بعد تبادل كلمات الترحيب العادية , أنتقل أرفاليز الى الموضوع الأساسي مباشرة:
" آسف لأننا لا نستطيع أخبارك شيئا جديدا عن أخيك , كل ما نعرفه هو أنه توجه عائدا الى بريطانيا".
ثم نظر الى سوزان في عطف وقال:
" صدقيني , أتمنى لو أستطعت مساعدتك , ألا أن مارك بقي هنا فترة قصيرة ثم غادرنا , زيارته كانت أقصر مما توقعنا وتمنينا , لأنه علم بذهاب ميغيل الى كارتاغينا".
" ألم يخبر مارك أحدا عن رغبته البقاء في كولومبيا؟".
" كلا , أثناء بقائه معنا , زار مع ميغيل أماكن عدة , أعتقد أنه شاهد ما يكفي في كولومبيا".
فكرت سوزان بضرورة العودة الى بريطانيا والأعتراف بفشلها ولكن ما الذي سيحدث لجدها؟ لا بد أن تفي بالوعد الذي قطعته على نفسها.
" ما رأيك في البقاء معنا لأيام يا سينيوريتا؟ نحن على أستعداد للترحيب بأخت ماركوز في بيتنا".
" ولكنني لا أستطيع البقاء فترة أطول , يكفي ما سببته من متاعب حتى الآن".
ثم تذكرت التاكسي الذي ينتظرها في الخارج , ضحك أرفاليز وأخبرها أنه دفع الأجرة كما أنه أتصل بالفندق ليطمئنهم.
منتديات ليلاس
حين أبتسمت سوزان لما ذكره عن قلق أصحاب الفنادق , قال أرفاليز :
" ألا تصدقين ذلك ؟ تذكري أنك في كولومبيا وليس في بريطانيا , في تاريخنا أحداث دموية وبعض الأحداث جرت مؤخرا , أعتقد أنه من الأفضل لك البقاء معنا وفي صحبة زوجتي وابنتي الى أن توصل الى معلومات أكثر عن ماركوز".
كانت لهجته حاسمة , فكرت سوزان أنها اللهجة ذاتها التي يستخدمها عادة أذا ما أسدى نصيحة غير مرغوبة الى أحد المتاجرين معه.
" حسم الأمر أذن".
نهض أرفاليز عن كرسيه , ثم قال :
" أستريحي يا سينيوريتا , وسنقوم بالترتيبات اللازمة , أما الآن فأن دولوريس ستجلب لك بعض الحساء".
حيّاها ثم غادر الغرفة تتبعه أيزابيل وقد أرتسم على وجهها يدل على تفكير وأنشغال.
كان الحساء لذيذا , أستغربت سوزان لشهيتها برغم مرور وقت قصير على تخلصها من آلام التقيؤ ,وحين سمعت أحدهم يطرق الباب , ظنت أنها دولوريس قادمة لتأخذ صينية الطعام , لكنها دهشت لرؤية أيزابيل بديلا منها.
أبدت أيزابيل أعجابها للسرعة التي أستعادت فيها سوزان صحتها , ثم جلست على الكرسي المجاور في وضع يدل على توترها وقلقها.
" هل كل شيء على ما يرام".
سألت سوزان مقاطعة تعداد أيزابيل للمتاحف والأماكن الممكنة زيارتها أثناء وجودها ي بوغوتا.
تساقطت دموع أيزابيل فجأة وهي تجيب:
" كلا , لا أدري ماذا أريد أن أقول".
" أخبريني أرجوك , وأعد بأنني لن أخبر أحدا ما ستقولين , هل تعرفين أين ذهب أخي؟".
" ربما , هذا كل ما أستطيع قوله , أنا على وشك أخبارك بشيء مخجل , أنني أحب أخي كثيرا لكنه أناني ولا يرغب في صحبتي , خاصة أذا جاء الى البيت مع أحد أصدقائه فأنه يأخذه مباشرة الى غرفته بعيدا عن الجميع , ولكنني لوجود باب يفصل بين غرفته وغرفتي , أستطيع سماع محادثاتهم وتعليقاتهم".
أحمر وجه أيزابيل بعد هذا الأعتراف ثم أكملت حديثها:
" أنني أشعر بالخجل لذلك الآن , لكنني أعتدت الضحك على ذلك من قبل لأعتقادي بأنني أشارك أخي مع أصدقائه أسرارهم".
" سمعت أذن حديثا خاصا بين بمارك وميغيل , أليس كذلك؟".
" نعم , وأدركت أن والدي سيغضب أذا علم بذلك حيث تحدث ميغيل عن أشياء محرمة".
" أشياء محرمة؟".
" الزمرد! حيث أن مناجم الزمرد في كولومبيا هي من أشهر المناجم في العالم وهي مصدر الثروة الوطنية للبلد , ولكن الأمر يتحول الى خسارة كبيرة أذا تم تهريب الزمرد خارج البلد , هل تفهمين ما أعني؟".
" تهريب؟ هل تعنين أن مارك وميغيل كانا يتحدثان عن تهريب الزمرد الى الخارج؟".
" نعم , وفهمت من حديث ميغيل أنه غالبا يقوم بذلك , أذا عرف والدي بالأمر فأنه سيغضب كثيرا لأن القانون بالنسبة الى والدي هو كل شيء وسيعتقد أن ميغيل بسلوكه هذا أساء الى كرامة العائلة".
" هل تعنين أن ميغيل أقترح على مارك العمل كمهرب؟".
" كلا , بدا وكأنه يحذره حيث أن عددا من الأشخاص مات بسبب الزمرد أنه عمل خطير , وأخبره بأنه يظن أن سلوكه جنوني ولكن ماركوز أجابه قائلا:( لن تظنني مجنونا أذا عدت ومعي لهيب ديابلو)".
سألت سوزان :
" ما هو لهيب ديابلو".
" أنها أسطورة سمعتها حين كنت طفلة , يقال أن في مكان ما في التلال الشمالية يوجد منجم يحوي من الزمرد ما يساوي الملايين , ويقال أيضا أن أي أنسان لم يعثر على هذا المنجم منذ أيام الدواردو , أي منذ عهد الأنسان الذهبي أثناء أعتاد تزيين نفسه بزمرد ديابلو".
" ديابلو , أذن , أسم مكان ما؟".
" نعم , وسمي كذلك لأنه مكان الشيطان , الكثيرون يبحثون عن منجم ديابلو والشعلة الخضراء المحترقة ألا أنهم لا يعودون , يقول والدي أن السبب بسيط فهو مكان خطر حيث الأرض زلقة والأنهار ذات تيارات خطيرة وهناك أسماك صغيرة بالملايين تستطيع ألتهام حصان وراكبه قبل أن يلفظ الراكب كلمة أخيرة , كما أن هناك نمورا قاتلة وثعابين كثيرة , أضافة الى كل هذا , هناك رجال أشرار , قد يكون كل هذا صحيحا ولكن التفسير الآخر للأسطورة هو حراسة المنجم من قبل رموز غامضة".
منتديات ليلاس
ورغم كل ما حاولت سوزان التظاهر به من رباطة جأش , فأن رعشة خوف سرت في جسمها كله , كان من السهل القول أن ما ذكرته أيزابيل مجرد هراء لو أنها سمعت ذلك في بريطانيا , ولكن , في هذه المنطقة النائية وحيث الكل يعتقد بالأساطير لم يكن سهلا عليها تجاهل خطورة ما أقدم عليه شقيقها.
سألت سوزان:
" وأنت تعتقدين أن مارك ذهب الى ذلك المكان المخيف؟".
" في البداية ظننت أنه أهمل الفكرة لأن أخي نصحه كثيرا , أما لدى سماعي ما قلت عن عدم عودته الى بريطانيا , فأظن بأنه نفذ ما تحدث عنه , كما أعتقد بأنه أخبر ميغيل عن عودته الى بريطانيا ليريحه وكي لا يدفعه للشعور بالندم لأنه أخبره بالأسطورة , أعتقد أنه لم يتبادر الى ذهن ميغيل أن مارك سيصدقها".
" مارك جيولوجي ولا بد أنه يعتقد , أذا كان المنجم موجودا , فمن المحتمل أن يعثر عليه".
ثم خاطبت نفسها قائلة:
" هذا أذا لم يمت قبل ذلك , غرقا أو قتلا أو سقوطا من حافة جبل , ألم تقرأي في مكان ما عن وجود عصابات تهاجم المارة في الطريق المهجورة؟".
" ما الذي ستفعلينه سنيوريتا؟".
" لا أدري".
قالت سوزان في عجز ثم أضافت:
" أنه ليس لدينا ما يثبت ذهاب مارك أو الجهة التي توجه اليها برغم أحتمال ذهابه الى المنجم".
صمتت سوزان لحظة لتتذكر كلماته التي وجّهها الى الجد:
" أذا عدت ذات يوم فأنني سأكون غنيا وسيكون لدي من النقود ما يكفي لجعلك تبتلع كل كلمة تلفظت بها , لن أعود ما لم أحصل على ذلك؟".
لا بد أن مارك ومن خلال ميغيل عرف بوجود منجم الزمرد الذي سيحقق أمانيه , ومن خلاله أيضا عرف كيفية تهريب الزمرد أذا عثر عليه , أنها تعرف عناد مارك وتعرف أيضا أن ذلك صفة متوارثة في العائلة.
أبتسمت سوزان لتطمئن أيزابيل , ثم قالت:
" علي أن أعود الآن الى بريطانيا , أذ لا فائدة من بقائي , وفي أي حال , ربما عاد مارك الى هناك وما نتحدث عنه الآن هو مجرد وهم , كما أنني سأبلغ السلطات المحلية عن أختفاء مارك كي تبحث عنه , عدا هذا , لا أعتقد أن في أمكاني القيام بأي شيء آخر".
وافقتها أيزابيل ولكن سوزان كادت أن تضعف وتخبرها بحقيقة نيّتها في التوجه بنفسها , صباح اليوم التالي الى ديابلو , لكنها تحكمت في مشاعرها خاصة وهي تعلم مقدار خوف أيزابيل من والدها , الأمر الذي يدفعها للبوح بما ستقدم عليه.
أقنعت سوزان نفسها أن ما تفعله هو الشيء الصحيح , وذلك لتجنب عائلة أرفاليز القلق عليها وعلى أخيها , لكنها كانت مقتنعة في أعماقها أن هذا ليس الحقيقة كلها وأنها هي الأخرى تحمل عناد العائلة المتوارث بين عواطفها.
أنا ذاهبة الى ديابلو , أسرّت لنفسها , حتى لو تطلّب الأمر مواجهة الشيطان نفسه.