4- الهزيمة أحيانا متعة
نادت مالي وهي تقرع الباب :
" آنسة كيري أنه هنا".
وفتحت كيري الباب وهي ملتفة بعباءتها الزرقاء لترى أمامها مالي في غاية الأثارة .
" ومن هو؟".
وأحمرت وجنتا مالي كفتاة صغيرة :
" بول دفرون".
ولم تتمالك كيري وهي ترى هيجان ماي من الصياح :
" وماذا حدث يا مالي ؟ هل أنت أيضا وقعت في غرامه؟".
وردّت مالي بشموخ:
" كلا , بالتأكيد , لست أنا ؟ ( ثم أغلقت الباب وراءها وأضافت) الأفضل أن أساعدك في أرتداء ملابسك ".
وخلعت كيري عباءتها والخطوة التالية كانت ربط شريط الحذاء ولم تكن عملية صعبة , ثم رفعت مالي ثوب الباليه الأبيض , فأنزلق كالنسيم على جسم كيري وأستقر على خصرها فأسرعت وملّسته بأحكام بعد أن زررت فتحة الظهر.
ومرة أخرى حدّقت كيري بذيل الفستان وقالت محتجة بنبرة وهي تشد بيديها على أطرافه:
" أنه قصير".
قالت مالي:
" لا تكوني غبية , أنك تستحمين بثوب السباحة".
وقطبت كيري حاجبيها وردت :
" ولكن الأمر يختلف".
وألتقطت السترة المخرمة ورمتها على كتفيها , وأختفى العبوس من وجهها فقد شعرت أنها محتشمة أكثر من قبل , وقالت:
" هكذا أفضل".
ومررت كيري المشط في شعرها بلا مبالاة ولكن مالي أوقفتها مرة ثانية :
" مشطيه بطريقة لائقة".
فصرخت كيري بأنفعال:
" كيف ؟ أنني دائما أسرحه بهذه الطريقة".
" هذا لا يكفي , أن مهظم الفتيات يحلمن في قضاء سهرة مع رجل جذاب كبول دفرون ويحاولن التجمل قدر الأمكان , أنا أعرف أنك تودين أعتبار نفسك مختلفة عن باقي الفتيات , ( وحاولت كيري فتح فمها لتحتج ولكن مالي لم تترك لها المجال وتابعت دون مبالاة ) لقد قبلت دعوته لذلك يتوجب عليك أن تحملي نفسك بعض العناء".
ونظرت اليها بحنان وقالت معتذرة:
" عفوا يا مالي أبدو مغرورة للغاية , أنني في الحقيقة أتشوق للذهاب معه , والحقيقة هي أنني ... أنني غير معتادة على هذه الأمور".
" بالطبع أنت لست معتادة , ولكنك ستعتادين على هذا الشعور , أنت تستلطفينه أليس كذلك؟".
وهزت كيري برأسها , جاء ردها طبيعيا للغاية وأدركت بدهشة حقيقة الكلمات , أنها بالفعل تستلطفه , ولم يكن الأمر قضية رقص , كانت تتشوق لملاقاة بول مرة ثانية , وأنهت مالي عملها في ترتيب شعر كيري فأنتصبت وقالت بلهجة آمرة:
" لا تتحركي من مكانك , لم أضع بعد اللمسات الأخيرة لذلك لا تنظري الى نفسك في المرآة قبل أن أعود".
وعادت مالي لتجد كيري لا تزال قابعة في كرسيها وكل الدلائل تشير الى أنها لم تغادره فهزت رأسها بأستحسان وسألت:
" ألم تنظري في المرآة؟".
وأكدت لها كيري أنها لم تتحرك من مكانها ووضعت مالي صندوقا صغيرا كانت تحمله على الطاولة وأردفت قائلة:
" رباه , لم أنته من زينتك بعد".
ونظرت كيري بفضول الى الصندوق الذي كانت تفتحه مالي وسألت :
" ماذا يوجد في الصندوق؟".
" مستحضرات تجميل أشتراها والدك هذا الصباح من ويلستون".
" كان عليه ألا يفعل ذلك , فهو يعرف أننا غير قادرين على تحمل مصاريف كماليات كهذه".
" أهدأي يا صغيرتي ( قالت مالي بحزم ) وأياك أن تقولي له مثل هذا الكلام فستسلبينه سعادته وسروره ".
وردت كيري راضية:
" أعدك بذلك , في الحقيقة أنها أعجبتني , ولكنني لم أستعملها من قبل , هل علي أن أضع هذه المساحيق على وجهي يا مالي؟".
" أجل , فهي تتناسب مع فستانك".
أكدت لها مالي ثم أخذت تبحث في الصندوق وتخرج محتوياته وتضعها على الطاولة بأهتمام كبير , وقالت:
" أتساءل عما أذا كان قد أحضر المستحضرات المناسبة , أنه على الأرجح أستعان بأحدى البائعات في المحل , فالجميع يعرفك في ريلستون".
وأبتسمت كيري بمرح وهي تندمج في الجو وقالت:
" لا أعتقد أنني سأكون جميلة بهذا الماكياج".
ولكن في اللحظة التي لمحت رأسها وكتفيها في المرآة والطريقة التي عقصت بها مالي شعرها , خرجت من بين شفتيها صرخة تعجب مجفلة:
" مالي , أنه لن يبقى على حاله طويلا".
وردت مالي بحزم:
"بل سيبقى , لا تلمسيه ولا تسحبي الدبابيس منه".
منتدى ليلاس
وأعطتها مالي التعليمات الأخيرة ووقفت تراقبها وهي تخلع سترتها وتضع على وجهها مسحة من المساحيق وطيفا من أحمر الشفاه, كانت مالي تعطي تعليماتها بطريقة مدهشة وكأنها خبيرة في الموضوع.
" كفى ( قالت مالي) والآن ضعي مسحة خفيفة منه".
ونظرت كيري اليها بعينين مندهشتين فيها كل معاني التقدير والأعجاب , وقالت:
" أنك تبدين وكأنك مرجع ثقة في هذا الموضوع".
وردت مالي بخشونة :
" وأنا كنت أيضا في يوم من الأيام , أغلقي عينيك وقفي على رجليك قليلا".
وفعلت كيري بما أمرت به وأحست أن مالي تقودها في أتجاه المرآة الكبيرة :
" والآن أفتحي عينيك".
وفتحت كيري عينيها وشعرت وكأن أنفاسها قد تقطعت , لقد عكست المرآة صورة فتاة غريبة فتاة كانت تنبض بالحياة ويندلع من عينيها لهب الشباب , وبرز من تحت الثوب الأبيض كتفان ناعمان بلون الذهب , وأنسدلت تنورتها البيضاء من خصرها النحيل بشكل أبرز أناقة الحذاء الفضي الذي كانت تلبسه , ولكن وجه الفتاة الغريبة كان أيضا متوجا بشعلة من الشعر الملتهب أحمرارا وقد عقص على جانبي وجهها , وبدا فمها وقد كست شفتيه مسحة من أحمر الشفاه , غضا وجذابا بشكل بريء , وألتفتت كيري بعينيها الخضراوين الى مالي وسألت بصوت ناعم:
" هل هذه الفتاة هي أنا؟".
" أنها أنت ( أكدت مالي ) والآن أسرعي وأستمتعي بسهرتك ولا تخافي منه".
وتسمرت عينا كيري في مكانها وكانت تهب لمغادرة الغرفة :
" أنني غير خائفة منه , وفي أي حال حتى ولو كنت أشعر بالخوف أمامه في الماضي , وهذا شعور لم أعد أحس به الآن , لماذا طلبت مني ألا أخاف منه؟".
وردت مالي بعد تفكير:
"لأنه في أعماق نفسه قد لا يقدم على شيء يثير الخوف في نفس الفتاة ".
وسألت كيري بفضول:
" وكيف تعرفين ذلك؟".
" من المفروض على المرأة أن تعرف هذه الأشياء بغريزتها , وفي أي حال يمكن لمس هذا الشيء في بول دفرون حتى بعد دقيقة واحدة من التحدث اليه ,وحتى على الشاشة فأن المثلين والممثلات غالبا ما يضعون شيئا من شخصيتهم الحقيقية في الأدوار التي يؤدونها , لذلك هناك ممثلون لا يمكن أن تشعري بأي أستلطاف أتجاههم مهما كانوا بارعين في آداء أدوارهم ومهما كانت أدوارهم".
قالت كيري وهي نستغرقة في التفكير:
" أهكذا؟".
" وهناك شيء آخر ( أضافت مالي ) بأمكان الفتاة الجميلة أن تجعل الرجل طوع بنانها في أية لحظة أن هي عرفت كيف تستغل جمالها".
وللحظة أرتسمت على وجه كيري أبتسامة شيطانية :
" وهل أنت تقترحين علي أن أجرب هذه الطريقة على بول دفرون؟".
" أنك لن تتأذي من ذلك ولكن قد تحصلين على أكثر مما كنت تتوقعين ( ثم أضافت وكأنها عادت الى ترفاتها كمدبرة المنزل ) والآن أسرعي لقد قاربت الساعة من السابعة يا آنسة كيري".
" شكرا على مساعدتك يا مالي".
وفتحت الباب وسارت ببطء الى أعلى السلم ونظرت مالي تلاحقها , وفيما كانت تهم بالنزول على أول درجة أذ بوالدها وبول دفرون يخطوان كعا خارج باب المكتب , وكانا يبتسمان وقد بدا عليهما أنهما أصبحا صديقين حميمين خلال تلك الفترة القصيرة التي قضياها معا , وفجأة سمعا حفيفا خافتا جعلهما يرفعان أعينهما في أتجاه السلم , كانت كيري بعيدة لكي تلاحظ وميضا كالبرق في عيني بول ما لبث أن سيطر عليه بسرعة.
" آسفة لأنني تأخرت".
وتعمقت أبتسامة الأعجاب في عينيه وهو يتفحصها من قمة رأسها الى أخمص قدميها ورد:
" النتيجة كانت تستحق الأنتظار".
وشعرت كيري بالحرارة تأجج في وجنتيها , وشدت أصابع رجليها داخل حذائها الفضي لعلها تتمكن من السيطرة على خجلها كما نصحتهامرة أحدى صديقاتها أن تفعل ولكن دون جدوى , كان من الصعب عليها مجابهة شرارة عينيه , وشعرت بأثارة عارمة تتدفق في أوصالها وشكرت في أعماق نفسها السترة المخرمة التي كانت تحميها من نظراته الثاقبة الملحاحة .
وأمسك بول بيدها ووضعها على ذراعه وقال :
" أعدك بأن أعيدها الى المنزل قبل منتصف الليل ( ونظر الى كيري نظرة فيها الكثير من الأغاظة المحببة ) ومن يدري فقد تتحول الى أميرة بجعة أمام عيني ".
" عليك أذن أن تقص جانحيها ( وضحك ريتشارد دروين ) ولكن بما أنها غير مدججة بقوس وسهام ولا تخبىء زي فرسان القوزاق في مكان ما فأنني أظن بأنك في أمان الليلة".
وتبعهما بنظراته الى الرواق الخارجي ثم أغلق الباب وأبعد مالي عن ستارة النافذة التي كانت تختلس النظر من ورائها , وفتح بول باب السيارة السوداء وساعد كيري على الصعود اليها , ثم دار بسرعة الى الجهة الثانية وأنسل الى جانبها وأغلق الباب , فشعرت كيري بجو حميم يلفها وأشتد ذلك الشعور عندما مال بول نحوها.
وقال:
" أتساءل عما أذا أذا كان مصيبا في قوله".
" من هو؟".
" والدك ( ورفع رأسها وأجبرها على النظر اليه وتابع) لقد قال بأنك لا تشكلين خطرا الليلة , ولكنني لست واثقا من ذلك , وبوسعي أن أؤكد بأنك خطيرة للغاية".
وبلعت كيري لعابها ونظرت اليه نظرة حذرة , فهي لم تدرك تماما ماذا كان يعنيه , وسألت بلهجة بريئة:
" ماذا تعني بقولك ؟ أنني لا أفهم ما ترمي اليه".
ورد بلهجة عابثة:
" ألا تفهمين ؟ أنه أمر غير مهم وسيأتي يوم تفهمين فيه هذه الأمور".
ثم مدّ يده الى المقعد الخلفي وناولها علبة من السوليفان وأحمرت وجنتا كيري وفتحت العلبة وأخرجت منها زهرتي أوركيديا , وأمسكت كيري بالزهرتين بأصابعها الرقيقة وكأنهما زهرتين مقدستين , لقد كانت أول هدية من الزهور تقدم اليها في حياتها.
ولمست بأناملها بتلات الزهرتين الغريبتين برفق ونعومة وتطلعت اليه بحياء وتمتمت:
" أنهما رائعتان , شكرا يا بول".
" أنت الليلة سهلة الأنقياد على غير طبيعتك يا صغيرتي , كنت أتوقع منك مشاكسة لاذعة كالعادة".
وأستقامت كيري في جلستها فهي لم تستسغ مناداة بول لها بيا صغيرتي , وردت بخشونة:
" أنا لست صغيرة فأنا في الثامنة عشرة من عمري".
" أحقا أنك بهذه السن ( وكانت في صوت بول رنة من الأغاظة الودية ) هل فهمت من ملاحظتك أنك لا ترغبين في أن يعاملك أحد كفتاة صغيرة؟ ...... بعد تفكير أظن بأن كلمة صغيرة أنزلقت من لساني , فليس هناك من أثر للفتاة الصغير في طلتك الليلة , وفي الواقع أنت عكس ذلك ".
رمقته بنظرة حذرة وشعرت برغبة في الأبتعاد عن مقعده قليلا ولكنها أحجمت عن ذلك خشية أن تثير في نفسه ردة فعل على تصرفها غير اللائق ,وقال:
" حسنا , ما زلت أنتظر على سؤالي".
وردت بشيء من الريبة :
" وأي سؤال؟".
" هل كانت ملاحظتك ترمي الى عدم معاملتك كصغيرة؟".
حاولت أن تختار كلماتها بدقة لئلا تترك له مجالا لتفسيرها عكس ما تريد:
" عنيت أنني لم أكن راغبة في أن أعامل كطفلة , ولكنني لم أرغب في .....".
ولم تتمكن من متابعة كلامها فقد كان بلا جدوى , وعوضا عن ذلك شعرت بحمرة فاضحة تتدفق الى وجنتيها , وضحك بول وقال:
" أنني أعرف تماما ما تعنيه , يا لك من فتاة خائفة وبريئة يا عزيزتي كيري".
وأحست كيري بشيء كالصدمة الكهربائية تجتاح أوصالها ولكنها عادت وذكّرت نفسها أنه غالبا ما يتفوه بمثل هذه التعابير على الشاشة وخارجها , لقد كان الأمر عفويا وعاديا , وفي الواقع لا ينطوي على أي معنى , وقبل أن تستعيد روعها من الصدمة , مد بول ذراعه اليها بجرأة لم تفصح عن نواياه وأخذ يدها ووضعها تحت يده على مقود السيارة , وشهقت كيري وحاولت أن تسحب يدها بغير جدوى وهي تقول:
" دع يدي".
" كلا".
رد بول ببساطة لا لبس فيها وكان رنين صوته لا يزال ينطوي على دعابة طائشة.
وحاولت كيري سحب يدها مرة ثانية , كانت تشعر بالأرتباك ويدها على المقود وأصابعه تضغط عليها بطريقة لم تألفها من قبل , وحاولت من جديد ولكن قبضته كانت قوية , وقال:
" لا تكوني مشاكسة الى هذا الحد , وألا فأنني سأضطر لتغيير تصرفي".
" لقد وعدت بأن تتصرف تصرفا لائقا".
ورد قائلا:
" هذا وعد قطعته في مناسبة غير هذه المناسبة , وفي أي حال أعتبر بأنني أتصرف الآن بضبط كبير للنفس خصوصا فيما يتعلق بأمور كنت أود فعلها ".
وقفا بعد وقت قصير أمام الفندق , فتأبط ذراعها ودخلا القاعة الكبيرة وشعرت كيري بخيبة في أعماقها من أن فالما كنت وطوم ماريون سيشاركانها السهرة , وبومضة عين أحست كيري بيد فالما تمسك بها وتدفعها الى داخل غرفة السيدات حيث عملت على تمشيط بعض الخصل الثائرة , وعندما أنتهت من عملها كانت أبتسامة عريضة ترتسم على شفتي الممثلة وهي تقول:
" أنك تبدين جميلة وفاتنة للغاية هذا المساء".
وخفضت كيري عينيها بحياء وتمتمت : " شكرا".
وتابعت فالما وهي تضحك:
" أعتقد بأنك فاجأت بول , فهو كان يتوقع أن تعتذري عن المجيء ".
وأعترفت كيري بحركة صبيانية تكاد لا تقاوم:
" كنت على وشك أن أفعل ذلك".
" ولماذا ؟ ألا تستلطفينه؟".
لجأت الى حذرها القديم وردت بطريقة صبيانية:
" أنه يلعب أدوارا سخيفة , كلها من نوع الغراميات".
وسألتها فالما بعد برهة من التفكير وبكل جدية وهدوء:
" وهل هذه الأدوار هي سخيفة حقا ؟ أن بول يملك موهبة رائعة كما تعرفين وهو ليس مغرورا على الرغم من أنه يعرف تماما مدى سطوة تلك الموهبة , أنك تعتقدين أن الحب أمر تافه وسخيف ولك الحق في أن تبدي أراءك الخاصة في هذا الموضوع ولكن معظم النساء لا يعتقدن ذلك , هناك نساء كثيرات تعيسات في العالم وكثيرات غيرهن أختبرن زيجات غير موفقة ووهبن حبهن حيث لم يكن مرغوبا فيه , أو أنهن فقدن الأمل في العثور على شخص يبادلهن الحب , هل تعتقدين أن ما يقوم به بول سخيف أذا أستطاع بموهبته أن يدخل السعادة اليهن لفترة من الزمن؟ أنه لا يؤذي أحدا وكل شخص يتوق الى العيش في عالم من الأحلام ولو لومضة عين , وبالأضافة الى تلك الفئة من النساء التعيسات , هناك الفتيات اليافعات اللواتي يعشن أحلامهن وهناك من يذهب للتسلية وقضاء بعض الوقت , وفي أي حال فأن من حق المرأة أن تفتش عن الحب حتى ولو كان ذلك في عالم من الأحلام ولفترة وجيزة من الوقت".
وحدقت كيري بها وقد أرتسمت الدهشة على وجهها , لم يسبق لها أن فكرت في الموضوع بهذا الشكل ولو أنها فعلت ذلك لما كانت عاملت باربي بتلك الطريقة , وأرفدت فالما:
" وهكذا فالأمر لا يبدو سخيفا كما تتخيلين , وليس كل النساء باردات مثلك". ولم تتفوه كيري بكلمة على الرغم من أنها لم تكن متأكدة من أن ملاحظة فالما الأخيرة كانت صحيحة , ولو أنها كانت باردة كما وصفتها , فلماذا أذن شعرت بتلك الأرتعاشة تدب في أوصالها ندما لامستها يد بول؟
وحاولت أن تبعد أفكارها عن الموضوع فألتقطت الزهرتين ووضعتهما على سترتها وكأنها تشير بذلك الى أنها أصبحت جاهزة للحاق بالآخرين ولكن فالما أوقفتها وأشارت الى الزهرتين:
" من الأفضل أن تخلعي السترة وتعلقي الزهرتين على الفستان وبأمكانك أن تتركي السترة هنا".
وأحمرت وجنتا كيري وبسرعة علّقت الزهرتين على السترة المخرمة وقالت:
" كلا , سأترك السترة على كتفي".
وأدركت فالما على الفور سبب أحمرار وجهها وقالت:
" ليس هناك من سبب للحياء أو الخوف من بول , أنسي أنه بول دفرون , أنه مجرد رجل والفتاة الجميلة تستطيع أن تجعل أي رجل طوع بنانها أن هي عرفت كيف تتصرف".
منتدى ليلاس
وأرتسمت على شفتي كيري أبتسامة فيها الكثير من المعاني وسألت:
" وحتى بول دفرون؟ ولكنني لن أعرف كيف....".
ولمعت عينا فالما وقالت:
" ألا تصدقين ذلك , أن الفتاة تعرف بغريزتها هذه الأمور , والآن هلم ننضم الى الآخرين ومه أنهم يريدون أن يظهروا بمظهر أشخاص بارزين ألا أنهم مجرد رجال عاديين".
وأحست كيري بأنعطاف قوي نحو فالما وهما تخرجان من الغرفة وتتوجهان الى طاولة بول وقد نجذبت جميع الأنظار من رجال ونساء أليهما.
كانت فالما ترتدي فستانا أسود اللون وقد بدا كلؤلؤة من صنع واحد من أشهر صانعي الأزيء وبرزت كيري كغلالة منسابة في ثوب الباليرينا تماما كما يقول المثل والضد يظهر حسنه الضد ,الأولى كانت رمز الجمال والثانية وكأنها جنية خرجت لتوها من أحدى القصص الخيالية , وجمال كل واحدة منهما كان يبرز جمال الأخرى , ونهض ماريوت وبول من مكانهما لدى أقتراب الفتاتين وأرتسمت على وجهيهما علامات الأعتزاز للأنطباع الذي تركتهما في نفوس الحاضرين , وقادهم الخادم الى مائدة كانت قد حجزت لهم من قبل في أفضل زاوية من القاعة بينما وقف آخر لتدوين طلباتهم , وعندما جاء دور كيري لأختيار طعامها نظرت الى لائحة الطعام بأنشداه ما لبث أن وجدت مخرجا له عندما تذكرتما كانت تشاهده في الأفلام فناولت اللائحة الى بول.
" أرجوك أن تختار لي الطعام بنفسك".
ومن غير أن تبدو عليه علامات أستغراب أوصى على أطباق طعامها ثم ألتفت اليها وقال بعد أن أبتعد النادل:
" كيف تعرفين بأنك ستحبين الطعام الذي أخترته لك؟".
" أنا متأكدة من أنني سأحب ما أخترته لي".
ورمقها بنظرة ساخرة:
" كل شيء؟".
" حسنا أعني ضمن الحدود( ولمحت نظرة فالما فأنفجرتا معا بضحكة عالية)".
وحدق الرجلان بهما بشيء من الحذر وسأل ماريوت:
ط أي مؤامرة دبرتماها معا؟".
ونظرت فالما اليه بعينيها الزرقاوين وقالت:
" لا شيء".
وكانت رقة صوتها برئة حتى أنها كانت أكثر براءة من لهجة كيري , ثم تطلعت الى رفيقتها ولم تتمالكا نفسيهما فأنفجرتا بضحكة عالية .
وعلق بول وقد لوى فمه بسخرية:
" لدي شعور أنها كانت تعطي كيري بعض التعليمات منذ لحظات , كن بعوننا يا رب لمواجهة الأثنتين معا".
وردت فالما:
هذا من حقك , ولا تنس أنها وسيلتنا الوحيدة للدفاع عن أنفسنا ( ثم تطلعت الى كير ) لا تنسي ما قلته لك".
ولمح بول وميضا يلمع في عينيهما فنظر الى فالما بشيء من الريبة وقال:
" بريك بماذا كنت تتحدثين مع كيري؟".
وأحست كيري بحرارة تتدفق في عروقها , لقد كانت مالي وفالما على حق , فلأول مرة أحست بشعور من القوة وتخيلت نفسها بأنها تسيطر على الموقف سيطرة كاملة , ومدت يدها وربتت على يده بنعومة وقالت:
" كنا نتحدث عنك بالطبع , ولكن لا تخشى شيئا".
ورد يول على الفور محذرا:
" أنت أيتها السيدة الصغيرة تبحثين عن المتاعب ( ووقف على قدميه وأنتزعها من كرسيها) تعالي لنرقص فقد يساعد ذلك في تخفيف بعض مقاومتك".
وكان على حق , فحالما دخلا حلبة الرقص وأبتعدا عن الآخرين ووضع ذراعيه حولها , شعرت كيري أن شجاعتها الجديدة وجرأتها قد تلاشتا على غير رجعة , وأحست أنها صغيرة ووحيدة معه على الرغم من أزدحام الحلبة بالراقصين , كان يشدها اليه حتى أنها كانت تشعر بوجهه الأسمر يلامس شعرها.
وقال ساخرا وهي تحاول الأبتعاد عنه قليلا:
" أين ذهبت مشاكستك ( وأضاف) أرفعي نظرك أليّ أيتها الجبانة الصغيرة".
ولكن كيري أبقت رأسها منخفضا بعناد , لقد أدركت أنها لم تعد تسيطر على الوضع بل على العكس أستكانت بين ذراعيه القويتين , كان راسه منحنيا نحوها ووجهه يكاد يلامس وجهها أحيانا وشعرها أحيانا أخرى , كانت ملامساته خفيفة كالنسيم ومع ذلك فقد شعرت أنها تتأجج في كيانها .
وتمتمت بصوت متقطع:
" أياك....... أياك أن تتمادى في تصرفاتك".
وسأل بول ببراءة :
" أن أتمادى في أي شيء؟".
" في معانقتي ".
" ولكنني لم أفعل".
" أما أتا فقد شعرت بأنك قد تقدم على ذلك".
" ولكنها لم تكن معانقة أو أي شيء من ذلك القبيل , ولو كانت معانقة حقيقية لكنت شعرت وكأنك في عالم آخر".
وكانت كيري على وشك أن ترد عليه بحدة بألا يحاول أي شيء معها وأحجمت عن ذلك لأنها تعرف أنه قادر على معانقتها أمام أعين الجميع أو أن يبتعد بها خارج القاعة ليبرهن لها أنه قادر على كل شيء , وبعد هذه المناوشة القصيرة تابعا رقصهما بسكوت , وعلى الرغم من أحساسها بثورة في أعماقها فقد أذعنت للواقع وظلت بين ذراعيه القويتين دون أن تبدي أية مقاومة , وعندما توقفت الموسيقى قادها الى الطاولة وهو يهمس في أذنها :
" ألا زلت ترغبين في مشاكستي؟".
وشعرت كيري بصورة عفوية أدهشتها هي نفسها بأنها ما تزال تريد مشاكسته , وحالما جلسا الى المائدة , لاحظت أن طوم ماريوت كان يمعن النظر اليها , ولم تهتم في بادىء الأمر ولكن مع تقدم السهرة كان من الصعب عليها أن تتجاهل نظراته وأخيرا لم تتمالك نفسها ورمقته بنظرة مستفسرة:
" آنسة دروين هل فكرت يوما بالتمثيل؟".
وتفجأت بسؤاله فهزت رأسها بغباء وهي تتساءل عما كان يدور في رأسه , وألقى بول عليها نظرة مازحة:
" أنه على وشك أن يعرض عليك دورا في فيلمه الحالي".
وتطلعت كيري بعينين مندهشتين ونقلت نظرها من واحد الى آخر وقالت:
" أنني لا أفهم , لماذا أنا؟".
وأردف ماريوت:
" سأكون صريحا معك يا آنسة دروين , كانت لدينا ريتا لين ولكننا أستغنينا عنها لأنها لم تعد تطاق بنزواتها المتكررة ولكن في تلك الأثناء بدأنا في تصوير الفيلم وكانت هي تعرف تماما أننا سنتكبد تكاليف باهظة في أيجاد ممثلة أخرى تقوم بدورها وأنا أعتقد أنها تمني النفس في العودة الينا وفقا لشروطها الى حد كبير , وقد بحثنا كثيرا ولكننا لم نوفق بواحدة مناسبة حتى الآن , ومن الضروري أن نجد ممثلة تقوم بذلك الدور في أقرب وقت ممكن".
وكررت كيري سؤالها:
" ولكن لماذا أنا بالذات؟ فأنا لا أصلح للدور وفي أي حال لأنني لا أجيج التمثيل".
ورد بسرعة:
" وكيف تعرفين بأنك لا تصلحين للتمثيل؟ عندي أحساس بأنك ستكونين قادرة على القيام بذلك الدور , وليس فقط ذلك , فقد رأيتك على صهوة جوادك ليلة الكرنفال , وأنا أبحث عن فتاة تجيد ركوب الخيل تماما كما فعلت , لذلك الدور , كانت ريتا تجيد الرقص ولكن كان علينا أن ندربها على ركوب الخيل".
" وكيف تعرف أنني أجيد الرقص؟ فالخطوات القليلة التي قمت بها على حلبة الرقص في هذا الأزدحام لا تعطيك فكرة صحيحة على ذلك".
كانت كيري تبحث عن العراقيل لترفض عرض طوم فمجرد التفكير بأنها ستمثل الى جانب بول دفرون كان يربكها الى حد كبير .
" لقد رقص بول معك وبأمكانه أن يعطي رأيه في الموضوع".
وأعترفت كيري أخيرا أنها تلقت بعض الدروس في الرقص وقالت:
" أن ثوب الباليه الذي أرتديه الآن هو أحد أثواب أمي".
وأردف طوم بسرعة :
" أذن ما الذي تخشينه ؟ هل توافقين على القيام بالدور؟".
ورفعت كيري يدها بأرتباك , فهي لم تكن لتفهم لماذا عرضت عليها تلك الفرصة النادرة وقالت:
" كنت أعتقد ان من أصعب الأمور هو الحصول على دور في فيلم سينمائي وها أنتم الآن تحاولون أقناعي بالموافقة على التمثبل".
وتدخلت فالما في الموضوع وقالت:
" أن حدس طوم لا يخطىء ( ثم مالت نحوها ولمست يدها برفق وتابعت مشجعة ) لا تتركي الفرصة تفوتك يا كيري , بالطبع ستخضعين لبعض التجارب أولا ولكننا بحاجة لمن يمثل دور ميتاني وكما قلت لك أن حدس طوم لا يخطىء".
وسألت كيري:
" ميتاني؟".
ورد بول مبتسما:
" ميتاني , الفتاة الساحرة القبيحة , حوادث الفيلم تجري في حقبة بعيدة من الزمن تعود الى مئتي سنة خلت وتعيش ميتاني في المستنقعات وهي تدعى أن بأستطاعتها أن تتذكر حياتها قبل مئات السنين عندما كانت تركب الحصان الى جانب الملكة بواديشيا في أحدى مناطق بريطانيا وحاربت الجيوش الرومانية".
وبرقت عينا كيري , لقد شعرت بالأنجذاب نحو عنصر الخرافة في الدور , ونسيت , لبرهة من الزمن , أن بول دفرون سيشترك هو أيضا بالتمثيل وهذا يعني أن الفيلم سيزخر بالمشاهد العاطفية ولا بد أن تكون لها حصة في تلك المشاهد , فريتا لين لم تكن ممثلة ثانوية.
كانت كيري مترددة في أفكارها وتذكرت فجأة ناحية أخرى من الموضوع , فعائلة دروين كانت بحاجة الى المال وهي ستحصل على مال وفير أذا هي مثلت الدور , لقد كانت تسعى لأيجاد عمل وها هي الآن أمام فرصة نزلت عليها من السماء , وحتى لوأنها لم تكن راغبة في قبول العرض , وهذا ليس صحيحا , فأنها لن ترفضه للضائقة المالية التي تتخبط بها عائلتها.
والشيء الذي دفعها الى التردد هو خوفها من الفشل في أداء الدور , فالممثلون والممثلات كانوا يبدون للجمهور وكأنهم من جنس آخر وهم يطلون عليه من وراء الشاشة الكبيرة , وها هي على وشك أن تصبح واحدة منهم وتدخل عالما جديدا وأدركت في أعماق نفسها أنها لن ترفض العرض.
قالت أخيرا:
" حسنا أذا كنتم على أستعداد للمجازفة فأنا مستعدة أيضا".
وسارع بول الى القول:
"" أحسنت أيتها الفتاة الطيبة ( وملأ كوبها بعصير مرطب كان في زجاجة على الطاولة وأضاف ) أن المناسبة تستوجب حفلة صغيرة".
ورفع كأسه وقال وهو يبتسم لها:
" نخب ميتاني".
ورفعت فالما كوبها :
" لنشرب نخب نجاح الفيلم".
" والآن وقد أتفقنا على كل شيء , هل تسمحين لي برقصة ؟ ( سأل طوم كيري ) هذا أذا لم يقرر بول خوض معركة ضارية معي".
وأبتسم بول أبتسامة كسولة وقال:
" شرط ألا تحتكرها طوال السهرة".
وفيما كيري ترقص مع طوم ألقت بطرف عينها الى بول وفالما وهما يرقصان أيضا وقد برزت قامة بول الأنيقة الجذابة وكانت غارقة في تأملاتها لدرجة أنها لم تسمع طوم يخاطبها , ولكنها عادت الى الواقع وقالت:
" المعذرة , لم أكن أصغي".
" عن قصد أم عدم أنتباه؟ ( سأل طوم وتابع ) كنت أقول بأنني سمعت بالأشاعات التي تقال عنك في موضوع المعانقة وعن رأيك الرافض له , ولكن يجب أن أقول بأنني لا أنوي حذف المشاهد العاطفية من دورك , لذلك عليك أن تدركي الأمر منذ البداية".
وشعرت بأن الخوف الذي ملأ أعماقها منذ قبلت تمثيل دور ميتاني عاد الى الظهور مرة ثانية وهي تتخيل ما سيحدث , وكانت نفسيتها في تلك اللحظة تميل الى التفهم أكثر من النزعة الى الغضب , فهي بأمكانها أن تتخيّل المشاهد العاطفيةبين ذراعي بول.
قال طوم وهو ينظر اليها:
" أنا ما زلت أنتظر جوابك يا كيري".
" لا... لا أعتقد أن بأمكانك حذف تلك المشاهد".
وقهقه طوم وقال:
" في أي حال أن الأمر ليس سيئا الى الحد الذي تتصورينه , فبول يلعب دوره بمهارة كما تعرفين , ( وأضاف وقد لاحظ أن كيري ما تزال تخفض عينيها ) أنت فتاة غريبة الأطوار يا كيري , فأنا أعرف مئات الفتيات ممن يطمحن لكي يصبحن ممثلات بالأضافة الى عدد آخر من الممثلات الشهيرات , على أستعداد للتضحية بكل شيء ليمثلن في فيلم مع بول دفرون وها أنت على وشك رفض الدور بسبب بعض المشاهد العاطفية ".
ورفعت بصرها وأرتسمت أبتسامة مرتعشة على شفتيها , فقد تلاشت فكرة رفض الدور وهي توبخ نفسها كون أنها جبانة وقالت:
" سأبذل كل جهدي , وسأحاول ألا أصفع بول وأترك له كدمة حول عينيه عندما يعانقني".
وجاءها صوت بول من ورائها وهو يقول:
" ومن قال لك بأنني سأعطيك الفرصة لكي تسددي الي لكمة".
كانت الموسيقى قد توقفت فألتفتت كيري لتجد بول واقفا وراءها والى جانبه فالما , وخرج الجميع من حلبة الرقص وعادوا الى الطاولة , وبدأت كيري تشعر بموجة من الدفء تلفها ومع ذلك فلم تخلع السترة.
وبعد فترة سأل طوم ماريوت فالما مراقصته ونزلا الى حلبة الرقص , وتبعتهما كيري بأنظارها وكانت تود لو أنهما ظلا معها عى الطاولة , فعلى الرغم من أنها تجنبت النظر اى بول , ألا أنها كانت تشعر بأن عينيه كانتا تحدقان بها , ولسوء طالعها كانت السترة تشدعلى عنقها فمدّت يدها اليها وحاولت تخفيف طوقها .
وسألها بول:
" لماذا لا تخلعينها ؟ ( وعندما رأى ترددها أبتسم وقال محاولا أغاظتها ) لا بأس أعتقد أنك خائفة".
فردت على الفور وبحدة:
" ومن أي شيء؟".
" مني أنا؟ ( وكان صوته متحديا وقد عادت الى عينيه ومضات ذلك البريق المتلألىء)".
" هذا ليس صحيحا".
" أذن أخلعي سترتك ( وأتكأ على الكرسي وأخذ يراقبهاوقد أصطبع وجهها بقوس قزح من الألوان وأضاف) عليك أن تعتادي على أكثر من هذا الأمر أيتها الغبية الصغيرة".
وأحست كيري أنها بين نارين , فهي لم تكن راغبة في خلع سترتها من جهة ولكنها أيضا لا ترغب أبقائها كدليل على خوفها من رؤية بريق عينيه ,وبكل بطء أخذت كيري تنزع الدبابيس عن الزهرتين ووضعتهما على الطاولة ثم فكت شريط السترة وخلعتها عن كتفيها , وأومأ بول برأسه وهو يمرر نظره على قد كيري الممشوق.
" جميل جدا".
وكانت عيناه تعنيان أكثر من ذلك , وأحمر وجه كيري وخفضت رأسها وألتقطت الزهرتين لتعلقهما من جديد على ثوبها وقالت:
" أنك لا تسهل الأمور وأنت تحدق بي بهذا الشكل ( وأغتنمت كيري فترة أنهماكها بوضع الزهرتين بتبقي رأسها منخفضا أطول مدة ممكنة ) ".
ورد بول وكأنه لم يفهم سؤالها :
" ولماذا لا أنظر اليك ؟ أنت جميلة للغاية".
" أنني لم أعن ذلك , بل أعني الطريقة التي تحدق فيها أليّ".
وأدركت أنه ما كان عليها أن تقول ذلك الكلام , فقد تركت الباب مفتوحا أمام أسئلة وأجوبة كثيرة كان من الأرجح أنه لن يترك الفرصة تفوته ,فالصمت في هذه الحارت كان أفضل سلاح للدفاع.
" في أية طريقة؟".
كان صوته في غاية النعومة وكأن رقة نظراته قد أنعكست في تلك النبرة , لقد أحست كيري أنه كان يتلاعب بها كما تتلاعب الهرة بالفأر وكانت عاجزة لا عون لها .
" أعني وكأنك.......أي.......".
تمتمت بصوت خافت ثم عادت وأعتصمت بالسكوت وهي تدرك تمام الأدراك أنها فريسة شعور شديد بالخجل صبغ بحمرته القانية كل جزء من أجزاء جسمها بشكل فاضح وظاهر للعيان.
" في أي حال أنت أنت تعرف تماما ما أعنيه".
وتطلع بول اليها بنظرات بريئة مبالغ فيها:
" ولكنني لا أعرف ".
ورمقته كيري بنظرة عابسة وقالت وقد أرتسمت على شفتيها أبتسامة ساخرة:
" بل أنك تعرف تماما , ولا تنظر الي بهذه النظرات البريئة , أنها لا تناسبك ولا تناسب صيتك الذي هو أبعد ما يكون عن البراءة".
" أنت أيتها العفريتة الصغيرة".
وضحكت كيري بينها وبين نفسها , فقد أختفت ريبتها وقالت:
" أريد كوبا آخر من العصير ".
ورد بول بحزم :
" كلا لن تحصلي على كوب آخر فقد شربت ما فيه الكفاية , ومن يدري فقد يؤثر العصير على سلامة تفكيرك وأنا لا أرغب في مواجهة أبيك والآنسة دروين بين ذراعي".
" ألا ترغب في ذلك ؟ فالطريقة التي كنت تحدق فيها بي أوحت لي أنك تريدني أن أقع بين ذراعيك".
ورفع بول أحد حاجبيه بسخرية مازحة:
" ألست خائفة من أن تقعي بين ذراعي خصوصا وأنا أتمتع بذلك الصيت؟".
وهزت كيري كتفيها بلا مبالاة ورفعت رأسها وقالت:
" بأمكاني أن أتدبر أمرك".
وألتوت شفتا بول ببتسامة ساخرة ورد قائلا:
" هل لي أن أذكرك بأن هناك طريق العودة الى المنزل , لذلك أنصحك بألا تكدسي أسباب الثأر والأنتقام؟".
منتدى ليلاس
وعادت كيري فهزت كتفيها بلا مبالاة متعمدة وقالت:
" سأفكر بهذا الأمر في وقت لاحق , أما الآن فأنني أرغب في الرقص".
لقد شعرت بالأمان والطمأنينة وهي في جو القاعة المزدحم ولم تفكر بأي شيء آخر بل على العكس كانت تشعر بشيء من القوة والأسترخاء في آن .
وما كاد يأخذها بين ذراعيه ويبدأ في مراقصتها حتى شعرت بالدفء ينساب في عروقها لدى كل لمسة من لمسات يده ويتحول شيئا فشيئا الى رجفة ساحرة , وكان بوسعها أن تسمع دقات قلبه وهو يضمها اليه بذراعيه القويتين , ولم تكن اللمسات واهنة كالطيف فحاولت أن تبعده عنها قليلا ,وحذرت قائلة:
" بول".
ورد بسخرية:
" لقد أعتقدت أنك قلت بأنك تستطيعين معالجة أمري".
وبلعت كيري ريقها , كانت تعرف أنه عليها ألا تتقارع معه فالأمر يختلف كثيرا عن مشاكساتها مع ريك وكيل , كان هو الصياد وهي الفريسة , وأحست أن مصيدة قد نصبت لها وهو يريدها أن تقع فيها .
وقررت في أعماق نفسها أنها بعد هذه العشية ستعمل على تجنبه , وهو أمر يجب أن يكون سهلا أن هي أزكت شعورها القديم بالأزدراء والكراهية , كما أن تصوير الفيلم سينتهي قريبا وسيغادر الممثلون والعاملون فيه رياستون ولن تراه بعد ذلك , ثم تذكرت ميتاني وشعرت أنها قد لا تتمكن من تمثيل الدور , ولم تكن تعر ما الذي تخشاه ولكنها كانت على يقين وبشكل واضح بأنها على الرغم من كلماتها العابثة وتصرفاتها الساخرة فأنها غير قادرة على تحمل حتى مجرد التفكير بالمشاهد العاطفية مع بول , لقد عادت كيري دروين , كيري ليلة الكرنفال المقاتلة بضراوة والحذرة الى الوجود مرة ثانية , وقالت فجأة بصلابة:
" لا أستطيع المضي في المشروع".
وأبعدها بول عنه قليلا وحدّق في وجهها وقد أختفت أبتسامته الساخرة واليطانية من عينيه كان في غاية الجدية تماما كبول دفرن الذي طلب منها أن يكونا صديقين عندما كانا في ضاحية المستنقعات.
وسأل بسرعة وقد خفف قبضته الشديدة على يدها:
" ما الذي لا تستطيعين المضي فيه يا كيري؟".
وردت لاهثة:
" دور ميتاني ".
وعلى الرغم من أن قبضته أرتخت قليلا غير أنها ما تزال تشعر بأنها سجينة بين يديه , وأضافت:
" أنا لا أستطيع القيام بالدور , لا أستطيع".
ودار بول رفيقته في حركة أنيقة وقادها الى النافذة العريضة التي كانت تطل على شرفة الحدائق.
" لماذا لا تستطيعين يا كيري؟".
كان صوته هادئا ويبعث على الأطمئنان وكأنه كان يوجه كلامه الى طفل , وقرأ جوابها على وجهها حتى قبل أن تنطق به وتصلبت تقاطيعه , وقال أخيرا بكل هدوء:
" لا أدري أذا كنت فتاة حذرة , خجولة أم جبانة أو مجرد فتاة باردة كجبل الجليد , وفي أي حال سنعرف هذا الأمر قريبا".
وقبل أن تدرك ما كان ينوي عمله دفعها الى خارج النافذة المفتوحة وقادها الى الحدائق المظلمة , وأمسك بيدها ونزل بها السلالم الى حيث لا تلاحقهما أعين الحاضرين , وكانت قبضته تشتد كلما حاولت الأفلات منها , وكانت كيري تعرف ما سيحدث ساعة غادرا قاعة الرقص , وتعرف أيضا أنه من العبث مقاومته ومع ذلك ظلت تقاوم قبضته الشديدة , وكانت أصابعه مثل كماشات من الفولاذ مثبتة على معصمها.
وتوقف وأدار وجهها نحوه , وبحركة سريعة كانت وليدة خبرة طويلة ضمها الى صدره بعطف وشدّها اليه وكانت لمساته تتأجج بالتحدي وقد تناثرت أشعة القمر حولهما , وعلى الرغم من بعض المقاومة التي بقيت في نفسها فأن بول لم يحرر قبضته , وهمس في أذنها:
" لا تكوني غبية الى هذا الحد يا كيري".
كان الدفء يتسرب الى أوصالها ولم يكن دفئا مخيفا بل مفعما بالتحدي والأثارة , هل كانت حقا غبية؟ تساءلت كيري في أعماقها , وحاولت جاهدة أن تخفف من تصلّب أعصابها ولكن دون جدوى , وشيئا فشيئا أسترخت كيري للأحاسيس الناعمة التي تموجت في أعماقها ولم تحاول حتى الأبتعاد عنه عندما أرخى قبضته , ورفع بول رأسها من جديد وأبعدها عنه قليلا ثم حدّق بوجهها ولم تكن أبتسامته تنطوي على أي تعبير للسخرية أو الأنتصار وقال:
" برغم كل شيء , لم يكن الأمر سيئا أليس كذلك؟".
أعترفت كيري:
" كلا".
كان بول غائصا في بريق عينيها وأصابعه تعبث بنعومة في خصلات شعرها الملتهب , وأضاف:
" لعل الأمر كان أكثر متعة مما كنت تتصورين؟".
ومرة ثانية أعترفت كيري بصوت خافت أن الأمر كان ممتعا , والآن وقد أنتهى كل شيء أحست بالخجل من خوفها الصبياني السخيف.
" شكرا لصبرك الطويل معي يا بول".
" هل أنت متأكدة الان بأنك تغلبت على خوفك؟".
قال وفي صوته رقة من الأغاظة والمداعبة , وعندما هزت رأسها بالأيجاب أضاف قائلا:
" أذن برهني لي ذلك".
كانت تعرف ماذا كان يعنيه ولكن حياءها جمدها في مكانها الى أن أقترب منها هو وضمّها الى صدره ثانية , وشعرت كيري بقوة ذراعيه ولكنها لم تكن خائفة هذه المرة , كانت تحس بأرتعاشة حالمة تدب في أوصالها وهي سجينة تينك الذراعين القويتين.
" أرى بأن عليّ أن أعطيك بعض الدروس الخصوصية قبل أن نبدأ التمارين أمام أعين الآخرين ( قال بول بصوت ناعم ثم قهقه ضاحكا وهو يشاهد وجهها وقد أصطبغ بحمرة قانية وأضاف ) كم أنت طفلة خجولة , عليك أيضا أن تتغلبي على حيائك , ألا تعرفين أن حمرة الخجل تعكس وجها قبيحا على الشاشة , والحل الوحيد هو أن تتابعي التمرين على المشاهد العاطفي معي الى أن تختفي حمرة الخجل من على وجنتيك.
" لم أكن أعرف , ولكن ما هو السبيل للتغلب على الخجل؟".
قال بصوت يدعو الى الأطمئنان:
" ستعتادين على ذلك وبسرعة لن تتوقعينها , والآن وقد سويت الأمور بيننا فأنني أعترف بأنك جذابة للغاية , ألا تعرفين ذلك؟ ( وهزت كيري رأسها وتابع قائلا:
" والآن أفعلي ما أقوله لك".
وبكل خجل عانقته كيري كما قال لها بول أن تفعل , وبعد ذلك عادا الى القاعة وهو يقول:
" لدى طوم نسخة أضافية من سيناريو الفيلم وسأطلب منه أن يحضرها من غرفته لكي تأخذيها معك الى المنزل هذه الليلة يا صغيرتي ميتاني".
ولم يجلسا الى المائدة بل دخلا على الفور الى حلبة الرقص كأن شيئا لم يحدث وأستعادت كيري أبتهاجها , لقد تغلبت على خوفها وبأستطاعتها الآن أن تجاريه في سخريته وكلماته المداعبة دون أي خوف من رحلة العودة الى البيت , فهي لم تعد تكترث لمن ستكون له الغلبة وحتى أنها وجدت في الهزيمة متعة.