" حسنا , رأيتك معها , بعد أن تركت اغرفة رن جرس الهاتف فأجبت وكانت المتحدثة فرجينيا , المرأة التي كانت معك في الصورة".
" نعم , وماذا في ذلك؟".
" لا تبدو خجلا لذلك ؟".
" لم أسمع بعد ما يستدعي الخجل , تقولين أنك رأيتني , هل تعنين أنك تبعتني الى الفندق بسبب المكالمة الهاتفية ؟".
" نعم , ورأيتكما في الفندق , ورأيت كيف كانت , وسمعت ما قالته لك عن سعادتها , ربما ستكون أسعد حين أخلي الطريق لها , لكنك لا تستطيع توقع زواجي منك والتغاضي عن علاقاتك الأخرى في آن واحد".
فبدأ وجهه وكأنه قدّ من صخر , ناء وبارد مثل أعلى قمة في جبال الأنديز .
" هل تظنين أن هدفي من الزواج بك هو ذلك؟".
" لا أدري ماذا أظن , لكنني أعرف جيدا أنني أرغب بالفرار , بالعودة الى أنكلترا , لا شيء يشدني الى هذا المكان وفي أمكانك الزواج بفرجينيا بعد ذهابي , أذا كان ذلك ما تريد".
" يسرني تفكيرك بتحقيق رغباتي".
وكان لوقع كلماته صدى غريبا في أذنيها.
" إلا أنني لا أرغب الزواج بفرجينيا كما أظن أن لزوجها حق الأعتراض".
" زوجها؟".
" أسمه روبرت , وأنا أعرفه وزوجته منذ سنوات , كان مسؤولا عن إنشاء وحدة كهربائية في أحد معامل مديلن , فأصبحنا أصدقاء منذ ذلك الحين , ونحن نبحث الآن مشروع شركة يمثلها هو , وجاء الى المدينة للقائي قبل التوجه الى مديلن لمناقشة الموضوع مع شركتي , قررنا الألتقاء اليوم عند الغداء إلا أن فرجينيا أتصلت بي في المكتب فلم تنجح , عدت معها الى جناحها في الفندق إلا أن روبرت بدا متعبا , لذلك تركتهما , هل تريدين معرفة المزيد عن كيفية قضائي ليومي؟".
لم تجبه سوزان فواصل حديثه بعد وهلة:
" خدعتك عيناك وأذناك , فرجينيا ليس حامل بطفلي بل بطفل روبرت , طفل أنتظراه منذ زواجهما , نعم , تحدثت عن سعادتها لأنها لم تكن سعيدة في السابق , حيث أكتشفت منذ أكثر من عام علاقة روبرت بأمرأة أخرى ولامت نفسها لذلك , أذ أنها كانت منخرطة في عملها أكثر من اللازم , مهملة روبرت في الوقت نفسه , وتركها أكتشافها لوجود المرأة الأخرى شقية".
" فلجأت اليك!".
قالت سوزان بصوت منخفض.
" نعم , لجأت أليّ ولكن ليس كما تتصورين , أرادت الأبتعاد فترة ما عن روبرت والوضع المؤلم , أرادت رؤية الأمور بوضوح أكثر لتقرر ما أرادته من حياتها , وأخذتها معي الى بيت ماريا لتحصل على الهدوء , كانت بحاجة ماسة الى صديق وكنت أنا صديقا مقربا منها".
نظرت سوزان الى أصابع يديها المتوترة ثم قالت:
" لكنها رغبت بك , رأيت ذلك في الصورة , رأيت كيف كانت تنظر اليك".
" ظنت أنها تريدني , كانت وحيدة وتعيسة وظنت أن روبرت أهملها".
ثم جلس الى جانبها , رافعا ذقنها بيده مجبرا إياها على النظر اليه.
" لا أدري لم تسيئين الظن بي دائما , هل تظنين أنني سأزيد من متاعب فرجينيا؟".
كلا لم تتوقع ذلك , إلا أنها لم تخبره برأيها , فقد يقودها الجواب الى أعترافات لم ترغب فيها , وكان من الأفضل لها تفكيره بإساءتها الظن به على أنه يعرف حقيقة مشاعرها وغيرتها ويأسها , فمنذ أن تخيلت وجود فرجينيا بين ذراعيه , تحولت الصورة الى كابوس دائم.
" آسفة ....... أفترضت......".
" أنك تفترضين الكثير من الأشياء الخاطئة , منها أنني سأتزوجك على أفتراض أنك حامل , ثم ما أن أتزوجك حتى أسرع للأرتماء بين ذراعي أمرأة أخرى , ثم تفترضين أنني سأسمح لك بالأبتعاد عني , حسنا أنك مخطئة في أفتراضاتك الثلاثة كلها , ولا تكذبي بصدد العرض الرائع الذي تلقيته , حيث يمر كل البريد القادم الى المنزل بين يدي أولا , ولم نستلم اليوم أي رسالة لك , لست أحمق الى هذا الحد".
" أنا أيضا لست حمقاء , قد أكون مخطئة حول فرجينيا , إلا أنك عرفت العديد من النساء قبلها".
ونطقت جملتها الأخيرة باكية.
" من أنك ذلك , هل توقعت مني , حقا , العيش كراهب لحين مجيئك؟".
" لا أوقع أي شيء منك , لأنني لا أعرفك , ألا تفهم ذلك ؟ لا أعرف أي شيء عنك , لا شيء".
تغافلت عن ذكر جملة أوشكت على الهمس بها , عن معرفتها به كعاشق , عن حرارته وقوته وعن لطفه معها في البداية.
" أنه لغريب أن تشعري بذلك , خاصة وأنني منذ لحظة لقائي الأول بك أحسست بأنني أعرفك , وكنت أنتظرك دائما , لم تبعتك طوال الطريق ؟ هل لأجعلك عشيقتي؟".
وضحك بخشونة .
" كانت هناك نسوة أخريات , فلم تبعت أمرأة حاربتني دائما ؟ تبعتك لأنني أحببتك , وكنت على وشك قتل كارلوس بيدي العاريتين من أجلك , وإذا ما تركتني , سأتبعك من جديد حتى لو أضطر الأمر أن أتبعك الى بريطانيا".
حدقت في وجهه بعينين واسعتين ورأت لأول مرة ألمه وقلقه لسلوكها , فقالت:
" فاتاس.......".
ورمت نفسها بين ذراعيه فعانقها بعاطفة مسحت كل شكوكها , وعانقها بقوة أكثر قبل أن يوضح موقفه.
" ربما كان ذلك صحيحا في البداية , كل ما عرفته هو رغبتي االجنونية فيك , خاصة حين ذهبت الى غرفتك في الفندق ورأيتك نائمة , جميلة بلا حماية منذ ذلك الحين أعتدت الأستيقاظ معذبا نفسي بتخيّلك , عرفت أيضا , منذ البداية أن الأمر سيكون مختلفا معك , إلا أنني بصراحة , لم أعرف برغبتي في الزواج منك , بل تطورت مشاعري فيما بعد , هل تذكرين ليلتنا في بيت ماريا ؟ حين دخلت غرفتنا فرأيتك واقفة في أنتظاري , مرتدية قميص نوم ماريا الأبيض".
" كان سلوكك غريبا".
منتديات ليلاس
قالت بخجل فأمسك بيدها وقبّلها.
" كنت منذهلا , جلست طوال فترة تناول العشاء مفكرا بأنني سأحصل عليك أخيرا , وكدت أطير نحو الغرفة حين أخبرتني ماريا عن أستعدادك , ولكن حين فتحت باب الغرفة رأيتك واقفة كالعروس , شابة جميلة وخجولة وعذراء , فشعرت بأنني لو لمستك , حتى لو كان الأمر تم برضاك – سيكون الأمر أغتصابا , فقررت الزواج منك , إلا أنه توجّب علي أولا التخلص من رودريغو , فقد طاردته طويلا ولم يكن في نيتي تغيير رأيي لأنني وقعت في الحب , إضافة الى أنه كان سيكون تهديدا لنا , لن أنسى أبدا ما أحسسته حين أكتشفت ذهابك الى الدير فأقنعت نفسي بأن طنع رودريغو بزمرد ديابلو سيتغلب على رغبته بتعذيبي عن طريق قتلك بحضوري".
" هل سببت أنهيار النفق متعمدا".
" نعم , من الأفضل التخلص منها , إذ مات والدي دفاعا عن سرها , ولم أكن مستعدا لتحمل المسؤولية , كما خسر العديدون حياتهم بسببها , طوال القرون ".
" ولكن بعد أنتهاء كل شيء – حين عرضت علي الزواج , كنت باردا نحوي الى حد بعيد".
" كنت غاضبة معي الى حد لم أستطع فيه توضيح ما أردت فعلا توضيحه , كما أنني كنت بدوري مغتاظا".
" لأنك واصلت برودتك نحوي فظننت أنك لم تعد ترغب بي , بعدما حصل بيننا وأنك ستتزوجني لأن واجبك.....".
" لم أرغب بك؟".
وقرّبها منه أكثر , قائلا:
" لم تمر ساعة من الليل والنهار لم أحس بها برغبة متعطشة نحوك مثل رجل عطش في الصحراء ".
" أذن , لماذا.......".
فلم يدعها تتم جملتها , بل قاطعها وقال :
" لأنك خطيبتي الآن , وزوجة المستقبل , غفرت لنا والدتي الزلة الأولى إلا أنها أوضحت لي عدم قبولها لأي مسلك شائن بعد ذلك , فقررت أنه من الأفضل أن نبقى بعيدين عن بعضنا البعض لفترة قصيرة".
" لحسن الحظ لا يوجد من يرانا الآن".
" نعم وسأطلب من والدتي أتمام مراسيم الزواج بعد الغد لأنني أنوي بدء شهر العسل بسرعة سواء كنا متزوجين أو لا ".
" أظن أنها ستغضب من كلينا خاصة وأن فستان العرس ليس جاهزا ".
" لا تهمني ملابسك , رغم أنني أهتم بتوفيرها لك , سنذهب الى ريو في الأيام الأولى وسنشتري ما تحتاجينه هناك , ثم نتوجه بعد ذلك الى بريطانيا للقاء جدك".
" وبعد ذلك؟".
" سنعود الى بيتنا".
وحضنها بين ذراعيه مضيفا:
" بلادي مختلفة عن بلادك , هل ستكونين قادرة على التأقلم هنا؟".
عرض ميندوزا عليها العودة الى بريطانيا للقاء جدها , رغم أن جدها كان يرغب بلقاء مارك في الدرجة الأولى ودهشت لأن الفكرة لم تعد تثير فيها الألم المعتاد .
" حيثما توجد هو بيتي يا حبيبتي".
خاطبته بنعومة وعانقته بكل حبها وحنانها بقوة وأحست بأنتمائها الفعلي له.
منتديات ليلاس
تمت