لمستها يد شخص مجاور لها فأنكمش جسدها ورفضت المساعدة .
" دعني , أتركني لوحدي , أريد الموت".
" لكن الحياة لا تزال جميلة , كما قلت لك االليلة الماضية !".
حملقت سوزان في وجه الرجل غير مصدقة ما سمعته , كان وسخا مثلها وملابسه ممزقة , كان هناك جرح عميق في جبينه وآخر في كتفه.
" ميندوزا".
ورمت نفسها بين ذراعيه.
" ماذا حدث ؟ كيف نجوت؟".
" لفترة قصيرة ظننت أنني لن أنجو إلا أنني سمعت صوتك مناديا إياي أيتها الحبيبة".
" ظننت أنك قتلت , حين سمعت صوت الطلقة ثم الأنهيار , لم أتصور كيف يمكن لأي أنسان النجاة من هناك .....". صمتت فجأة وحدقت في وجهه.
" ....... مارك ..... آه , كيف نسيت؟ أين هو ؟ هل جاء معك؟".
" كان في النفق السفلي حين أثرت غضب رودريغو ودفعته لأستخدام مسدسه , طلبت من مارك الهرب , لو أطاعني هناك أحتمال في بقائه حيا , كنت أود أرساله معك خلال النفق العلوي , لو أنني أقنعت رودريغو , كما تعلمين".
" نعم".
أجابت بحزن , وأستدارت باقية وهي في هذه الحال لفترة قصيرة , هادئة وساكنة محاولة السيطرة على حزنها.
ثم ساعدها على الوقوف وبدأ أنحدارهما المتعب الى قاعدة الجرف , ورأت بقية عصابة رودريغو , وبضمنهم كارلوس مقادين من قبل الشرطة , تحت الحراسة المشددة , إلا أنها لم تستطع التشفي لذلك , بل بقيت تنظر الى مدخل النفق حيث كان بعض الجنود يحفرون , فتذكرت حلمها القديم وأرتعشت.
" صديقي ميندوزا".
تقدم لوبيز نحوه راكضا .
" لم أصدق بقاء أنسان حيا بعد الزالزال العنيف".
ثم أشار بأتجاه المدخل , تحركت سوزان بعصبية فأسترعت أهتمامه.
" أوه , كلا ليس مارك , أنه حي وأصيب بكسر في ساقه وجدناه قرب المدخل وأحد رجالي يقوم الآن بتثبيت ساقه وفي أستطاعتك بعد ذلك رؤيته".
" كابتن لوبيز , سأقبلك لهذا الخبر السار".
" سنيوريتا , ذلك شرف لي".
وأبتسم بفرح رغم نظرته القلقة السريعة الموجهة نحو ميندوزا , ثم أحنى رأسه فقبّلته على خده:
" سأذكر طوال حياتي كيف جذبني من تلك الحفرة , ما حدث كان معجزة وخاصة وجودك هنا في تلك اللحظة , وها أنت تعيد اليّ مارك".
" كلا , ليست معجزة , أذ نحن بأنتظار رودريغو ورجاله منذ زمن طويل , ميندوزا عمل معنا أيضا , مستخدما نفسه كفخ , وحين علمنا بأحتجاز أخيك أدركنا أن فرصة القبض على رودريغو حانت أخيرا , إلا أننا غيّرنا خطتنا حين علمنا بمجيئك للعثور على أخيك".
" خظة؟".
" نعم يا سنيورتا".
ونظر الى ميندوزا بدهشة ثم ضحك محاولا تغطية حرجه.
" حسنا , كل شيء على ما يرام , هل بقيتم مرابطين هنا منذ يومين لمراقبة ما سيحدث؟".
أومأ برأسه أيجابا , رغم أحساسه بأنه أرتكب خطأ ما رغم عدم أدراكه لما هيته .
" نعم سنيوريتا".
أبتسمت بطريقة ساحرة رغم طبقة الغبار الذي غطى وجهها .
" أنك ممتاز في عملك يا سنيور , لم تكن لدي أي فكرة عن وجود الجنود حولنا , لو كنت أعلم , لو أدركت أن الأمر كله خطة مرسومة منذ البداية لألقاء القبض على رودريغو , لأختلفت الأمور كلها".
" يجب ألا تستهيني بخطورة الموقف يا سنيوريتا , كان من الممكن حدوث خطأ في أي لحظة , فرودريغو حيوان يصغي لغرائزه فقط وسلوكه لا منطقي , وكان في أمكانه قتل سنيور دي ميندوزا لحظة ظهوره في باحة الدير يوم أمس".
" لكنك تعلم أن السنيور مقامر يجيد حساب أوراقه الرابحة والخاسرة........".
نظر اليها الكابتن بحيرة .
" أرجو أن تعذريني سنيوريتا , وأنت يا ميندوزا , أذ لدي الكثير من الأعمال ".
" نعم , أنني أقدر ذلك , سأتحدث معك فيما بعد".
وأنتظر الى أن أبتعد عنهما الكابتن ثم قال لسوزان:
" سوزان , أعرف ما الذي تفكرين به".
" بالتأكيد , أنك تعرف ذلك , أنني أفكر بسلوكي الأحمق ليلة أمس , أكاد أموت خجلا حين أفكر بما جرى , كان في أمكانك أخباري عن لوبيز ورجاله , إلا أنك لم تفعل".
" كلا , لم أخبرك لأسباب أعرفها , كان علي أقناع رودريغو بأن أستسلامي له كان حقيقيا , لو أخبرتك الحقيقة , ربما كان مظهرك سيفضح اللعبة , كلمة واحدة كانت كافية للقضاء علينا جميعا".
" أنها أسباب جيدة , وكنت أنا المفضوحة الوحيدة , حيث أقتحمت غرفتك , جادلتك أجبرتك على ..... لأنني فكرت بأنها الليلة الأخيرة , الليلة الوحيدة....".
ودفعت نفسها بعيدا عنه حين حاول الأمساك بكتفيها.
" وهل يختلف الأمر الآن , بعد معرفتك الحقيقة؟ هل هذا التحول جزء من شخصيتك البريطانية المتقلبة ؟ هل تحاولين أخباري أنك تفضلينني كبطل ميت على المحب الحي ؟ لم يكن ذلك رد فعلك حين وجدتك تبكين عند قمة الجرف , أو ربما أردت أظهار براعتك كممثلة؟".
" كنت ضحية صدمة قوية , أما أذا كنا نتحدث عن التمثيل فأعتقد أنه عليك مزاولة المهنة لأنك تجيدها , وقبل أن أنسى".
ثم أنحنت ساحبة من جزمتها رسالة لأمه:
" هاك الرسالة المؤثرة , لتتخلص منها".
ثم مزّقت الرسالة الى قطع صغيرة ونثرتها حوله.
" أنتظري لحظة واحدة , لو أن طلقة رودريغو أصابتني لكنت الآن في طريقك لتسليم الرسالة , هل تدركين ذلك؟".
" أنا آسفة لأن ذلك لم يحدث ".
وأنتابها الخجل من جديد لفكرة قضاء الليلة الماضية معه , وتذكّرت كلماتها له والأشياء التي فعلتها معه ثم قالت:
" إلا أنك كنت مدركا لعدم خطورة الموقف , لأنك تزن كل خطوة تخطوها وكل الأحتمالات , ذلك ما لا أستطيع غفرانه , الطريقة التي واجهتني بها ثم الأسباب عن السبب الحقيقي.... وتركتني أضحي بنفسي...".
وضحك بقسوة:
" تضحين؟ العذراء الشهيدة ! ثم أنا متأكد أن الضحية المقدسة لا تستجيب تمماما لروح المناسبة , كما فعلت".
" كيف تجرؤ على أهانتي بذكرك التفاصيل....".
ثم توقفت لجهلها الأنتقام الملائم.
سرخت ثم رفعت يدها وصفعته , للحظة واحدة لم يصدق ما جرى ثم ظهر الغضب على وجهه بوضوح , ولن تحتاج النظر حولها لتدرك أن رجال لوبيز شهدوا ما فعلته , وعندما أستدارت لتذهب باحثة عن مارك أمسك بها من الخلف ووضعها على ركبتيه ثم ضربها أربع مرات , قبل أن تستطيع تحرير نفسها من قبضته والغضب يكاد يعميها.
" أيها القذر".
" أضربيني مرة أخرى وأنت تعرفين من الذي سيحدث".
" لا تقلق لن أمسك مرة أخرى , أتمنى ألا أراك مرة أخرى".
" أمنية لن تتحقق لسوء الحظ".
" ماذا تعني؟".
" تربط بيننا صفقة أطلب منك تسديد دينك فيها , حيث وافقت على جلبك هنا مقابل شرط معين".
وأبتعد تاركا أياها في الفراغ بسكون غريب.