كان المدخل واسعا , يسبح في النور على عكس ما أعتقدت ديللي من أنه سيكون معتما , فأمام السلم الحجري الكبير هناك نافذة واسعة مفتوحة في الجدران دون أن تزيل عنه طابع العصور الوسطى , جمال المكان قطع أنفاسها , ولم تستطع أن تكتم حماسها:
" يا لها من عظمة وبهاء".
أبتسمت أرنستين وأنبرت تتلو تاريخ القصر بكبرياء المالكين , وبعد أن أحتازتا الصالة وصعدتا درجات السلم توقفت ديللي لتستعيد أنفاسها , ولمحت من النافذة جزءا من الباحة والحديقة , شجرات الورد ما زالت محمية من الجليد بمساحة من القصب , وأدهشتها الجدران التي تحيط بالباحة , هنا أيضا مساحة كبيرة من الأزهار كانت متفتحة , والسكن أجريت عليه تعديلات أساسية , لكن المهندسين امعماريين كانوا قد أخذوا بعين الأعتبار المحافظة على الشكل الخارجي بطابعه الوسيطي.
" أرى أن السيدة دوبريان أجرت تحسينات عديدة , وبذوق كبير , يبدو أنها تحب أن تحيط نفسها بالأشياء الجميلة ".
أرنستين نظرت اليها نظرة أستجوابية وقالت:
" هل حدثك السيد رايس كثيرا عن أمه؟".
" نعم يا أرنستين بالتأكيد !".
ولم تشأ ديللي أن تعترف بالحقيقة فهو لم يحدثها قط عن أمه .
" هذا صحيح فالسيدة كانت دائما الجمال".
ثم تنهدت وأضافت:
" ولا تزال".
وتابعت المسؤولة صعودها قبل أن تتمكن ديللي من أستجوابها عن معنى هذه الملاحظة , ثم سارت في ممر طويل مزين بالسجاد القديم يصور مشاهد الصيد , وفي نهايته فتحت بابا لتدخل ديللي.
" ها أنت في منزلك".
ديللي لم تصدق عينيها , الغرفة فسيحة والنوافذ مفتوحة على الباحة , وأمام الحائط ينتصب سرير بقوائم على طراز المنطقة , مغطى بالحرير الأصفر , وعلى طاولة وضعت مجموعة من الأزهار بأنسجام جميل , والأرض مفروشة بسجاد سميك من الصوف الذهبي , وهناك باب يفتح على حمام حديث وفاخر.
" هل أنت مسرورة".
" نعم , الغرفة رائعة , يبدو أنها مريحة جدا".
فارقتها الأبتسامة عندما شاهدت أمتعتها بجانب الخزانة , أذن لقد جاء الى هنا ويعرف أن هذه هي غرفتها , ومن جديد عاودها السؤال:
" من يكون هذا الرجل بالتحديد؟".
وفكرت أن تسأل أرنستين , لكن شيئا منعها , ستنتهي بأن تعرف ذلك , أن طرح السؤال على أرنستين سيكون مضايقة لها , وستتساءل لماذا لم يذهب السائق الى المحطة , وهذا يمكن أن يثير فضولها وقد يعرضها لطرح أسئلة مثيلة ليست على أستعدد لأن تجيب عليها , كيف ستشرح لأرنستين التنافر المتبادل وهي نفسها لا تعرف الأسباب؟
تنازلت ديللي عن أندفاعها , وطلبت مفتاح الغرفة من أرنستين:
" ها هو يا آنستي".
قالتها وهي تسحب مفتاح الغرفة من مجموعة تحملها حول رقبتها كعقد طويل.
" ولكن ليس من الضروري الأغلاق بالمفتاح , فأنت في أمان تام هنا , على كل حال , أذا كنت مصؤة على ذلك .... سأمر لأصحبك الى السيدة , هل تكفيك نصف ساعة لتحضري نفسك ؟ لأنه بعد ذلك سيحين موعد تناول العشاء".
" شكرا يا أرنستين , هذا مناسب لي تماما".
أدارت ديللي المفتاح في القفل بعد ذهاب أرنستين , وفوجئت بأنها تغني وهي تبدل ملابسها , ونسيت ألم رجلها , وجربت خطوات راقصة وهي ترمي ثيابها في كل الأتجاهات مع أنها منظمة الى درجة لا متناهية , موقع القصر رائع , والغرفة مريحة , وهي شغوفة بالعمل الذي ينتظرها.
كانت درجة حرارة المياه جيدة , وكل ما في الحمام يتمتع برائحة عطرة لطيفة , وتمددت في المغطس لتمحي آثار تعب السفر , وعندما تذكرت أرنستين أسرعت في الخروج من الحمام .
أي فستان ستختار؟ لفت حولها منشفة صفرا , وبدأت تفتش في حقيبتها , وقرع الباب
لقد جاءت أرنستين , أدارت قفل الباب وفتحته على مصراعيه.
أنه......هو , صوّب نظراته الى عينيها ثم أدارها في أرجاء الغرفة , وأخيرا عاد ليتفحصها من رأسها الى أخمص قدميها بتأن آسر مما جعلها تحمر وتتضايق من كونها غير قادرة على أن تكتم أنفعالها.
" أنت ! ماذا تفعل هنا؟".
أمسكت منشفة الحمام بيد مرتجفة محاولة أن تستعيد أحترامها .
" لقد نسيت الحقيبة في العربة , ولن تتخيلي بأن هناك شيئا آخر يمكن أن يجذبني الى غرفتك؟".
قبت نظره عليها بطريقة وقحة وظلت ديللي غير قادرة على الكلام ولكنها لم تحوّل نظرها رافضة أن تظهر له مقدار الأهانة , وشعرت بأنها قصيرة جدا بالنسبة الى قامته المنتصبة أمامها.
بدا لها مختلفا , أنه الآن أكثر طولا وأكثر تمدنا , وأعتبرت أن هذا التحول كان بسبب الملابس التي يرتديها , قميص بيج من الحرير , ربطة عنق بلون أزرق سماوي معقودة بشكل رائع ,وبدلة من المخمل الكحلي الغامق ذات تفصيل جميل جدا.
وتحت هذا الغلاف المطمئن , أحست بالطبيعة الحقيقية لمحدثها , بدائية بركانية وخطرة..... ولا تزال تجهل من هو .
" شكرا , ضعها هنا".
قالتها بلهجة آمرة وهي تشير بأستخفاف الى مكان قرب الباب.