تمنت أن ترفض ولكنها لا تريد أن يقول عنها جبانة و فوافقت.
"عظيم وفي البداية يجب أن تعلمي بأنك لن تغطسي لأعماق بعيدة, فنفس واحد يكفي, ولا تتنفسي بعمق كي لا تشعري بالدوار, وهذه ستكون بداية سيئة.... واذا شعرت بضغط علي أذنيك أخرجي الهواء من أنفك, وعندما تعودي الي السطح انظري الي أعلي مباشرة وقبل أن تأخذي نفسا تخلصي من الماء الموجود في الأنبوب"
"أنت لست بحاجة الي بذلة هيا, سأساعدك أنا"
وساعدها في شد الحزام حول خصرها, فأحست برعشة قوية.
"حسنا سأكون معك كي تطمئني أكثر"
"فهمت"
وضع القناع علي رأسه وشعرت أليكس بالتوتر وهي تبتعد عن المركب ولكن لا يمكنها التراجع الآن...فهذه الغطسة بمثابة رمز, كيفية الأحداث التي قادتها هنا ولها معني خاص ينبئها بشيء سيغير مجري حياتها كله.
أخذت نفسا وغطست ودهشت بهذا العالم الذي يمتد أمامها وشعرت بأنه من المستحيل أن يشبهه أي عالم آخر علي الأرض التي تعيش عليها, وكانت تجدف بالبالمات التي في قدميها وتنظر حولها بدهشة لم تكن تتصور أبدا مثل هذه الروعة. وكانت مجموعة من الأسماك الذهبية تلمع علي الرمال تحتها , وكانت الأعماق مليئة بالنباتات والحيوانات التي تميل الي اللون الأحمر والبنفسجي والأزرق وكان الصمت كبيرا. ولكن يجب أن تعود الي السطح بسرعة مع أنها لم تر الكثير من هذا العالم, نظرت الي الأعلى كي تتأكد من أن لا شيء فوقها.
شاهدت في البعيد جسد كارل الذي يطفو فانضمت اليه وضحكت وأخذت نفسا استعدادا للنزول مرة أخري
"هاي !لحظة!" قال لها وهو يضحك ويمسك بكتفيها." يبدو أن هذا يعجبك"
"انه رائع..." ورفعت القناع عن رأسها" أنا لم أر في حياتي شيئا بمثل هذه الروعة, هذه الألوان, الأسماك, الرمال, الصخور ,الحشائش...كل شيء رائع, ولكن لم يسمح لي الوقت..."
"اذن في المرة القادمة ستحملين معك قارورة أكسجين وهكذا يكون بامكانك أن تقضي عدة ساعات في الأعماق"
"أوه ,نعم" وابتسمت مشرقة.
كان وجهها قريب جدا من وجهه, وكان لون البحر ينعكس علي عيون أليكس الخضراء ونقط الماء تتلألأ علي جسدها ,فنظرا قليلا في عيون بعض, وفجأة ضمها كارل الي صدره فشعرت بيديه تلفان خصرها, وتضمانها بقوة.
وانضمت الشفاه في قبلة طويلة وحنونة, فرفع كارل يديه الي ظهرها وضم صدرها اليه فشعرت بقليبهما يدقان علي نفس الإيقاع...أحست بأنها تعيش في حلم جميل .
جاءت موجة وضربت وجهيهما, فابتعدا عن بعض وهما يضحكان وظلت يد كارل علي كتفها, فحاولت أن تعيد القناع علي رأسها.
"دعيني أساعدك...أتريدين الغوص مرة أخري؟"
وافقت وهي لا ترغب الا أن تشعر بذراعيه من جديد.
ولكنها فقدت فجأة الاحساس بالسحر والروعة.
وتذكرت بأن كل هذا ليس سوي وهم عابر. ونزلت الي ذلك العالم الغريب, كل شيء أزرق وذهبي وجميل, وفكرت أنها لا تطيع الا نزوة صغيرة عندما ترمي نفسها بين ذراعيه, انها ردة فعل مؤقتة, وهي محاولة للتعرف علي هذا الرجل الذي وعدها باكتشاف عالم رائع, أما هو, فانه فقط يستفيد من هذه الفرصة عندما تتخلي فجأة عن خوفها وحذرها, وليس أكثر.
وعندما عادا الي المرفأ قالت لنفسها بأن مرة أخري لم تخدعها غريزتها.فهي تعلم منذ البداية اذا لم تهرب من كارل فورا فهي لن تستطيع أن تتخلص منه الي الأبد.وعرفت بأن هذا النهار الذي قضته معه هو يوم حاسم في حياتها.
لو أنها تستطيع فقط أن تستمع الي ذلك الصوت الداخلي. وكانت تتأمل مدينة دنبروفنيك ... ولكن حتي لو قررت أن لا تري كارل مرة أخري, فهي لن تستطيع التحرر منه وسيبقي في عقلها وفي قلبها حتي آخر أيام كانت تحملها الي عالم آخر يتحد فيه قلبيهما وبمثل هذه اللحظات ستمنحه عمرها. وكأن قبلاتهما رسخت صورته في قلبها الي الأبد,انها لحظات روحها.
نظرت اليه بحذر وهو يقود المركب الصغير نحو اليخت المانتا ,فقالت في نفسها أن كل أحاسيسها ليست سوي أوهام, فهي وحدها تشعر بالانفعال وبهذا الحب القوي. وفهمت وحدها أنه يجب عليها أن تتعلم العيش وحدها وبدونه.
وماذا يهم؟ فبعد كل شيء واذا كان كارل لا يبادلها الحب. فيكفي أنها تحبه, وتحس بحرارة هذا الحب وستظل تحبه طيلة حياتها حتي ولو ابتعدت عنه, وهي لا يمكنها أن تتأمل كثيرا.
وهي تعلم أيضا منذ البداية أنها لا تمثل بالنسبة له سوي مغامرة عابرة, وبأنها بكل بساطة جسد جميل فقط.
ولكن منذ وصول فرونيكا لم يعد لها هذه القيمة أيضا, فكارل وهذه الصحفية المتغطرسة يناسبان بعض مهما كانت تلك اللعبة التي يلعبانها, و أليكس لا يمكنها أن تفعل شيئا ولم يعد كارل يحدثها عن الخطوبة وهي بدأت تعتقد أن قصة الفضيحة في الجرائد كلها غير منطقية, وهناك تفسير آخر ,لقد تخاصم كارل وفرونيكا قبل سفره الي يوغوسلافيا وكل هذه المسرحية من أجل أن يتصالحا من جديد وبدون شك سينسيان بسرعة كل خصامهما.
كانت أليكس قد شعرت بقرب كبير من كارل فهذا النهار الذي قضياه في أشعة الشمس وهذه المجاملات وخاصة تجربة الغطس, كل هذا وكأنهما كائن واحد,و أدركت أليكس أن حماسها لعالم الأعماق البحرية أعجب كارل كثيرا.
وهذا شيء مهم بالنسبة له, وكان حديثهما أثناء العودة كله حول الاكتشافات والجولات البحرية, وشعرت أليكس في لهجة كارل حماسا لا حدود له, ولابد أنه يشعر بالإثارة في كل مرة يغطس بها وكما شعرت هي نفسها بهذه الغطسة الخجولة والآن لا ترغب الا في إعادة هذه التجربة. والغطس مرة أخري ولمدة أطول ولعمق أكبر.
أما الآن فالحلم قد انتهي....وعادا الي المانتا ,الي عالم المكر والخداع, والجزيرة الصغيرة أصبحت بعيدة, اقتربت فرونيكا من حافة المركب الكبير وكأنها تريد أن تسخر من أفكار أليكس.
"ها قد عاد المسافران"
رفعت أليكس نظرها نحوها فوجدت أليكس أن جمال فرونيكا يزداد في أشعة الشمس, وهي ترتدي تنوره من الحرير الأزرق وبلوزة منتفخة الأكمام مما يزيد من جمال جسدها, وكانت تضع حلقا يلمع تحت شعرها الأسود وتنتعل صندلا فضيا لا يتناسب أبدا مع الحياة علي المركب. بينما كانت أليكس ترتدي بنطلون شورت وبلوزة واسعة وكأنها طفلة صغيرة لكنها اذا أرادت أن تقلد ملابس فرونيكا فهي بالتأكيد ستكون مثيرة للضحك.
"مساء الخير,فرونيكا, هل قضيت نهارا جيدا؟" سألها كارل.
نظرت اليه فرونيكا نظرة طويلة,يبدو أن هذه السيدة الجميلة لا تثق بحبيبها كما كانت تعتقد أليكس.
"نعم,شكرا. وأنت؟"
"كان نجاحا كبيرا, ولقد أظهرت أليكس أن بامكانها أن تكون مساعدة ممتازة"
"مدهش كارل, لقد أرسل جون برقية ,فهو سيصل هذا المساء, ها أنا أري سيارة تاكسي, يبدو أنه وصل" قالت فرونيكا ببرود ثم التفتت الي أليكس وأضافت" ستنسجمين معه أليكس ...انه بمثل عمرك...وهو صبي لطيف"
خرج كارل لاستقبال جون"أهلا ,أهلا"
دخل الي الغرفة شاب نحيف, يشرق وجهه بابتسامة ودودة...وتنزل خصلات من شعره الأشقر علي جبينه.
"لم يخبروني سوي بالأمس فأسرعت قدر الامكان, وحضرت حقيبتي وعدتي التي كلفتني مبلغا كبيرا لشحنها بالطائرة...وأنا سعيد لأنني هنا! فلم أكن أعتقد أنني سأتمكن من الغطس هذا الصيف" وضحك بسعادة ثم التفت الي فرونيكا و أليكس "يبدو أنك لست بحاجة لي"
"أوه,بلي" أجابه كارل مبتسما.
شعرت أليكس بالهزيمة,ألم يقل كارل منذ قليل أنها مساعدة ممتازة؟ ولكن بالتأكيد ليست بمهارة هذا الغطاس الشاب, كما وأن جون هذا مصور فوتوغرافي.
"أنت تعرف فرونيكا بيرفيس , وهي هنا لتقدم لي المساعدة عندما أحتاج, وهذه أليكس,خطيبتي, والتي أظهرت اليوم بأنها ستكون في المستقبل السيدة الضفدعة و وهي طباخة ممتازة وستعد لنا أطيب الوجبات" ثم التفت اليها,فصرخت أليكس"أوه يا الهي" كانت قد نسيت تحضير العشاء ثم نهضت بسرعة
"سأحضر العشاء فورا. ستتناول العشاء معنا سيد..."
"ريدموند, أنت لم تتركي كارل يتابع تقديمنا لبعض ولكن بامكانك أن تناديني جون! بدون رسميات علي هذا المركب. وأظن أنني سأتناول العشاء وسأبقي هنا ,أليس كذلك كارل؟"
"بالتأكيد نعم! فأنا بحاجة اليك هنا, وليس في الفندق ولحسن الحظ لا تزال لدينا غرفة شاغرة, ولكنك ستحتفظ بعدتك معك لأنه لا يوجد مكان" ثم التفت نحو أليكس" لو تحضرين العشاء بسرعة يا أليكس, فجميعنا نشعر بالجوع"
وأخذ يتحدث مع جون عن مهنته, واتجهت أليكس الي المطبخ...وشعرت بأنها وحيدة ولقد تبددت الألفة التي كانت قد بدأت بينها وبين كارل منذ وصول فرونيكا, ولكنها تشعر ببعض السعادة لمجيء جون ,لقد أعجبها بوجهه المبتسم وهدوئه الذي سيجعل الجو أقل توترا. وهي تسمع الآن ضحكاته, وفرونيكا لم تحاول أن تمد لها يد العون في إحضار العشاء, و أليكس لن تعتمد عليها أبدا.
وهكذا جعل وجود جون الأجواء تتغير ولأول مرة شعرت أليكس بالراحة منذ لقائها كارل. وكان الرجلان يحتكران الحديث طيلة السهرة مما منع فرونيكا عن الثرثرة ولكن يبدو أن هذه الصحفية منزعجة.