3 - لا ....... ليست جبانة
لم يحدث أي شيء يذكر بعد أن نزلا من الشرفة العليا , قد راقصها بول ثم أختفى ليتحدث الى فالما تاركا كيري في حيرة , ثم جاء كلفن وقد خامره أحساس خفي بالخطر وقادها الى حلبة الرقص , ولكنها كانت بسلوكها الأخرق المتعمد أن تتشاجر وأياه بشكل جدي لأول مرة في حياتها.
كان الوقت متأخرا عندما أوت كيري الى فراشها في تلك الليلة ومع ذلك أستيقظت باكرا , أخذت تطوف الغرفة وهي تحدق بصورتها في المرآة , كان هناك شيء غريب في منظرها لا يمت اليها بأي صلة بل بعكس صورة كيري دروين التي خرجت الى الوجود الليلة الماضية , وهي صورة تستحق أحتقارها الحالي لأنها كانت تعكس شخصية فتاة ساذجة يمكن خداعها بسهولة.
وشردت أفكارها نحو بول , أنه رجل يطفح رجولة والغرور هذه هي جاذبيته الداكنة.
وشعرن كيري , وكان شعور غريب عن طبيعتها , أنها تريد الهرب من واقعها فأخفت بسرعة رأسها بين يديها وسدّت منافذ تفكيرها , وفي أضطراب متزايد أبعدت كيري عنها أحساسات الأنوقة التي أخذت تنفجر في أعماقها لتزيد الهوة العميقة التي أنشقت فجأة تحت قدميها.
كان من السهل عليها أن تشعر بالغضب الآن وهي تفكر بحادثة السلالم عوضا عن ذلك الشعور بالسعادة التي أمتلكها في تلك اللحظة , ولم تكن الذراع التي طوقت خصرها هي التي أثارت في نفسها الرعشة بل كان غيظها منصبا على كون مقاومتها خارت وهي بين ذراعيه القويتين , كانت أنفاسه حارة ولم تتابع كيري تخيلاتها بل نهرت نفسها وهي تزمجر كيف تجرأة على معاملتها بتلك الطريقة.
وشعرت كيري بتحسن كلي بعد أن أجتاحتها تلك الثورة الناقمة حتى أنها أبتسمت أبتسامة مرضية , لقد أستطاعت الآنسة دروين وبعد جهد كبير أن تفسر سلوكها ومشاعرها بطريقة مرضية للغاية وقد لا يكون تفسيرها مرضيا بالنسبة الى كيري الليلة الماضية , كيري التي كبحت ثورتها بشدة وسحقت وسخر منها وكادت تمحى من الوجود.
وبعد أن أنجزت هذا العمل الشاق , عادت كيري الى فراشها وأستلقت عليه وذراعيها تحت رأسها وهي تفكر بالنهار الذي يبزغ أمامها وترفض كليا العودة الى الوراء وهو شعور كان من الصعب عليها مقاومته على الرغم من أرادتها القوية , والشيء الذي لم تكن ترغب في الأعتراف به بالطبع هو أن كل ما حدث الليلة السابقة كان خارج عن أرادتها .
وببطء أخذت أضواء الصباح تنتشر في الطبيعة وأرتفع قرص الشمس في السماء , وأنساب تغريد عصفور على شجرة قريبة تبعه تغريد آخر , ولبرهة من الزمن ساد السكون ثم عاد العصفوران بتناوبان على التغريد في أنغام حلوة وكأنها تشكر الربيع والحب والحياة.
ولكن كيري لم تكن تشارك في هذا الشعور , فزمجرت من جديد وضربت وسادتها , لقد باءت جميع محاولاتها للعودة الى النوم لتنسى أفكارها المضطربة , بالفشل.
منتدى ليلاس
وبدت كيري وهي مقوقعة تحت غطائها وكأنها شرنقة غمر رأسها شعر ملتهب , وأستلقت مجددا على ظهرها وقد تخلّت نهائيا عن فكرة العودة الى النوم.
لعنة الله على ذلك الرجل , قالت كيري في نفسها , لماذا لا يبقى خارج أفكارها ؟ هل عليه أن يقتحم أعماقها في كل لحظو وفرصة.
وقفزت من فراشها وهي تزمجر غاضبة وأسرعت الى الحمام فأغتسلت وأرتدت ثيابها على عجل , لقد بدا لها أن العمل السريع هو الترياق لأضطرابها خصوصا وهي في زيها القوزاقي ولكن شيئا ما في أوصالها كان لا يزال ثائرا ومتأججا.
وقبل أن تنزل الى الطابق الأسفل عادت ووقفت أمام النافذة , كان كلفن يتحدث الى أحد الخدم وعندما أنتهى من أعطاء تعليماته ذهب الخادم وبقي كلفن في مكانه , بدا أكبر سنا من قبل , كان سلوكه الليلة الماضية صبياني , أما هذا الصباح فبدا رجلا ناضجا.
وكأن حدسا نبهه الى عينين كانتا تراقبانه , رفع كلفن رأسه الى فوق وألتقت عيناه بعيني كيري , ويا للعجب كانت نظراته مختلفة أيضا هذا الصباح , ولبرهة من الزمن رأت كيري بريقا في عينيه لم يكن موجودا ليلة البارحة , وناداها قائلا:
" صباح الخير , ريك يتناول فطوره الآن".
" لقد أستيقظ باكرا".
وأرتسمت على وجهه طيف أبتسامة مترددة:
" أنت نسيت على ما يبدو أننا قررنا الذهاب في نزهة هذا الصباح ( وأختفت الأبتسامة الحائرة وحل محلها شعور من الشك) هذا أذا كنت ما تزالين راغبة في الذهاب".
وتقلّصت تقاطيع كيري , كانت تدرك تماما ما يعنيه ولكنها أختارت أن تتجاهل تلميحه لشيء ترفض الأعتراف به.
" ماذا تعني؟ بالطبع ما زلت أريد الذهاب معك , ولماذا أغيّر رأيي ؟".
ومع أن تعابير وجهه الغامضة أسترخت قليلا فقد بقيت مسحة مخيمة عليه لم تستطع فك لغزها.
ورد كلفن بسرعة:
" هذا أمر ر يمكننا مناقشته الآن".
عندما دخلت كيري الى غرفة الطعام كان كلفن قد سبقها اليها وجلس الى جانب ريك , ومن حسن الحظ أن الكولونيل نريفريل كان قد تناول فطوره باكرا وغادر المنزل , بادرها ريك:
" تبدين هذا الصباح بحالة أكثر طبيعية من أمس".
وحاول كلفن لفت أنتباه ريك بعد أن رأى الشرر يتطاير من عيني كيري , ولكن ريك كان مصمما على ألا يفلت هذه الفرصة الذهبية من يده لكي يناقش شقيقته في موضوع كان يعرف مسبقا أنه سيثير غضبها .
ونفرت كيري وقالت وذقنها بدأ يرجف من الغضب:
" وماذا تعني بالضبط؟".
ولم تكن لريك أية حساسية أتجاه ذلك الموضوع , لذلك أتكأ بمرفقه على الطاولة ونظر الى شقيقته بعينين مرحتين ساخرتين ورد قائلا:
" ماذا أعني؟ كنت أتحدث عن القطة الهائمة , لقد كنت في ذهول واضح للعيان الليلة الماضية تماما كبقية الفتيات الحالمات به".
وتطاير الشرر من عيني كيري ولكنها أدركت في اللحظة الأخيرة أنه من الأفضل عدم أعطاء أهمية كبيرة للموضوع لئلا تعطي ريك برهانا على تعلقها به , ولم يكن هو في الواقع قد خطر له أي شيء من ذلك القبيل , وحاولت دون جدوى السيطرة قليلا على أنفعالها فردت بنرفزة:
" حالمة بمن؟".
وعاود ريك الكرة وقال بأستهزاء:
" ومن تعتقدين؟".
ولم تتمكن كيري من السيطرة أكثر على أعصابها فأنفجرت قائلة:
" لقد ضقت ذرعا بمضايقاتك الصبيانية السخيفة".
وأندفعت خارجة من قاعة الطعام دون أن تمس فطورها , كانت ردة فعلها غريبة وغير عادية , فهي تتمتع عادة بشهية كبيرة عند الصباح لذلك فغر ريك فمه من الدهشة بطريقة كانت بدت مضحكة في ظروف أخرى ولكن الأمر كان جديا , لحقها كلفن الى الخارج.
وجدها في الطرف الآخر من الباب الرئيسي الذي يؤدي الى الأصطبلات , كانت جالسة على العشب غير آبهة بالضرر الذي قد يلحق بزيها , تضع رأسها بين يديها وهذا أيضا كان غير مألوف بالنسبة اليها , وعندما رأته يقترب منها قفزت من مكانها وقد بدت في عينيها دلائل الحذر الفطري وشعور بالخجل المتردد في قلبها , كانت تدرك أنها تصرفت تصرفا سيئا ومع ذلك فأن الأعتراف بالخطأ لم يجعلها تشعر بحالة أفضل , كانت في غاية الأرتباك على الرغم من القرارات التي أتخذتها عندما وبّخت نفسها بشدة باكرا هذا الصباح.
وبعفوية مد كلفن يده وكأنه يحاول أمساكها من الهرب ثم أبتسم وقال:
" لست بحاجة لتكوني حذرة مني يا كيري , أنت بالطبع تعرفين ذلك".
وتطلع اليها بنظرات رزينة وعميقة ردت عليها كيري بأبتسامة كئيبة وأعترفت قائلة بصوت خافت:
" نعم أنا أعرف ذلك , أعتذر يا كيل لم أقصد الثورة بتلك الطريقة... الواقع أن ريك جرح شعوري بموضوع حساس جدا , عادة أتقبل المضايقات وأنت تعرف ذلك ولكن لا أستطيع أن أتحمل حتى التلميح الى بول دفرون".
وعض كلفن على شفتيه بقوة , فهو أيضا له رأي في الموضوع ولكنه قرر ألا يبوح به , وسأل بهدوء:
" هل عانقك البارحة؟".
وأحمر وجه كيري مجددا وردت بعنف:
"لا بكل تأكيد".
" لا يمكننا القطع في ذلك , فقد هبطت معه من الشرفة الثانية وكان له متسع من الوقت لمغازلتك هناك".
" ولكنه لم يفعل بل ولم يتجاسر".
وأنفرجت أسارير كلفن على الرغم منه وهز رأسه وقال:
" أظن أن بول دفرون هو من النوع الذي لا يقبل تحديا ولا يرفضه , وهو أذا لم يعانقك فذلك يعني أن لديه سببا غير الخوف".
وعبست كيري وهي تعتقد أن كلفن يشك في كلامها وقالت بنبرة مؤكدة وهي تشدد على كل كلمة:
" أنه لم يعانقني وهذه هي الحقيقة".
وتحولت أبتسامة كلفن الى قهقهة عالية وقال:
" حسنا , أنني أصدقك , ولا أعتقد أن هناك رجلا , حتى بول دفرون , يجد في نفسه الشجاعة لمعانقتك".
وأرتسمت على وجه كيري أبتسامة مترددة وقالت:
" لا أدري من منا هو الأحمق الأكبر".
وشعر كيل بالأرتياح , فقد ذاب الجليد بينهما وقال:
" الآن وقد تلاشت العاصفة وتحولت الى دمدمة في البعيد , لربما أستطعت أن تخبريني بكل شيء عن القضية".
" لقد تبعني بالفعل الى الشرفة كما قلت , وأظن أنه كان متضايقا لأنني رفضت جائزة ذلك اليانصيب السخيف , ولكنه بدا لطيفا جدا معي وقد سايرته بدوري بهدف التخلص منه دون أن أترك له أي مجال للأسترسال في حديثه , وفي أي حال أنه كان يعتقد أنني واحدة من المتيمات به فأن تصرفي لا بد أن يكون قد أثناه عن أي عمل ينوي القيام به , وأعتقد أنني نجحت في خطتي , لا أظن أننا سنراه مرة ثانية".
ولمدة أسبوع لم تشاهد كيري بول دفرون ,وقد سمعت من مصادر عدة في البلدة أن فريق الفيلم السينمائي يعمل بكد لا يعرف الكلل حتى أنه لم يشارك في أي نشاط أجتماعي , وكانت كيري تتظاهر بعدم الأكتراث لأخباره ولكنها كانت دائما تصغي اليها.
وقد أستطاعت كيري خلال ذلك الأسبوع أن تغربل أفكارها , فهي غير قادرة على البقاء جبانة الى الأبد , ومع أنها قد ترفض مواجهة الحقيقة في الوقت الحاضر غير أنها أعترفت على الأقل بوجود تلك الأحاسيس الغريبة التي شعرت بها ليلة الكرنفال , وقد تلاشت كليا أو البعض منها , وهذا جزء من الواقع لا تزال تتردد في الأعتراف به , وكانت تحس بالذهول أحيانا عندما تجد نفسها تتساءل ماذا كان سيحدث لها لو أن بول عانقها وهما على السلم أو لو أنها كانت في القاعة ساعة سحبت الورقة الرابحة.
وفي غضون ذلك كانت الحياة تسير على رتيبتها , فكيري كانت تساعد مالي في شؤون المنزل وكذلك في المطبخ , وكان هناك عمل دائم في الصباح لا يترك لها مجالا للأمعان في التفكير ولكن بعد الظهر هناك متسع من أوقات الفراغ , وهناك كان يكمن الخطر , وكانت كيري غالبا ما تتأبط كتابا وتذهب الى الحدائق الوارفة الظلال تسعى جاهدة لتركيز أفكارها على كتابها دون سواه , وفي أحيان أخرى كانت تجلس في الغرفة الكبيرة ذات النوافذ العريضة والأرضية المصقولة حيث كانت أمها تمارس الرقص وحدها حبا بهوايتها , وكيري أيضا أستخدمت الغرفة , كان شعرها الناري يتطاير كاللهب وهي ترتدي لباس الباليرينا وترقص برشاقة وقد طفح وجهها بنضارة يافعة , فهي الى جانب هوايتها ركوب الخيل كانت تهوى الى حد بعيد الرقص أيضا.
ووقفت كيري بلا حراك على رؤوس أصابعها بعد أنتهاء الموسيقى , كانت تنتعل حذاء أمها الذي يناسبها كما تناسبها الأزياء الشفافة التي لا تزال معلقة في الخزانة , وهذه هي واحدة من المرات النادرة التي كانت ترتدي فيها فساتين نسائية , أرخت يديها مشت الى الصوة الملونة الموضوعة داخل أطار والمعلقة على الحائط , كانت مرغريت لامبير أمرأة جميلة وترتدي الثياب نفسها التي ترتديها كيري في تلك اللحظة , حذائين ورديين وتنورة بيضاء شفافة للبالبرين وتاج من الريش الأبيض على رأسها في دور أميرة البجع كانت الصورة بالنسبة الى كيري دروين وكأنها خارجة من أحدى حكايات الجن وكان يبدو من غير المعقول أن تكون هذه الصورة هي صورة أمها , ولكنها كانت دائما تحبها وتمتمت كيري بنعومة:
" أماه ليتني عرفتك".
ثم أبتسمت بشيء من الخجل وقد شعرت أنها تخاطب نفسها وعادت الى الحاكي لتقلب الأسطوانة.
منتدى ليلاس
وفيما هي واقفة أمام الحاكي , دخلت مالي الغرفة , ولم تبد أي دهشة لدى رؤيتها في الثوب الأبيض , وهذا يعني أنها كانت موافقة لأنها كانت تخوض حملة طويلة وشاقة لجعل كيري ترتدي التنانير وحتى الآن لم تنجح , وسألت مالي بعد برهة وعيناها معلقتان على الثوب الأبيض الذي أضفى كلى كيري مسحة من الأنوثة.
" هل ستذهبين اليوم الى ريلستون؟".
" أجل سأذهب( كانت كيري هي التي تقوم بشراء حاجات المنزل من البلدة , وتابعت) أعطني لائحة المشتريات وسأذهب حالما أغير ملابسي ".
" لست مضطرة للذهاب الآن , أنها حاجات غير ملحة".
ونظرت كيري الى ساعتها وهزت كتفيها وقالت:
" ليس لدي أي عمل أقوم به الآن , سأذهب وأسرج سموكي".
ووضعت اللائحة في جيبها وخرجت بعد أن غيّرت ملابسها .
كان جودي يقطع الأعشاب الضارة من الحديقة عندما مرت أمامه في طريقها الى الأصطبل , فتوقفت في نزوة عابرة وقالت:
" على فكرة أشكرك يا جودي على موضوع المفرقعة".
كان وجهها في غاية الجدية بخلاف عينيها , وأنتصب جودي واقفا ونظر اليها نظرة بريئة مبالغ فيها ورد:
" المفرقعة ؟ وماذا بشأنها؟".
وزمت كيري فمها علامة التقدير , فأملها لم يخب بالخادم الأمين , وتابعت:
" أن فرسان القوزاق الثلاثة يشكرونك من صميم قلوبهم".
وأتسعت عينا جودي الزرقاوان ورد بشيء من اللوم:
" تعنين تلك الليلة , كانت شمعات المفرقعة مبللة , أنت لا تظنين بأنني أفتعلت الأمر يا آنسة كيري؟".
وضحكت كيري ضحكة خافتة وحدقت به بنظرات مرحة وردت قائلة بنعومة:
" أيها العفريت يا جودي , أنت تعرف تماما ما أعنيه.... شكرا مرة ثانية.
ولم تحث الحصان في سيره وهي تغادر المنزل , فمالي لم تكن في عجلة من أمرها وكان اليوم جميلا لذلك تريثت كيري في طريقها , وكان الشعور بالراحة والهدوء يخيم دائما وبسهولة عليها وهي تدخل أرض المستنقعات ولكن اليوم لم يدم ذلك الشعور طويلا , فعلى بضعة أميال من ريلستون وقع بصرها على فريق الفيلم من البعيد , وللحظة شعرت بدافع خفي يحثها على التوجه الى حيث كان يعمل الممثلون ولكنها ما لبثت أن ضبطت نفسها , فهم على الأرجح لن يسمحوا بدخول الزوار غير المأذون لهم وفي أي حال لا يوجد أي شخص هناك ترغب في زيارته كصديق.
لا أحد ؟ كان صوت خفي يهمس في مخيلتها وشعرت كيري بشيء من السخط.....
أجل لا أحد شددت كيري على الكلمة , حتى ولا بول دفرون , وعلى الأخص بول دفرون ,ووقفت مشدوهة عندما أدركت أنها كانت تتمنى بشيء من السرور رؤيته من جديد.وقالت لنفسها : أنك تتلهفين لبعض المشاكل يا صغيرتي , وأخذت تبتعد عن المكان وهي تردد : بحق السماء لماذا أنوق لرؤية بول دفرون مرة ثانية ؟ ولكنها ما كادت تسير بعض الأمتار حتى أستدارت قليلا لتلقي نظرة الى الوراء وعندها دركت فجأة الخطر الذي يحدق بفريق الفيلم , وحتى في تلك اللحظة لم تدرك الخطر على الفور , فمن المكان الذي تقف فيه كانت الأرض على بعد قليل تنزلق بحدة وبشكل خطير للغاية , وكانت بعض التلال تحيط بالمكان تغطيها الأعشاب الكثيفة حيث كانت الطريق الضيقة المؤدية الى مكان التصوير تتفرع الى ثلاث سكك صغيرة مخفية المعالم , وكانت فالما كنت تتقدم دون أكتراث على أحداها , وفجأة أدركت كيري مكمن الخطر فأصفر وجهها وبدون تردد حولت سموكي واندفعت به الى جانب التلة , كانت فالما بعيدة في السكة التي تسير عليها وكانت الكاميرات تلحق بها على بعد أمتار قليلة وتلتقط لها صورا عن بعد.
وتمتمت كيري ( يا لهم من أغبياء) وكانت تلهث وهي تتوقع أن ترى الممثلة الشقراء تتعثر فجأة وتهوي في المصيدة الخفية القريبة جدا منها تماما في هوة غورني بوغ القاتلة ألم يروا اللافتة على الطريق؟
وحاولت كيري وهي تنهب الأرض أن تلوح بيديها لتلفت أنتباههم فالسكة التي كانت عليها فالما هي أخطر السكك الثلاث وكان بأمكانها أن تقع في أية لحظة في الحفرة الخفية , وحاولت الصراخ والتلويح في آن واحد وكل ما حصلت عليه في المقابل , تلويحة ودية من طاقم الفيلم الذي كان منهمكا في عمله غير مدرك لما يجري حوله , ثم رآها طوم ماريوت مسرعة نحوهم فلوّح لها بشدة في محاولة لأبعادها عن مكان التصوير , ومهما كان مشهدها رائعا وهي تقود حصانها بتلك الصورة الجنونية فهو لم يكن يستسيغ ذلك لأنه سيفسد اللقطة.
وأخيرا سمع ما كانت تقوله كيري وعلى الفور أنتابته رعشة من الخوف خطفت الألوان من وجهه وجعلته شاحبا كالموت.
" فالما على سكة خطيرة".
وتعالت صيحات عالية فوق ضجة الكاميرات وتوقفت فالما وألتفتت الى الوراء , وبكل بطء وحذر رجعت على أعقابها , وكانت كيري أكثر الحاضرين توترا فهي وحدها تهرف خطورة السكة , فأي أنحراف الى أحدى الجهتين يعني الموت.
وفي تلك اللحظة تقدم رجل طويل القامة أسمر الوجه يرتدي زيا من أزياء الغجر في السكة , فصرخت كيري من جديد.
" أنها ضيقة ولا تتسع لشخصين".
ولكن بول دفرون لم يتوقف , وأحست كيري أن شعور العداء الذي طغى عليها خلال الأسبوع قد تلاشى في تلك اللحظة وحلت محله وخزة من القلق الحاد.
وتعثرت فالما في اللحظة التي وصل اليها بول , ومد يديه نحوها وثبتها في مكانها , وبخطى وئيدة سارت أمامه وقد شحب وجهها ووصلا بعد مشقة الى الأرض الصلبة , كانوا جميعا جابسين أنفاسهم وما أن زال الخطر حتى تنفسوا الصعداء , وجمعت فالما قواها وأبتسمت وهي ترد على طوم ماريوت الذي بدا عليه القلق الشديد.
" أجل أنا بخير , أنا دائما أشعر برعب من المستنقعات".
ورد طوم على الفور:
" ولماذا لم تخبريني بذلك , كنا أستخدمنا بديلة عنك".
وأجابت فالما بعزيمة عنيدة :
" أنا لا أؤمن بالبديلات ليقمن بأدوار أكاد لا أخاف منها , ولو كان الأمر يتعلق بشيء لا أستطيع القيام به فذلك أمر أوافق عليه ولكنني أستطيع السير في أرض المستنقعات شرط أن يكون الدرب الصحيح".
ووقف ماريوت أمامها بقامته المربوعة وقال بعبوس :
" سنستخدم بديلة , أنه القرار النهائي , سنستخدم بديلة عنك لهذه اللقطات".
" كلا لا أريد".
وتحرك سموكي بتململ وفجأة شعرت كيري أنها وحيدة وما من أحد مهتم بوجودها , فكل الأنظار كانت مركزة على فالما وماريوت , كانت كيري الشخص الغريب عن الطاقم تقف بعيدا عنه , فنكزت سموكي وهمّت بمغادرة المكان دون دعوة وبدون مراسيم , تماما كما وصلت ولكن يدا أمسكت بها وأوقفتها , ونظرت الى جانبها فرأت بول دفرون قد أقترب منها بهدوء ووقف وراءها , وفي تلك اللحظة تمنت كيري لو أنها هربت دون أبطاء.
قالت كيري وهي تلوي شفتيها بطريقة تعني فيها أن مثل هذه الحوادث يمكن أن تحدث للمثلين :
" حسنا.....".
وضاقت حدقتا بول , لقد كان أذن على صواب , لقد وبخت الآنسة دورين نفسها على ما يبدو على هفوتها ليلة الكرنفال , كان عليه أن يستغل الأنتصار الذي حققه ويتصل فورا بها في اليوم التالي عوضا أن يترك لها المجال لتعزيز موقفها , ولكن الأعمال كانت كثيرة وهو لم يترك في أي من الأوقات مشاكله الشخصية تتداخل في مهنته ما لم تكن القضية في غابة الأهمية , كان غنيا بما فيه الكفاية مما يجعله لا يكترث كثيرا للمال في حال توقفه عن تمثيل فيلم آخر , ولكن طوم ماريوت قد وظف أموالا طائلة في مشروعه الحالي , لذلك فهو يدرك مسؤوليته الكبيرة كنجم في الفيلم .
وتطلع بول الى كيري وقال فجأة :
" أنت يا جبل الجليد , ما هي المشكلة الآن ؟".
وتطلعت كيري الى البعيد رافضة أن تنظر الى عينيه , لقد أحست أن نبرة صوته كانت تنم عن شيء من التسامح العاطفي ولكنها رفضت أن تسيطر عليها.
" لا شيء على الأطلاق , لماذا تعتقد أنني أشكو من أمر ما؟".
" هذا ما أتساءله! أنت مخلوقة محيّرة يا كيري , لقد أثرت قضية ضدّي خلال الأسبوع الفائت , هذا ما أشعر به , ما هي المشكلة؟".
وتململت كيري في جلستها , لقد أربكها حدسه العميق وأرعبها في آن واحد , فهي لم تستسغ قدرته على قراءة أفكارها بهذه السهولة كما لو أنها صفحة من كتاب مفتوح أمامه , وردت وهي تحاول أن تبقي رنة اللامبالاة في صوتها دون قناعة من نفسها:
" أنا لا أدري عما تتحدث عنه , في أي حال لماذا تعتقد أنني أود أثارة قضية ضدّك كما تدّعي؟".
" هذا ما أود معرفته , حتى المجرم له الحق في أن يدافع عن نفسه يا كيري".
" لم أسمح لك على ما أعتقد بأن تناديني كيري".
" أذن آن لك أن تسمحي لي بذلك , وحاولي أن تتوقفي عن النظر اليّ بكبرياء ( وقبل أن تتمكن من أيقافه كانت يداه القويتان تمسكان بها وترفعانها عن السرج كالريشة وتنزلانها الى الأرض وهو يقول ) هذا أفضل , كنت تخلقين في نفسي عقدة النقص وأنت جاثمة فوق صهوة الحصان ".
منتدى ليلاس
وبعفوية ظاهرة أرتسم طيف أبتسامة ولكنها أستطاعت أن تقول :
" أكاد لا أتصور أنك تصاب بعقدة النقص أيا كانت الظروف ".
" ها قد عدنا مجددا , أيتها السيدة الصغيرة أذا أستمريت على هذا النمط فسأضطر الى اللجوء لطريقة أخرى تجعلك تفقدين أعصابك عن حق".
وتلاشت رباطة جأش كيري في حمرة الخجل وقد أمسك بول بأحدى يديها وشدها دون أن تجد في نفسها القوة لسحبها وقال بهدوء:
" كيري هلاّ قلت لي ما الذي يثيرك ضدي؟".
وبلعت كيري لعابها بصعوبة , كان بول جادا في قوله الآن ووجدت أنه من الصعب وقف الضعف الذي أخذ يسيطر عليها حتى أن الحجج الساخرة والواهية التي غالبا ما كانت ترددها لم تعد تنفع الآن .
" ألا تنوين أن تقولي لي ما يثيرك ضدي ؟ ألآنني بول دفرون ؟ ( وبرقت عينا كيري وهي تنظر اليه , فأبتسم وأضاف ) لست سيئا كما يروّج البعض وأنت تعرفين ذلك , أنه صيت غزته الدعاية وبعض الحوادث التافهة لم تكن تعني شيئا في البداية قبل أن تضخمها الأشاعات".
وبصورة خارجة عن أرادتها طفح وجهها بأبتسامة عارمة وردت بوقاحة :
" لا دخان من غير نار".
وأعترف بول بأيماءة كئيبة يرثى لها:
" أخشى ذلك أيضا , أنني أنسان من لحم ودم".
أنفجرت أساريرها بأبتسامة عريضة تحولت على الفور الى ضحكة عالية , ورويدا رويدا وبعناية كبيرة أخذت المصيدة تطبق عليها.
" رائع ( قال ول وأضاف) والآن هل تعتقدين بأن بأمكانك أن تقولي لي لماذا تكرهينني؟".
" أنني في الحقيقة لا أكرهك ( كان صوتها خافتا ولم ترفع رأسها عن الأرض ) أنه مجرد... أنك ممثل سينمائي وكنت أجهل.....".
وتقطعت نبرات صوتها فأخذ بول يدها الأخرى وتابعت بسرعة:
" كنت أظن أنك غاضب لأنني لم أشأ أن تعانقني ".
ووضع بول سبابته تحت ذقنها ورفع رأسها وقال:
" سأكون دائما صادقا معك يا كيري , هل تصدقينني؟".
وتمتمت كيري بخجل وهي تبعد نظرها عنه ولكن لسبب آخر:
" أجل أنني أصدقك".
وأغتنم بول الفرصة وقال:
" أما فيما يتعلق بالقضية الأخرى. فأنني دائما أسدد ديوني".
" ذلك دين لن تسدده على الأطلاق".
وخرجت الكلمات من بين شفتيها بقوة متحدية ولو كانت لديها الخبرة الكافية لأدركت الخطر الكبير الذي قد تتعرض له من جراء ذلك التحدي , ولمعت عيناه ورد قائلا:
" وكيف ستمنعينني؟".
وأخذت يداه تداعبان يديها برفق فشعرت كيري أنها بدأت تفقد ما تبقى لها من سيطرة وأنتابها أضطراب شديد فردّدت في نفسها أن ما يحدث لها أمر غير معقول.
وألقت نظرة عصبية حولها , بكل تأكيد أنه لن يعانقها أمام الجميع ؟ ومع أن أفراد الطاقم توجهوا نحو المطعم المتنقل على مسافة قريبة ألا أنهم كانوا على مرمى حجر منهما , وعادت وكررت في نفسها أن وجود الآخرين قد لا يردع بول عن عمله فهو معتاد على المشاهد العاطفية أمام أعين الجماهير.
وفي الوقت الذي أخذ العجز يتحوّل الى شعور يائس , ترك بول يديها ووقف ينظر اليها بشيء من المرح الساخر وهو يقول:
" لا تقلقي , فعندما سأقرر دفع ديني فذلك لن يكون أمام أعين الناس , ( وتعمقت السخرية في عينيه وهو يرى الأرتياح وقد أرتسم على محياها من جديد ) لقد أردت الآن أن أعاملك بالطريقة نفسها أي كجبل من الجليد , فنحن متساويان , هل نعقد الصلح؟".
ومد يده نحوها غير أن كيري أبقت يدها متدلية على جنبها وقالت بأبتسامة :
" حسنا أنني أعدك بذلك".
وبعد هذا الأتفاق مدّت كيري يدها نحوه فأمسك بها بول وضغط عليها ولكنه ما لبث أن حررها قائلا:
" الآن وقد أصبحنا صديقين فهل تقبلين دعوتي لتناول العشاء غدا مساء؟( ورأى التردد على محياها فأضاف مطمئنا ولكن مع أبتسامة مداعبة) الدعوة ستكون في مكان محترم , في الفندقمثلا حيث نستطيع الرقص أيضا , ولكي تشعري بالأمان سأدعو أيضا فالما وطوم كحارسين كما أعدك بأعادتك الى المنزل قبل منتصف اليل , هل أنت موافقة؟".
وأبتسمت كيري بخجل وقالت بأحتشام:
" شكرا , لقد قبلت الدعوة".
وأحست بالدهشة تنتابها وبشيء من الأرتباك , عندما أدركت أن أول موعد لها في حياتها سيكون مع بول دفرون نفسه .
" حسنا , سآتي لأصطحبك غدا الساعة السابعة والنصف مساء , يبدو أنه وقت الطعام , هيا معي وبأمكانك أن تخبرينا عن المستنقعات واللافتات المحذرة المنسية".
وبدون أية مقاومة سارت كيري الى جانب بول في أتجاه المطعم المتنقل.
كانت مالي تعمل في المطبخ تعجن الطحين وهي مشمرة عن ساعديها عندما دخلت كيري ورمت بنفسها في مقعد وحدقت في جزمتها المصقولة بمزاج معكر , ولم تتفوّه مالي بكلمة حتى أنها لم ترفع رأسها عن الوعاء , فهي تعرف جيدا أن كيري سوف تفتح لها قلبها أذا كان هناك من أمر يثقل كاهلها , وأخيرا قالت كيري:
" مالي ماذا كنت سترتدين لو أنك دعيت لفندق غالغرتون لتناول العشاء ثم الرقص؟".
وتوقفت مالي على الفور ولكنها عادت الى الوعاء وكأن السؤال من النوع الذي كانت كيري تطرحه عليها كل يوم مع أن صوتها هذه المرة كان ملحا في اللامبالاة أكثر من أي يوم آخر.
ردت مالي وهي تتساءل عما تقصده سيدتها الصغيرة:
" فستانا خاصا على ما أعتقد".
" حسنا ( قالت كيري وكان دماغها يعمل بسرعة هائلة وتوصلت في النهاية الى قرار مرضي فأضافت بفرح ) أذن أنا لست مضطرة للذهاب , فأنا لا أملك فستانا خاصا".
" لست مضطرة للذهاب الى أين أيتها السيدة الصغيرة؟".
ودارت كيري على نفسها وفجأة رأت والدها الذي جاء من الحديقة على نحو مفاجىء متكئا على باب المطبخ , وشعرت بالتوتر والقلق وهو ينظر اليها بعينين متسامحتين .
" أين قلت أنك ستذهبين ثم عدلت عن رأيك؟".
وكست وجه كيري حمرة الخجل تحت وطأة أنظار والدها الثاقبة , فوثبت واقفة وتمتمت بتلعثم وبشيء من الغموض:
" ليس الى مكان معين".
" دعك من هذه المراوغات , أين كنت تزمعين الذهاب ثم عدلت؟".
" لقد دعاني بول دفرون لتناول العشاء ولكنني لا أملك فستانا لائقا لذلك فأنني لا أستطيع الذهاب".
" تعالي معي يا كيري , سنتحدث قليلا , ( قالها بلهجة آمرة)".
وجرت كيري نفسها الى جانب والدها خارج المطبخ عبر الرواق الذي يؤدي الى مكتبه.
فتح الباب وأومأ اليها بالدخول , وبنظرة تنم عن الخوف , دخلت كيري المكتب كما أمرها والدها , هنا أيضا كانت صورة كبيرة لأمها داخل أطار وقد أرتسمت على وجهها أبتسامة عابثة , معلقة على الحائط , وبصورة تلقائية ردت كيري الأبتسامة ثم تذكرت جدية الموقف فجلست على ذراع كرسي مستقيم الظهر ونظرت الى أبيها , كان يحدق هو الآخر فيها محاولا أخفاء الأبتسامة عن وجهه.
" والآن ....... ( قالها بلهجة صارمة ) لنعد الى موضوع الذهاب وعدم الذهاب".
" أجل ماذا؟".
" لنبدأ من البداية , أعتقد أنه لم يكن هناك أي أكراه , أيا كان , أجبرك على قبول تلك الدعوة , أليس كذلك؟".
" كلا لقد قبلت بأرادتي".
ونظر اليها مليا وقال بلهجته القاسية التي لم تلن:
" والآن فأنك لا تريدين الذهاب؟".
وتململت كيري في جلستها وحدقت في يديها بعبوس وتمتمت:
" لا أدري".
" هذا ليس عذرا ( قال ريتشارد وهو يجلس وراء مكتبه دون أن يحيد بصره عنها وأضاف ) ألست معجبة ببول دفرون؟".
لقد بدأ الحديث ينزلق على دروب خطرة , وتمنت كيري لو أنها أستطاعت عدم الرد على السؤال ولكنها أدركت وهي تعرف والدها جيدا ألاّ مفر من الأجابة , فهو في أنتظار جواب وجواب صحيح وصادق.
" كلا... ( قالت وهي لا تجرؤ على النظر اليه ثم أضافت بتردد) أجل .... أعني أنا لا أعرف , أنني أستلطفه عندما أكون بقربه ولكن عندما أبتعد عنه أحس بتغيير".
" رأيي هو أنك تتخبطين في أمر يا عزيزتي الصغيرة , وهذا الأمر هو مجرد جبن , فأنت تخافين من تقبل بعض الملاحظات اللاذعة حول موعدك الأول خصوصا بعد ملاحظاتك أنت بهذا الخصوص , أليس كذلك؟".
" كلا , هذا ليس صحيحا , يبدو أنك تدفعني لتناول العشاء مع رجل لم تلقاه بعد ويتمتع بصيت مثل صيت بول دفرون".
ولمعت عينا ريشارد دروين بغضب وقال :
" أنت ما زلت في عمر لا أتوانى معه من تلقينك درسا مفيدا أيتها الصغيرة , وفيما يتعلق ببول دفرون فعلى الرغم من أنني لم أعرفه أبدا فقد تحدثت مطولا مع الكولونيل نريفريل في هذا الموضوع , أنا على أتم الأستعداد لأثق برأيه , أنه يستلطف بول دفرون ويثق به , فهل كنت تعتقدين أنني سأشجعك على الخروج مع أي شخص أجهل كل شيء عنه ... خصوصا بعد الذي حصل في حفلة الكرنفال".
وثارت كيري من جديد وردت:
" لم يحدث شيء في الحفلة".
ونظر اليها بطرف عينيه , ورد قائلا:
" يجب أن تشكري بول دفرون على أنه لم يحدث شيء , لقد نظّم اليانصيب بروح التسلية وكان قدم لك خدمة كبيرة لو أنه عانقك أمام الجميع عندما عاد الى القاعة , لقد جعلت الصحف منه موضوع سخرية وتندر".
" هل فعلت ذلك؟".
" بالطبع , ولو أنك قرأتها لعلمت بالأمر".
وعادت كيري وسألت بصوت خافت:
" وماذا قالت الصحف؟".
" كالعادة , ( عاشق هوليوود الذائع الصيت تصده فتاة من ديفون مورس) وعنوان آخر ( بول دفرون يحصل على " لا " قاطعة , ( وهزّ كتفيه وأضاف ) لقد سخرت الصحف كثيرا من موقفه , ولكنه قابل هذه الحملة بشجاعة فائقة , والآن جاء دورك , فقد تواجهين سخرية لاذعة ".
وفكرت كيري في الموضوع مليا , لم يطرأ على بالها أن بول هو الذي سيتحمل أكثر منها نتائج العشاء , هذا أذا قبلت في النهاية الدعوة , ولكن يبدو أنه لا يوجد أي شك في أنها ستقبل الدعوة , فكرامتها تملي عليها واجب الذهاب ليس فقط كرامتها فهناك بالطبع متعة في حد ذاتها , وقررت كيري أن تتوقف عند هذا الحد.
" أنا آسفة يا ألي ( وتمتمت متلعثمة ) أعتقد أنه.... بسبب خجلي , أعني أنه غريب تماما بالنسبة الي".
وضحك دورين وبحنان وضع يده حول كتفيها وقال:
" بالطبع كل فتاة تتلهف لرفقته, أنك تنضجين الآن ومن الطبيعي أن تلمسي في نفسك تغييرات على الرغم أرائك حول موضوع العلاقا العاطفية".
ورفعت كيري رأسها وعادت الأبتسامة المشاكسة ترتسم على شفتيها وردت بشيء من العصبية:
" أنا لم أتغير وكذلك لم يتغير تفكيري".
وبرقت عينا دورين وقال موافقا بسرعة:
" بالطبع , ولكن هذا يجب ألا يمنعك من قضاء سهرة ممتعة , أنت تحبين الرقص أليس كذلك ؟ ومن الأقوال التي سمعتها عن بول دفرون أنه راقص بارع".
وترددت كيري , وشرت أنها كرقاص ساعة , كان هناك التردد القديم في أعماقها الذي يحثها على عدم رفع راية الأستسلام , وفي الوقت نفسه تشعر بخوف غريب من جاذبيته الطاغية, كان القرار صعبا لذلك عاودت الككرة وقالت:
" المشكلة زلّت على حالها , ليس عندي فستان لائق للسهرة".
تساءلت هل ما شعرت به لتوها هو أرتياح داخلي أم خيبة أمل.
منتدى ليلاس
" أليس عندك أي شيء يناسب الدعوة؟".
وهزت كيري رأسها , فالقضية لا تحتاج الى وقت طويل لأيجاد حل لها , لديها ثوبان فقط.
" كلا الفستانين لا يناسبان الحفلة ( وأضافت بعد لحظة ) وكلاهما لا يلائمان مقاييس جسمي".
ومرر ريتشارد دورين أصابعه في شعره بشيء من الحيرة وقال:
" في هذه الحال يجب أذن أن نشتري لك فستانا جديدا".
وهزت كيري رأسها معارضة وقالت بشدة :
" كلا , نحن لا نستطيع تحمل مصاريف جديدة ".
وهز دورين رأسه وهو يفكر:
" يجب أن أعترف بأنك على حق , لقد هبطت أسعار الأسهم من جديد الى الأسوأ , لذلك يجب أن نزيد من التقشف في المستقبل".
ونظرت اليه كيري نظرة بائسة وفكرت ببعض الأمور التي يمكن الأستغناء عنها , ثم قالت:
" لماذا لم تطلعني على الأمر ؟ لقد طلت منك في الماضي أن أجد عملا مناسبا , وسأبحث الآن بجدية عن وظيفة , ( وتابعت بصوت حازم) أن مالي لا تحتاج الى مساعدة في تدبير المنزل".
ووافق دورين على مضض أنه سيفكر بالأمر , وأضاف:
" وفي أي حال ليس في الوقت الحاضر , فالمشكلة الملحة الآن هي أيجاد فستان لائق بك".
وأخذ يذرع الغرفة ذهابا وأيابا وهو غارق في تفكيره , وفجأة توقف وألتفت وصرخ بصوت منتصر كالأطفال أرعبها قليلا:
" لقد وجدته , سترتدين أحد فساتين والدتك الذي كانت ترتديه لرقص الباليه ( وأضاف وقد رأى الدهشة ترتسم على وجهها ) تعالي معي سنذهب ونفتش الخزانة".
ثم أمسكها بيدها وجرها خارج المكتب , وأندفع دورين الى السلم وهو يكاد يرفع كيري عن الأرض من شدة حماسه وفتح باب قاعة الرقص ووقف ينظر الى صف الفساتين المعلقة بعينين باحثتين.
وأنتقل الحماس الى كيري أيضا فسحبت فستانا من المجموعة كان يستحوذ على أعجابها هو عبارة عن تنورة أنيقة فضفاضة وصدارة مصنوعة من الحرير الأبيض مزركشة بنتف ريش بيضاء ومثبتة بشريطين مصنوعين أيضا من الريش الأبيض.
" أذهبي وضعيه عليك".
قال ريتشارد بحماس شبيه بولد صغير طرأت له فكرة مفاجئة بارعة , وفيما كانت كيري تختفي وراء الستارة , أخذ هو يفتش عن حذاء ملائم فوجد حذاء فضيا مشابها لحذاء الباليه الأصلي ولكن بكعبين عاديين ,فناداها بأعلى صوته:
" لقد حلت مشكلة الحذاء أيضا , لقد وجدت حذاء لوالدتك يشبه حذاء الباليه ولكنه أكثر راحة ويناسب الحفلات".
وأطلت كيري من وراء الستارة فألقى عليها نظرة تمت لأول وهلة على موافقة صامتة , وبلع ريقه بصعوبة وهز رأسه قائلا:
" أجل أنك تنضجين يا كيري".
وتطلعت كيري بشيء من الأستغراب الى التعبير الذي أرتسم على وجه أبيها ولكنها قررت ألا تعلّق عليه , وسألت بأضطراب :
" هل تعتقد أنه سيكون ملائما؟".
" أنه يفي بالغرض تماما".
وأمعنت النظر الى الطرف الأعلى من الفستان بعينين نافذتين وقالت :
" ألا تعتقد أنه مكشوف ؟".
ورد على الفور:
" لا تكوني سخيفة , أنه أكثر حشمة من معظم فساتين السهرة , في أي حال لقد أرتديت الفستان من قبل عندما كنت ترقصين في هذه الغرفة".
" هذا وضع مختلف ( أعترضت كيري) لم أذهب أبدا ألى المدينة وأنا مرتدية هذا الزي".
" أنت غير معتادة على أرتداء فساتين السهرة , هذا كل ما في الأمر , هناك سترة مخرمة وصغيرة بأمكانك وضعها على كتفيك , أنها في الأسفل وسأحضرها لك فيما بعد , أعتقد بأنك ستحتاجين اليها عندما تعودين في آخر السهرة على الرغم من أن الطقس يميل الى الدفء غدا".
وأبتسمت كيري وهي تتبع بنظراتها والدها وهو يخرج من الغرفة , وعادت الى وراء الستارة وخلعت فستان الرقص وأرتدت ثيابها العادية , كانت أفكارها قد عادت الى الوراء وتوقفت عند أمور قالها والدها قبل قليل , هل هي جبانة حقا؟ هل كان ترددها في قبول دعوة الغد متصلا برغبة في تجنب تصرفات لاذعة كانت تعرف أنها ستواجهها ؟ ولكن كان هناك أمر واحد تعرفه هي جيدا , وهو أن كيري دورين لم تكن جبانة على الأطلاق , وقررت في نفسها أن تدعهم يتكلمون على هواهم , فهي تحب الرقص وبول دفرون راقص بارع , وليس بوسعها بعد الآن أن تتهمه بالغرور وهو بدوره بأمكانه أن يكون رفيقا مسليا , ومع ذلك فقد ذكرت نفسها أن ملامح السهرة وأن بدت جذّابة ألا أنها تنطوي على مخاطر كبيرة.