8- عندما يفتح الليل أبوابه
" كنت ضيفة لطيفة".
قالها راوول وهو يسرع في قيادة السيارة , مركزا أنتباهه ليتجنب الأفخاخ الليلية والطرق المحفرة.
أجابت ديللي :
" بالكاد تكلمت بضع كلمات".
" صحيح , ولكنها بضع كلمات مختارة بشكل جيد".
تحاشى منعطفا وعكس غضبه على القيادة .
" كم يمكنك أن تكوني عدوانية أحيانا ".
" هذه أحدى مواهبي " قالتها بلا مبالاة مفتعلة.
لا فائدة من تذكيره بنويل , فهي الأخرى يمكنها أن تكون عدوانية , ولكنها على درجة من الذكاء تجعل الآخرين لا يلحظون ذلك .
ديللي تكاد تختنق كيف أنها بلغت الرابعة والعشرين من العمر ولا تزال تحافظ على أستقلاليتها , بدون علاقة عاطفية والآن وبكل غباء وقعت في حب رجل يكرهها تماما , أوقف اوول السيارة في باحة القصر , ( عليّ أن أكلمه بشكل محبب لألغي التوتر الحاصل وأعيد جو الصداقة الذي ساد بيننا قبل السهرة ) هذا ما فكرت به ديللي.
تمتمت في اللحظة التي خرج فيها من السيارة:
" راوول...".
أخذ بعض العلب التي كانت خلف المقعد وأغلق الباب فأما أنه لم يسمعها أو أنه تجاهلها , بقيت فترة في السيارة , وسمعت راوول يتوجه الى مرسمه ويغلق الباب , وسكتت وحيدة في الظلام مع أفكارها , أن هذا اليوم بساعاته الحلوة والمرة سيحفر في ذاكرتها الى الأبد.
أنها المتكبرة التي تعرف دائما أن تتصرف بجدارة , ها هي الآن تشعر بالغيرة وتحترق من حب بدون أمل , لقد فقدت أحترامها , وشعرت بأنها سترتمي على راوول لو خرج ثانية.
لكن الباب ظل مغلقا , وقررت أن تذهب وتنام بصمت , أستقبلتها أرنستين التي لا يخفى عليها شيء.
" مساء الخير يا آنستي , السيدة دوبريان في أنتظارك".
منتديات ليلاس
كانت ديللي في حالة سيئة ولكنها لا تستطيع ألا أن تذهب الى الصالون , كانت السيدة العجوز تجلس على كرسيها المعتاد أمام المدفأة والى جانبها جلست أرنستين على كرسي منخفض تقرأ لها ( وعندما يفتح الليل أبوابه للعاشقين.......".
عرفت ديللي أنها أحدى قصائد كتاب رايس الأخير المهدى اليها , وعندما أنتهت أرنستين , ألتفتت السيدة الى ديللي بعيون مطفأة تلتمع بالدموع ورفعت يديها الشاحبتين لأستقبالها.
قالت السيدة بصوت مخنوق:
" عزيزتي , سامحيني , هذه القصيدة الجميلة أيقظت في الذكرى , حدثيني عن رحلتك الى بوي".
كانت ديللي معقودة اللسان لا تقوى على قول كلمة واحدة.
" ألن تقولي شيئا يا عزيزتي, ما الذي حدث؟".
قالت آرنستين :
" أنها قصيدة السيد رايس التي أحزنت الآنسة".
تحسست السيدة وجه ديللي الذي يفيض دمعا وقالت:
" القصيدة , بدون شك , الذكريات ما تزال ماثلة وموجودة , وأنا غبية لأنني لم أراع ذلك".
أهتز جسم ديللي من شدة الأنتحاب , ( يا لها من سخرية ) قالت لنفسها , أنها تبكي وتعتقد أنني أشاركها ألمها , في الوقت الذي كنت أتمزق فيه أنا من حب آخر مستحيل , أحضرت أرنستين كأسا وقدمته لها السيدة العجوز , شربت منه ديللي لتطفىء غليلها.
" أطلب عفوك لضعفي يا أوجيني , أنا الآن بخير".
" كل الجروح تلتئم مع مرور الزمن حتى جروح الروح يا عززتي , فذكرى الأشياء الجميلة لا تنتهي , وأن قلبك ما زال يفيض حزنا كقلبي , ولكن لن أنسى أبدا أن في حياة رايس ومضات من السعادة بفضلك , ولكنني آسف لأنكما لم تتزوجا قبل وفاته , كان سيسعدني أن يكون لي حفيد".
" لم يفت الأوان , ومن المؤكد أن راوول......".
" على الأطلاق".
وشرحت لها بأن راوول لن يتزوج أبدا لأنه صعب جدا , وتنهدت بحسرة ومرارة.
" مع أنه يبدو متعلقا كثيرا بنويل".
قالتها ديللي وهي تزيد جرحها ألما.
" نويل , أذا تزوجها , ولسوء الحظ , فلن تنجب له في حياتها طفلا لأنها تخاف كثيرا من أن يتشوه جمالها الذي تعتز به , لكن لننس هذا , المهم هو أنت الآن".
" أؤكد لك أنني أشعر بتحسن كامل , كنت متعبة قليلا ".
" لقد غرقت في عملك الأسبوع الماضي تماما , ويجب أن تستغلي أقامتك هنا في نزهات سياحية , هل ذهبت الى شيز ديو؟".
" لا ليس بعد".
" يجب أن تذهبي الى هناك وتشاهدي الرقص الشهير , سأطلب من راوول أن يصحبك الى هناك".
لا تريد ديللي بأي شكل أن تمضي يوما آخر معه , فبقدر ما تقلل من لقائه بقدر ما تشعر بالتحسن.
" أنا بالفعل مشغولة جدا بالتمحيص في أوراق رايس ".
" ليس هناك شيء مستعجل وسيسعدنا وجودك هنا لفترة طويلة".
" لا أعرف كيف أشكرك , لكن عمي متمسك بنشر كتاب رايس بأقصى سرعة ممكنة وأنا متمسكة بأن أكون عند حسن ظنه".
" في هذه الظروف , لا أستطيع أن ألح كثيرا , ولكن على الأقل وافقي على أن يصحبك راوول في زيارة الى بحيرة الرجل الضائع , أنها قريبة جدا من هنا".
" يا له من أسم غريب".