5- أرجوك لا تلمسني........
قررت سوزان , رغم كلماتها الشجاعة , أنه من الأفضل أستخدام الماء الساخن , لم تكن ترغب السباحة في نهر له تيارات قوية لعلمها أنها ليست ماهرة في السباحة , ثم أنها لم ترغب بالسير أمام عدوها ملتفة بمنشفة صغيرة.
أنتعشت قليلا رغم ضيق المكان في الخيمة ثم مشّطت شعرها وشدّته قبل أن تضع القبعة , لم تعرف كيف تبدو وأكّدت لنفسها بأنها لا تهتم بل من الأفضل لها لو أنها بدت مخيفة , وخشيت أن يحاول دي ميندوزا أستيفاء أجره قبل الوصول الى ديابلو , وقبل أن تعتمد على حماية مارك.
في الحقيقة , كلّما فكرت أكثر , كلّما توصلت الى الأقتناع بأن دي ميندوزا سيحاول الحصول على ذلك لأنه , رغم عجرفته , ذكي وسيدرك أن أخيها لن يقف مكتوف اليدين متفرجا بينما هي تسدّد أتعاب الرحلة , عليها أذن , ألتزام الحذر طوال الوقت , في الوقت نفسه زرّرت أعلى زر في قميصها.
منتديات ليلاس
شعرت سوزان بتحسن فيما كانت تلف البطانيات حين خطرت في ذهنها فكرة طارئة بأنها تحتقره حين يكون على مبعدة منها , وأقنعت نفسها بأنه أفضل مثل لكل ما تكره من الرجال من عجرفة ورغبات, لم تكن تتحمل هذا النوع من الرجال , إلا أنها لم تنكر قدرته على أنتزاع أعجابها أكثر من أي رجل آخر قابلته في حياتها.
حاول كارلوس , بالأمس , الأعتداء عليها , الأمر الذي قد يتركها مهانة طوال حياتها , إلا أنها قررت أن محاولة كارلوس لم ترك أي أثر في عقلها , أما الذكرى المخجلة في ذهنها فكانت ما حدث لها في أسكانشن من نقاشات في غرفتها مع دي ميندوزا.
سمعت سوزان صوت ميندوزا وهو يقول:
" سوزان , هل ستبقين اليوم كله داخل الخيمة , حان وقت مغادرتنا".
حملت البطانيات بسرعة وخرجت من الخيمة , بدا ميندوزا أشبه بالقراصنة أكثر من أي وقت آخر , أذ أرخى قبعته على عينيه ليغطيهما , ووضع يديه على خاصرتيه , كل ما أحتاجه لأكمال تلك الصورة , صورة القرصان , في ذهنها , هو سيف أو مسدس قديم.
" أن أحتياطاتك فاشلة".
خاطبها ناظرا اليها.
" لم أحاول أي شء".
أجابته بكبرياء وصدق , وأضافت:
" إلا أنني مقتنعة بأنك لا تصدق إلا ما ترغب فيه".
أنحنى أمامها وأشار الى حصانها المعد للركوب , خطت بأتجاه الحصان وبدأت تحدثه بصوت منخفض , ويبدو أن الحصان كان يتوقع الحصول على بعض قطع السكر إلا أنها لم تكن تملك شيئا من ذلك.
تجاوزها ميندوزا حاملا الخيمة.
" سنستخدم حصان كارلوس لحمل المتاع اليوم , أذ لا فائدة أخرى لوجوده معنا".
" لا فائدة من كليهما , إلا أن حصانك جميل لا بد أن سعره غال".
أرادت , بعد أن لفظت تلك الجملة , أن تعض على شفتيها لكي تمنع نفسها من الكلام , خاصة وأن ما قالته بدا وكأنه تساؤل عن مصدر عيشه وسبل حصوله على المال , إلا أنه لم يتأثر بسؤالها.
" نعم كلّفني شراؤه الكثير , أنه يستحق ما هو أكثر من ذلك لأخلاصه وشجاعته , أنه من أحصنة لاينوس , حيث يمكن مشاهدة الأحصنة ذات السلالة العريقة ".
" لاينوس؟".
تساءلت سوزان :
" في مراعينا , تمتد الخضرة أميالا , يختفي العشب لأشهر ويظهر المكان مثل الصحراء , ثم يبدأ النمو من جديد , يقال بأنه مكان يستطيع الأنسان النسيان والعثور على حقيقته".
" يبدو أنك تعرف الكثير عن المنطقة".
" ذلك طبيعي لأنني ولدت فيها".
سألت سوزان .
" هل كنت راعيا للبقر؟".
" نعم كنت راعيا لفترة قصيرة حين تعلمت ركوب الحصان".
فسألت سوزان :
" أتفضّل الآن عملك كراع للبشر عبر الجبال؟".
كان سؤالا غريبا , إبتسمت لتلك الفكرة , يا له من سؤال سخيف.
ثم أضافت :
" لا بد أنك تفضل ذلك حيث الحياة أسهل والأجور مجزية".
نظر اليها بجفاف وقال:
" نعم يا سنيوريتا , ما تقولينه صحيح".
ثم أمتطى حصانه.
شعرت بخيبة أمل , أذ رغبت بإثارة غيظه وظنت أنه سيناقشها مدافعا عن عمله وأسباب أختياره له , ولكن ربما لم يكن في أمكانه الدفاع عن إختياره ففضّل الصمت.
" هل تفضّل العودة الى هناك؟".
قالت تلك الكلمات متسائلة وهي تمتطي حصانها.
" ربما".
فنظرت اليه وهي تقارن مستواه بمستواها.
سألت سوزان مرة أخرى:
" ألأجل أن تنسى ماضيك؟".
" ربما , أو ربما لأجد مستقبلي , من يدري؟".
منتديات ليلاس
لم يكن ذلك هو الجواب الذي توقعته سوزان , شعرت بالغضب وهي تتبعه طوال ضفة النهر , وحين وصلا مكانا أستطاعت الأقتراب منه , لاحظت سيماء العداء على وجهه , ظنت أن أسئلتها دفعته الى أستعادة بعض ذكرياته المؤلمة وشعرت بالأسف لذلك , خاصة وأنه لم يعد يتكلم معها.
أرادت أن تسأله أكثر إلا أنه بدا منغلقا على نفسه بشكل غريب ولم ترغب في مقاطعة أفكاره.
أحاطهما هواء الغابة الرطب من جديد , وتابعا التسلق ببطء وثبات وكان مسارهما عبارة عن سلسلة من المسارات الملتوية مما أشعرها بالدوار , تخلّل ذلك مرورها بأحراش ذات عطور نفّاذة وفكرت أن في أمكانها جني ثروة طائلة أذا ما أستطاعت تعبئة هذه العطور في زجاجات وباعتها في شارع بوند المشهور في لندن.