كان عليها أن تبلغ المحطة بأسرع ما يمكن لأنها لا تعرف في أية ساعة يمر قطار الجنوب من سان جوست.
ستتناول أفطارها وستتحدث عن رحلتها , ثم تأخذ المفاتيح من غاسبار , لترحل وبصورة نهائية.
لا يزال راوول نائما لأنه عمل الى فترة متأخرة من الليل , وكذلك السيدة دوبريان لا تستيقظ ألا في ساعة متأخرة.
ولكن هل كان عليها أن تترك كلمة عن مكان وجود السيارة؟
ليس هذا ضروريا لأن سان جوست قرية صغيرة وسوف يلاحظون وجود الرينو أمام المحطة ويعلمون أصحاب القصر, بالأضافة الى أن هيلويس يمكن أن تكتشف الكلمة أثناء تنظيفها للمنزل , وسيصل راوول أو والدته قبل أن تصعد الى القطار.
نظرت أرنستين بدهشة وبشيء من الشك عندما رأت ديللي تنزل باكرا ..... من المؤكد أنها علم بأحداث البارحة.
" هل نامت الآنسة بشكل جيد؟".
" نعم , أشكرك يا أرنستين لهذا الأهتمام".
وبدأت ديللي تحكي عن مشروع رحلتها الى شيزديو.
" السيد راوول لن يرضى بذلك".
" السيد راوول ليس حارسي , وأقدر أن أجد طريقي بدون مساعدة".
وكررت أرنستين بعناد:
" السيد راوول لن يرضى بذلك".
" سأتدبر الأمر معه لدى عودتي , وسأتناول طعام الأفطار أذا سمحت".
" لكن السيد راوول........".
قاطعتها ديللي بحدة.
" السيدة دوبريان سمحت لي بأستعارة السيارة عند الحاجة.
" لكن بعدما حدث البارحة مساء......".
" ماذا تريدين أن تقولي يا آرنستين ؟".
" السيد راوول سيغضب".
تناولت ديللي أفطارها بحضور أرنستين.
" هل ترغب الآنسة أن أعد لها بعض المأكولات , فالطريق طويلة؟".
" لا, شكرا , سأتناول طعامي في أحد المطاعم ويسرني أن أتذوّق الطعام الخاص بالمنطقة".
" كما تريدين يا آنسة , ولكن ماري آنج جهزت بعض اللحومات الباردة".
" أنه لطف كبير منك , ولكنني لست بحاجة ألا لمفاتيح السيارة , والخريطة , أين يمكنني أن أجد غاسبار؟".
" سأرسله اليك يا آنسة , أنه ما زال يتناول طعامه في المطبخ".
أصغت بأنتباه لشرح غاسبار على الخريطة , وهذا جزء من المؤامرة.
" كوني حذرة أثناء القيادة يا آنسة , فالطقس على وشك أن يكون ماطرا وهذا يعني فيضانات حقيقية , وأرضا قابلة للتزحلق".
" وهو كذلك , لا تخف يا كاسبار".
" السيارة قديمة , وأصلحناها مؤخرا , آمل أن تسير بشكل جيد".
" كن مطمئنا لولا تقلق".
فرحت جدا عندما عرض عليها غاسبار أن يحضر لها السارة من المرآب لأنها بذلك تتجنب المرور أمام مرسم راوول.
نظرت ديللي للمرة الأخيرة الى القصر قبل أن تنطلق , غيوم كثيفة تحجب الشمس وتغطي مونبيردو مظهرا حزينا , والمطر ينذر بالهطول ولكنها ستكون قد أخذت مكانها في القطار , وفي أسوأ الأحتمالات تحتمي في صالة الأنتظار في محطة سان جوست.
الطريق المتعرج أيقظ ذكرياتها , يدا راوول المتقلصتان على المقود , راوول الذي يقود بسرعة جنونية وكاد أن يقتلها , راوول مرتاح ومبتسم في زيارة بوي , راوول المخيف بعد العشاء عند نويل , بذلت مجهودا كبيرا لتطرده من تفكيرها وتركز أهتمامها على القيادة , وبعد قليل رأت بدأت الأرض المرصوفة بالصعود والتعرج وكذلك بدأت السيارة تعاند والمحرك يسخن وبعد عدة قفزات توقف تماما عن الدوران , شدت الفرام بيدها وحاولت أن تعيد تشغيل المحرك.
لم تعد تعرف ماذا تفعل فهي بعيدة عن غايتها , لقد مرت توا من مدخل الطريق الضيقة الموصلة الى نويل , ولكن لا يمكن أن تطلب مساعدة تلك المرأة مهما كلف الثمن , لم يكن أمامها ألا أن تترك السيارة وتتابع سيرا على الأقدام.
ولكن أذا ما رآها أي شخص سيخبر القصر فورا , وقد يمر راوول من هنا , وقررت أن تتركها تنزلق في الطريق الخلفي , محاولة صعبة وخطرة على طريق متعرجة وترابية , شدت أخيرا فرام اليد وتركت المفاتيح في السيارة , ليس هناك خطورة طالما أن السيارة معطلة , فتحت الباب الخلفي ورفعت الغطاء الذي يخفي حقيبتها.
ما العمل ؟ أنها أصغر حقائبها ولكنها ثقيلة مع ذلك , أثقل من أن تحملها حتى سان جوست , وقررت أن تتركها وسيرسلونها مع بقية المتاع , سحبت كنزة سميكة وتذكرت أنها نسيت الحمراء التي تنشف بسرعة في مرسم راوول , ووضعت في حقيبة يدها أدوات الزينة والألبسة الداخلية وجواز السفر والنقود.
صعدت الطريق الترابية وهي تتأسف لأنها أنتعلت الحذاء ذا الكعب العالي , ثم سارت بأتجاه سان جوست , أستراحت قليلا ولكنها فكرت بأنها لن تصل المحطة قبل الظهيرة أذا كانت ستتابع على هذا المنوال.
ثارت عندما أحست بضعفها مع أنها أحكمت خطتها جيدا , ولماذا يقف القدر ضدها الى هذا الحد؟ لمحت ممرا شائكا في العمق ولكنه بالتأكيد يختصر المسافة عدة كيلومترات , خلعت حذاءها دون تردد وسارت بخطوات منتظمة الى أن وصلت الى مكان أستطاعت فيه أن تميز جدران سان جوست , ولكن كان عليها أن تهبط منخفضا آخر يوصل الى هضبة فتابعت طريقها بشجاعة ولكنها فوجئت ببحيرة صغيرة قطعت عليها الطريق , فوقفت تتفحص الأتجاه الذي عليها أن تأخذه.
أنها بالتأكيد بحيرة الرجل الضائع , كان المكان رائعا , بعيدا عن الطريق وغير مشوّه بالمدنية , لا ترى بيتا ولا كوخا , حتى القرية كانت تختفي خلف القمة , أقتربت من الشط لعلها تلمح آثار المدينة الغائرة , لكن سطح المياه الأملس لم يعكس لها ألا صورة الغيوم الملبّدة في السماء, الهواء البارد بدأ يعصف والمطر ينذر بسيولة وعليها أن تسرع لتهرب من كل ذلك ولتلحق بالقطار.
وفجأة غاصت قدميها في شق صخري , وحاولت سحبها بشتى الطرق , لكن دون نتيجة , أستندت على صخرة وشدت رجلها بقوة سمعت بعدها طقطقة وأطلقت صرخة من شدة الألم , لقد أصبحت قدمها حبيسة الصخرة وأقل حركة كانت تثير في ساقها ألما لا يحتمل.
حبست دموع اليأس في مآقيها , ولا أمل لديها الآن ألا أذا حركت الصخرة , حاولت أن تحيطها بيديها وتدفعها بكل قواها لكن دون فائدة , ولا أمل لديها بأي مساعدة لأن الزوار لا يمكن أن يقصدوا البحيرة في مثل هذا الطقس.
أرعدت السماء وأبرقت وهطلت الأمطار كالسيول , تمددت ديللي بنصفها على الأرض وبعد مجهود أستطاعت أن تمسك حقيبة يدها وتخرج منها الكنزة لكي تتقي بها المطر ولو مؤقتا, وحاولت أن تجمع الحاجيات التي سقطت منها وتبعثرت على الأرض , وتذكرت قبعة بلاستيكية في حقيبتها فلبستها وكانت هذه حمايتها الوحيدة من كثافة الأمطار.