نظر اليها بدهشة ولم تكن أليكس تدري أن كانت بسؤالها هذا تنتظر كلمات المجاملة أم أنها تريد أن تتأكد أن فيها مميزات خاصة تجذب اليها كارل.
ولكن...! لقد فات الآوان أخذت تتسلي برؤية الواجهات وظل جون يفكر بسؤالها.
"حسنا, أعتقد أنك تعرفين ما عنيته بكلامي, أنت شابة نضرة وعفوية, وهذا ما فقدته فرونيكا منذ مدة طويلة, وأنت صادقة وصريحة, ولا تعرفين شيئا عن المكر والدهاء, وتمتازين أيضا بشيء آخر بالتأكيد, ولكن لا يحق لي أن أتكلم عنه"
فنظرت اليه واحمر وجهها, وندمت لأنها طرحت عليه هذا السؤال, فهي لا تريد أن يقع جون في غرامها, فهي تجد أنه صديق يمكنها التحدث اليه بحرية دون انفعالات قوية.
ولأول مرة شعرت بالراحة لأنها مخطوبة...فهذا يحميها من هذه المواقف المحرجة.
وفكرت بأنها لو التقت بجون منذ أيام قليلة, كانت تقبلت مجاملته ومحاولاته بكل سرور, ولكن لقد التقت بكارل, ولن يكون أي شيء كما كان عليه في السابق.
في طرف الشارع,كان هناك قهوة لها رصيف خارجي وفوقها مظلات تحمي من الشمس, وبقرب هذه القهوة كان هناك مكان كبير تقام فيه الحفلات الغنائية ثلاث مرات في الأسبوع في الهواء الطلق.
"لا يجب أن تفوتين مثل هذه الحفلات, فأنا أحب كثيرا أن أستمع الي الموسيقي وأنا أشاهد النجوم في السماء" ثم دخلا القهوة وجلسا علي الشرفة المطلة علي المرفأ القديم.
وكانت السفن تتمايل في الماء تحت أشعة المس, وقال لها جون بأنه يوجد مكان هنا مخصص للسباحة
"ويوجد أيضا حوض هناك, وهو رائع للسباحة والغطس وبامكانك الذهاب اليه ريثما أعود من الحوض" شربت أليكس قهوتها الباردة وشرب جون كأسا من البيفو- البيرة اليوغوسلافية المنعشة_- ولم يتناولا شيئا من المقبلات التي قدمت اليهما خوفا من عدم قدرتهما علي منع أنفسهما من التهام كمية كبيرة منها.
"سأذهب بدون شك ولكني الآن مرتاحة هنا ,فهناك أشياء أخري لكي أراها, انظر الي هؤلاء الأولاد الذين يتصيدون من المرفأ يبدو أن لهم صبرا كبيرا"
ونظرت اليه وخافت أن تسأله المزيد كي لا تظهر أمامه بأنها لا تعرف شيئا عن حياة كارل الذي ستتزوجه...
"جون! هل تعرف كارل من مدة طويلة؟"
"للحقيقة لا, حتي أني تفاجأت عندما تذكر اسمي فنحن لم نعمل معا من قبل, مع أننا نقوم بنفس الأبحاث, ونحن متفقان مع أنني لست بمستوي كارل ولن أكون مثله أبدا"
"هل هو فعلا مشهور؟"
"أوه نعم, ولكن أنت تعرفين كل هذا, وسيكون مشهورا أكثر ومع هذا الفيلم الذي يحضره, من قبل كان يهتم بالأفلام الأكثر تقنية والثقافية في نفس الوقت, ولديه أفكار كبيرة وسيحقق كل مشاريعه"
"بالنسبة للفيلم, هذا ما تريد قوله؟"
"نوعا ما, وأفكر خاصة بسلسلته التلفزيونية الجديدة, لقد كثر الحديث عنها, وسيكون كارل المسئول عن المجال الطبيعي, الذي يؤلف الجزء الأكبر من هذا البرنامج, ولقد كان له نشاط كبير في الأبحاث الخاصة بأعماق البحار. وعلي سبيل المثال ,هو الذي قام بعملية انقاذ الغليون الذي يعود للقرن الخامس عشر ولقد تكلمت عنه الصحافة كثيرا, ولقد اكتشف أيضا الكثير من حطام السفن.... ويهتم كثيرا بالبرامج الثقافية التي تعد للشباب ولكني أعتقد أنه أخبرك عن كل هذا"
"لا, للحقيقة نحن... نحن لم نجد الوقت الكافي لكل هذا الكلام" أجابته متلعثمة واحمر وجهها.
"أنا لا ألومك, أليكس, علي كل حال, اعلمي أن زوج المستقبل سيكون من أشهر نجوم التلفزيون وما أن ينتهي من الفيلم ومن الكتاب الذي نؤلفه سيصبح اسم كارل معروفا ي كل أنحاء العالم, وليس فقط في انكلترا"
فقالت أليكس في نفسها.. وهكذا لن تختفي تماما من حياتي بعد فراقنا, فهي ستظل تسمع أخباره... وقد تراه أحيانا علي شاشة التلفزيون وفي الصحف... وستتابع أخباره كلها, وهي لا تستطيع أن تعلم الآن ان كان هذا سيسعدها أم سيزيد من حزنها.
"لقد تفاجأت كثيرا برؤية كارل يخطب امرأة أخري غير فرونيكا, فانا لم أكن أعتقد أنه لا يبالي كثيرا بردة الفعل..."
"ماذا تعني؟ ولماذا سيكون لردة فعلها مثل هذه الأهمية؟"
"بالتأكيد أنت تعلمين بأن والد فرونيكا هو السيد ماكس بيرفيس , انه رجل مليونير, وهو الذي يمول السلسلة التلفزيونية الجديدة وكما يقال , كارل سيكون شريكه وفرونيكا جزء من هذه الصفقة" ونظر اليها بمكر " ولقد أعطي ماكس بيرفيس الضوء الأخضر للعملية المالية كلها. وابنته أيضا... الساحرة فرونيكا... ولهذا السبب تعجبت من رؤية كارل يخطب غيرها"
ثم نادي علي النادل وأعطي له الحساب ثم نظر الي أليكس وابتسم ونهض "يجب أن أذهب الآن الي موعدي وليس المكان ببعيد من هنا, سنلتقي بعد ساعة كي نتناول الغداء, موافقة؟"
الغداء؟ أليكس لا يمكنها بعد الآن أن تضع الطعام في فمها, وظلت بعد ذهاب جون جالسة علي كرسيها تفكر بأسي, فهمت الآن سبب خطوبتهما بوضوح, انها وسيلة كي يجبر ماكس علي تمويل مشروعه وكي يحصل علي هدفه الأخير, فاثارة قلق والد فرونيكا فكرة ممتازة تجعله يقبل بالقيام بأي شيء في سبيل تزويج ابنته, وكارل سيتخلي عن أليكس بعد أن يصل لمبتغاه الحقيقي, كانت شكوكها في محلها عندما اعتقدت أن كارل يسعي لشيء مهم من وراء اعلان خطوبته لها. ومع ذلك ذهلت أكثر عندما عرفت حقيقة الانسان الذي تحبه.
فهل يمكن أن يكون خاليا من الاحساس لهذه الدرجة؟ وهي متأكدة من أن كارل وفرونيكا يضحكان ويمرحان معا علي تلك الجزيرة.
وهي متأكدة أنه سيعلن قريبا عن خطوبته ل فرونيكا , خطوبة الرجل الساحر علي الصحفية اللامعة, التي ستسامح كارل بسهولة علي حماقته الصغيرة....
ولم تكن أليكس تثق بكارل رغم حبها له, لقد كانت دائما تعلم في قراره نفسها بأن كل هذا ليس سوي أوهام, ولقد عادت اليها الشكوك من جديد, انها ليست شكوك ضعيفة لقد أصبحت متأكدة منها الآن, فكارل يريد الشهرة , وبما أن زواجه من فرونيكا يسهل عليه ذلك فهو لن يتردد أبدا, وهو مستعد لأن يضحي بأشياء كثيرة للنجاح في مهنته.
عندما عادا الي المركب كانت الشمس تغيب في الأفق, وكان كارل وفرونيكا قد وصلا الي المركب لأن المركب الصغير كان رأسيا بقرب المانتا.
ارتعشت أليكس لفكرة رؤيتهما معا, وتخيلت وجههما بعد قضاء نهار كامل معا, وفرحتها بمصالحته من جديد, وقبل أن تصعد أليكس الي المركب التفتت نحو جون وابتسمت وأرادت أن تشكره علي لطفه واهتمامه بها لقد حاول جون طول النهار أن يجعل أليكس تتمتع بزيارتها للمدينة.
وعندما كان بموعده اشترت أليكس طعام من أجل الغداء, وذهبت الي الأحواض وكان جون لا يزال في اجتماعه مع المدير, فتوقفت أمام الواجهات ودهشت لهذه الأسماك الغريبة بألوانها وأشكالها, وتأملت بحزن الأسماك الكبيرة والسلاحف الضخمة, وفكرت لابد أنها نادمة علي تركها مياه المحيط الواسعة..ثم تذكرت كارل و فرونيكا, لابد أنهما يسبحان الآن معا, أو يغطسان ويتمتعان معا في تلك الجزيرة الرائعة. لو أنه اصطحب معه أليكس فقط....
ولكن من الواضح أنه لديه أسباب تجعله لا يصطحبها معه, يجب عليه أن يفكر فقط بمستقبله المهني!
تساءلت بحزن, هل فرونيكا تحب كارل؟ ولكن نظرياتها حول الزواج تشير الي أنها لا تعتبر الحب ركيزة الزواج الأساسية...والنظرة المادية تسيطر علي كل اعتباراتها الأخري, وكارل يمثل لها الزوج المثالي, كما أن جسده وجاذبيته تمنحها سببا إضافيا ومهما....
بدون شك كارل يشاركها نفس الرأي, ولقد أبعد الحب عن عالم أفكاره. وهذا بالنسبة له رأي حكيم ولن تكون معلمة صغيرة مثلها وبطيشها قادرة علي جعله يغير نمط حياته كلها.
بعد ذلك وصل جون وذهبا معا الي المرفأ حيث تناولا الغداء أمام البواخر الكبيرة وهما يثرثران ثم توجها الي الحوض الذي تكلم عنه جون وسبحا هناك بحرية لأنه لم يكن فيه الكثير منا لناس, وشعرت أليكس ببعض الراحة وتمنت لو تستطيع أن تقضي أياما طويلة وهي تعوم هكذا وتنظر حولها دون أن تفكر بشيء وتساءلت هل كان من الأفضل لها لو أنها سلحفاة أو دلفين , ثم اقترب منها جون وابتسم "ما رأيك لو نتابع زيارتنا؟ فالشمس أصبحت الآن أقل حرارة وأريد أن أريك شارعا مثيرا للعجب, يطلق عليه اسم بريجاكو. وبعد ذلك ستأكلين البوظة"
خرجا من المسبح وسارا في شارع ضيق ولم تدر أليكس الي ماذا تنظر, فكل المناظر التي أمامها رائعة. البيوت الحجرية المتراصة فوق بعضها وشرفاتها المليئة بالأزهار والغسيل المنشور علي الحبال الممتدة بين المنازل و فوق الشارع كأنها أعلام ملونة, والنساء اليوغوسلافيات يجلسن أمام أبواب المنازل يتحدثن ويحكن الصوف.
وكان الأولاد يلعبون علي الطريق ويصرخون ويمرحون, وبرغم هذا الضجيج يبدو الجو العام هادئا, كما يبدو وأن هؤلاء الناس يعيشون حياة بسيطة جدا.
توقف جون أمام واجهات المحلات يتأملون الأزياء المحلية, ولم تستطع أليكس المقاومة فاشترت تنوره وبلوزة رائعتين. ثم أكلا البوظة في قهوة يوغوسلافية جميلة.... نعم انه نهار رائع وستتذكره أليكس دائما, انه يوم عطلة حقيقي .