صرخت ثم تلاشت الصور لتجد نفسها جالسة في الفراش , في الغرفة الصغيرة ويدها تضغط بقوة على صدرها , كان في مستطاعها رؤية نفسها في المرآة الموضوعة في الجهة الثانية من الغرفة , قالت لنفسها كنت أحلم أذن.
شعرت بالأرتياح لأن ما حدث كان مجرد كابوس وليس صورا تعمدت أختلاقها , ثم ألتقطت ساعتها الذهبية من على المنضدة المجاورة للسرير , أكتشفت , لدهشتها الشديدة , أنها نامت أكثر من ساعتين.
نهضت من فراشها وأرتدت بنطالها البني مع قميص بني غامق , شعرت أنها بحاجة الى شد شعرها بدلا من تركه منسدلا على كتفيها , ألتقطت مشبكا وجدته في حقيبتها وربطت شعرها بأحكام , أحست أن هذه التسريحة تمنحها شكل أمرأة أعمال أكبر سنا من عمرها.
علقت حقيبتها الجلدية على كتفيها ونزلت الى الطابق الأرضي , كان المكان هادئا جدا فتوجهت الى الغرفة التي كان فيها الرجال , فتحت الباب , لم يكن هناك أحد , الطاولة مرتبة والكراسي موضوعة قرب الجدار.
شعرت سوزان بالغضب وظنت أنه أنتهز فرصة ذهابها الى غرفتها ليذهب في حال سبيله , وبعد أن أدرك أنها أفضل وسيلة للتخلص منها بدون الدخول معها في أي نقاش حول الموضوع.
" حسنا , ليذهب الى الجحيم , قد يكون أفضل دليل في المدينة , ألا أنه وبالتأكيد ليس الوحيد في أسانكشن".
وعدت نفسها ألا تدع هذا الحدث يؤثر على عزيمتها بل أقنعت نفسها بأنه ربما كان من الأفضل التخلص منه , خاصة بعد الحلم الذي رأته , أذا كان هذا تأثيره عليها بعد فترة قصيرة من معرفتها به , فما الذي سيحدث أذا ما قادها في رحلتها؟
أستدارت وغادرت الفندق , كان السوق مزدحما وفي زاوية من الساحة جلس عدد من الموسيقيين يعزفون لبعض المارة , طافت حول العربات وشاهدت الى جانب البطانيات الملونة القبعات المدورة التي أعتاد الهنود أرتداؤها.
فكرت بأنها ستحتاج قبعة أذا ما بدأت رحلتها ولكنها أرادت قبعة أعرض وأقل أرتفاعا من المعروضة للبيع , في عربات أخرى عرض الباعة الخضار والفاكهة مغطاة بمجموعة من حشرات المنطقة , مما دعا سوزان الى الأستدارة والتظاهر بالنظر الى شيء آخر مؤكدة لنفسها بأن الأحوال قد تكون أكثر بدائية في ديابلو.
كانت جائعة وفكرت بأنها قد تحصل على وجبة طعام في الفندق ألا أن صاحبه لم يذكر شيئا عن ذلك ذلك , أستطاعت أن تشم رائحة طعام في مكان ما , وربما كانت تتخيل ذلك , بعد لحظات عرفت الجواب , ففي نهاية السوق عثرت على ما يشبه مطبخا مفتوحا للجميع , لم يكن المظهر صحيا بالتأكيد , ألا أنها لم تكن في حالة تناقش فيها الأوضاع الصحية , خاصة وأن مظهر الدجاج المشوي لم يدع أمامها أي فرصة للتردد , فأشترت فخذ دجاجة وتجولت وهي تأكل , لاحظت أن الجميع يفعلون ذلك , مما دفعها الى الأقتناع بأنهم لم يموتوا جميعا من الأصابة بالجراثيم .
توقفت أمام عربة تباع فيها الأدوية الهندية , ذات الألوان الجذابة والمزينة بالتطريز اليدوي الجميل , حين سمعت صوتا خلفها يقول:
" سنيوريتا".
أستدارت ورأت رجلا قصيرا يرتدي بدلة بيضاء ضيقة , كان وجهه منتفخا ربما بتأثير شاربه الأسود الطويل , وواصل بحركة عصبية مسح جبينه بمنديله الملون.
" هل السنيوريتا بحاجة الى دليل؟ أنا دليل جيد وسآخذك الى أي مكان ترغبين فيه".
حدقت سوزان في وجهه بفرح , خاصة وأنه كان مختلفا عن دي ميندوزا , أنه قصير وسمين وليس في مظهره ما يجذب الأهتمام.
قالت:
" نعم أنا بحاجة الى دليل , ولكن كيف عرفت ذلك؟".
" أخبرني السنيور راميريز بذلك في الفندق".
" حسنا , أذن".
فكرت أن راميريز بذل جهده للتخلص منها في أسرع وقت ممكن.
أضافت قائلة:
" أريد الذهاب الى مكان يدعى ديابلو".
توقفت بعد أن نطقت بأسم المكان وتوقعت أنه سينظر اليها بأستغراب , ألا أن ذلك لم يحدث , بل كل ما قاله كان:
" نعم يا سنيوريتا , سأنفذ كل ما تريدين متى ترغبين ببدء الرحلة؟".
" غدا أذا أمكن".
أجابت ذلك وقد غلبتها الدهشة".
" سأعد كل شيء , هل تستطيع السنيوريتا ركوب الحصان؟".
" نعم , ولكنني فكرت بأستئجار سيارة جيب و...".
" كلا , لا تصلح سيارة الجيب للرحلة , الطريق وعرة , كما أننا قد نصادف أماكن حيث الحصان أفضل فيها من السيارة , أسمي كارلوس أرنالدز".
" حسنا جدا يا كارلوس".
لم تكن سوزان تريد مناقشته , أذ أنه يعرف المكان أحسن منها بكثير , سرت لأنها وجدت بنطلونا من الجينز بين ملابسها وتذكرت أنها رأت زوجا من الجزم الجلدية معروضا للبيع في أحدى العربات فتوجهت لشرائه.
حين عادت الى الفندق كانت مسرورة جدا , قد لا يكون كارلوس وسيما ألا أنه يبدو كفوءا , توجها بعد لقائهما الى أحد المقاهي حيث أتفقا على أجرته والنفقات التي سيصرفها لشراء المعدات الضرورية ولأستئجار الأحصنة اللازمة.
قلقت قليلا حين ناولته النقود لشراء المعدات وفكرت بأنه قد يأخذ النقود ويختفي , ألا أن مظهره وسلوكه أثبتا عكس ذلك , أكد لها بأنه سيشتري ما هو ضروري فقط وسيجلب بها الأيصالات اللازمة.
شربا الشاي معا وتمنيا لبعضهما رحلة سعيدة وناجحة.
لم تخبر سوزان كارلوس عن غرض الرحلة وفضلت أيهامه بأنها سائحة ترغب في أمتاع نفسها بأي طريقة كانت , وأعتقدت أن الوقت لم يحن بعد لأخباره الحقيقة وأنها ستحاول ذلك بعد أن تبدأ رحلتهما , شعرت أن في أمكانها أن تثق به.
مرة أخرى كان مكتب الأستقبال خاليا , ورغم أنها قرعت الجرس , ألا أنها لم تلق أي جواب.
بدلا من الأنتظار , مدّت يدها وتناولت مفتاح غرفتها من مشجب المكتب , وأذ صعدت الى غرفتها دهشت لسرعة حلول الظلام في الخارج فقد أنيرت المصابيح في الأسواق وتلاشى صوت الموسيقى تدريجيا.
بدت السماء مخملية في لونها النقي وألتف بعض الناس حول الفرقة الموسيقية مشكلين حلقة راقصة , توقفت سوزان وراقبتهم لفترة من الوقت ألا أنها شعرت أثناء ذلك , بوحدة غريبة , ساهم في ذلك أختلاف لون بشرتها وشعرها وتذكرت التحذيرات التي تلقتها أثناء وجودها في فندق بوغوتا عن مهاجمة بعض قطاع الطرق للسواح وكيفية وقوعهم طريدة سهلة تحت رحمتهم.
فتحت باب غرفتها ودخلت بعد أن أغلقتها بأحكام , أنتابها حالا الأحساس بأن شيئا ما حدث في غرفتها أثناء غيابها , شعرت بالخوف يشل مفاصلها , عرفت أن هناك شخصا آخر في الغرفة , دلت على ذلك رائحة السيكار وحركة بطيئة في الظلام.
تقلصت عضلات جسدها , أمسكت الجزمة بأحكام , قد لا يكون ذلك سلاحا فعّالا ألا أنه كان كل ما كانت تمتلكه في تلك اللحظة , شعرت أنها حتى لو صرخت فأن أحدا لن يسمعها.
سمعت الحركة مرة ثانية , تلاها أزيز نوابض السرير .
ترى هل تخيلت ذلك , وهل دخلت غرفة أخرى غير غرفتها؟
أذا كان الأمر كذلك , فأن كل ما تمنته هو أن يكون الموجودون في الغرفة نائمين وستحاول مغادرة الغرفة بكل هدوء.
تذكرت ملاحظات راميريز عن النساء الوحيدات , ترى هل أرتكبت خطأ كبيرا بمجيئها لوحدها؟
تلمست طريقها في الظلام لتحاول فتح الباب حين سمعت صوتا ساخرا جمّد الدم في عروقها.
" هل ستقفين هكذا في الظلمة طوال الليل؟".
ثم سمعت صوت ضغط زر المصباح المجاور للسرير , ووجدت سوزان نفسها وهي تحدق في وجه فاتاس دي ميندوزا!