأة طويلة , نحيفة , ترتدي فستانا أسود وأستقبلتها مبتسمة , وقالت:
" ها قد وصلت أخيرا , كان يسأل عنك في أستمرار بينما كان الطبيب كينغستون يريد نقله الى مصح موردانت , إلا أنه يرفض الذهاب قائلا أنه يريد لقاءك أولا , أنه في حالة سيئة فعلا".
" أعرف ذلك".
أجابت سوزان وهي تضغط في مودة على يد مدبرة المنزل مدركة أن السيدة ثرستون , وهذا أسمها , ورغم مرور عشرين سنة على بدء عملها مع جدها لا تستطيع حتى الآن أن تقبل رفض السير جايلز كريشتون لأي شيء يتعارض مع رغباته.
" جئت حين أستلمت رسالتك , كيف حاله ؟ هذا شيء غير متوقع , أذ بدا أخيرا وكأنه تعافى من النوبة السابقة".
توقفت سوزان عن الكلام حين رأت أن السيدة ثرستون تهز رأسها .
" هذه النوبة أسوأ بكثير من النوبة السابقة , لهذا يريد الطبيب كينغستون نقله الى المصح حيث سيخضع للأشراف المباشر , كنت معه حين أصيب بالنوبة القلبية وظنت أنه هالك لا محالة".
" أوه تريستي! لا بد أنك مررت بوقت عصيب معه , كان يجب علي الحضور فور أنتهائي من العمل في المسرحية , أي منذ أسبوع".
قالت السيدة ثرستون وهي تساعد سوزان على خلع معطفها , وأضافت:
" قضى السيد جايلز الأسبوعين الآخرين في لندن , وحين حاولت أن أذكره بنصائح الطبيب , كاد ينفجر غضبا , منذ ذلك الحين سكت لكنني أتساءل هل في أمكانه تجنب النوبة لو ألححت عليه في اللجوء الى الراحة؟".
" لا أعتقد ذلك يا عزيزتي ثرستي , لا داع للوم نفسك".
وتنهدت سوزان وهي تضيف:
" نعرف أصرار جدي على تنفيذ رغباته , ولكن ماذا فعل في لندن؟ هل ذكر السبب؟".
" كلا , ألا أنه ظهر في شكل مختلف , ربما كان للأمر علاقة ما بالسيد مارك".
" لا أعتقد ذلك".
قالت سوزان في هدوء وأضافت:
" برغم أملي أن يحقق ذلك , والآن من الأفضل الذهاب برؤيته".
منتديات ليلاس
صعدت سوزان درجات السلم المؤدي الى غرف نوم الطابق الأول ثم سارت في أتجاه بابي غرفة النوم , وحين أصبحت على مبعدة خطوات منهما , أنفتح البابان وظهر بينهما رجل أشيب الشعر بدا متعبا وقلقا ألا أن عينيه لمعتا حين رأها , ثم ألتفت الى الغرفة التي غادرها منذ قليل.
" كيف حاله يا عم أندرو؟".
" لا أسوأ ولا أحسن".
قال الطبيب في هدوء وأضاف:
" لا بد أن وصولك سيساعده , أعطيته مهدئا وأرجو ألا تدعيه ينفعل لأي سبب سأذهب الآن لتدبير سيارة الأسعاف".
ثم توجه نحو السلم.
كانت غرفة النوم دافئة , لهيب النار في الموقد القديم يرتفع , نظرت سوزان الى جدها المستلقي في فراشه , كان شاحبا جدا , لكنها حرصت ألا تظهر قلقها وهي تخطو بأتجاه الكرسي قرب السرير , جلست منتظرة أن يفتح هينيه ويراها , غير راغبة في إيقاظه , أخيرا فتح عينيه بدتا وكأنهما فقدتا بعض بريقهما السابق , نظر السيد جايلز اليها للحظة ثم قال:
" وأخيرا أنت هنا".
حاولت سوزان تجاهل لهجته التهكمية وتذكرت ما قالته السيدة ثرستون عن ذهابه يوميا الى لندن بدون أن يحاول الأتصال بها هناك , حاولت أيضا نسيان موقفه منها منذ ولادتها , لأنه أراد أن يكون المولود الأول صبيا , وبقي شعوره هكذا حتى بعد ولادة مارك.
أنحنت وطبعت قبلة على خده وهي تقول:
" أنا الى جانبك يا جدي , هل تحتاج شيئا؟".
" كلا يا طفلتي".
بدا وكأنه يبذل جهدا كبيرا ليتحدث , أغلق عينيه مرة أخرى وبقي صامتا , كان يسترجع قواه , ثم قال :
" هل سمعت شيئا عن مارك؟".
" كلا , لا شيء أبدا".
" ليس هذا مهما , أعرف أين هو".
" هل تعرف ذلك حقا ولم تخبرني من قبل؟".
" ها أنا أخبرك يا طفلتي".
قاطعها , فهدأ غضبها وهي تتذكر نصيحة الطبيب ألا تدعه يغضب , ثم أضاف:
" أكتشفت ذلك صدفة , أذ توجب علي الذهاب الى لندن وبعد تناول الغداء في النادي , جاء لاري فورسايث , هل تذكرينه؟".
" أعتقد ذلك".
أجابت سوزان في آلية وهي ما تزال مشغولة بالخبر الذي سمعته عن مارك , ثم سألت:
" هل كان ديبلوماسيا؟".
" نعم , ولا يزال , أنه يعمل في كولومبيا منذ سنوات , وقد ألتقى مارك هناك منذ ثلاثة أسابيع".
" في كولومبيا؟".
وسألت سوزان ثم قالت:
" أنه أمر لا يصدق , هل كان متأكدا من أنه مارك نفسه؟".
" طبعا كان متأكدا , عرفه فورا , وقد تعرّف عليه مارك أيضا , وهو يتناول العشاء مع مجموعة من الأصدقاء بينهم شخص اسمه أرفاليز , وكما يتذكر لاري فان أرفاليز هو أحد المحامين المشهورين في العاصمة الكولومبية بوغوتا".
" أتذكر أن لمارك صديقا يحمل هذا الأسم , كان معه في الجامعة , لكنني لم أعرف بأنه من كولومبيا كما لم أعرف بأنه صديق مقرب من مارك".
توقفت عن الكلام مدركة أن مارك لم يكن يخبرها كل شيء عن صداقاته وعلاقاته بالآخرين.