استيقظت في صباح اليوم التالي متأخرة وكانت الساعة الثامنة عندما فتحت عينيها وشعرت وكأنها كانت تعيش كابوس, ولم تكن نامت الا مع الفجر بعد أن قضت الليل كله تتململ في سريرها.
كانت دقات قوية علي الباب جعلتها تستيقظ من النوم مذهولة, فنظرت حولها لا تعرف أين هي, وعندما عادت اليها الذاكرة خبأت نفسها في الشراشف جيدا ووضعت أصابعها في أذنيها فهي لا تريد أن تري وأن تسمع شيئا, تريد أن تنسي كل شيء ثم تبدأ من الصفر, دون أن تحتفظ بأي أثر عن هذه الأيام الأخيرة...
"يجب أن أرحل" قالت غاضبة" سأذهب للبحث عن أموالي في البنك وسأذهب"
"أليكس" صرخ كارل من خلف الباب" أليكس افتحي الباب , والا سأخلعه وأدخل"
"كما تريد, انه مركبك أنت, لقد استيقظت لتوي, ويجب أن تنتظر قليلا "
"لا, أريد أن أراك فورا"
واستمر الدق علي الباب بقوة, فنهضت أليكس واتجهت نحو الباب وألقت شعرها للوراء, وتنهدت ثم فتحت الباب
كان كارل يقف أمام الباب ومرة ثانية لم تستطع أليكس أن تمنع نفسها من الاعجاب بذلك الرجل, وبقوته التي تظهر من خلال لونه البرونزي فنظر اليها نظرة غريبة وكانت عيونه متعبة, يبدو أنه هو أيضا لم ينم جيدا هذه الليلة
"حسنا" قال لها ببرود ثم صمت قليلا وأضاف" كنت أريد أن أتأكد أن كل شيء علي ما يرام, انها لثامنة صباحا, هل تنوين قضاء كل النهار في السرير؟"
"يوجد طعام كافي لهذا اليوم, وأنا لست بحاجة للذهاب الي السوق , ويجب أن تحل أنت مكاني في المطبخ ,لأنني سأرحل اليوم"
"لا تكوني فظة, أليكس....فأنت تعلمين جيدا بأنك لن ترحلي أبدا, وبأنك لا تنوين ذلك"
"ان نواياي لا تخص أحدا غيري , وتوقف عن املاء تصرفاتي علي,كارل ,أريد الذهاب وهذا ما كنت أقوله لك منذ أيام, ولقد أصبح لدي المال الكافي الآن..."
"آه نعم المال" أجابها بسخرية "انه الأكثر أهمية أليس كذلك؟ يبدو أنك أحضرت كشف حسابك كله, المطبخ ,التسوق, مساعدتك لي في الغطس في الجزيرة, وهل هذا كل شيء ؟ فما هو طلبك؟"
ودون أن تشعر رفعت يدها وصفعته علي وحهه ثم تراجعت مذهولة, وتذكرت الصفعة الأولي التي صفعته بها وتذكرت تنبيهاته وتحذيراته لها...فندمت علي ذلك ,وهي تعلم بأنها لا تملك أية وسيلة للتخلص منه, ولكن كارل لم يتحرك.
كانت نظراته قاسية كالحجارة, وكان يعقد حاجبيه مما يدل علي شدة توتره, ففكرت أليكس بأنه سيحدث أمر ما, فهو لن يظل ينظر اليها هكذا.
تنفست بعمق وعندما شعر كارل بأن الموقف أصبح لا يحتمل خرج من غرفتها, دون أن ينطق بأية كلمة وصفق الباب وراءه, ولكنه لم يكن قد أغلق الباب فقط, لقد أغلق روحه وقلبه....
لم تدر أليكس كم مضي عليها وهي جالسة علي حافة سريرها وكانت تسمع أصواتا وضجيجا ووقع خطوات ,ثم سمعت صوت محرك صغير وهو يبتعد,فأحست وكأنها ليست في هذا العالم, مع أن الوضع الجديد يرهقها, وكانت كالمشلولة التي تري العالم كله يتحرك أمامها وكأنها تشاهد فيلما سينمائيا ليس لها أي دور فيه, الرحيل, البقاء, هذا كله لم يعد يعني شيئا بالنسبة لها وأخيرا نهضت وأرادت أن تستحم لعلها تنسي حزنها القوي
لكن الاستحمام لم يجدي نفعا لقد خرجت من الحمام بحزن أكبر, ثم شربت كوب عصير وعادت الي غرفتها,وجمعت أغراضها ووضعتها في الحقيبة التي اشترتها مؤخرا, ولكن لا يزال ينقصها جواز سفرها, فهي لا يمكنها الرحيل بدونه وستبحث عنه بعد أن تخرج حقيبتها الي السطح.
وعندما صعدت وجدت فرونيكا تتمدد بكل كسل وتعرض جسدها لأشعة الشمس وهي ترتدي مايوه أحمر رائع, ابتسمت لها فرونيكا ابتسامة وقحة
"أأنت ذاهبة في نزهة؟... أم أنك راحلة؟ لقد سمعتك تتكلمين مع جون عن موضوع الرحيل لكني لم أعتقد بأنك ستنفذين كلامك,بالتأكيد بعد الذي حصل بالأمس...."
لم تتابع فرونيكا عبارتها الأخيرة, لكن أليكس فهمت ماذا تريد بذلك,فبعد الليلة الأخيرة لا يمكنها أن تبقي...
"وهكذا سترحلين, سنفتقدك كثيرا أليكس....ولكن كما رأيت لم يكن كل ذلك جيدا,تلك القصة, قصة الخطوبة...بالتأكيد أنا أعرف بماذا تفكرين ,أنها فرصة كبيرة لمدرسة مثلك أن تتزوج بالرجل الشهير كارل ماكراي! لأنه سيصبح أيضا أكثر شهرة وكل العالم يعرف ذلك"
ثم ابتسمت وأضافت" انني أشفق عليك, أيتها الصغيرة المسكينة, كنت تظنين ان كل ذلك صحيح, ولكن كيف عرفت أخيرا؟"
"عرفت ماذا؟" سألتها أليكس وقد بدأت تفقد صبرها
"حسنا, معرفة حقيقة كارل! انه يستطيع أن يظهر أحيانا مؤذيا حقا, ولكن قد لا يكون يقصد ذلك فهو يتصرف دائما في البداية بصدق وإخلاص! أنا متأكدة من أنه حصل أشياء في يوغوسلافيا ولهذا السبب جئت الي هنا, جئت في وقتي علي ما يبدو"
وأخذت تضحك بشكل أثار أعصاب أليكس
"انه دائما يقوم بحماقات عدة عندما اتركه وحده, فهو كثيرا ما يلتقي بفتيات صغيرات بريئات وقبل أن يدركن ماذا يحصل لهن, يقعن في حبه ويعتقدون بأن هذا هو حبهن الكبير, وهذه هي الناحية المأساوية في كل مغامراته"
"وكارل؟"
"أوه,هو, انه يؤمن بهذا الحب في البداية ولكن هذا لا يدوم سوي عدة أيام, ومن ثم عندما ينتهي الأمر, يعود لي أنا..."
فأدارت أليكس وجهها كي تخفي مشاعرها ,فهي لم تكن تنتظر أقل من ذلك من كارل, وكلام فرونيكا لم يدهشها أبدا, ولكنها تشعر الآن بأنها مجروحة أكثر من قبل, فهي تتعذب لأنها علمت بأنها ليست سوي مغامرة من مغامرات كارل العديدة...واحدة بين الكثيرات, سترحل ...نعم, لقد قبلت أن لا تشترك في حياة كارل, ولكنها تتمني أن تظل بالنسبة له ذكري فريدة ...ذكري يحن اليها بشعور خاص... ولكن بعد كلام فرونيكا أدركت بأنه بعد رحيلها لن يتذكر حتي اسمها...
"بالتأكيد هو لم يقل لك شيئا ,وأنا أشك بذلك,لأنه لا يملك شيئا يفتخر به, ولكني سأروي لك كل شيء, أيتها الصغيرة البريئة, وستعلمين بأي فخ وقعت, وستفهمين أخيرا من هو كارل ماكراي..."
"حسنا, هيا أخبريني كل شيء...فهذا لن يغير شيئا..."
"لا تلومينني بعد ذلك لأنني كنت قاسية وأعلمتك بالحقيقة...." ثم أضافت" أعتقد بأن كارل لم يحدثك عن أليزون"
"أليزون؟ لا..أبدا"
"بالتأكيد فهو لم يلفظ اسمها أبدا, سبب قصته المأساوية...فهو المسئول عن موتها"
"موتها؟ كارل؟ ولكن ماذا تقولين؟" ووضعت أليكس يدها علي قلبها
"أوه,انه لم يقتلها حقا, ولا مباشرة, ولكنه قادها نحو الموت, كان كارل و أليزون يعيشان معا, ودامت علاقتهما سنوات عديدة, وكانت أكبر منه بكثير, كانت تقريبا في سن والدته, وكانت أرملة وغنية جدا.... وكان يعرفها منذ صغره, وبالنسبة لكارل كانت صفقة جيدة, سيحصل منها علي المال الذي يريده عندما سيكون وريثها الوحيد"
"لكنه ليس بحاجة الي مالها, انه رجل غني هو أيضا"
"من الذي وضع هذه الفكرة برأسك؟ فان عائلة كارل فقيرة جدا, حتي أنهم كانوا لا يملكون فلسا واحدا, وكان كارل طموحا وجذابا وكل الناس يعلمون بأن أليزون كانت تنفق عليه وتساعده, ولكن هذا لم يكن يكفيه فهو يريد أكثر..."
"أنا لا أصدقك" همست أليكس
أجابتها فرونيكا بضحكة ساخرة "بل يجب أن تصدقينني, علي كل حال هذا النوع من القصص تحدث كل يوم, باختصار كانا يعيشان معا وكانت المرأة تظن أنه سيتزوجها فكتبت وصيتها لمصلحته...وبعد ظهر أحد الأيام وبينما كان كارل يصور أحد أفلامه أدركت السيدة أنه لن يتزوجها أبدا, وأنه كان قد رحل مع امرأة أخري واعتقدت أنها عرفت ذلك"
ثم توقفت فرونيكا للحظات ونظرت الي أليكس نظرة ساخرة " فابتلعت أليزون علبة حبوب سامة, وعندما وجدوها كان قد فات الآوان..."
لماذا لم يخبرها كارل بأنه كان فقيرا؟ لماذا جعلها تعتقد بأنه غني أبا عن جد؟ فهي تعلم الجواب...كان يجب أن يروي لها هذه القصة الفظيعة, وهو يعلم بأنها عندئذ ستكون ردة فعلها غير مناسبة.
بامكاني أن أسامحه علي كل شيء...فكرت أليكس بمرارة...كل شيء,الا هذا , وانتبهت الي نظرات فرونيكا اليها وهي تنتظر ردة فعلها, لا...فهي لن تقدم لها متعة خصامها مع كارل...
"حسنا لقد علمت بما فيه الكفاية سأذهب للبحث عن كارل وسأقول له كل ما سمعته منك, وسأري كيف سيدافع عن نفسه"
فجأة تغيرت ملامح فرونيكا, ونظرتها التي كانت حتي الآن تشرق بالانتصار أصبحت قاتمة ووقحة
"كنت أعلم بأنك تستيقظين باكرا, فتبعتك دون أن تلاحظي...هل تمتعت جيدا بالسباحة وبالقبلات؟"
"أوه لا..أنت لا ..." صرخت أليكس غاضبة
"بلي, باي يا صغيرتي العزيزة,كان ذلك سهلا جدا, لقد التقطت عدة صور رائعة "