9- الكلام المباح !
وجاء يوم الزفاف , كان يوما جميلا ومبهجا , وبالطبع لم تغمض لكيري عين , فقد سهرت الليل بكامله وهي تراقب النجوم تشحب في قبة السماء وخيوط النهار تنساب مع بزوغ الشمس , وأستلقت قليلا في فراشها ولكنها كانت كقطعة من الخشب اليابس , أعصابها متوترة وجسمها يرتعش من الأرتجاف.
وسمعت نقرات مالي على الباب فأنزلقت تحت الأغطية وتظاهرت بالنوم وكأنها تريد منع أحداث الغد , وبأصرار نقرت مالي الباب من جديد ثم فتحته ودخلت , كانت مرتبكة ومهتاجة ومع ذلك فقد أمسكت صينية الفطور بعناية كبيرة , وأدركت كيري أن لا فائدة من الأستمرار في التظاهر بالنوم , ورفعت وجها شاحبا ما كادت تراه مالي وتشاهد أخاديد الأرهاق عليه حتى قالت بحنان:
" ما الأمر يا عزيزتي كيري؟".
" لا شيء...... أنني عصبية لا أكثر ولا أقل".
وكانت كيري تعرف جيدا أن الأمر ليس مجرد أعصاب , فقد عاد اليها الخوف القديم بقوة وألحاح طوال الليل وكل ما كانت ترغب فيه هو الهرب والأختباء في مكان ما , وودت لو أن هناك جزيرة سرية في متاهات المستنقعات شبيهة بجزيرة السحرة ميتاني , ووضعت مالي الصينية على طاولة صغيرة الى جانب السرير فنظرت كيري اليها:
" لا أستطيع وضع لقمة واحدة في فمي".
" لا تكوني حمقاء فنحن لا نريدك أن يغمى عليك وأنت تسيرين الى جانب بول ساعة عقد القران".
" في أي حال أنا لا أتناول فطوري عادة في السرير".
" جميع العرائس يتناولن الفطور صباح يوم الزفاف ( ردت مالي وه ي تتوجّه نحو الباب وتهز أصبعها محذّرة ) الآن كوني فتاة لطيفة وتناولي الفطور بكامله".
وأبتسمت كيري أبتسامة باهتة بينما مالي تختفي وراء الباب , وشعرت وكأنها عادت الى أيام طفولتها عندما كان عليها أن تكون لطيفة وتأكل كل ما في صحنها من طعام , ومع ذلك فهي لم تعد صغيرة , ففي الطرف الآخر من الغرفة كان فستان الساتان الأبيض معلقا وهو الفستان الذي سترتديه لمدة قصيرة فقط , وأحست بالرعشة تنساب الى جسمها فدفعت صينية الفطور بعيدا عنها.
ولبرهة من الزمن ظلت مستلقية على ظهرها ويديها متشابكتين تحت رأسها , وتساءلت كيف وضعت نفسها في هذا الموقف؟ بكل تأكيد كانت كيري دروين قد أقسمت ألا تتزوج ولكن هذا القرار أتخذته قبل أن تلتقي بول دفرون , ولم تفهم مسار أفكارها ولا مشاعرها المشوشة , وكل ما بقي لها كان ذلك الخوف القديم والأكراه الطاغي الذي يمنعها من التراجع.
ورمت عنها الأغطية بحدة ونزلت من السرير , ووقفت تداعب شعرها ثم أتجهت نحو النافذة , كانت قفار المستنقعات الرمادية تترامى في البعيد , ولكنها لم تكت تمتد الى ما لا نهاية , فالطريق تصل الى رياستون حيث بول ينتظرها , وحاولت أن تهدىء مخاوفها وتدفنها في الماضي بعيدا عن المستقبل وتذكّرت حفلة الوداع التي أقامتها الشركة عند الأنتهاء من تصوير الفيلم , كانت سعيدة في تلك الأمسية , فقد جاء بول بلباسه الغجري الجذاب لأصطحابها من المنزل , وفي تلك الليلة رقصت وبول الرقصة الغجرية عند ألحاح الحاضرين.
وفي تلك الليلة ولفترة من الوقت أنزلق الزمن بسرعة وسط الألحان المثيرة المنبعثة من أوتار آلات الكمان , وكانت ثنايا تنورتها الفضفاضة تدور حولها كالدوامة وهي تقهقه عاليا وترمي برأسها المتوج بشعر ملتهب الى الوراء وتسرع خطاها الى الأنغام الغجرية الصاخبة , وهي تلاحق رشاقة الرجل الذي سيصبح زوجها , وتسارعت أيقاعات الرقص , كان هو الصياد وهي الطريدة والغلبة لمن سيدرك الآخر ويمسك به , وأحست بيدين قويتين تتشبثان بها فتباطأت الموسيقى وأصبحت ناعمة وأكثر حسية , وأدركت المعاني التي أنبعثت من عينيه السوداوين الدافئتين الخاليتين من أي عبث وسخرية , وتباطأت خطواتهما مع تباطؤ الموسيقى وقد غلفهما جو من السحر البعيد عن التمثيل والتصنع , وخفقت الموسيقة في همس ناعم وضعفت الأنوار ثم عادت تشع من جديد وسط قهقهاتهما وأنحناءهما تحية للحاضرين , وتنهدت كيري وقالت في نفسها أنه أذا كان بأمكان بول أن يجعلها تشعر بتلك السعادة فمن أي شيء كانت تخاف أذن؟ وتركت النافذة وعادت الى الطاولة الصغيرة وأخذت تأكل بدون شهية , الفطور الذي أحضرته لها مالي كان قد برد بدون مذاق ولكنها أجبرت نفسها على تناوله , فهي لم تكن تريد أن يغمى عليها وسط كل شيء , كانت فخورة وحتى لو أنها خائفة فلن تجعل ذلك اخوف يبدو عليها , وعادت مالي عبر الرواق وبعد قليل تناهى اليها صوت ماء جارية , ثم أقتربت وقع خطواتها وسمعت نقرا على الباب :
" أنني أعد حمامك يا آنسة كيري".
" شكرا".
وخرجت من غرفتها الى الحمام , وفيما كانت تمر أمام باب غرفة شقيقها ريك فتح فجأة الباب وأطل منه , كان يبدو أكبر سنا مما هو عليه بثيابه السوداء وشعره الداكن المرفوع الى الوراء , وفي عينيه نظرة قلقة وهو يعترض طريقها.
" كيري".
وتوقفت وألتفتت اليه , كانت لا تزال شاحبة اللون ولكن الهدوء الذي أنبعث من صوتها وهي تخاطب مالي قبل قليل أنتشر الآن على وجهها كدرع واق:
" ما الأمر يا ريك".
منتدى ليلاس
" هذا ما كنت أنا سأسألك عنه ( وراقبها قليلا وأزداد عبوسه) كيري هل أجبرك على الزواج منه؟ كنت أنا وكيل نغيظك بمثل هذه المواضيع ولكننا لا نريد , أعني لا نريد...".
ولم يتمكن من متابعة كلامه وقد وضعت كيري يدها على ذراعه .
" شكرا يا ريك, كل شيء على ما يرام , أنني أشعر بتوتر وهذا شيء طبيعي بالنسبة الى عروس في يوم زفافها".
وعندما هبطت السلم بعد قليل شعرت بتخدير يدب في مفاصلها , كان ثوب الساتان الأبيض بثناياه البراقة يصدر حفيفا خافتا وقد أنعكس بياضه على وجهها الرقيق وشعرها الملتهب الذي سرّح بعناية تحت الحجاب الشفاف المخرّم , وكانت تمسك برباطة جأش باقة الزهر الأبيض وتسير بخطى رشيقة ومتزنة , ولكن لم يكن يبدو في عينيها أي بريق من السعادة , كان وجهها متحفظا ونظراتها هادئة بشكل غير طبيعي , وبدت شبيهة بأنسان آلي شرب من مياه النسيان.
كان والدها ومالي يراقبانها وهي تهبط السلم , وبدآ يشعران بالقلق , ولم يتفوه أحدهم ببنت شفة طوال الطريق الى ريلستون حيث سيعقد قرانها هناك , وبعد حفلة الزواج كانت وبول سيقيمان حفلة في الفندق ومن ثم سيطيران الى لندن , وفي الصباح التالي سيسافران الى الولايات المتحدة حيث ترك بول طائرته الخاصة هناك , ومن ثم يأخذ بول عروسه بطائرته ويتوجه معها الى الكوخ الصغير في الجبال النائية.
ولما أقتربوا من المكان الذي سيعقد فيه الزفاف, أستقبلهم جمهور غفير وكان عليهم أن يشقوا طريقهم وسط الحشد الكبير بمساعدة بعض رجال الشرطة الذين يحاولون أبعاد المدعوين وأفساح الطريق أمام العروس وصحبها.
وترجلت كيري من السيارة الى جانب والدها بهدوئها غير العادي , وحتى عندما رأت بول لم تتغيّر ملامحها ألا حين لامس يدها وتوقف عند خاتم البلاتين الذي تلمع فيه حبات الماس والذي أختاره بنفسه بعد أن سمعها مرة تقول بجدية تامة أن أطواق الذهب تذكرها دائما بأرتال العبيد , وأحست كيري برعشة غريبة تسري في أوصالها وهي تسمع العبارة الأخيرة اليوم أعلنكما زوجا وزوجة , ورددت أسمها الجديد كيري دفرون وقد تناهى اليها صداه وكأنه غريب عنها.
وتوجها الى طاولة صغيرة فوقّعت كيري دروين أسمها لآخر مرة , ثم ضمّها بول الى صدره وكانت لمسته ناعمة ولطيفة وهو يضع يدها على ذراعه.
وظل الهدوء المخدّر يلازمها وهي تسير الى جانب بول ويتوجهان الى خارج القاعة ووراءهما الأشبينات الأربع وباربي أحداهن.
ولما خرجا من القاعة أستقلا على الفور السيارة التي نقلتهما الى مكان حفلة الأستقبال , كان الهدوء لا يزال يخيّم عليها , فتفوّهت بالكلمات التقليدية وقطعت قالب الحلوى الرائع وشربت نخب الجميع بأعصاب هادئة لم تكن تتوقعها هي بنفسها , ثم ودّعت الجميع وركبت هي وزوجها السيارة التي أقّلتهما الى المحطة , كانت نقصورتهما في القطار المسافر الى لندن من الدرجة الأولى وذلك من حسن حظها بعد الدقائق الخمس عشرة الماضية من التوتر التي عاشتها منذ مغادرتها حفلة الزفاف , وشعرت بالتوتر بشكل عنيف ولكنها لم تدر عما أذا كان بول يمر بالتجربة نفسها فهو لم يعط أي دليل على ذلك , وكان طوال الوقت يتحدّث اليها بنعومة دون التركيز على موضوع معين وكيري ترد عليه بأقتضاب , وعندما ألتفتت وألتقت عيناها بعينيه أبتسم وقال:
" هل شاهدت نسخة عن الفيلم؟".
" كلا".
" يا للأسف , كان عليك مشاهدتها , فقد أعترفت فالما أنك خنت وجودها".
وحدّقت كيري في وجهه ولبرهة من الزمن حلّت الدهشة محل القلق :
" أنا خنت فالما ( وهزت رأسها ) أعتقد أنها تتخيّل أشياء أو أنها أرادت أن تكون لطيفة معي".
وأبتسم بول من جديد:
" أن فالما لا تتخيّل أشياء مثل هذه ,أنها شديدة الغيرة عندما يتعلق الأمر بمستقبلها المهني".
" أوه ( قالت كيري بقلق ظاهر) أنني لم أقصد أيذاءها , أعني أنني....".
وضحك بول وأخذ يداعب خصلة من شعرها الملتهب:
" بالطبع أنت لم تقصدي ذلك , وفي أي حال أنها لا تكترث للموضوع".
" هل هذا يعني أن طوم سيعرض عليّ تمثيل دور آخر؟".
وبدت في رنة صوتها أثارة طافحة لدرجة أن بول قهقه عاليا وقال:
" أذن لقد أستحوذ النمثيل عليك , لقد قلت لك أنه سيتغلغل الى كيانك وسيجري في عروقك".
وأدركت أنه على حق , لقد تسرّب الى عروقها في هذه المدة القصيرة ,ومع ذلك فأن بريقه كان مصطنعا وسريع الزوال وسحره غريب جدا , وظهر على وجهها طيف تكشيرتها القديمة وقالت:
" أعتقد أنك على حق , ولكن هل تعتقد أن طوم سيعرض علي دورا ثانيا؟"." سوف تجدين أنه من الصعب الأفلات من طوم , فهو يفكر حاليا بأخراج فيلم يحكي أسطورة أغريقية قديمة
, هل تعتقدين أن يمقدورك تمثيل دور ديانا رمز الصيد عند الأغريق؟".
" بأمكاني أستخدام القوس والسهم".
قالت وهي تتذكر مهارتها بهذه الرياضة في أحدى حفلات الكرنفال ثم براعتها البهلوانية في السنة التالية وهي في القوزاق حيث ألتقت عيناها ولأول مرة عيني بول السوداوين وأنجذبتا الى بريقهما المتللألىء , وها هي الآن زوجته.
وفجأة عاد الخوف الذي كان منطويا في أعماقها الى الوجود , فأختفت الأبتسامة ورأى بول في ومضة عين طيفا من القلق يغلل وجهها , وعلى الفور أختفت أبتسامته هو أيضا , كانا جالسين الواحد قبالة الآخر وقبل أن تحزر ما كان ينوي عمله , ترك مقعده وجلس قربها وأمسك يديها وأدار وجهها نحوه , ولم تتمالك كيري نفسها فخفضت عينيها.
" أنظري اليّ يا كيري( قال بول بصوت ناعم , وتطلعت اليه بتردد فتابع) لماذا أنت خائفة مني؟ ألأنني أصبحت زوجك الآن؟".
ولهثت كيري وأختفت الألوان من وجهها , وحاولت أن تحرر يديها ولكن قبضته كانت ثابتة ومطمئنة في آن , فقد وضع بول فيها كل مشاعر حبه ورغبته وكذلك حنانه مما حمل ألى أفكارها المشوشة بعض الراحة والطمأنينة , كانت يداه تداعب يديها وكأنهما يهمسان في أذنيها:
" لماذا تخافين مني , أنني أحبك".
ورفعت عينيها نحوه وكانتا تهمسان بالشيء نفسه , وأرتسمت على شفتيه طيف أبتسامة وشدّها اليه قليلا , كان عليه أن يكون لطيفا مع هذه الأنسانة الصغيرة المتوحشة التي لم تعتاد بعد على قبضة الصياد.
" أنظري اليّ ( قال وصوته لا يزال ناعما ) هل أنا ذلك الغول يا كيري؟".
ونظرت اليه الى تقاطيع وجهه الداكن الجذاب والى عينيه السوداوين الدافئتين التي أرتسمت عليهما تلك الأبتسامة النزوية , والى قامته الرشيقة الصلبة كصلابة الفولاذ وعلى الرغم من خوفها شعرت بحبها يسيطر على حواسها , كان تفهّمه وأحترامه لها عاملين جديرين بالتقدير والمحبة , فأي رجل آخر كان بمقدوره أن يكون صبورا الى هذا الحد بالنسبة الى خوفها السخيف ؟ وأبتسمت بخجل:
" كلا يا بول ( وكان صوتها خافتا ليكاد لا يسمع وكان على بول أن ينحني أكثر لسماعها ) أنني مجرد جبانة صغيرة وحمقاء ".
وضمّها الى صدره بحنان وظل الى جانبها , وخلال الرحلة الطويلة حاولت كيري أن تعيد في ذاكرتها بعض تصرفاتها أثناء حفلة الأستقبال , وحاولت أن تسبر أفكار بول ولكن دون جدوى فكأن قناعا غريبا قد أسدل على وجهه.
وأخيرا وصلا الى لندن وأستقلا سيارة تاكسي الى الفندق , كان الفندق كبيرا وفخما وقد غرقت أقدامهما في ثنايا السجادة السميكة , وكانت شقتهما تطل على خضرة الحديقة العامة ومفروشة بذوق رائع , وبدت الحقيبتان اللتان كانتا معهما في القطار وحيدتين وسط السجادة الزرقاء الناعمة , أما بقية أغراضهما فقد وضعت في المطار.
وعبرت الى غرفة مجاورة وألقت نظرة الى داخلها , كانت غرفة نوم باللونين الأصفر والبني , وخفق قلبها بسرعة وأحمرّت وجنتاها فأغلقت الباب على الفور وهي تأمل ألا يكون بول لاحظ تصرفها , ولكنه لحسن حظها كان يتطلع من النافذة ويسرح بصره في الحديقة الممتدة في الأسفل , وألتفت لدى سماعه صفق الباب وسألها:
" هل أنت جائعة؟".
وتنفست الصعداء وقد ساعدها بول بسؤاله في تحويل أفكارها فهزّت برأسها :
" ليس تماما ولكنني أرغب في تناول بعض الشاي".
" هل تريدين الشاي في الغرفة أم تريدين تناوله في الطابق الأسفل؟".
" في الطابق الأسفل".
منتدى ليلاس
ردت بسرعة , وفكرت أن القاعة لا بد أن تكون مزدحمة بالناس وهذا يناسبها , فهي غير قادرة حتى الآن على مواجهة فكرة البقاء مع بول بمفردهما في الغرفة وبعد قليل هبطا السلم حيث يقدم الشاي وكان حديثهما متقطعا وشكليا كأي حديث يدور بين شخصين غريبين , وبعدها تمشيا عبر الحديقة الصغيرة القريبة من الفندق وأستمعا لبعض الوقت الى فرقة موسيقية كانت تعزف بعض الألحان وتابعا سيرهما حتى وصلا الى الجسر , وقفا قرب الحائط الحجري وسرحا نظرهما في المياه , كان انهر ينساب بهدوء وسكينة تماما كحياتها , هكذا فكرت كيري , وظهر في البعيد زورق صغير عريض الجانبين يتفتفت على الجانب الآخر يجر وراءه مركبا متثاقلا بحمولته , فتطلعا اليه بسكون ثم أبتعدا عن الجسر , وما كادا يقطعان بضعة أمتار حتى برز أمامهما برج يستدق في الفضاء , أنه أبرة كليوبارا , قالت كيري وقد تذكرته عندما زارت المدينة قبل سنوات خلت.
" غير أن كليوباترا لم تشيّدها".
ونظرت اليه بشيء من الدهشة:
" ولماذا أذن يطلقون عليها هذا الأسم ؟".
وهز كتفيه قائلا:
" لا أحد يعرف , لقد نسيت في الواقع من بناها". وعندما وصلا الى الفندق أحست من جديد بأعصابها على شفير الهاوية ولكنها أستطاعت السيطرة عليها ولو لبعض الوقت ,ولما قارب موعد العشاء أرتدت كيري ثوبها الأسود بحواشيه الفضية ووقفت أمام المرآة تنظر الى نفسها , كان الثوب يلف جسمها ويبرز وجهها الرقيق بشكل رائع للغاية ويسدل عليها مسحة من الأناقة الجذابة , ودخل بول من الغرفة المجاورة بقامته الممشوقة الجذابة وهو يرتدي سترة للسهرة في غاية الأناقة , ووقف يتطلع اليها بنظرة أعجاب ثم خطا اليها ومدّ يده الى وجهها فلامسه بنعومة ومرّر أصابعه بخصلات شعرها الناعم الأملس.
" أنك جميلة للغاية يا كيري دفرون".
وشعرت برجفة تسري في عروقها , لقد دعاها بكيري دفرون , وبدا لها صوته وكأن فيه نبرة الملكية الخاصة , وترك يدها وقال وهو يشير بذراعه :
" هل نذهب؟".
وبصمت أسندت يدها على ذراعه , وفي أي حال فهي لا تعرف ماذا سيقدم لهما من عشاء هذا المساء , ورقصا حتى شعرا بالتعب على أنغام أوركسترا رائعة ومع أنها كانت دائما مغرمة بالرقص ألا أنها هذا المساء كانت بعيدة عن أجوائه , كانت متوترة الأعصاب للغاية ومتعبة تشعر بثقل في أوصالها .
وفيما كانا يعودان الى مائدتهما نظر بول اليها وقال :
" هل أنت متعبة؟".
وأرادت أن تنفي ذلك لعلها تطيل الوقت بعد غودتهما الى الغرفة ولكن جفنيها خاناها على الرغم منها.
" أجل أنت متعبة ( رد معارضا ووقف على رجليه وتابع) أصعدي الى الغرفة وسألحق بك فيما بعد بعدما أعطي التعليمات بخصوص مغادرتنا الفندق غدا صباحا".
وبتردد وقفت كيري وأخذ بول ذراعها برفق وأوصلها الى أسفل السلم حيث تركها تصعد على مهل وعاد هو لينهي عمله , وفتحت كيري باب شقتهما بتثاقل وبأصابع مرتجفة , وعندما لمست يدها باب غرفتها البنية والصفراء شعرت بأرتعاش قوي يدب في أناملها لدرجة أنها فقدت السيطرة عليها.
وجلست أمام المزينة وفرشت يديها على المنضدة المصقولة ونظرت اليهما , وشيئا فشيئا وبقوة أرادتها أستطاعت أن تخفف من أرتعاشهما ولكن حالما وقفت على رجليها عاودها أرتجاف خفيف ففكت الزنار الضيق الذي يشد على خصرها , وبعد قليل سمعت بول يدخل الغرفة المجاورة وعندما قرع على بابها وفت في وسط الغرفة وهي تلف جسمها بمبذل أخضر باهت مطرز بحاشية بيضاء , وتيبست في مكانها وحاولت أن ترد عليه ولكن صوتها أبى أن يخرج من بين شفتيها , وشعرت بجفاف يقلّص حلقها وببرودة لاذعة تتسرب الى أوصالها , وقرع من جديد وبعد برهة برم مسكة الباب ودخل. كان يرتدي مبذلا أرجوانيا أبرز جمال أسمرار وجهه ونظر اليها ثم أنحدر نظرة الى قدميها حيث كانت تظهر الحاشية البيضاء , وأقترب منها وقد أرتسمت على شفتيه أبتسامة دافئة.
" أنت جميلة جدا يا كيري".
قالها كما تعوّد ولكن صوته هذه المرة كان ينعم بنغمة جديدة , نغمة جعلتها تغرز أظافرها في راحتي يديها , وظلت واقفة بلا حراك وهو يدنو منها ويمسك بذراعيها , وعندما أنحنى نحوها أرتدّت قليلا:
" لا يا بول أرجوك ( وأخذت تضرب صدره بقبضتيها الصغيرتين المسعورتين ) دعني أرجوك".
" كيري ( صرخ بول وهو يترك يدها ويمد يده نحوها ولكنها أرتدّت أكثر فأكثر الى الوراء) لا تنظري أليّ هكذا أيتها الصغيرة ( كان صوت بول ينم عن ألم كبير ) ليس هناك من سبب للخوف مني , فأنا أحبك بكل جوارحي".
أستيقظت كيري عند الصباح وقد أرتسمت تحت عينيها الظلال القاتمة , لم تكن تعتقد أنها ستعرف طعم النوم في تلك الليلة ولكن التعب الشديد بالأضافة الى كونها لم تنم في الليلة السابقة جعلاها في النهاية تغرق في عالم مظلم من النسيان كان بمثابة نوم عميق , وفتحت عينيها بتثاقل وكأنها تقاوم الرغبة في العودة الى الواقع وأندهشت من نشاطها , فقد تلاشى تعب اليوم السابق ولكن مشاكله بقيت مع الأسف , كانت هناك مشكلة زواجها وتعرف في قرارة نفسها أن الأمور لا يمكن أن تستمر على نحو الليلة السابقة.
وعبرت الى الحمام وأخذت دوشا باردا لعلها تسترد كامل حيويتها وجففت جسمها ثم أرتدت فستانها الرمادي الخاص بالسفر , وعندما ولجت الغرفة البنية الصفراء وأتجهت الى الغرفة الثانية من الشقة رأت مائدة معدة لشخصين وكان بول يقف عند النافذة , فألتفت عندما سمعها تدخل , ورأى ترددها فأشار بيده الى المائدة:
" تناولي طعامك أولا ثم نتحدث".
وتقدمت بتمهل نحو المائدة وهي تحاول قراءة تعابير وجهه كان مغلقا وطبيعيا , كان ممثلا بارعا لكي تحزر أفكاره الباطنية , وجلست الى المائدة وبدأت تأكل بدون شهية وتمنت لو كان في مقدورها مجاراة بول الذي بدا مرتاحا لا يتحدث بكثرة أو بسرعة ويكتفي بملاحظة عابرة بين الحين والآخر ثم يغرق في سكوته من جديد , وجرعت قهوة قوية ومحلاة وتابعت النظر اليه بدون فضول بينما كانت يدها الأخرى ملقاة في حرجها, وعندما أنتهت من جرع فنجان القهوة , تطلع اليها والأبتسامة تعلو وجهه:
" أترغبين في المزيد من القهوة؟".
وكان صوته عاديا ومألوفا كأنه أعتاد أن يتناول الفطور معها منذ سنوات.
وهزت برأسها:
" من فضلك".
قالتها بصوت خافت وهي تراقبه يسكب القهوة الساخنة في فنجانها , وعندما كانت على وشك أن تضع الملعقة الرابعة من السكر في الفنجان مد يده عبر المائدة وأمسك بمعصمها:
" لقد وضعت ثلاث معالق حتى الآن يا كيري".
وأحست بقوة أصابعه على معصمها فجمدت يدها وتساءلت عما أذا كان سيستخدم هذه القوة ضدّها أذا هي جافته ووأبعدته عنها من جديد , وخيم السكون عليهما الى أن فرغا من تناول القهوة , وأخيرا هبّ بول واقفا وتوجه الى المقعد قرب النافذة.
" أقتربي الى هنا يا كيري".
وأطاعت كيري وأقتربت وهي تجر خطواتها وجلست الى جانبه , ورفعت عينيها وقد أتسعت حدقتهما تحت تأثير شعورها بالخوف ولكنها ما لبثت أن خفضتهما الى يديها وكانتا لا تزالان متشابكتين بعصبية في حرجها.
قال بول أخيرا وبكل هدوء:
" أنت تعرفين بأنه من غير المعقول أن نستمر في علاقتنا كما فعلنا الليلة الماضية , أليس كذلك؟".
وهزت برأسها دون أن تتفوه بكلمة , ومن جديد رفعت عيناها اليه ثم خفضتهما بسرعة , وكانت عيناه تطفحان بالرقة والتفهم , وكرهت نفسها في تلك البرهة لجبنها وسألها بنعومة:
" لماذا قبلت الزواج مني؟".
وترددت قليلا , كان عليها أن تقول الصدق:
" لأنني أحبك".
" والليلة الماضية؟".
" كنت خائفة ( قالت دون أن ترفع عينيها اليه)".
" ولكنك لم تكوني خائفة عندما طابت منك أن تتزوجينني ونحن في الكهف( ورأى في عينيها تلك النظرة الخائفة والأرتعاشة تدب فيها فقهقه وأردف قائلا) أجل يا كيري كان بأمكاني أن أستبق الأمور وكنت قبلت بكل شيء , فلماذا أنت خائفة مني الآن ؟ ( وام تجب كيري فتنهد وهب واقفا) أعتقد أنها غلطتي أنا , فمن اللحظة التي أدركت فيها أنني أحبك في حفلة الكرنفال , عملت كل شيء لأجعلك تقاسمينني الحب دون أن أوفر لك فرصة للنضوج ,( وربت برقة على يدها وسحبها من المقعد ) لا تقلقي أيتها الصغيرة , أنا المذنب لأنني أردت أستعجال الأمور , وأخشى أنني ناورتك دون وعي وأدراك في أكثر من مناسبة , والآن عليّ أن أكون صبورا وسيأتي يوم ستنضجين فيه وتتغلبين على جميع هذه المخاوف وهي مخاوف سخيفة ( وأضاف بأبتسامة رقيقة ) ألا تذكرين ذلك اليوم الذي قضيناه في الكهف؟ ( ووقفت كيري أمامه حائرة لا تدري ما عساها أن تقول أو تفعل , وأدارها بلطف في أتجاه الغرفة الأخرى ) عليك الآن أن تنهي توضيب الحقائب قبل أن تفوتنا الطائرة".
منتدى ليلاس
كانت المياه الزرقاء ترتطم بغنج على المنحدرات المكسوة بالعشب والأشجار , ووقفت كيري وهي ترتدي سروالا فضفاضا وبلوزة رقيقة تنظر الى ذلك المشهد بكآبة وقد وضعت يديها في جيبي السروال.
فمنذ ثلاثة أيام وليلتين وصلا الى الكوخ الذي كان فيما مضى منزل بول في كندا , وفي الليلتين تمنى لها بول ليللة سعيدة دون أن يدخل الى غرفتها , والآن فأنها تشعر بخيبة أمل ممزوجة بشيء من الخوف , وكانتالطبيعة تسبح في سحر ضوء القمر وقد أسودت ظلال الجبال الشاهقة التي تحيط بالوادي , وهناك أيضا النداء الموحش الذي لاقى صدى في أعماقها , وحرّك أرتعاشاتها ساخرا من خوفها , كانت تود من أعماقها أن يكون بول الى جانبها ومع ذلك كانت تشعر بالخوف من أن تقف معه في ضوء القمر الهادىء في عزلة تامة عن بقية العالم , كانت تحلم في أن يضمها الى صدره فهو لم يقترب منها منذ أن غادرا لندن , وكأن أفكارها تناغمت معه , فأحست بوجوده الى جانبها وصوته يهمس في أذنها:
"أنها مناظر خلابة أليس كذلك؟".
وهزت كيري برأسها:
" أنها رائعة حقا".
وفجأة تركها وأختفى على بعد بضع خطوات بين الأعشاب الطويلة , وحملقت بد بدهشة ولكنها ما لبثت أن رأته يدفع زورقا هنديا صغيرا في الماء ويومىء اليها بالأقتراب , فخطت نحوه بفضول:
" في ليلة كهذه لا بد أن تلقي نظرة على الوادي من وسط البحيرة , أنه مشهد خلاب ستذكرينه طوال حياتك".
وساعدها على القفز الى الزورق وشعرت بالأرتعاشة المألوفة لدى ملامسته وتساءلت لماذا أذن ذلك الخوف؟ ولم يتفوها بكلمة حتى وصلا الى وسط البحيرة , وظلا صامتين وبدون حراك , وشيئا فشيئا أختفت الدوائر الصغيرة التي تركها ضرب المجذافين على سطح الماء وظلا بمفردهما غارقين في عالم من الأحلام , كانت صفحة البحيرة كمرآة سحرية وقد تعكس في أية لحظة أطياف مخلوقات قصص الجن والخرافات , وكانت قمم الجبال المتوجة بالثلج ترتفع عاليا في قبة السماء المرصعة بالنجوم وتتلألأ في ضوء القمر بعيدا عن عالم الأنسان.
وأحست كيري بأن السكون الغارق في التأمل قد بدأ يؤثر على مشاعرها بشكل غريب فأرتعشت أعصابها وخفق قلبها بسرعة , وبدون أن تلتفت عرفت أن بول كان ينظر الى جبل معين. أنه لوكار ( قال بصوت ناعم لم يعكر سكون الليل ) يقول الهنود أن في سفحه ترقد أرواح المقاتلين الشجعان الذين حاولوا أسر أميرة الثلج التي تعيش على قمته , وقد أقلعوا عن محاولتهم منذ زمن أما لأنهم أدركوا ألا فائدة من ذلك أو لأنهم ساروا في ركاب الحضارة".
" وماذا حلّ بالمقاتلين الشجعان؟".
" كلما شاهد أحدهم طيف أميرة الثلج سارع الى مطاردتها فتهرب هي منه بقذفه بالكتل الثلجية التي تنهار عليه , وفيما بعد جاء الرجل الأبيض وتسلق الجبل ولكن الهنود ظلوا يخافونه ولا يجتازون منطقة الثلوج , فهم يخشون مصادفة أميرة الثلج , وأي هندي تقع عيناه على الأميرة يتحتم عليه مطاردتها حتى الموت , والأميرة صفراء كالثلج وشعرها الأسود يتلألأ ببريق البلور الجليدي وعيناها بلون أنهر الجليد الخضراء , وقد عاد بعض الهنود ممن لمحوا الأميرة على المنحدرات المنخفضة ولكن كان عليهم فيما بعد أن يعودوا الى الجبل لمطاردتها , وآخر مرة حدثت مثل تلك المطاردة كانت قبل حوالي خمسين سنة , وقد أستطاع الهندي أن ينجو من كتل الثلج التي كانت الأميرة تقذفه بها وعاد الى القرية كما فعل غيره من قبل ولكنه عاد في اليوم التالي الى الجبل وأختفت آثاره منذ ذلك الحين".
قالت كيري:
" لربما وجدها ".
" من يدري لربما( كانت في صوته مسحة من المرارة) ولكن هذا الأمر بعيد الأحتمال , فلربما يرقد الآن في مكان ما تحت كتل الجليد والثلج التي قذفته بها".
ولم تقل كلمة فقد أحست أن كلامه كان موجها اليها , ولكنها لم تشعر أنها شبيهة بأميرة الثلج , كانت أعصابها ترتعش بشكا غريب وتمنت لو أنها بقيت بعيدة عن البحيرة.
سألت كيري:
" هل بأمكاننا أن نعود الآن؟".
كان صوته طبيعيا من جديد , وكيف لها أن تعرف أن تحت غطاء هذا الهدوء المصطنع كان بول هو أيضا يتلظى بنار العذاب ذاتها وأن شرارة واحدة كانت كافية لتفجير البركان.
وعندما بلغا الشاطىء فز منها وسحب الزورق من الماء ثم ساعدها على الخروج منه , ووقفت بين الأعشاب النامية تتطلع الى البحيرة فيما كان بول يسحب الزورق الى اليابسة ويضعه في مكانه.
" هل أعجبتك البحيرة؟".
كان في صوته بعض الخشونة ولكنها خشونة لم تثر في نفسها أي خوف , كانت غارقة عميقا في مشاعرها , وألتفتت نظر اليه وهو ينتصب واقفا بعد أن أعاد الزورق الى مكانه.
" كانت نزهة رائعة , وقد ذكّرتني بنزهة مماثلة قررت القيام بها مع ريك على جدول في الليل , ولكن ريك أصيبت بتخمة لكثرة ما أكل في ذلك اليوم فذهبت أنا وكيل بمفردنا و..".
وتوقفت فجأة ولم تتابع كلامها , ولكن سبق السيف العذل , لقد أدركت أنه من بين جميع الليالي , كان عليها ألا تذكر أسم كيل في هذه الليلة بالذات , وتنهد بول تنهيدة مخنوقة وبحركة عنيفة أمسك بكتفيها وشدّهما بقوة:
" كيري أنت أنسانة قاسية للغاية , كيف تذكرين أسم كلفن تريفريل في وقت كهذا؟".
كانت قبضته على كتفيها مؤامة فتحركت قليلا لعلها تتحرر قليلا منها ولكن دون جدوى.
" بول أنت تؤلمني".
" أذن انا أؤلمك ( رد بسرعة وهزّها بعنف ) ألا تفكرين بالألم الكبير الذي تسببينه لي؟ هل تعتقدين بأنني أستمتع برؤيتك وأنت تبتعدين عني؟ لقد حان الوقت لكي أتوقف عن معاملتك كطفلة صغيرة فأنت لم ولن تنضجي بمفردك".
وأنحنى اليها وشدّها الى صدره محاولا تخفيف خوفها , وقاومت كيري وهي تتخبط بين ذراعيه , ولكن قبضته كانت قوية , فكلّما تملّصت منه قليلا كان يجذبها بقوة نحوه , ثم حملها بين ذراعيه وصعد بها الى الكوخ.
ومع أنها كانت تتذكر جيدا محتويات الغرفة ألا أنها شعرت بأن هذه الليلة ستبقى محفورة في أعماقعا الى الأبد , لقد غاب كل شيء عن نظرها , الجدران الخشبية المزيّنة برسوم هندية والأرضية الخشبية التي لمعتها وصقلتها أمرأة نصف هندية جاءت من القرية عبر الغابة والأريكة المصنوعة على الطراز اليوناني وقد تكدّست عليها الوسائد ووضعت أمام موقد النار , وكانت هناك قطع أثاث أخرى حجبتها ظلال ألسنة النار في غبشة تلك الليلة , وأحست أن بول وضعها برفق على الأريكة وجلس قربها وسمعت ضحكته المداعبة تماما كما فعل في الفيلم الرومانب , ولكن هذه المرة كانت تعيش في واقع الحياة , كانت النار تتأجج في الموقد وتنساب حرارتها الى أعماقها والريح الثائرة تعصف في كيانها وشعرت أن ما حدث لها في الكهف قد عاد اليها بعنف جارف , وغابت في عالم آخر كله سحر وجمال لم يعد فيه أي أثر للخوف.
عندما قرع الباب , لم تتحرك كيري , كانت لا تزال نائمة وشعرها الملتهب منتشرا علىالوسادة وأبتسامة ناعمة تطفو على شفتيها , وبكل نعومة فتح بول الباب ودخل الغرفة , كان يرتدي ثياب ركوب الخيل ويحمل صينية صغيرة وعليها فنجان من الشاي وضعها بأحتراس على الطاولة الصغيرة , وتحركت كيري بينما كان بول ينحني فوقها وفتحت عينيها لتجد عيني زوجها الحالكتين تنظران اليها بشغف والأبتسامة عليهما , وردت له الأبتسامة وهي نصف غافية ورفعت ذراعها وطوّقت عنقه بكل جوارحها.
منتدى ليلاس
سألها بهمس:
" هل غفرت لي؟".
" مئة في المئة".
ورفعت نفسها قليلا وأتكأت على مرفقها ثم رأت الصينية على الطاولة :
" الشاي؟".
وناولها فنجان الشاي وهو يسرح نظره على زوجته الساحرة :
" ثوب النوم الذي ترتديه ليس محتشما كفاية".
وعبست كيري وقالت:
" هذا بالضبط ما قلته لفالما عندما أعطتني أياه كهدية عرس( ثم نظرت الى ثيابه وسألت ) هل سنركب الخيل؟".
" أذا كنت ترغبين".
" لم أكن أعرف أن عندك أحصنة هنا , أنت تعرف بأنني أعشق ركوب الخيل".
" الأحصنة موجودة في القرية الهندية , فالهنود يعتنون بها في غيابي".
ونهضت من سريرها وسارت حافية القدمين نحو النافذة فوقفت أمامه وهي تتثاءب بكس.
" يا له من يوم جميل , أجل أنني أرغب في ركوب الخيل".
" أذن عليك أن ترتدي ثوبا أكثر ملاءمة من فستان النوم الذي ترتديه الآن ( ووقف وراءها وطوّق خصرها بذراعيه ) وأذا كنت راغبة في حماية نفسك على افور عليك أن تتّخذي بعض الترتيبات الأمنية حالا وألا فأنني لست مسؤولا عن تصرفاتي".
وألتفتت كيري نحوه:
" أنا أحبك أيا كانت تصرفاتك".
وتغيّرت تعابير وجهه فجأة وهو ينظر اليها ورأت طيف عبوس يقطب حاجبيه.
" كيري أنا أعتذر عن ليلة أمس , ربما أنسقت مع عواطفي".
وأبتسمت وأسندت رأسها على كتفه :
" كلا لم تكن منساقا على الأطلاق , أنا التي كنت غبية صغيرة وفي أي حال أنا لا أشعر بأي غضب ولن أشعر في المستقبل".
وأذ عادت بذاكرتها الى ليلة الأمس أدركت كيري أنها عاشت ليلة أحلامها وأن الخوف لم يعد له وجود ورددت في نفسها كم أن تسلط الحبيب هو أمر مثير ومدهش.
وتركها بول وأتجه نحو الباب:
" سأسرج الحصانين ريثما تنتهين من أرتداء ملابسك".
وبعد قليل خرجت من غرفتها ودخلت الغرفة المجاورة وهي ترتدي البنطلون الأسود المألوف والبلوزة السوداء التي يعرفها كل شخص في ريلستون .
وأخذ بول يدها وقادها الى الخارج حيث كان جوادان أرقطان في الأنتظار , قال محذرا:
" سوف تجدينهما مختلفين قليلا عن سموكي .
ووثبت كيري الى السرج وما كاد الحصان يشعر بها حتى أخذ يثب وأرتسمت على شفتيها أبتسامة عريضة وشدّت اللجام بيد محنكة , وما أن أحس الحصان بأن الفارس يسيطر على زمام الأمور على الرغم من خفة وزنه , كف عن المقاومة غير المتوازية.
وسارا جنبا الى جنب الى أسفل الدرب ثم أختفيا في الغابة.
تمت